(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، باب وُضُوء النائم إذا قام إلى الصلاة.
فجر الأربعاء 10 ذي القعدة 1441هـ.
باب وُضُوءِ النَّائِمِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ
42 - حدثني يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا في وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ".
43 - وحدثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعاً فَلْيَتَوَضَّأْ.
44 - وحدثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الآيَةِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة:6] أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ، يَعْنِى النَّوْمَ.
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله أفضل صلواته وتسليماته، وعلى آله وصحبه وأهل متابعته وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن تعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
(انقطاع في تسجيل الدرس)
خصّه بنوم الليل لدلالةِ: "أين باتت يده"، وأنّه إن قام من نوم النهار فيُستحب له كما قال الجمهور، وإذا قام من نوم الليل فيجب عليه في هذه الرواية عند الإمام أحمد -عليه رضوان الله- كما قال الظاهرية، وقالوا: أنه يجب عليه أن يغسل يديه خارج الإناء، فإن غمسها في الإناء أثِم، والماء طهور ما يتنجّس لعدم وجود يقين نجاسة، ومن أهل العلم من قال: يجب عليه أن يهريق الماء الذي وضع يده فيه قبل أن يغسلهما -أي: الكفين- خارج اليدين.
علمنا ما قاله جمهور أهل العلم: أنه يستحب لكل متوضئ، وخصوصًا من قام من النوم، وخصوصًا من قام من نوم الليل، أن يغسل كفّيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما الإناء، أي: الإناء الذي فيه الماء، وأنه لو أدخلهما من دون أن يغسلهما في الخارج لم ينجس الماء، ولم تذهب طهوريته، ولا شيء عليه، وفاتته السنة والأجر والثواب.
"إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا في وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". وقال: "وحدثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعاً فَلْيَتَوَضَّأْ". فاشترط لنقض الوضوء: الاضطجاع، فخرج به من نام جالسًا، وكل الأئمة يقولون: إنّ من النوم ما ينقض الوضوء، ومن النوم ما لا ينقض الوضوء،
وعن حذيفة بن اليمان أنه مرّ عليه ﷺ وهو في المسجد جالس ينعس أو ينام، فوقف عليه وحرّك رجله، ففتح عينيه فإذا رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أمن هذا الوضوء؟ قال: لا، حتى تضع جنبك.
إذًا فمن النومِ ما ينقض الوضوء، ومنه ما لا ينقض الوضوء باتفاق أهل العلم، واختلفوا ما الناقض من النوم للوضوء؟ وهذا في نوم غير الأنبياء، أما الأنبياء فلا ينتقض وضوء أحدهم بالنوم، وقالوا.. وأشار إليه في الحديث في قوله: "إذا استيقظ أحدكم من نومه" مع أنّه جاء إلى التأكيد في قوله: "من نومه" لأن الاستيقاظ ما يكون إلا من النوم، لكن قد يكون الاستيقاظ من غشية ونحوها، ثم: "إذا استيقظ أحدكم" أشار إلى عموم الأمة، لأنه ﷺ لا ينتقض وضوءه بالنوم، وقال: "تنام عيناي ولا ينام قلبي" ﷺ، قال: وكذلك الأنبياء لا ينتقض وضوؤهم بالنوم، بخلاف عامة الناس من جميع أتباع الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم وعلى أتباعهم-.
"إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري اين باتت يده" وذكر قول سيدنا عمر بن الخطاب: "إذا نام أحدكم مضطجعًا فليتوضأ" ثم أشار في هذه الأحاديث الى ما يتعلّق بما ذكرنا من غسل الكفّين إلى الكوعين، فإن المراد بقوله: "فليغسل يده" الكفّين فقط، لا اليد كلها، وذلك معلوم من مواظبته ﷺ على ذلك في عامة وضوءاتِه، "إذا توضأ غسل كفيه ﷺ" قبل، ولِما نص في الحديث في قوله ثلاثا، "فليغسل يده ثلاثا" قال أئمتنا: إنه لا تزول الكراهة بغسل الكف مرّةً ولا مرّتين حتى يغسل الكف ثلاثًا، ثم يدخلها الإناء، فإن أدخلها قبل التثليث وقع في الكراهة، وفي هذا دليل على أنه لم يكن لأجل الشك في النجاسة لأن بالغسل المرة الواحدة لو كان عليه نجاسة لطَهُر بيقين، ولكنْ مع ذلك تبقى الكراهة قائمة، فهو أقرب إلى ملمح العبادة في الأمر أنه يُسنّ له على كل حال أن يغسل كفّيه ثلاثًا قبل أن يدخلهما الإناء.
وعلمنا ما قال الحنفية والمالكية والشافعية كما هو رواية عن الإمام أحمد: أن ذلك سُنّة من السنن، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد -أشرنا إليها- وهي ظاهر مذهبه: أنّه إن كان من نوم الليل فيجب أن يغسلها -إذا قام من نوم الليل- أن يغسلها خارج الإناء. وهذا عند من يتوضأ من الآنية، ولكنّ أكثر وضوء الناس الآن من القصب، ما يأتي فيه شيء من هذا، أو يتوضأ من جابية أو ماء كثير، ما يأتي فيه شيء من هذا، ولكن من أراد أن يتوضأ من إناءٍ؛ من أي وعاءٍ فيه ماء قليل فيأتي فيه هذه السنة.
ولم يُفرّق عامة الأئمة بين من نام في الليل أو في النهار، وأشار أيضًا إلى نقض النوم للوضوء كما قلنا، فمن كان مضطجعًا ونامَ نومًا ثقيلًا فبالاتفاق يجب عليه أن يُجدّد الوضوء، ويُحكم بنَقض وضوئه. ويروى عن أبي حنيفة: أن من نام على هيئةٍ من هيئات الصلاة فعليه الوضوء، وفي رواية عنه: أنه إن كان على غير هيئة الصلاة كذلك طلبه في نومه ساجدًا، قال: إن كان في صلاة غير متعمّدٍ للنوم فلا يبطل وضوئه لأنّ الحق يباهي بمن غلبته عيناه في سجوده من القيام بالليل فيقول للملائكة: انظروا إلى عبدي قام من أجلي فغلبته عيناه، وهو يرفض النوم من أجل أن يناجي الحق ويصلي بين يديه في الليل، ثم من شدة مغالبة النوم له غلبته عيناه. وقال عامة أهل العلم: إنما المباهاة باجتهاده وقيامه، لا أنّه لم يزل في صلاة ولم تبطل صلاته، بل صلاته بطلت بنومه.
وهكذا علمنا اختلاف الأئمة في النوم،
وقد جاء أنّهم كانوا ينتظرون صلاة العشاء مع النبي ﷺ فتخفق رؤوسهم، ثم يخرج فيصلي بهم، ولا أحد منهم يجدّد الوضوء ولا ينقض الوضوء. حتى قالوا -في بعض الليالي لما تأخر ﷺ في الخروج إليهم- قالوا: فنمنا ثم قمنا ونمنا -وهم جلوس- ثم قمنا ثم خرج نحوًا من نصف الليل وقال انه: "ما بقي أحد ينتظرها على ظهر الأرض غيركم" وكشف الله له أنه ما من أحد من البشر في تلك الساعة يصلي على ظهر الأرض إلا هؤلاء الذين معه في مسجده الشريف -صلوات الله وسلامه عليه- فخُصّوا بنظرٍ من الله، عليهم رضوان الله.
وهكذا جاء في رواية عن الإمام أحمد بن حنبل انتقاض الوضوء من مطلق النوم، مطلقًا- لأن الحديث جاء مطلق، ولكن الرواية الثانية التي جاءت عنه: أنه لا ينقض النوم إلا إذا كَثُر كالمالكية. وكل ما يزيل الشعور ويزيل العقل ناقضٌ للوضوء من إغماءٍ ومن جنونٍ ومن سُكرٍ -والعياذ بالله تعالى-. وذكر لنا قول زيد بن أسلم في تفسير قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ..) [المائدة:6] قال: إذا قمتم من المضاجع يعني: النوم (..فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) [المائدة:6] ولكن إنما في الآية إيجاب عموم الوضوء فقط وأركانه التي ذكرها في القرآن، لم يذكر غسل الكفّين ولا غيره، لكن في السّنُة بيّنت لنا ذلك، إلّا أن فيها الإشارة إلى أن النوم يُبطل الوضوء (..إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ..) على قول زيد بن أسلم: من المضاجع، يعني: النوم، والله أعلم.
نظر الله إلينا وملأنا باليقين وبالإيمان، وجعلنا من الهداة المهتدين، المتفقهين في الدين، المتابعين للحبيب الأمين، وحمانا وإياكم من جميع الشرور في جميع الأمور، وشفى مرضانا ومرضى المسلمين بالشفاء التام العاجل، وبلّغنا فوق المآمل من خيرات الدارين في عافية، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
11 ذو القِعدة 1441