شرح الموطأ -123- كتاب الجنائز: باب التكبير على الجنائز

شرح الموطأ -123- كتاب الجنائز، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم نعى النَّجاشي للناسِ في اليومِ الذي ماتَ فيه..)
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجنائز، باب التَّكبيرُ على الجنائز.

فجر الأربعاء 22 جمادى الأولى 1442هـ.

باب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ

609 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.

610 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَرَضِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُ الْمَسَاكِينَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا". فَخُرِجَ بِجَنَازَتِهَا لَيْلاً، فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُخْبِرَ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهَا، فَقَالَ: "أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا". فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلاً وَنُوقِظَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.

611 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ بَعْضَ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَيَفُوتُهُ بَعْضُهُ؟ فَقَالَ: يَقْضِى مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ للهِ مُكرِمنا بالشَّريعة وأحكامِها العَظيمة الوَسيعة، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ وكرَّم على عبدهِ المُصطفى مُحمّد أعلى أهل الدَّرجات الرَّفيعة، اللهم صلِّ وسلِم وبارك وكرّم عليهِ في كل لمحةٍ ونَفَس، وعلى آلهِ الأطّهار، وأصحابهِ الأخيار، ومن سارَ في طريقهِ وأضحى تَبيعه، وعلى آبائه وإخوانهِ مِنْ الأنبياءِ والمُرسلين الذَّينَ جَعلهم الرَّحمن أهل الوجاهات الوَسيعة وعلى أصحابهم وآلهم وتابعيهم، والمَلائكة المُقربين، وعلى جميع عبادِ الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنَّهُ أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

ويواصل سيدنا الإِمامْ مَالِكْ عليه رضوان الله تعالى ذكر الأحاديث المُتعلِّقة بالْجَنَائِزِ، وذكرَ في "باب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ"، حديثُ النَّجَاشِيَّ، وأصلهُ في صحيح البُخاري أيضًا صلاة النَّبي ﷺ على سيدنا أصْحمة النَّجَاشِيَّ، سيدنا أصْحمة كانَ أسلمَ على يد جعفر بِنْ أبي طالبْ، وكان مّلك الحبشة الذي شهدَ له رسولُ الله أنهُ لا يُظلَم عندهُ أحد، وكان أخفى إسلامَه لمخالفةِ الحبشة له، واستدعى يومًا سيدنا جعفر وجماعته، فدخلوا عليه فوجدوه في غرفة من غرفهِ على التُّراب، وعليهِ خُلقان، فأنكروا ذلك وتعجبّوا! فقالَ لهم: إنَّ عينًا قدْ أرسلتهُ نحو أرضكم فجاءني بِبُشرى أن نبيّنا قاتلَ القومَ وأنه قُتل فلانٌ وفلان، وذكر لهُم قتلى بدر، وأنه أُسِرَ فُلانٌ وفُلان، واجتمعوا في موضع فيما يُقال له بدر، فقالوا: فلِمَ أنت هكذا؟ قال: إنَّ فيما أنزلَ الله على عيسى أننا إذا أحدثَ الله لنا نعمةً أن نُحدِثَ شُكرًا وتواضعًا له، وإننا لمَّا نصرَ الله نبيِّنا وأظهره، أحببت أن أتواضع لله سبحانه وتعالى، وأشكره على ما منَّ بهِ، عليه الرِّضوان، فلمْ يزلْ كذلكَ حتى أخبرَ النَّبيُّ بوفاتهِ، يومَ وفاته، في اليوم الذَّي توفيَّ فيه مع بُعد المسافة مِنْ الحَبشة إلى المدينة، وأخبره سيدُنا جبريل وأخبرَ الصَّحابة، فخرجَ بهم إلى المُصلى فصفَّهم وصلَّى بهم على النَّجَاشِيَّ، 

  • وهذا دليل الشَّافعية في الصَّلاة على الغائب، وأنَّ مَنْ مات مِنْ المُسلمين خارجَ البلد الذَّي يسكن فيهِ الإنسان، فيُسنُّ أن يُصلَّي على المسلمين الذَّينَ ماتوا خارجَ بلادِهم. 
  • ولم يقُل بذلك الحَنفيَّة.
  • وبعضُ الأَئمة:
    • خَصَّصه بِمنْ كان حاكمًا، إمامًا، مثلَ النَّجَاشِيَّ.
    • وبعضهم خَصَّصه بِمنْ لم يُصلى عليه في البلد الذي هو فيها، فإنه بينَ الحَبشة الذَّين لم يُسلموا بعد، ولم يُصلّوا عليه.
    • ومنهم مَن جعلَه تشّريعًا كعامَّة أفعالهِ عليه الصَّلاة والسَّلام، وبذلك أخذَ الشَّافعيةُ والحَنابِلة في بعض الأوجهِ والأقوال التي جاءت عن الإمام أحمد بِن حَنبل، وقيل بتخصيصه بأهل الزَّعامة، وقيل عامٌ عنده لجميع المُؤمنين.

كما هو عند الشَّافعية يُصلَّى على الغائب، وعلى هذا القول:

  • فمَن صلَّى على الغائبِ كان له قيراطٌ.
  • فإن صلَّى على أثنين فله قيراطان.
  • فإن صلَّى على ثلاثة كان له ثلاثةُ قراريط من الأجر.
  • فإن صلَّى على أربع كان له أربع قراريط من الأجر.
  • فإذا صلَّى على جميعِ مَن صحَّت عليه الصَّلاة مِن أمواتِ المُسلمين، فجميعُ الذينَ ماتوا في ذلكِ اليوم وما قبلهُ دخلوا في هذه الصَّلاة، فلهُ على عدد أجورهم؛ قراريط من الأجر.  

 ثُمَّ أنه جاءَ في هذا الحديث ذكرُ الأربع التكَّبيرات وهو عليه جمهورُ أهل العلم، وقيل أنها أكثر من ذلك، وقيل أقل، وأكثر ما جاء عن الصَّحابة: ما بينَ ثلاثٍ إلى سبع، ولكن أجمع من بعدهم على الأربع، فالتكبيرات الأربع فيما جاءنا من أحاديث، منها عن حديث سيدنا جابر رضي الله تعالى عنه: أنَّ النبيَّ ﷺ  كبَّر على المَيِّت أربعًا، وقرأ بأُمِّ القرآنِ بعد التكبيرة الأولى.  

وهكذا، فإذا كبَّر الخامسة إِما ساهيًا أو عامدًا، فإذا كانَ عامدًا فاختلف عند الشَّافعية هل تَبطُل صلاتهُ أم لا؟ فعدَّها بعضهم كالرَّكعةِ، لمّا كانت أربع تكبيرات كأربع ركعات، وإذا زادَ تكبيرةً صارَ كأنهُ زاد ركعةً في الصَّلاةِ، وهذا الذي ذكرهُ الإمامُ الغزاليُّ في (الوَسْيط)، وذكره صاحبُ التَّتِمة.

  •  ولكن الأصح عند الشَّافعية: أنَّ التَّكبير مهما كَثُر لا يُبطل الصَّلاة، كما لا يُبطل صلوات الفرض وغيرها، فإنَّه نوعٌ من أنواع الذِكر، ولا تَبْطل الصَّلاة بذكر الله تبارك وتعالى. فقالوا لا تَبْطل الصَّلاة بزيادة التَّكبير،
    •  إلا أنه عندهم لا يتبعُ المأموم الإمام إذا زادَ على أربع، وينتظره حتى يُسلِّم وإن شاء فارقه وسلَّم.
  • وهكذا جاء عن الماَلكية عليهم الرضوان، وفي قولٍ عندهم: بل يقطع الصَّلاة ويُسلِّم.
  •  وكذلك جاء عن الحَنفيَّة.
  •  وقال الإِمَام أحمد بِنْ حَنبَل ينتظره الى سبٌع ثُمَّ يُسلِّم معه ولا يُسلِّم قبله، إن سلَّم قبلهُ بَطلت صلاتهُ ما لم يزدْ على السَّبع. 

وأما ما جاء أنه صلَّى على أهلِ أُحد فكبَّر عليهم سبعين تكبيرة، فإنَّهم شهداءُ لا يُصلَّى عليهم؛ وإنَّما المراد: مُطلقُ الدعاء، فإنهُ دعا لهم وكان يخلطُ دَّعاءه بالتَّكبير، فُكلما دعا بدعواتٍ كبّّر، ثمّ دعا بدعواتٍ فكبّّر، ثمّ دعا بدعواتٍ، فكبّّر، فكثُر تكبيره، فقالوا كبّّرَ سبعين تكبيرة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

  • وعلى الوجهَ أنها َتبطل الصَّلاة إذا زادت.. تلزمُ المفارقةُ للمأموم.
  •  وعلى الوجه الأصَّح أنهُ ينتظرهُ حتى يُصلِّي معه.

وقراءةُ الفاتحة في صلاة الجنازة هي:

  •  عندَ الإمام الشَّافعي وكذلك عندَ الإمام أحمدْ.
  •  ولم يرَ أبو حَنيفةَ ومالِك قراءة شيءٍ مِنْ القرآن في صلاة الجنازة، فإذا كبّّرَ التكبيرة الأولى أثنى على الله تبارك وتعالى وَحمده.

 فقراءةُ الفاتحةِ رُكنٌ مِنْ أركان الصَّلاة عند الإمام الشَّافعي، وكذلك في رواية عندَ الإمام أحمدْ. كذلك الصَّلاة على النَّبي ﷺ بعدَ التَّكبيرة الثانية، لا تَلزمُ عندَ أبو حَنيفةَ ومالِك، فالصَّلاة على النَّبي ﷺ  بعد التَّكبيرة الثانية عندهم سُنَّةٌ أو مُستحبة، ، وكذلك القول عند الحَنابِلة في الصَّلاة على النَّبي ﷺ  في صلاةِ الجنازة.

ثم أنَّ المَالِكية رأوا الدّعاء للميت بعد كلِّ تكبيرة، فيدعو للميت بعد كل تكبيرة، فينبغي لِمنْ صلَّى على الجنازة أن يدعوَ للميِّتِ بعد كلِّ تكبيرة خروجًا من الخلافِ ولو بقول: اللهم أغفر له، بعدَ الفاتحة، وبعدَ الصَّلاة على النَّبي ﷺ في الثانية، وفي الثالثة هو يكون الدُّعاء للميت عندَ الجميع، وفي الرّابعة كذلك يدعو للميت ويقرأ بعض الآياتِ الوارد قراءتها بعد التَّكبيرة الرَّابعة، كآية: (…رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201] والآية: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8] بل جاء أيضًا قراءة آياتٍ أطول مِنْ هذا وهي آية: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [غافر:7-8-9]

بعد التَّكبيرة الأولى:

  • يقرأ الفاتحة عند الشَّافعية
  • ويُثني على الله تبارك وتعالى عند الإمام أبي حَنيفة، ويدعو للميت ثُمَّ يُكبِّر التَّكبيرة الثانية فيصلِّي على النَّبي ﷺ.

قال الشَّافعية: ويُسنّ أن يبدأ قبل الصَّلاة على النَّبي بالحمد، يقول: الحمدُ للهِ ربِ العالمين. قالوا: وأفضل الصَّلاة على النَّبي الصَّلاة الإِبراهيمية، قالوا ويزيد فيها "وسلِّم" وليست واردةً في صيغة الصَّلاة الإبراهيمية في الصَّلوات الخَمس؛ لأنه في الصَّلوات يتقدم السَّلام في التَّشهد بقولنا: السَّلام عليكَ أيُها النَّبي ورحمةُ اللهِ وبركاته، وليس في صلاة الجنازة تقدم السَّلام، فيُسَن أن يقول "وسلِّم"؛ اللهمّ صلِّ وسلِّم على سيدنا مُحمّد عبدكَ ورسولكَ النَّبي الأُميِّ وعلى آلِ سيدِنا مُحمّد وأزواجهِ وذريتهِ، كما صلِّيتَ وسلَّمتَ على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم،  وبارِك على سيدنا مُحمّدٍ… إلى آخر الصَّلاة الإبراهيمية.

ثم قالوا أيضًا يُسنُّ أن يدعوَ للمؤمنين والمؤمنات بعد الصَّلاة على النَّبي ﷺ، يقول: اللهم أغفر للمؤمنينَ والمؤمنات. وينبغي أن يخصّه أيضًا بالدعاء: اللهمّ اغفر له وارحمه، اللهمّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمنات.

 ثم تأتي التَّكبيرة الثالثة، وقدْ جاء فيها عدد من الأدعية، ومنها ما أورده مالِك بِنْ عوف في الصحيح: أنه سمعه ﷺ  يقول: "اللهمّ اغفِر له، وارحمه، وعافِه واعفُ عنه، وأكرم نُزله ووسِّع مْدخله، واغسله بالماء والثلج والبَرَد، ونقّهِ من الخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدَنس، وأبدلهُ دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأسكِنهُ الجنة وأعذه من النَّار، ونجّهِ من عذاب القبرِ، ومن فتنته، وأعذهُ من عذاب القبرِ ومن النَّار، قال: فتمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميِّت، لمّا سمعتُ النَّبي يدعو له بهذا الدعاء، قال ليتني أنا الميِّت في هذهِ الجنازة، وهذه الدعوات لهذا الميِّت من زين الوجود ﷺ، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

 وهكذا فجعلَ الشَّافعية أركانًا لصلاة الجنازة:

  1. فأولها النِّية.
  2. ثم أربع تكبيرات.
  3.  ثم قراءة الفاتحة بعد التَّكبيرة الأولى.
  4.  ثم الصَّلاة على النَّبي ﷺ  والأفضل أن تكون بعد الثانية.
  5.  ثم الدعاء للمِّيت بعد الثالثة، وهو قول: اللهمّ اغفر له وارحمه.
  6. ثم السَّلام. 

 

  • والتَّسليمة الواجبة واحدة، وقال كثيرٌ من أهل العلم في صلاة الجنازة تسليمة واحدة.
  •  وقال الشَّافعية وغيرهم من الأئمة: بل يُسلم تسليمتين كالصَّلاة، تسليمة عن اليمين وتسليمة عن اليسار.
  •  فأمّا إذا اقتصرَ على تسليمة واحدة فلا يلتفِت لا يمينًا ولا يسارًا ويبقى إلى جهةَ القبلة، فإذا سلَّم تسليمتين بتسليمة على اليمين، وتسليمة عن اليسار كما هو في الصلوات.

كما أنَّ الصَّلاة على النبي ﷺ ركنٌ مِنْ أركان الصَّلاة عند الشَّافعية في كل الصَّلوات، وليس ذلك بواجب عند الحَنفيَّة والمالِكية. ويُروى عنهُ ﷺ  :"لا صَلاةَ لِمَنْ لمْ يُصلِّ عليَّ" وفي رواية: "لا يقبلُ اللهُ صلاةً إلاَّ بطُهورٍ وبالصَّلاةٍ عليَّ"، وجاءَ في روايةٍ: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربّه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء".

وخصَّصوا الدعاءَ للميِّتِ بعدَ التَّكبيرةِ الثَّالثة، والدُّعاء للميِّتِ عندَ الحَنفيَّة مِن السُّنن، وجاءَ عنهُ ﷺ: "إذا صلَّيتُم على الميِّتِ فأخلِصوا لهُ في الدُّعاءِ" في روايةِ أبي دَاؤد وابن ماجه والبيهقي. في وجه عندَ الشَّافعيةِ: أنَّهُ لو دعى لعموم المؤمنين كفاهُ والميِّت يندرج فيهم، والمُعتمد: يجب تخصيص الميِّت بالدُّعاءِ.

 وكذلكَ يلزمُ القيام، والمعتمد أيضًا: أنَّهُ لا يُسنُ دعاء الأفتتاح بل يشرعُ في التَّعوّذِ وقراءةِ الفاتحةِ بعدَ التَّكبيرةِ الأولى، فالأصحُ أنَّهُ لا يقرأُ دعاء الإفتتاح ويتعوّذ، وقيلَ يقرأُ دعاءَ الافتتاح، وقيلَ لا يتعوّذُ، والأصحُّ عدم استحبابُ دعاءَ الافتتاح وسنيّةِ التَّعوّذ قبلَ الفاتحة، وهي مِنْ الصَّلواتِ السَّرّيةِ ليلًا أو نهارًا صلَّى على الجنازةِ..يُسِرُ فيها.

وذكرَ لنا في الحديثِ أنَّهُ صفَّهم أو أخرج إلى المُصلَّى؛ ففيهِ: التَّداعي إلى الحضور في المُصلَّى، وذلكَ ليكثُرَ عددَ المُصلينَ على الميِّتِ.  وفي قولهِ: "نَعَى النَّجَاشِيَّ.."؛ يعني: أخبرَ بموتهُ، وفيهِ: أنَّ مُجردَ الإخبارِ بالموتِ ليسَ من النَّعي المذموم؛ وإنَّما ما كان من صياحٍ وضجيجٍ فهو النَّعي المذموم، أمَّا مُجرد الإخبار فقد أخبرهم ﷺ  أيضًا عن مقتلِ سيدنا زيد بِن حارثة، ومقتل سيدنا جعفر بِنْ أبي طالب، وسيدنا عبد اللّٰه بِنْ رواحة أولَ ما قُتلوا، فكان يُخبرُ، فليسَ الإخبارُ بالوفاةِ من النَّعي؛ إلاَّ إذا:

  • صحِبه صياحٌ
  • أو تعديدٌ للشمائلِ
  • أو ضجيجٌ ونحوَ ذلكَ

 وأمَّا مُجرد الإخبار فذلكَ هو الوارد. ولمْ يستحبَ الفقهاء عندنا بسيئونَ أنْ يُذكرَ خبرُ نبأُ الوفاةِ في المِكرفونات في المساجدِ، وخافوا أنْ يكونَ ذلكَ من النَّعي المذموم، كما جاءَ عن ابن مسعودْ وغيرهُ؛ ولكنهم يكتفونَ بالنبأ لأهلِ المَسْجد في المَسْجدِ يُخبرونهم فيهِ فينتشرُ الخبرُ، والقصدُ أنَّ الإعلامَ لأجلِ الصَّلاةِ عليه وكثرةِ المُصلينَ لهُ أصلٌ، ففيهِ أنَّهُ "نَعَى النَّجَاشِيَّ.." يعني: أخبرَ بموتهِ  ".. فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.." في مكانهِ، وكان لقبهُ النَّجَاشِيَّ واسمه: أصْحمة، أصْحمةُ بنُ أبْجر، ومعنى أصْحمة عطية بالعربيةِ تفسيره.

وعظَّمَ كتابَ النَّبي ﷺ  لمَّا جاءهُ، لمَّا رجعَ ﷺ  مِنَ الحُديبيةِ سنةَ ستٍ أرسلَ إلى النَّجَاشِيَّ سنة سبعٍ في مُحرم عَمرو بن أُميةَ الضَّمريّ، فلمَّا وصلهُ كتابُ النَّبي ﷺ أخذه ووضعه على عينيهِ ونزلَ عن سريرهِ وجلسَ على الأرضِ تواضعًا، وكانت وفاتهُ هذهِ التي صلَّى عليهِ النَّبي فيها في شهرِ رجبْ، سنة تسعٍ من الهجرةِ، كانَ في اليومِ الذَّي ماتَ فيهِ وهو في شهرِ رجبْ، سنة تسعٍ عندَ رجوعِ النَّبي ﷺ مِن تبوك، وشهدَ لهُ بالصلاحِ ﷺ، وقالَ إنَّ أصْحمة النَّجَاشِيَّ قد تُوفي في هذهِ السَّاعةِ فاخرِجوا بنا إلى المُصلى حتى نُصلَّي قال سلمة: "فحشَّد النَّاسَ"، أي: جمعهم، "حشدَ النَّاسَ وخرجنا مع رسول الله  ﷺ يقدُمنا وإنَّا لصفوفٌ خلفهُ، وأنا في الصفِ الرابع فكَبَّر أربعًا".

 "وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى.." مكانٌ يجتمونَ بهِ لصلاةِ الجنائزِ وقد يُصلَّي فيهِ العيد ﷺ، أو هو بالبقيعِ، المحلُ الذَّي يُصلونَ فيها على الجنائزِ، "فَصَفَّ بِهِمْ.." ﷺ، ففيهِ: عقدْ الصُّفوفُ لأجلِ الجنازةِ، وفي الحديث: "من صلَّى عليهِ ثلاثةُ صفوف فقدْ أوجبْ"، و "مَا من ميت يُصَلِّي عَلَيهِ أمة من الْمُسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون لَهُ إِلَّا شفعوا فِيهِ" وفي روايةٍ: "أربعين"، إذا صلَّوا على الميِّت، وعند أبي داود وغيره: "من صلَّى عليهِ ثلاثةُ صفوفٍ فقد أوجبَ"؛ يعني: وجبَ لهُ دخولَ الجنة بصلاةِ هؤلاءِ عليهِ، وفيهِ: انتفاع الإنسان بعملِ غيرهِ، انتفاع الميت بعمل غيره؛ فإنَّ صلاتَهم عليهِ ليس من عملهِ، ومع ذلكَ هو ينتفع بها.

ويرى الحَنفيَّة والمالكيةُ: أنَّهُ لا تدخلُ الجنازةُ إلى المسجدِ، ولا يُصلَّى عليها في المسجدِ، وفي الحديثِ استئناسٌ لهُم بأنَّهُ خرجَ بهم إلى المُصلَّى، وإن لم تكن هناكَ جنازة. وذكرَ الأربعَ التَّكبِيرات، وإن لم يذكرِ السَّلام؛ فالإجماعُ على أنَّ السَّلامَ واجبٌ إلا ما بينَ تسليمةٍ واحدةٍ أو تسليمتين.

 والصَّلاةُ على الميِّتِ الغائبِ:

  •  عند الإمام أحمدْ وعند الإمام الشَّافعي وأكثرُ السَّلف.
  •  ولم يرّها الحَنفيَّة و المالكية.
  • وخصَّصها بعضُهم باليومِ الذَّي ماتَ فيهِ.
  • وقالَ الشَّافعية: بل يُصلَّى عليهِ
    •  في قولٍ إلى ثلاثةِ أيامٍ
    • وفي قولٍ إلى شهرٍ
    • وفي قولٍ إلى سنَة
    • وفي قولٍ إلى أن يَبلى
    • والقولُ المعتمد عند الشَّافعية: أنَّهُ يُصلِّي على الميِّتِ كلُّ مَن كان وقتَ موتهِ من أهلِ الصَّلاةِ عليهِ، ولو بعدَ سنين.

وهناكَ قولٌ آخر شاذٌ: أنَّهُ يجوزُ الصَّلاةُ على من ماتَ قبلهم مطلقًا، ولو في القرون الماضية. والمعتمد: أنَّهُ لا يُصلِّي على الغائب إلاَّ مَن كانَ وقتُ موتِه أهلّ للصَّلاةِ عليهِ، أن يكونَ وقتَ موتهِ مُسلمٌ عاقلٌ، فماتَ، ثُم صلَّى عليهِ ولو بعد سنين ما دامَ وقت الموت كان مُسلمًا عاقلًا.

"وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ" وحديث الصَّلاة على النَّجَاشِيَّ في البخاري وفي مُسلمِ أيضًا، وقيلَ أنَّهُ يُصلَّى عليهِ ما لم يَبلى كما أشرنا، فصارت خمس أوجه عندَ الشَّافعية، في الصَّلاةَ على الميِّت.

فإذًا، قيلَ في هذا الحديث: أنَّهُ تشريع منهُ وسُنةٌ للأُمة، الصَّلاةُ على كُلِّ غائبٍ، وهو قولُ الشَّافعي والإمام أحمدْ بِنْ حنبَل في إحدى روايتيهِ رضي اللَُّه عنهُ، وجعلَ أبو حَنيفةَ ومالِكْ عليهم رضوانُ اللّهِ أنَّ ذلكَ خاصٌ بهِ وليس ذلكَ لغيرهِ. وذكروا احتمالَ أن يكونَ رُفعَ لهُ سريرهُ فصلَّى عليهِ وهو يراهُ ﷺ، والخُلاصة: أنَّهم قالوا بتخصيصهِ للنَّبيِّ في هذهِ الواقعة ولم يحمِلُّوها على الأصل من أفعالهِ أنَّهُ للتشريعِ ﷺ. 

وذكرَ لنا الإشارة إلى الصَّلاةِ على الميِّتِ بالأربعِ تكبيرات فيجب أن يتقدمها النَّية كما هي عند عامةَ أهلِ العلمِ وأكثرهم.

وجاءنا بعد ذلكَ حديث مِسْكِينَةً، وفي روايةٍ أنَّهُ رجلٌ كان يقمُّ المسجدَ، وفي روايةٍ أنَّها إمرأة، يعني يجمعُ قُمامة الناس، يعني يُنظفُ المسجدَ. وجاءَ في روايةٍ من دونِ شكٍ أنَّها إمرأة سوداء ولم يأتِ في تلكَ الرِّواية شك، كانت تقمُّ المسجدَ فـ "مَرِضَتْ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَرَضِهَا"؛ ففيهِ: إعتناءِ النَّبي بأخبارِ المُسلمين وما يحصلُ لهم، وتفقدهُ لإحوالهم، فأُخبرَ بمرضِ هذهِ المرأة وكان رسولُ اللّٰه ﷺ  يعودُ المساكين في مرضِهم، وكانَ يُحبُ الفقراءَ والمساكينَ ويجلسُ إليهم، وكان يأكل معهم ﷺ،  "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا" أعلموني، أعطوني خبر، يعني: لِيشهدَ جنازتها، فماتت ليلًا وخرجوا بها في الليَّلِ وكرهوا أن يوقِظوا النَّبي في هذهِ السَّاعة وأن يزعجوهُ في الليَّل، 

  • وعامةُ العلماء: أنَّهُ لا كراهةَ في الدَّفنِ في الليلِ.

 وجاءَ في روايةِ التَّرمذي أنَّ النَّبي ﷺ دخلَ قبرًا ليلًا فأسرجَ لهُ بسراجٍ وأخذ من القبلةِ وقالَ: "رحِمكَ اللّٰه إن كُنتَ لأوّاهًا تلاءً للقرانِ" وكبَّرَ عليهِ أربعًا. وجاءَ في روايةِ أبي داود أيضًا حديث جابر أنَّهُ رأى ناسٌ نارًا في المقبرةِ فأتوها، فإذا رسول الله ﷺ  في القبرِ وإذا هو يقول: "ناولوني صاحبكم فإذا هو الرَّجلُ الذَّي كان يرفعُ صوتهُ بالذِّكرِ" لهذا قالَ وإن كُنتَ لأوّاهًا، أثنى عليهِ ﷺ، كان يُمرُ تحتَ المسجدِ ويسمعُ ذِكره من وسط المسجدِ، يذكرُ الله، واشتهر بالجهرِ بالذِّكرِ فلم يقل لهُ ابتدعتَ ولا أشركتَ! ولكن قالَ: إنَّهُ أوّاه!.. صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّم. 

ويُروى أنَّ رسول الله ﷺ زجرَ أن يُقبرَ الرجل ليلًا إلاَّ أن يُضطرَ إلى ذلكَ، فيما روى ابن حِبان، جاءَ في لفظِ: أن النَّبي ﷺ خطبَ يومًا فذكرَ رجلًا من أصحابهِ قُبِضَ وكُفِّنَ في كفنٍ غير طائل وقبرَ ليلًا، فزجرَ أن يُقبرَ الرَّجلُ بالليِّلِ حتى يُصلِّى عليهِ إلاَّ أن يُضطرَ إنسانٌ إلى ذلكَ. "إذا وليَ أحدكم أخاه فليُحسِن كَفَنه".

قال: "فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ" إجلالًا لشأنهِ الأكبر، قالَوا وكانَ أيضًا لا يُوقظُ مِنْ منامهِ إذا كان نائمًا لأنَّهُ يُوحى إليهِ في المنامِ كما يُوحى إليهِ في اليقظةِ، "فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُخْبِرَ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهَا،" وأنَّها تُوفيت وأنهم دفنوها، "فَقَالَ: أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلاً وَنُوقِظَكَ"، وفي لفظٍ قالوا: "كرِهنا أن نُوقظكَ وتخوفنا عليكَ ظُلمةَ الليلِ وهوام الأرض" فقالَ رسول الله ﷺ  في روايةِ: "فلا تفعلوا، ادعوني لِجنائزكم" في روايةِ ابن ماجه. وفي روايةِ جاءتْ من طريقِ زيد بِنْ ثابت: "لا تفعلوا لا يموتنَ فيكم مِّيتٌ ما كنتُ بينَ أظهُرِكُم إلاَّ أذنتموني بهِ، فإنَّ صلاتي عليهِ لهُ رحمةٌ" كما أخرجهُ الإمام أحمدْ في المسند وغيرهِ. 

قالَ: "فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا،" فصلَّى، "وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ."؛ ففيهِ:

  • مشروعيةُ الصَّلاة على القبرِ، وعليهِ الإمام مَالِكْ والإمام الشَّافعي والإمام أحمدْ بن َحنبَل وكذلكَ أبو حَنيفة.
  • وخصّصه بعضهم: إذا كانَ دُفنَ قبلَ الصَّلاةِ عليهِ. 

ومن أدركَ بعضَ التكبيراتِ مع الإمام صلَّى معه، ثم إذا سلَّمَ الإمام أكمل التَّكبيرات التي عليهِ. ومن كان يُحسن الصَّلاةَ على الأمواتِ ويعتني بها ويُحضِر قلبهِ، سخَّرَ اللّٰهُ له عندَ موتهِ من يُحسن الصَّلاةَ عليهِ، ومن كان يُحسن تشييعَ الأمواتِ، سخَّرَ اللّهُ لهُ عندَ موتهِ من يُحسنُ تشييعه، وإنّما الجزاءُ من جنسِ العمل. 

رزقنا اللهُ الإخلاصَ له والصَّدق، وبركة العمرِ وصرفهُ في طاعتهِ وختمهُ بأكملِ الحُسنى، ورزقنا السَّعادةَ الكُبرى، وجعلَ قُبورنا رياضًا من رياضِ الجنة، وجعلَ لنا من عذابهِ وقايةً وجُنّة، وحشرنا في زُمرةِ الصَّالحين بسِّرِ الفاتحة إلى حضرةِ النَّبي الأمين ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

23 جمادى الأول 1442

تاريخ النشر الميلادي

06 يناير 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام