(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة.
فجر الأربعاء 7 جمادى الآخرة 1442هـ.
باب مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
655 - حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ".
656 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَاري، ثُمَّ الْمَازِنِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ".
657 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ عَلَى دِمَشْقَ فِي الصَّدَقَةِ: إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ تَكُونُ الصَّدَقَةُ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: فِي الْحَرْثِ، وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريّته، محمّدٍ عبده وصفوته، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه في كل لمحةٍ ونَفَسٍ، وعلى آله وصحابته، وعلى من والاهم في الله من أهل مودّته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله الذين جعلهم خيرته في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان، وعلى الملائكة المقرّبين، وعباد الله الصالحين في كل آن، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
ابتدأ الإمام مالك -عليه رضوان الله- في ذكر الأحاديث المتعلقة في الزكاة، التي هي قنطرة الإسلام، وركنٌ من أركانه العظيمة، منوطٌ في كتاب الله بإقام الصلاة، وفيها:
فهي من أعظم فرائض الله -تبارك وتعالى- في شريعته، متعلّقةً بالزكاءِ، وهو: النماء، وبالتطهير للنفوس والصدور عن الشحّ، (.. ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) [التغابن:16]، ويُروى في الحديث: "ثلاثٌ من كنَّ فيه، وُقِيَ شحَّ نفسه: من أدى الزكاة، وقَرى الضيف، وأعطى في النائبة".
وقد فُرِضَت الزكاة -كما فُرض الصيام- في السنة الثانية من الهجرة، في شهر شعبان، وكانت: زكاة مال، وزكاة بدن. و زكاة المال الواجبة في أموالٍ معينة كما يأتي معنا:
وزكاة البدن المفروضة على كل مسلم: عن نفسه، وعلى كل من تلزمه نفقته، عند انتهاء شهر رمضان، وإقبال أول شهر شوال، يخرَج في يوم العيد، ويكون قبل شهود صلاة العيد في يوم عيد الفطر.
وتكرّر في القرآن ذكر الزكاة مع ذكر الصلاة:
وقال نبينا ﷺ: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان". وقال لسيدنا معاذ حين أرسله إلى اليمن: "فإن هم استجابوا لك"؛ أي: بشهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أعلِمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم زكاةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وتُرَدُّ على فقرائهم.
قال عليه الصلاة والسلام: "من آتاه الله مالًا ولم يؤدِّ زكاتَه، مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعًا أقرع، حية له ذبيبتان، يطوِّقُه يومَ القيامة، ثم يأخذ بأخزمته -يعني شدقيه- يقول: أنا مالك، أنا كنزك". قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..) [آل عمران:180]، نعوذ بالله من غضب الله..
وقال سيدنا عمر لسيدنا أبي بكر: "كيف تقاتل الناس وقد قال ﷺ: "أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى تشهد أن لا إله إلا الله، فمن قالها، فقد عصم دمه وماله، إلا بحقه، وحسابه على الله"، قال سيدنا أبي بكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإنَّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عِقالًا، أو عِناقًا كانوا يؤدونه لرسول الله، لقاتلتُهم على منعِها، قال سيدنا عمر: ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر، فعرفت أنه الحق.
وهكذا، قال الله تعالى عن الأنبياء السابقين: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:7.3]
وقد أشرنا إلى ما عليه الأكثرون، والمشهور في السُّنة أن فرضَها كان بعد الهجرة، في السنة الثانية من الهجرة، في شهر شعبان. وقُدِّرَت بهذا التقدير لأجل التطهير، وعدم التساهل، وعدم النقص عن أدنى الحد في إخراج ما يلزم المؤمن إخراجه، وبعد ذلك هم درجاتٌ فيما يخرجون لوجه الله. وأثنى الله على رعيلنا الأول فقال: (..وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر:9].
والزكاة ترجع في اللغة إلى معانٍ، منها: النماء؛ وهو: التكاثر والزيادة؛ فإنه بإخراج الزكاة تنمو البركة في المال، وتتعرض لكثرته (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ:39]، جلّ جلاله وتعالى في علاه.
ونازع بعضهم في معنى النماء، وقال أنه يأتي في الزّكاء، لا في الزكاة. واشتهر بين أهل العلم أن:
وعلى كلٍّ؛ الذي يُخرَج فرضًا في الشريعة، من أجل مالٍ أو من أجل بدن، للأصنافٍ المعيّنة في كتاب الله هي: الزكاة.
وقد كان يخرج الزكاة أهل الاحتياط في الدين مرّتين أو ثلاثًا، يتحرَّون بها أهل الاستحقاق من الموصوفين في كتاب الله؛ (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ..) [التوبة:60]، من وُجد من هؤلاء الثمانية، و لخشية أن توضع في غير موضعها، يحتاط المحتاطون، ويزكّوا ثانيةً، ويزكوا ثالثةً، ومنهم من جعل لله في ماله جزء مخصوص، من ربع، أو نصف، أو ثلث، أو ثلثين، أو أقل، أو أكثر. ومنهم من الذين قالوا: العبد وما ملك لسيده، جلّ جلاله وتعالى في علاه.
وقد أخرج سيدنا أبو بكر -عند أمر النبي بتجهيز جيش العسرة- جميع ماله، ثم قال له ﷺ: "ما تركت لأهلك وولدك؟" قال: "تركت لهم الله ورسوله" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فهي من المعلوم من الدين بالضرورة، ومُنكرُها كافر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
وبيَّن الله -سبحانه- الأصناف في كتابه، فتولّى توزيع الزكاة بنفسه، كما تولّى تقسيم التركة، جلّ جلاله وتعالى في علاه.
وجاء عنه ﷺ أنه خطب الناس قبل الفطر بيومين، يعلّمهم زكاة الفطر. وقيل أن زكاة الفطر فُرِضَت قبل زكاة المال، ثم تبعها زكاة المال في نفس السنة، أو التي تليها، أو بعد ذلك.
قال: "باب مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ"، إنما تجب في أموال مخصوصة، ولها نصاب، كما أشار إليه ما رواه الإمام مالك -رضي الله تبارك وتعالى عنه- فذكر بيان الأنواع التي تجب فيها الزكاة، وهي ما بين عين، وحرث، وماشية.
فذكر في الحديث الذي رواه "أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ"؛ أي: خمس إبل؛ ويروى: "خمسِ ذودٍ من الإبل" مضافًا، ورواية: "خمسٍ ذودٍ" والرواية المشهورة: "خمسِ ذودٍ" مضاف الخمس إلى الذود، "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ"؛ أي: واجبة، مفروضة، وهي الزكاة.
فالإبل تبدأ فيها الزكاة من خمسٍ فأكثر من ذلك، فإذا وجد خمس من الإبل، فهو أقلّ ما يلزم فيه الزكاة.
فمجمعٌ على وجوب الزكاة في الإبل، وأنه ليس فيما دون خمس من الإبل زكاة، فمن كان معه أربع فليس عليه زكاة، كما جاء في الحديث: "ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها"؛ بمعنى: من أراد أن يتطوّع ويخرج صدقة غير مفروضة عليه. هذا في المواشي، وعندنا الإبل، وذكر هنا نصابها.
فليس دون الثلاثين من البقر زكاة، وليس دون الأربعين من الغنم زكاة.
"وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ.."، خمس أواقٍ؛ يعني: من الوَرِق الفضة "صَدَقَةٌ"؛ فنصاب الزكاة في الفضة مِئتا درهم، فأجمع أهل العلم على أن في مئتي درهم: خمس دراهم، وهو: رُبع العشر، فإن عُشر المئتين: عشرين، وربع العشرين: خمس، فالخمسُ من المِئتين: ربع العشر. وذلك ما اتفق عليه الأئمة في وجوب الزكاة.. خمس أواق، التي تعود إلى مئتي درهم من الفضة.
فبالأواقي الموجودة عندنا في حضرموت تصير: إحدى وعشرين أوقية، هي الخمس الأواق نفسها، لأن الأوقية هذه المذكورة أربعون درهم، فإذا كانت خمس؛ فهي مئتا درهم، والواجب ربع العشر، كذلك بالاتفاق بين الأئمة.
"وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" من النبات في زكاة الزروع، "وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ" جمع وَسْق؛ وَسْق، ووَسْق، ووسْق.. أوسق. وجاء في رواية عند الإمام مسلم: "وهو ستون صاعًا"
وهذا التحديد للنصاب أهو تقريبي تقديري، أم تحديدي محدّد؛ نقص أدنى شيء يؤثر في وجوب الزكاة؟
فالصدقة المذكورة في الحديث هي الزكاة المفروضة، وأرادوا بها ما يكون رُبع عشرٍ في أموال التجارة، وما يكون في زكاة النقدين كذلك؛ من الذهب الفضة، والنقدان هما الأصل فيما جعل الله في قيمة الأشياء، وما جعله الله نقدًا يُتَداوَل بين الناس.
وقد استبدله الناس بحكم هذه القوانين الوضعية والسياسات الوضيعة بالأوراق والعملات التي يُتَلاعَبُ بها، وتسابقت الدول أن تكون عملاتهم هي الرائجة، وهي المرجعية في النقد، والغالية بين الناس، ويتلاعبون في ذلك تلاعبًا لا ينضبط بذهب ولا فضة، ولكن بسياسة، ونفوذ، وشيءٍ من هذا التلاعب القائم بين الناس، حتى أنه تعرض العملات بين بعضهم، فيكتب أمام كل عملة أنه يريد أن يكون صرفها في اليوم الثاني كذا كذا، و ينشرونه بعد ذلك هناك! …وهكذا، يلعبون، وإنما النقد الذهب والفضة التي استأثر بالجمع فيها بعض أهل الكفر والزيغ، وأرادوا أن لا تنبسط بين أيدي الأمّة، ليتحكّموا في شؤونٍ وأحوال.
وهكذا يصير تفكير الناس إلى هذه الحدود، ومع ذلك، فمهما مكروا (..وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]، (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:20]، (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) [المنافقون:7].
وذكر: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"، فذكر المواشي، وذكر النقد، وذكر الزروع والثمار، فهو ثلاثة كما أشار إليه الحديث.
والحديث الآخر، قال: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ"؛ فهكذا يطلق العرب الذود على ما كان من ثلاثة إلى عشرة من الإبل، فيقال: ذود.
والمراد هنا بتحديد العدد بخمسةٍ، حتى لمن قال إنه تحديد كـ الشافعية والحنابلة: لو كان ملك أربعًا من الإبل، وعنده نصف واحدة مع رجلٍ آخر مشتركة بينهما، فإن لم تكن مختلطة الخامسة مع الأربعة، فلا زكاة فيها، إلا فيما كان في حكم الاختلاط إذا كانت تروح وتبيت في مكانٍ واحد، فيمتزج مال الشريكين فيصير نصابًا. كمن ملك ثلاثين من الغنم، وملك الآخر عشرًا من الغنم فخلطوها في مراحها ومسقاها ومبيتها مرعاها، فتصير أربعون، فتصير فيها الزكاة بسبب هذا الخلط، على خلافٍ بين الأئمة يأتي معنا.
"لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ" وهذا الحديث الثاني جاء أيضًا في صحيح الإمام البخاري.
وحدّث بعد ذلك: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ"، في لفظٍ "عمّاله"، "عَلَى دِمَشْقَ" الذي جعله واليًا في ولاية سيدنا عمر بن عبد العزيز على دمشق "إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ"؛ يعني: الذهب والفضة "وَالْمَاشِيَةِ."؛ الإبل والبقر والغنم.
"قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ تَكُونُ الصَّدَقَةُ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: فِي الْحَرْثِ، وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ."، أراد بالعين: النقدين؛ الذهب والفضة. فصدقة الأموال على ثلاثة أقسام:
ويستقرّ نصاب البقر بين الثلاثين والأربعين، في كل ثلاثين: تبيع، وفي كل أربعين: مُسنّة.
وفي الزرع والثمار، وبهيمة الأنعام، والجوهران، وأموال التجارة؛ هذه التي تلزم فيها الزكاة.
ثم خصّص الباب بعد ذلك بما يتعلّق بالعين؛ وهو الذهب والفضة، ويأتي معنا إن شاء الله تبارك تعالى.
زكّى الله نفوسنا، وآتاها تقواها، ورزقنا إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتولّانا بما تولّى به أهل رضاه، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبجعلها ثلاث، تندرج زكاة التجارة في زكاة العين -وهو الذهب والفضة- ولكن كل ما اتّجر فيه الإنسان، تلزم فيه الزكاة إذا بلغ نصابًا عند الحول، وهو مقدار: 200 درهم من الفضة، وفيها جاءت الآية: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فتأتي عروض التجارة هذه -جمع: عرض- وكذلك يُقال للمتاع: عَرَض، فيبقى أنواع المتاع عَرَض، والعين هي: الذهب والفضة، يُقال لها زكاة العين، يقول ﷺ: "ليس الغنى عن كثرة العَرَضِ، ولكن الغنى غنى النفس".
وما كان من الزروع والثمار، فأجمع العلماء على الزكاة في ثمر النخل والعنب، كذلك القمح والشعير من الزروع، أنّ فيها زكاة إذا تمّت شروطها.
فالزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ثم بعد ذلك توسّع الإمام أبو حنيفة فجعل الزكاة في كل ما أنبتت من الأرض -غير القصب- فيلزم فيه زكاة. وسيأتي معنا بعض البيان إن شاء الله.
نظر الله إلينا، ورزقنا امتثال أمره، واجتناب زجره، في متابعة حبيبه ﷺ في ظاهر الأمر وسِرّه، ووقانا والمسلمين الأدواء والأسواء، وأعاذنا من البلاء، وتولّانا بما هو أهله ظاهرًا وباطنًا، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
07 جمادى الآخر 1442