(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجنائز، باب مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ.
فجر السبت 25 جمادى الأولى 1442هـ.
باب مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ
612 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ تُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا لَعَمْرُ اللَّهِ أُخْبِرُكَ، أَتَّبِعُهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا، أَجْرَهُ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ.
613 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، فَسَمِعْتُهُ يَقُول: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
614 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَقْرَأُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَازَةِ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريّته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته، وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
يواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالجنائز، وآخر ما تقدّم معنا: صلاته ﷺ على الجارية التي كانت تقمّ المسجد، وقد أمرهم أن يُشعروه إذا توفّيت بعد أن عادها وهي مريضة، فتوفّيت بليل، فكرهوا أن يوقظوا رسول الله ﷺ، فصلّوا عليها ودفنوها، فلما أخبروه قال: "ألم أقل لكم آذنوني؟ قالوا: كان ذلك بليل، وكرهنا أن نوقظك، وأن نخرجك بالليل، فقال ﷺ: دلوني على قبرها، فخرج، فصف بالناس، و صلى على قبرها، وكبّر أربع تكبيرات ﷺ.
في هذا الحديث مسائل تقدّمت الإشارة إلى بعضها:
وبذلك لم يؤاخذهم ﷺ، وكان يعفو عن الذنب اذا كان فيه حقّه وسببه، وأما إذا كان في المسألة تضييع لشيء من أوامر الله، فإذا أضيع حق الله لم يقم أحد لغضبه ﷺ.
وهي عند الشافعية وعند الحنفية إذا جاء الرجل وقد صُلّيَ على الجنازة هل يصلي عليها أم لا؟
وهكذا يمتدّ الخلاف من البداية في من جاء مسبوقًا، والإمام يصلي صلاة الجنازة:
فإنه عندهم لا يصح الصلاة على الجنازة إلا بعد وضعها على الأرض، فلا يصح وهي على أكتاف الرجال.
وقيل: ما لم تصل إلى أكتاف الرجال، فيصحّ التكبير بعد ذلك، فعندهم يقضي التكبير و الجنازة في مكانها. وعندهم لا يجوز إدخالها إلى المسجد، فتكون خارج المسجد. وقال غيرهم: بجواز دخول الجنازة الى المسجد.
ولكن قالوا: إن كبَّر ولم ينتظر، صحَّت صلاته، إلا أن هذه التكبيرة لا تُحتسب له من الأربع، هذا كلام المالكية. وإذا سلم الإمام، قضى ما فاته من التكبير، سواءً رفعت الجنازة فورًا، أو بقيت. إلا أنهم قالوا: إذا بقيت الجنازة دعا، وإذا رُفِعَت واصل بين التكبيرات وسلّم.
وهكذا علمنا قول الشافعية -عليهم رضوان الله تبارك و تعالى- أنه لا يفوت على المأموم شيء، فيكبر، ولا ينتظر الإمام حتى يكبر، بل يكبر والإمام في دعائه.
وإن كان قرأ التعوّذ، فلابد أن يأتي بالبسملة، وآية من الفاتحة قبل أن يكبّر التكبيرة الثانية؛ لأنه أدرك من تكبيرة الإمام مقدارًا يسع آية من الفاتحة، فيجب عليه قراءة ذلك، ثم يتابع الإمام في بقية التكبيرات على حسب ترتيب نفسه.
و قد رتبوا -كما علمنا- أنه:
وعلمنا أن مذهب الحنفية: لا قراءة في صلاة الجنازة، وإنما ثناء على الله، و دعاء للميت، وحملوا ما ورد من قراءة الفاتحة على طريق الدعاء، وقالوا: أنه أُريد به الدعاء والثناء على الحق. وقال غيرهم: بل هي كالصلوات لابد فيها من قراءة الفاتحة. وعلمنا أن الحنفية لم يفرضوا الفاتحة في الصلوات حتى، و إنما قالوا الفرض أو الواجب أن يقرأ ثلاث آيات من القرآن في أي صلاة صلاها، فيكون في الركعة ثلاث آيات من القرآن فأكثر.، وحملوا عليه قوله تعالى (..فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ..) [المزمّل:20]
وقال غيرهم: بل لابد أن يقرأ الفاتحة في الصلوات المفروضة. وهي عند الشافعية والحنابلة: في كل ركعة، لا تصح ركعة إلا بالفاتحة، سواءً الركعات الأولى أو الأخيرة من الرباعية و من غيرها، فلابد من قراءة الفاتحة في كل ركعة.
وهكذا يقول الحنابلة: من سُبِقَ ببعض صلاة الجنازة، كبَّر، ولا ينتظر الإمام حتى يكبر، انتظار الإمام حتى يكبر ويكبّر معه هذا عند الحنفية والمالكية، ولم يقل بذلك الحنابلة ولم يقل بذلك الشافعية؛ بل عندهم في أي وقت أدركهم فليكبّر، فتكون له تكبيرة الإحرام ويقرأ الفاتحة، فإن كبَّر الإمام قبل أن يكمل الفاتحة، سقط عنه الباقي، فيكبّر معه، ويصلي على النبي ﷺ وهكذا..
فيقول الحنابلة كذلك: يكبّر حيث أدرك أهل الصلاة، فإذا كبّر يُتابع الإمام فيما أدركه، ويقضي ما فاته إذا سلّم الإمام. كذلك لا يجوز له أن يؤخر التكبيرة الثانية حتى يكبر الإمام التي بعدها، فتبطل صلاته، فإن منزلة كل تكبيرة كمثل ركعة في الصلوات.
وعلمنا حثّ النبي ﷺ على دعائهم للجنائز، لما قالوا له: كرهنا أن نخرجك ليلًا، و نوقظك، فقال: "فلا تفعلوا، وادعوني لجنائزكم"، رواية ابن ماجة. وجاء أيضًا في رواية الإمام أحمد بن حنبل: "لا تفعلوا، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم، إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه له رحمة" ﷺ.
وهكذا جاء في الصلاة على القبر عند الشافعية وعند الحنابلة وكذلك في بعض المسائل عند المالكية.
ويقول الحنفية: إذا صُلّيَ على الجنازة، لا يصلي عليها إلا أن لا يكون وليّها صلى عليها، فإذا جاء فليصلِّ عليها الولي، و إن قّبرت فيصلي على القبر. هذا بخصوص وليها فقط لا سواه، ولكن غيره لا تُعاد الصلاة عندهم.
وفي قوله: "صفّ بالناس يصلي على قبرها" احتمال قوي أن يكون قد دخل فيها الذين صلوا عليها، فصلوا معه ثاني مرة على الجنازة؛ لأنه ما استثنى منهم الذين قد صلوا. خرج بهم، وصلى عليها، صفّ بهم وصلوا معه مرة أخرى.
والأمر فيه واسع؛ لأن ظاهر الحديث أنه خرج بهم، فصلَّوا مرةً أخرى، وهم قد صلَّوا عليها قبل أن يقبروها، فلما خرج، صلَّوا معه، صفّ بهم، فصلى بهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وكذلك فالجمهور يقولون بمشروعية الصلاة على القبر.
وأشرنا إلى الأوجه عند الشافعية:
وخالف في ذلك من المالكية أشهب وسحنون قالوا: إن نسي أن يصلي على الميت، فلا يصلِّ على قبره، ولكن فليدعو له فقط. ولكن عامة المالكية يقولون: إذا لم يصلَّ عليه، فيمكن أن يُصلَّي على قبره، كما قال الشافعية والحنابلة.
والذين منعوا من ذلك، جعلوا صلاته ﷺ على القبر من خصائصه ﷺ، إلا أن الخصوصية لابد لها من دليل، وإنما استدلّوا بعموم قوله : "وإن الله ينوّرها لهم بصلاتي عليهم"، و "إن صلاتي عليه له رحمة" وما إلى ذلك. و لكن استمطار الرحمة أيضًا في تبعيته من جميع المؤمنين، يستمطرون الرحمة لموتاهم.
وفَصَلَ بعضُهم:
وهكذا، علمنا مذهب الحنابلة في أنه إلى شهرٍ، ومذهب الشافعية في عددٍ من الأوجه، وأصحُّها عندهم: أنه كل من كان أهلًا للصلاة عليه وقت موته، فيصلي على قبره. ولم يرَ ذلك الإمام أبو حنيفة كما أشرنا.
وتقدم قول الإمام مالك ليقضِي ما فاته؛ أي: من التكبير على الجنازة، بعد سلام الإمام يقضي ما فاته من ذلك، فقد يدرك بعض التكبير على الجنازة، ويفوته بعض، فليقضِ ما فاته من ذلك.
وهكذا، جاء في بعض كتب الحنابلة: من فاته شيء من التكبير، قضاه ندبًا على صفته، لأن القضاء يحكي الأداء. وكذلك سمعنا قول الحنفية، إلا أنهم قالوا من دون دعاء، حتى لا ترفع عنه الجنازة، فإذا أمن رفع الجنازة بإبقائها، دعا بين التكبيرات. وهكذا، لا يُكَبِّر حالَ اشتغاله بالدعاء عند الحنفية وعند المالكية، ولكن ينتظر إحدى تكبيرات الإمام، فيكبّر معه.
وقال الشافعية والحنابلة: بل يكبّر وهم يدعون، كما إذا جاء والإمام يصلي، فحيثما أدرك الإمام، يكبّر ويلحق الإمام فيما هو فيه؛ فكذلك في صلاة الجنازة، يكبر تكبيرة الإحرام، ويلحق الإمام، إلا أنه هو يمشي على نسقه وترتيبه. وفي رواية عن الإمام أحمد: مخير أن ينتظر تكبيرة الإمام، أو يكبّر حيث أدركه، وهو المعتمد عندهم.
وهكذا، يتكلم في هذا الباب: "باب مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ"، على أركان صلاة الجنازة. أركان صلاة الجنازة هي عند الشافعية سبعة:
كذلك عند الحنابلة فيقولون:
فعند الحنابلة، تتعيّن:
وهذه أركان صلاة الجنازة.
قال الحنفية: ما هي إلا ركنان: القيام، والتكبيرات الأربعة، هذا الواجب، ولم يُوجبوا فاتحة، ولا غيرها، وإنّما استحبوا الثناء على الحق، والدعاء للميت. فهكذا جاءت المذاهب.
وذكر لنا سؤال أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سُئل: "كَيْفَ تُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا لَعَمْرُ اللَّهِ أُخْبِرُكَ"؛ العَمر، والعُمُر، المراد بها الحياة، فهو: قَسَم؛ يعني: أحلف ببقاء الله، معنى لعَمر الله.
وحلف الحق -تبارك وتعالى- بعَمر النبي، بحياته، قال (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72] قال لهم: "أُخْبِرُكَ، أَتَّبِعُهَا مِنْ أَهْلِهَا"؛ يعني: أسير معها، "فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ"؛ يعني أخذه الحنفية بمعنى أنه:
والمعنى عند غيره : "كَبَّرْتُ"؛ أي: فكبّرت أربع تكبيرات، و في أثناء التكبيرات، حمدت الله، وصليت على نبيه ﷺ.، وذكر صيغة من صيغ الدعاء للميت: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ"، استعطاف استرحام الحقّ -سبحانه وتعالى- لهذا الميت بين يديه، "كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ"، وأنت عظمت هذه الشهادة، ووعدت أصحابها بالجنة، وهذا الرجل كنا نعهده يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك، هو عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك.. فيه استعطاف الحق له، "وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ" منا، لا اله الا الله.. "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ"، يعني: ضاعف له الأجور، "وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ"؛ اعفُ عنها و سامحه فيها، إنك عفُوٌّ كريم، تحب العفو، "اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ" على الأفصح، وفي لغة: "تُحرِِمنا"، و الأفصح الأصح: "لا تَحرِمنا أجره" لأنه ثلاثي: حَرَم، وإنما يقال: أحرَم بحجٍّ أو بعمرة، أحرَمَ، يُحرِم. "لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ" أي: أجر الصلاة عليه، وشهود جنازته، وما وعدتَ من الثواب على الصبر على المصيبة، والرضا بالقضاء، "لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ." لا تجعلنا مفتونين بعده، بل معتبرين بموته، مستعدين للِّقاء، متهَيِّئين للوفاة، لا اله الا الله!
وهكذا، كما نقل "عن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ"، يعني: لا زال طفل، "رُفِعَ القلمُ عن ثلاث: الصبيُّ حتى يبلغ…"، "فَسَمِعْتُهُ" يعني: أبا هريرة "يَقُول: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ." و هذا يرجّح قول من قال أن الأطفال يُسأَلون في قبورهم، و يروى تلقينُه ﷺ لابنه إبراهيم، وهو مات وهو طفل، ابن أشهر.
وعند الشافعي أيضًا لابد من الدعاء، ولو كان طفلًا لابد من الدعاء للميت بالمغفرة والرحمة. ولذا قالوا: لا يكفي الاقتصار على قول: اللهم اجعله فَرَطًا لأبويه، وسلفًا وذخرًا و موعظةً و اعتبارًا و شفيعًا، وثقِّلْ في موازينهما، و أفرغ الصبر على قلوبهما… هذا الدعاء لأبويه، وأين الدعاء للميت؟! أنت دعوت لأبوه وأمه، وأين هو؟ فلابد أن تبدأ وتقول: اللهم اغفر له، وارحمه، اللهم اجعله فرَطًا لأبويه… فيُستغفر له ولو كان طفلًا لم يُكتب عليه ذنب.
فتقول : "اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اجعله فرَطًا" يعنى: سابقًا، مهيئًا للمصالح؛ "فَرَطًا" "سلفًا" متقدمًا عليهم أيضًا "ذخرًا" بشفاعته عندك لهم، "عظةً واعتبارًا وشفيعًا"؛ وفّر حظهم من شفاعة الأطفال لآبائهم وأمهاتهم، "وثقِّل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تحرمهما أجره، ولا تفتنهما بعده"، فهذا دعاءٌ للأبوين، يزيده بعد أن يقول: "اللهم اغفر له، وارحمه".
وفيه أن كلَّ أحدٍ أذنب أو لم يذنب، معصومٌ أو غير معصوم، محتاجٌ إلى الاستغفار؛ فيجب على كل المخلوقين أن يستغفروا ربهم، فإنه لا يقوم بحق الله أحد. لا إله إلا هو! نسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا ووالدينا، أهلينا وذُرِّيَّاتنا، وأحبابنا، والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات. قال الله لسيد المعصومين الأطهار: (..وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ..) [محمد:19].
وذكر عن "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَقْرَأُ" يعني: من القرآن "فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَازَةِ. وهذا الذي قال به الحنفية.
جعل الله قبورَنا رياضًا من رياض الجنة، وقبورَ آبائنا وأمهاتنا، وأحبابنا وأصحابنا، وجعل لنا العصمة من سوء الخاتمة، وجَعل لنا العصمة من كل بلية، وغفر لنا جميع الذنوب، وستر لنا جميع العيوب، وكشف عنا وعن الأمة جميع الكروب، وأصلح لنا القوالب والقلوب، وختم لنا بأكمل الحسنى، وهو راضٍ عنّا، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
26 جمادى الأول 1442