(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجنائز، باب الصَّلاة على الجنائز بعد العَصْرِ وبعد الصُّبح، وباب الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِد.
فجر الأحد 26 جمادى الأولى 1442هـ.
باب الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ
615 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي حَرْمَلَةَ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبٍ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أبِي سَلَمَةَ تُوفِّيتْ، وَطَارِقٌ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فَأُتِيَ بِجَنَازَتِهَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، فَوُضِعَتْ بِالْبَقِيعِ، قَال: وَكَانَ طَارِقٌ يُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ. قَالَ ابْنُ أبِي حَرْمَلَةَ : فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ لأَهْلِهَا: إِمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جَنَازَتِكُمُ الآن، وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ.
616 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: يُصَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إِذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا.
باب الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ
617 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ، حِينَ مَاتَ لِتَدْعُوَ لَهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَسْرَعَ النَّاس، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ.
618 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَال: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته العظيمة، وبيان أحكامها القيّمة الحكيمة، على لسان عبده المجتبى المصطفى محمّدٍ المخصوص بأعلى المنن الكبيرة العظيمة. اللهمّ أدِم صلواتك على الهادي إليك، والدالّ عليك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأهل محبته وقربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك والمرسلين، وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتك المقرّبين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في الموطأ، ذكر الأحاديث المتعلقة بالجنائز، ويذكر في هذا الباب: "باب الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الْعَصْرِ" إلى الاصفرار، "وَبَعْدَ الصُّبْحِ" إلى الإسفار. و ذلك أن هناك من ساعات اليوم والليلة، ما نُهِيَ فيه عن الصلاة؛
ويُسَنّ الخروج من الخلاف بتجنب الصلوات في هذه الأوقات، فأراد أن يتحدث عن صلاة الجنازة، هل تُكرَه في هذه الأوقات؟ وهل تحَرَّم عند من قال بتحريم الصلاة؟
فإذا كان في هذا الوقت، بأن حضرت الجنازة قبل، فأخرّها إلى شيء من هذه الأوقات، فلا تُعتدّ بهذه الصلاة، ويحرم عليه فعلها، وتُصلى عليه مرة أخرى. وأما إن حضرت في نفس الوقت، فعند الحنفية أيضًا للأمر، أنها لا تُأَخر. قال النبي ﷺ لسيدنا علي : "ثلاثٌ لا تؤخرْهن : الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كُفئًا".
فقال أيضًا قائلون منهم: بأنه إذا حضرت في هذا الوقت فلا بأس، فإن حضرت قبل الوقت، فلا يجوز أن تصلى في هذه الأوقات الثلاثة:
قال : "باب الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ"، ويقول بعض الحنابلة: تجوز الصلاة على الجنازة بعد الفجر والعصر، دون بقية الأوقات، مالم يُخَف عليها، وإن خيف تغيّرها أو نحوه إذا أُخِّرَت، تُصلى في أي وقت من الأوقات. فشَركوا القول بالكراهة وقت الطلوع، ووقت الغروب، وعند الاستواء، هذه الثلاثة الأوقات، كراهة تنزيه عند الحنابلة، وكراهة تحريم عند المالكية.
أما بعد صلاة الصبح، فليس في ذلك من بأس عند الائمة كلهم، وكذلك بعد صلاة العصر، مالم تصفر. فعند الإمام مالك: إذا اصفرت الشمس، امتنعت الصلاة، أو إذا أسفر -أي وقت الفجر- امتنعت الصلاة على الجنائز، إلا أن يُخافَ كذلك عليها.
وهكذا، جاء في كلام المالكية مُنِع نفلٍ وقتَ طلوع الشمس، والغروب، وعند خطبة الجمعة، وكُره بعدَ طلوع الفجر، وفرضِ العصر، إلى أن ترتفع الشمس قدرَ رمح، وإلى أن تُصلَّى المغرب، إلا جنازة وسجدة التلاوة- وبعد صلاة الصبح قبل الإسفار، وبعد العصر قبل الاصفرار، لا فيهما. فإذًا، يُكرَهان على المعتَمَد عند المالكية:
وكما يُشير العنوان للإمام مالك، والاستدلال له، أنه عند الاصفرار، وعند الإسفار، تُكره الصلاة على الجنازة.
وعلمت ذلك في مذهب الحنابلة، ولكن قال الحنفية: بأن الكراهة للتحريم، فلا تجوز الصلاة على الجنازة عند الطلوع، لا عند الإسفار: عند طلوع الشمس، وعند الغروب، لا عند الاصفرار، وعند الاستواء؛ ففي هذه الثلاثة، لا يجوز الصلاة على الجنازة فيها.
يقول: "أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أبِي سَلَمَةَ تُوفِّيتْ"؛ زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي ﷺ من أم سلمة، وهي بنت أبي سلمة "تُوفِّيتْ"، وكان وفاتها سنة ثلاثة وسبعين، وحضر جنازتها عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- وفي السنة توفي في الحج بمكة، وكانت وفاة عبد الله بن عمر في مكة، ودُفن بمكة المكرمة، و قبلها حضر الجنازة على زينب بنت أبي سلمة في المدينة المنورة سنة ثلاثٍ وسبعين من الهجرة. ففي سنة ثلاثة وسبعين من الهجرة كانت وفاة السيدة زينب بنت أبي سلمة، وحضر جنازتها عبد الله بن عمر، ثم في نفس العام ذهب إلى الحج، وفي مكة توفي عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنه.
وكان الوالي على المدينة في تلك الأيام: طارق بن عمر المكي الأموي القاضي، وهو من رواة مسلم، وأبي داود، وجاء عن جابر بن عبدالله قال: نظرت إلى أمور كلها أتعجّب منها! عجبت لمن سخط ولاية عثمان -رضي الله عنه- حتى ابتُلُوا بطارق مولى عثمان على منبر رسول الله ﷺ. ولما ذكرهم عمر بن عبد العزيز، هذا طارق -وكان من ولاة الجور- ذكره، وذكر الحجاج، و قرّة بن شريك، وكلهم تولَّوا على الأمصار، قال سيدنا عمر بن عبد العزيز في شأنهم: امتلأت الأرض جورًا!
وفي حدود الثمانين كان وفاة طارق، كان في تلك الأيام أمير المدينة المنورة، حفظها الله وحرسها وزادها شرفاً وكرامةً ورفعة. فكان غلبته على المدينة أيام عبد الملك بن مروان، أرسله في عدد من المقاتلين؛ نحو ست آلاف مقاتل، في أيام ابن الزبير، أرسله إلى المدينة، وقصد خيبر، وقتل بها ستمائة، فولّاه عبد الملك بن مروان على المدينة سنة اثنين وسبعين.
ثم في سنة ثلاث وسبعين كانت وفاة زينب -هذه التي ذكرها- بنت أبي سلمة، وهو لازال في الولاية، وفي تلك السنة أيضًا عزله عبدالملك، وولَّى الحجاج بن يوسف.
قال: "فَأُتِيَ بِجَنَازَتِهَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، فَوُضِعَتْ بِالْبَقِيعِ"؛ بقيع الغرقد؛ الذي فيه مقابر المسلمين، قال -يعني ابن أبي حرملة-: "قَال: وَكَانَ طَارِقٌ يُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ" يعني: يصليها في وقت الغلس، في أول الوقت؛ في وقت الظلمة، "قَالَ ابْنُ أبِي حَرْمَلَةَ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ" لما درى بالجنازة وضعت "يَقُولُ لأَهْلِهَا: إِمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جَنَازَتِكُمُ الآن"؛ يعني: قبل طلوع الشمس، "وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ."؛ يعني: إذا أدرككم طلوع الشمس، فلا تصلوا عليها حتى ترتفع قدر رمح.
فالعجيب أن كثيرًا منهم أخذوا من هذا كراهة الصلاة عند الإسفار، ما لذكر الإسفار من خبر في الحديث؟! إنما أمرهم عبد الله بن عمر بأن صلوا "الآن"، أي: قبل الطلوع، لا قبل الإسفار، أو اتركوها حتى ترتفع قدر رمح.
وعلى كل الأحوال، فلا يحمل لفظ الحديث إلا النهي عن الصلاة في وقت الطلوع.
يقول أيضًا "عن مالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ"؛ وهذا من أصح الأسانيد الموجودة في أيام سيدنا مالك: مالك عن نافع عن ابن عمر، "قَالَ: يُصَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ"؛ أي: يجوز ذلك، "وَبَعْدَ الصُّبْحِ" أي: بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح "إِذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا."؛ يعني: صلاة الجنازة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، يعني: قبل طلوع الشمس، وقبل وقت الغروب ففي وقت العصر، وبعد الصبح إذا صًلِّيتَا لوقتهما.
وأخرج البخاري أنّ ابن عمر، كان يقول: "ولا أمنع أحدًا أن يصلّي في أيّ ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهار، غيرَ ألا تتحرَّوا طلوع الشمس، ولا غروبها"، فينبغي تجنب الصلاة على الجنازة وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح، وساعة الغروب؛ لأنها ورد فيها أيضًا حديث، وحتى فسّره بقوله: ولا تقبروا فيها موتاكم؛ وقالوا: أراد به الصلاة عليهم لا الدفن، فالدفن لم يقل أحد بكراهة الدفن، لا عند الغروب، ولا عند الطلوع، ولا في شيءٍ من هذه الأوقات. وإنما قالوا ما ورَدَ في الحديث من قوله: ولا تقبروا فيها موتاكم، أراد به بالصلاة عليهم، أي: لا تصلوا عليهم في هذه الساعة.
ثم ذكر: "الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ"، وهو أيضًا محل خلاف بين العلماء والجمهور، قالوا بجواز الصلاة على الجنائز في المسجد، وعليه العمل في كثير من أقطار الأرض.
وهكذا، فالمشهور عن مالك: أنه يُكره دخولها المسجد، ولا يحرم، وكذلك مال إلى الكراهة الحنفية في دخول الميت والجنازة إلى المسجد. و جاء حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال : "من صلّى على جنازة في المسجد، فلا شيء له"، وعلى كلٍّ، ففي الأمر سعة، ولكلٍ من الأئمة استدلال على جواز دخول الجنازة إلى المسجد، وعدم ذلك.
ولذلك فعامَّة الحنفية يجعلون في أمام المسجد مكانًا ليس من المسجد، يضعون الجنائز فيه؛ فيكون المصلّون على الجنازة في المسجد، والجنازة خارج المسجد، فيصلون عليها أمام المسجد، فيتقدّم الإمام، ويكون الناس في المسجد على ما هم عليه، والجنازة أمام المسجد، ليست داخل المسجد.
وإحداث سيدنا عثمان الجهة القبلية في الروضة الشريفة، قيل أيضًا: لأنه من أجل السعة للناس، ومن أجل أنهم كانوا يتحرّزون في دخول الجنائز إلى الروضة، لأن أرجل الميت تكون إلى جهة القبر الشريف، فما استحبّوا ذلك، فلما أحدَثَ سيدنا عثمان السعة في الجهة الجنوبية، قِبليّ المسجد، صاروا يدخلون الجنائز إلى هناك، ولا تصل إلى الروضة الشريفة.
يقول: "حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ"، أم المؤمنين رضي الله عنها، وجاء في رواية الإمام مسلم، وقال: "أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ، حِينَ مَاتَ"؛ يعني: يأتوا بالجنازة إلى المسجد؛ لأن حجرتها الشريفة ملتصقة بالمسجد.
وكانت وفاة سيدنا سعد بن أبي وقاص سنة خمسٍ وخمسين من هجرته ﷺ، وكانت وفاته بالعقيق -الوادي جانب المدينة- وحُمِلَ إلى المدينة المنورة، فلّما علمت السيدة عائشة بوفاته، قالت: ءاتوا به إلى المسجد؛ لتصلي عليه؛ فكأنه لأجل أن تصلي عليه ومن معها النساء، وما كانوا يخرجون إلى الأماكن التي يصلي فيها الرجال على الجنازة، فلذلك قالت: ءاتوا بها إلى هنا، من أجل أن تصلي هي عليه، ومن معها من النساء.
قال: "حِينَ مَاتَ لِتَدْعُوَ لَهُ"، المراد به في الصلاة يعني؛ وفيه: جواز صلاة النساء على الجنائز، من دون اختلاط بالرجال، ويحرم عليهنّ الخروج في الأماكن العامة التي يُصلى فيها على الجنائز، لما ورد في ذلك من النهي في عدد من الروايات والأحاديث.
وجاء عند الحاكم: عن عمرو بن العاص قال: قبرنا مع رسول ﷺ رجلًا، فلما رجعنا، وحاذينا بابه، فإذا هو بامرأة، ما ظننا أنه عرفها، ولكنه عرفها، قال: يا فاطمة، من أين جئتِ؟"، قالت: جئت من أهل الميت، رَحِمْتُ إليهم ميتَهُم، وعزَّيتُهم، قال: فلعلكِ بلغْتِ معَهُم الكُدى؛ يعني: محل المقبرة، قالت: معاذ الله أن أبلغ معهم الكده، وقد سمعتك تذكر فيه ما تذكر؛ يعني: تنهى النساء أن يمشين مع الجنازة ويخرجن، قال: "لو بلغْتِ معهم الكدى، ما رأيتِ الجنة"، وهكذا، كما جاء في رواية. وأنكر ابن حزم صحة الرواية، وقال: لا يُنهى النساء عن اتباع الجنائز، وشذَّ في ذلك. فينبغي أن لا يقرب النساء مواطن وأماكن الجنازة التي يجتمع فيها الرجال، ولا يحضرن دفنًا كذلك، ولو كان بغير نياحة.
قال: "فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ"؛ أي: إدخال الجنازة في المسجد، "عَلَيْهَا"؛ على سيدتنا عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وفي صحيح مسلم يقول: "لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي ﷺ أن يمرّوا بجنازته في المسجد، فيصلين عليه، ففعلوا، فوُقِفَ به على حجرهنّ يصلين عليه، ثمّ أُخِرجَ به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهنّ أن الناس عابوا ذلك، وقالوا ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد، فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يُمَرّ بجنازة في المسجد،..".
وفي هذا الّلفظ عند الإمام مالك قالت: "مَا أَسْرَعَ النَّاس، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ."، وهكذا، جاء في رواية الإمام مسلم أيضًا: "ما أسرع الناس"، وفي لفظ: "ما أسرع ما نسيَ الناس"؛ فرواية: "ما أسرع الناس"؛ يحتمل معناه: ما أسرعهم إلى الإنكار بغير علم، وما أسرعهم إلى التجرؤ على الفتوى، فلا ينبغي أن يُنكروا حتى يتوثّـقوا من المسألة، ويعلموا بها.
وفي رواية أخرى: "ما أسرع ما نسيَ الناس، ما صلى رسول الله ﷺ على ابن بيضاء" هذا نُسب إلى أمه؛ سهيل بن بيضاء "إلا في المسجد"، وفي رواية مسلم: "..إلا في جوف المسجد"، وفي رواية أيضًا يقول: "على ابني بيضاء"؛ سهيل وأخيه، ورُويَ: "سهل" أيضًا بدل سهيل، تريد عائشة الحجة لما أنكروه؛ أن يصلى على الجنازة في المسجد، أن يصلي وهو في المسجد، والجنازة خارج المسجد، كل هذا مردودٌ، لا إنكار فيه.
واختلف الحنفية أيضًا فيما إذا كان الميت خارج المسجد ... هل يكره ذلك أم لا؟ فقيل: لا كراهة في ذلك، وعليه عمل الكثير منهم.
قال: "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ : صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ."، قال: "صلّى عليه مولاه صهيب في المسجد"، جاء في رواية ابن شيبة وعند غيره: أن عمر -رضي الله عنه- صلّى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبًا صلى على عمر -رضي الله عنه- في المسجد، ووُضعت الجنازة تجاه المنبر، قال ابن عبد البر: وذلك بمحضرٍ من الصحابة. وبالله التوفيق.
ملأ الله قلوبنا بالإيمان واليقين، ورَزَقنا حُسن الاستعداد لدار المعاد، والتزوّد بأشرف زاد، وجعل قبورنا وقبور أهلينا وذريّاتنا وأحبابنا ووالدينا رياضًا من رياض الجنة، وجَعل لنا من جميع العذاب وقايةً منه وجُنّة، ونَظَمَنا في سلك أهل النفوس المطمئنة، الراضية المرضية الكاملة في عافية، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
27 جمادى الأول 1442