(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، تتمة باب الطَّهُور للوضوء.
فجر الأحد 14 ذي القعدة 1441هـ.
باب الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ
48- وحدثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ أبِي عُبَيْدَةَ بْنِ فَرْوَةَ، عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أبِي قَتَادَةَ الأَنْصَاري - أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءاً، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أخي؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوِ قَالَ الطَّوَّافَاتِ". قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ، إِلاَّ أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ.
49- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِِّّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ في رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لاَ تُخْبِرْنَا، فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا.
50- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ في زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيَتَوَضَّؤُونَ جَمِيعا.
الحمدُ للهِ مُكرِمنا بنورِ شريعتهِ، وصَلّى الله وسلم على خيرتهِ من البرية وصفوتهِ، سَيدنا مُحمد بِنْ عبدُ الله وعلى آلهِ وَصحابته وَعترتهِ، وعلى مَن تبِعه بإحسانِ فَظفرَ بشرفِ متابعتهِ، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياءِ وَالمُرْسَلين المُنطَوين تَحت لِواءهِ وَ رايتهِ، وَعلى آلهِم وأصحابهم وَتَابِعِيهم والمَلائِكة المُقربين، وَجَميعَ عباد الله الصّالحين، وعلينا مَعهم وفِيهم، إنَّه أكرم الأكرمين و أرحمَ الرّاحمين.
ويُواصل سيدنا الإمام مالك في مُوَطَئِهِ ذِكرَ الأحاديث المُتعلقة بالطَّهورِ للوضوء، يقولُ: "وحدثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْ عُبَيٍْد بْنِ رِفاعةَ، عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ- وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أبِي قَتَادَةَ"، أبو قتادة الأنصاري، عليهِ رضوان اللهِ، وحدهُ المُكنّى بِهٰذا اللقب مِن الصّحابة، بهَذا يُكنّى: أبو قتادة، "الأَنْصَاري أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا،"، وَهُو مِن فُرسان رَسول الله ﷺ، "فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءاً" ماءً لِيتوضأَ بهِ "فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ"، أمالَ الإناء لِيَقرُبَ عليها بِفَمِها فَتشربَ بِيُسر، "حَتَّى شَرِبَتْ"، وأكملتْ لِيتوَضأ بعدَ ذلك "قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ،" فرآني أنْظر إليه، أيَ نظرَ المُتعجِب والمُستَغرب والمُستنكر لهذا الفعل، "فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا أبْنَةَ أخي ؟"، ابنة أخي؛ اللَهجة السّائرة والدّائرة بينَ العرب، يقولُ لِمن هُو في سنّهِ يا أخي، بأخوّة الإسلام، أو أخوّة القبيلة، أو أخوّة الموطن. وجاءَ الإسلام بما هو أكبر مِن ذلك كلهُ من معنى الأخوّة. ويقول لمن هو أصغر منه يا ابن أخي، ويقول لمن هو أكبر منهُ يا عمّي أو يا أبي، فَهَكذا كَانُوا يتداولون هذهِ الألفاظ في الخطابِ بينهم البينَ؛ فَلم تكن ابنة أخيهِ من نسب وَلا مِنْ رَضْاع، وَلكِنْ كانَتْ زوجةُ ابنهِ، وكانَتْ لِصغرِهَا قالَ لها: يا ابنة أخي، "أَتَعْجَبِينَ يَا أبْنَةَ أخي؟ قَالَتْ:" نَعَمْ، "قُلْتُ نَعَمْ،" أنا مُتعجبة لماذا تعطي الهِرّة هكذا تَشْربْ مِنْ المَاء وأَنتَ ستَتَوضأ فيهِ! "فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ" " أي لَيسَت مِن نوع النَّجاسة، لَيسَت مِن الحَيواناتِ النَّجسة، فإنَّ الحَيوانات في حَالِ حَياتِها طاهرة كُلها إِلا الخِنزير بالإجْماعِ، والكلب عِندَ الجمهور كذلك عِندَ الأَكثر؛ الكلب والخِنزير وفَرعَ أَحَدهما نجِسة، وبقية الحيوانات ما دامَتْ حية فَهِيَ طَاهرة، و إِذا ماتَتْ تَنجُسُ بِالموتِ؛ غَيرُ الُمذكّاة مِما يُؤكل لَحمهُ، وغيرَ السَّمك وَالجَراد والآدمي؛ فالآدمي و السَّمك والجَراد وإِن ماتوا فَطهارَتهُم باقية، لا ينجَسونَ بالموتِ.
وقالَ بَعضُ أهلِ العلم: يَنجَُس الآدمي بالموتِ ويطهر بالغسلِ. والصَّحيح إنَّهُ لا نجاسة على المؤمنِ، لا حسيّة ولا معنوية. والنَّجاسة المعنوية على الكافرِ حيًّا وميتًا (إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة:28]. نوع النجاسة هذه نجاسة معنوية، نجاسة المُعتَقد، نجاسة التَّصوّر الباطل الَّذي عِندهُ، َ ونجاسة المسلك المُخالف لِمنهج رَبهَ جَلَّ جَلالَهُ وتعالى في عُلاه.
قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ"، وفي رواية "والطَّوَّافَاتِ" وَبذلك قالوا: هل (أَو) للشكِ أم هي لِلتَنويع؟ لأنه يُؤَيد معنى التَّنويع قوله في الرِّوايةِ الأخرى "والطَّوَّافَاتِ" يعني ذَكَورها مِن الطَّوافينَ، وإناثها من الطَّوَّافَات. والطََّّوَافون والطَّوَّافَات: المُخالِطون المُجالِسون القائمون بالخدمةِ. وَقدْ يُطلق عَلى الَّذي يدور مِنْ أجلِ الخِدمةِ وَالمَنفَعة، فَلِما في الهِرةِ مِنْ أكل الحَشرات، وَتنَظيفُ البيت بِسَبب ذلك صَارتْ مِنْ جُملة الخَدم مِن أهل البيت، كما قالَ ابن عباس: إنَّها من متاعِ البَيت. وجاءَ أيضاً في روايةِ: كأحدِ أهل بيتنا، كأحدِ أهل البيت السَّاكنينَ عِندَكم، يُشاركونَكُم مَسكَنَكُم، وطَعامُكم وشَرابكُم، ونَومكُم، فَهيَ مِنكم.
وفي هذا معاني الرِّفق بِالحَيوان، وَالطَّهارة أيضًا للحَيوان، وَهذا الحُكم في:
على كُلِ الأحوال فالجْمهور على أنَّ الهرة من الحيوانات الطَّاهرة وأَنَّ ما شَربَت مِنهُ طاهرٌ؛ إلا أن رُؤيَ في فَمِها نجاسة بأن تأكل ميتة أمامَ عينِ الإنسان ثُمَّ قامَتْ تَشرب مِن الإناء، فإن فَمها مُلطّخ بنِجاسةِ أكل الميتة، فَيصير ذلكَ الماء نجسًا عِندَ الأئمة الثَّلاثة.
ثمَّ بعد ذلك يأتي أيضًا في المسألة حديثُ الذُّبابِ؛ "إذا وَلغَ الذُّبابُ في إناءِ أحدِكم فَليغْمِسه" وهذا يؤدي إلى موته، وَلا يَتَنَجسُ بهِ المغموس، وَلكِنه يُطرح ما يؤكلْ.
قال الشافعية: إنَّ جلودَ الحيوانات هَذه المَيتَةُ وَإن كَانتْ صَغيرة لا دمَ لها سائل نجسة، إلا أنَّه يُعفى عَنها في المائِعاتِ وَالماءِ فَلا تُنجِسُها. لا تُنجّس المائعاتُ وَالماءُ ولكنْ هُوَ نَجِسَ نَفسُه. وَمِن هُنَا يَأتي مَا يَكونُ مِنْ الدُودِ وَ نَحوهِ فِي تمرٍ أو تُفاحٍ وَمَا إلى ذلك. فَمَهما تَأتّى التنقّي مِنهُ والحَذر، فيجب أن يُنقّى ولا يُؤَكلْ وَلا يَجُوزُ فإنه نَجِسٌ بالموتِ، إذا ماتَ هَذا الدودُ والسوس وَنحوهُ. وَمَا اختَلَطَ وكانَ بِغير تَعمُّدٍ أو قَصدٍ أو صَعُبَ تنقية بعضه، فَفيِه خِلافٌ بَينَ أهلِ الفقهِ في أكلِ ذَلكَ.
وَيقول العوام عندنا: أنَّ سوس التَمرِ تمرٌ! وَلكِن مَهما تَأَتىَ تَنزيهه عَنْ ذَلكَ فيُنَزّه، وَلا تُؤكلُ الحشراتُ وَلا الحَيواناتُ التي لمْ تُذَكّى، ولأنَّ هذا قالوا: ليس له رقبة فيُذكىَّ، وَ ليسَ مِنْ حَيواناتِ البَحرِ، فيكون مِيتتهُ طاهرة؛ ليسَ لهُ رَقبة ننحرُه، وليسَ مِنْ حَيواناتِ البحرِ، فميتةُ البحرِ حلالٌ، وهذا ليس من البحر لا يعيشُ في الماء.
وقد ورد ذلك عنه ﷺ بنفسه، كما جاءَ عن سيدتنا عائشة وغيرها: "أنَّه كان يُصغي الإناء للهِرةِ، ثمَّ يتوضأُ بِذلكَ الماء"، يُصغي لها الإناء لتشربَ مِنه، لأنَّه يكون بعيد عليها ويصعب عليها الشرب فيُصغيه حتى تَقربَ مِنْ طَرف الإناء فتشربَ بسهولةٍ. فهذا غايةُ الرفقِ بالحيوان، وحُسنِ المعاشرةِ للحيوان؛ فكيف بالإنسان؟ فصلَّى الله على سَيدِ الأكوان.
ذكر لنا أيضاً حديثُ سيِّدنا عُمر بن الخطاب: أنَّه لمَّا وردوا إلى حوضٍ وهم في الطريقِ مسافرون، "خَرَجَ في رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ" وَرَدُوا على حَوْض، "قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟" حوضكَ هذا تأتيهِ السِبَاع تشربُ منه؟ "قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لاَ تُخْبِرْنا"، يعني: هذا ليس عليه يتكلّف سؤال لَيسَ محتاج إليه! فلا شيء متغيّر أمامه، وهو في فُسحة، فيسألُ سؤال لا حاجة له!.. لا تخبره، سيدنا عمر يقول: "لاَ تُخْبِرْنا، فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا"، فعلى ما هوَ ظاهر الرواية؛
ثمَّ أَنَّ الغالبَ أنَّ هَذا الحوضَ الَّذي يردُ عليه النَّاسُ ماءٌ كثيرٌ، حَتى لو وَقَعتْ فِيه نَجَاسةٌ لا يَتنَجسُ إلإَّ بالتَّغيُرِ، وَلا يَتَأتى أن يكونَ ماءٌ قليلٌ، والَوارِدونَ يرِدون عَليِه مِنْ مُسَافرينَ وَغيرهُم، أيُّ حوض هذا؟! أولُ رَكبٍ بيُكمله وما يَبقى منه شيء.. ولكن يَرِدُ عَليهِ المُسافرِون، فَدلَّ عَلى أنهُ كَثير.
والماءُ الكثيرُ الَّذي هُوَ:
فهذا لا يَنجُسُ إلّا بالتغيّرِ، وَإن كَانَ أقلَ مِنْ ذَلِكَ فَينُجُسُ بِمُجرّدِ وقُوعِ النَّجَاسةِ فِيه.
ثمَّ ختمَ البابَ بوضوءِ الرِّجالِ والنِّساءِ من أوَاني وَاحِدة، و "إِنْ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ في زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيَتَوَضَّؤُونَ جَمِيعًا" قال ﷺ: "وَلِيَغْتَرِفَا َجميعًا"؛ فَلا إشكَال في اغترافِ الرَجل والمرأةِ مِن الماءِ والإناء الوَاحد، وَحَتى لمّا كانَ عِنْدَهُم في البيت ماء فِي إِنَاء وَاحِد، أرادَ ﷺ يَغْتَسِلَ وبعضَ أُمَهَات المؤمِنين، "..فَكَانَ يَغرِفُ وَأغرِفْ، وَأقولُ: أبْقِ لي، وَيَقُول: أبْقي لي"، فيقول: أبْقِ لِي مِن المَاءِ شيء وَتَقول: أبْقِ لي، يعني: تريّث في الماءِ وخُذ قليل، واترك لي الباقي لِاُكملُ غُسْلي، وَهَكذا.
فَإنَّما جَاء فِي رِوايةِ نهي أن يتوضأ الرجلُ بِفَضْلِ المرأةِ، وهذا ليسَ اغتراف معًا، وَلكِنْ بعدَ أن تتوضأ أو تغتسلَ يأتي ويتوضأ بفَضْلها:
يُذكرُ عَنْ مَذْهبِ الإمام أبي حنيفة، أنَّ مِمَّا يُفتى بهِ عِنْدَهُم طَهَارةُ سُؤرِ الهِرةِ. وَالمَنْقُول عَنْهْم فِي كَثيرٍ مِنْ الكُتُبِ وغَيرهم، أنَّهْم قَائلونَ بِنجَاسةِ ذَلك، سؤرُ الهرةِ طاهرٌ مع الكراهة تنزيهية، هذا الذي عليه بعضُ الحَنَفية أخذوهُ مِنْ قَولِ الإمام في كراهةِ ذلك، وهل الكراهةُ للتَنزِيه أو للتَحْريمِ؟ بينهم خلاف. ولعلَّ الَّذي أسْتقرَ عَليه الفَتْوى عِنْدَهم، مَا رآه بَعضُ الحَنفيةِ؛ أشارَ إليه الشَّيخ زَكَريا أيضًا فِي شَرحهِ عَلى المُوطأ وَغْيره، أنَّهم قَالوا: بِكراهةِ التَنزيه مَعَ وجُودِ الماءِ، وبالإباحةِ إذا لمْ يَجْدْ غَيرهُ ، إذا لم يَجْدْ غيرَ ذلك المَاء على اضْطِرابٍ فِي نَقْلِ مَذْهبِ الأَحْنافِ فِي هَذِه المَسَّألة.
وَعلِمنا بَعدَ ذَلكَ مَا قَالَ بَقِيةُ الأئمةِ عَليهم رِضْوانُ الله تَعالى. ولكِنَّ الذي عَليِه مُتأخرِو الحَنفيةِ وَعِنْدهُ الفَتوى قائمة عندهم، أنَّهُ أيضًا ليستْ بِنَجْسٍ، ولَكِنْ يُكرهُ الوضْوء مِنْ سؤرِ الهِرةِ معَ وجُودِ الماءِ الآخرِ. فحَملوها عَلى كَراهةِ التّنزيه مُتَأخِرُوهم، وَجَعْلوا الإباحةَ إذا لمْ يُوجَدْ غيرَ ذَلك المَاء، واللهُ أعلم.
الفاتِحة أن يَكتُبنا فِي دِيوَانِ مَنْ ارتَضْى، ويلطف بنا والأُمةِ فِيما يجري به القضاء، ويصلِح شُؤوننا بِمَا أصْلحَ بِهِ شُؤون الصَّالِحين، معَ الفَوز والنّجاح والسّعادةِ فِي الدَّارين، وإلى حضرة النّبيّ ﷺ.
15 ذو القِعدة 1441