شرح الحِكَم العطائيَّة لباراس - 123- من قوله: (أَوْجَبَ عَلَيْكَ وُجُودَ طَاعَتِهِ ، وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكَ إِلاَّ دُخُولَ جَنَّتِهِ)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب شرح الحِكم العطائية للشيخ علي بن عبدالله با راس رحمه الله تعالى، ضمن فعاليات الدورة التعليمية الثلاثين بدار المصطفى بتريم، عصر يوم السبت: 21 محرم 1446هـ، من قوله:
(أَوْجَبَ عَلَيْكَ وُجُودَ طَاعَتِهِ ، وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكَ إِلاَّ دُخُولَ جَنَّتِهِ).
نص الدرس المكتوب :
"فنعمة العامة بما أوجبه عليهم وافترضه، وجعل الفرائض مفاتيح القرب، لم يحجر عليها دون التوصل إليه بأصناف القرب؛ بل فتح لهم من كل فريضة بابا مهيّعًا إلى محبته واستعطاف رحمته واستدرار نعمته "لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"، فالحمد لله، فالطرق إليه مطيفة بك ظاهرًا وباطنًا قولًا وفعلًا حركة وسكونا نظرا وسمعا (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) [البقرة:115]، إن لم يوصلك إليه من طريق تعرفه، وابتداء حديثه، وسبق اختياره ومشيئته، أوصلك إليه شأن هدايته، والترقي في معارج إنابته، (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) [الشورى:13].
فطريق الجنة هو عينه سبيل الإنابة على وفق المحبة والإعانة على القيام لمقتضى الهداية. وقد أباح للعبد مواسم المغانم ووفور الغنائم، وجعلها في طي التعبدات وأصناف المفترضات مطوية كطي النخل في النوى والزروع في الحب، وجعل لكل فرض متمما من جنسه؛ ليكون جابرا ما فيه من التقصير، وموفرا لما فيه من التخسير، ومتمما ما كان من التحسير، ووعد على فعله من الفضل ما يتضمن له كل طالب، ويقضي به كل مأرب، وحذّر من التقصير وأوعد على تركه بما يزعج الغافل عن غفلته، ويوقظه من سنة شهوته، هذا لمن غلبت عليه الكثائف الأرضية و الطبائع الحيوانية".
فهذا فضل الله -تبارك وتعالى- على المؤمنين قال: جاءتنا الأوامر منه -سبحانه وتعالى- والنواهي؛ فأوجب علينا خدمته، وما أوجب علينا إلا جنَّتة وقربه ورضوانه وإحسانه؛ لأن في هذا الذي فرض علينا قربه، في هذا الذي فرض علينا رضوانه، في هذا الذي فرض علينا جنته، في هذا الذي فرض علينا نعيم الأبد، فإنما فرض علينا نعيم الأبد والقرب منه ورضوانه؛ أمر عظيم بواسطة هذه الفرائض التي جاءت في الشريعة المطهرة.
قال: "فنعمة العامة بما أوجبه عليهم وافترضه، وجعل الفرائض مفاتيح القرب، لم يحجر عليها دون التوصل إليه بأصناف القرَب، بل فتح لهم من كل فريضة بابا مهيعًا -يعني طريقا- إلى محبته"، فجعل فرائض وجعل نوافل في الصلاة في الزكاة في الصوم في الحج في مختلف العبادات والطاعات نوافل فوقها وطاعات؛ فتح الباب- جل جلاله- فيها استعطاف رحمته واستدرار نعمته: "لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل -بعد أداء الفرائض- حتى أحبه"؛ إذًا الطرق التي تقربك إلى الله محيطة بك مطيفة -الحمد لله- من كل جانب ظاهرا وباطنا:
-
تتقرب إلى الله بغض البصر عما لا يليق.
-
تتقرب إلى الله بالنظر بعين الرحمة إلى وجوه المؤمنين.
-
تتقرب إلى الله بالنظر والتأمل في ملك الله تعالى وملكوته.
-
تتقرب إلى الله تعالى بالاستماع إلى الكلام الطيب،
-
تتقرب إلى الله تعالى بالإصغاء إلى النصيحة،
-
تتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- باستماع الدرس -ماشاء الله-.
-
وتتقرب إلى الله تعالى باختيار القول الحسن وإخراج الكلمات الطيبة.
-
تتقرب إلى الله بالسلام على من لقيته.
-
تتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بصون اللسان عما حرم من كذب وغيبة ونميمة وسب و شتم و لعن و ما إلى ذلك.
-
تتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بمصافحة أخيك المسلم، تتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بالبشاشة في وجهه.
-
تتقرب إلى الله تعالى بسؤاله عن حاله، تتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- برفع متاعه له.
-
تتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بالأخذ بيده، تتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بإدخال السرور على قلبه.
-
تتقرب إلى الله وأنت قائم وأنت قاعد.
-
تتقرب إلى الله بلبسك الثوب امتثالًا لأمره.
-
تتقرب إلى الله تعالى بأكل الطعام بنية التقوي على طاعته وعبادته، وامتثالًا لأمره:
-
وكونه من الحلال.
-
وتسمي الله عند الطعام.
-
وتحمد الله عند آخره.
-
وتعمل بالآداب في وسطه.
-
تتقرب إلى الله بالظاهر، بالباطن، بالنظر، بالقول، بالفعل، بالاستماع، بكل شيء تستطيع، "فالطرق المقربة إليه مطيفة بك من كل ناحية، -الله!- قولاً وفعلاً، وحركة وسكوناً، نظراً وسماعاً"، (فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِ) [البقرة: 115]، تقصد وجه ربك في أي شيء من أعمالك هذه، تجلس في المجلس متقربًا إليه، تستمع متقرب إليه، تنظر بعين الرحمة والمحبة التعظيم تتقرب إليه، تنوي أن تعمل تتقرب إليه، كل محل من كل جانب تتقرب إليه، تنوي الاعتكاف في المسجد تتقرب إليه، وإذا كل شيء ممكن يقربك إليه إذا صدقت معه سبحانه وتعالى، لهذا قالوا: "الطرق إلى الله على عدد أنفاس الخلائق"، (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ) [البقرة:115].
ويقول العوام عندنا أيضا: "عجزك من كراعك"، أنت إن بتتخلف تخلف، وإلا الحق بسط لك البساط، ومد السماط من كل جانب، تصدق معه، تقبل عليه، بكل شيء تثاب، بكل شيء ترفع، وبكل شيء تنور، وبكل شيء تقرب، الحمد لله على فضله العظيم، يوصلك إليه من طريق تعرفه وابتدائه، وابتداء منته عليك وسبق اختياره، أوصلك إليه من طريق ثاني، هدايته وتوفيقه للخير، صنفين:
-
(اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ) يبادئهم من عنده.
-
(وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) [الشورى:13]، اللي سيهديه إلى الطريق.
وذاك مباشرة يأخذ بيده إليه، وذاك يوفقه لسلوك الطريق، لا إله إلا الله، (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) [الشورى:13]:
-
فيجتبي إليه من يشاء، فهذا مراد، وهذا محبوب.
-
ويهدي إليه من ينيب، هذا مريد، وهذا محب.
فذا مُراد، وذا مُريد، وذا محبوبا، وذا محب.
قال: "فطريق الجنة هو عين سبيل الإنابة إلى الله تبارك وتعالى، ويهدي إليه من ينيب، وقد أباح للعبد مواسم المغانم ووفور الغنائم، وجعلها في طي التعبدات وأصناف المفترضات مطوية كطي النخل في النواة"، تحمل نواة، تشوف فيها نخلة؟ أين النخلة؟، نواة، النخل وسطها، حطها محلها، واسقها، وترجع لك نخلة وتثمر لك هذه، ففي أسرار قربه ومحبته مطوية وسط الأعمال، هذه القرب للعبادات تقربك إليه -سبحانه وتعالى-.
"يجعل لكل فرض متمما من جنسه -وله الحمد-؛ ليكون جابرا ما فيه من التقصير، وموفرًا لما فيه من التخسير -ما كان من خسر ونقص يوفره- ومتممًا ما كان فيه من التحسير -استبعد الحسرة بواسطة النوافل- وأوعد على فعله من الفضل ما يتضمن له كل طالب ويقضي به كل مأرب -أي كل حاجة- وحذر من التقصير، وأوعد على تركه"، يقول: فهكذا إذًا يسر لك الطريق وأعانك عليه، وأوعد على ترك الواجبات وفعل المحرمات "بما يزعج الغافل من غفلته ويوقظه من سنة شهوته، وهذا لمن غلب عليه الكثائف الأرضية"، صنف ونوع من الخلق، نور الله قلوبهم واشرح صدورهم، ما لهم ميل إلى غيره أصلا.
ورضي الله عنه وعنكم إلى أن قال:
"وأما من نوّر الله قلبه وشرح صدره بنور هدايته، وتوّجه بنور ولايته، فلا يعبد الله على المخارجة، بل يعبده على المحبة، فلا يبرز نفس من الغيب إلا أكسبه سرا، واوجده علما، فشهده من حيث صدر، فيبْتدره بالإكرام، وينزه عن مقارفة الآثام، فالوقت كله لهم وقت واحد، فهم أهل الصلاة القائمة، والكلمة الجامعة، ولي في ذلك:
ما أوجب الحق من فرض وحث على *** طاعات نفل فمرجع ذلك العمل
إليك إن كنت ذا فهم سليم فلا *** يحتاج حتى متى وهــو الغني الأزلي
أوجب عليك لكـــي يدخلك جنتـــه *** ويبلغك فوق ما ترجو من الأمل
فباب فضل الله واسع، ورحمته عامة، ومنته تامة، وهو الغني عن أعمال العباد، المتسمي بالكَريم والجواد، يُنيل من لم يرجه، ولم يأمّل ما عنده، فكيف من علقت به مطامعه، وانبسطت إليه حوائجه، ورفعت إليه شكايته، وضرّع إليه، وتوسل به إليه، وبكل من له عنده جاه؟! فلا يستغرب ولا يستبعد أن يقبله ويمنحه غايات الآمال؛
لذلك قال المؤلف رضي الله عنه:
197: "من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا)" [الكهف:45]. لا إله إلا هو جل جلاله.
وقال: وهكذا بسط البساط لعموم الناس، وحتى من وصلتهم كتائب الأرض والشهوات، ويسر لهم الطريق يتقرب بذا، ويتقرب وبذا، ويتقرب وبذا،، ويصلح نفسه هنا وهنا، وحتى يتجاوز المصائب والمشاكل، ويدخل إلى دائرة القرب. وأما الذي نور الله قلوبهم وشرح صدورهم بنور هدايته، وتوّجهم بنور ولايته، ما يدور العبادة على أن يتخارج؛ إلا محب مشتاق فرحان راسخ في العبادة بطمأنينة وبمحبة، يعبد على المحبة، ما هو على المشقة ولا على مغالبة نفسه، غاية مرامه عبادة ربه -سبحانه وتعالى-، فهو يعبده بلذة، ويعبده بحلاوة، ويعبده بمحبة، الله، الله، الله.
"فلا يبرز نفس من الغيب إلا أكسبه سرا و أوجده علما، فشهده من حيث صدر -وإنما يصدر من الحق سبحانه وتعالى- ويبتدره بالإكرام". أنفاسه كلها "ينزها عن مفارقة الآثام، فالوقت كله لهم وقت واحد، هم أهل الصلاة القائمة -والدائمة- والكلمة الجامعة" عليهم رضوان الله تبارك وتعالى؛ إذًا "فباب فضل الله واسع -اللهم لك الحمد-، ورحمته عامة، ومنته تامة، وهو الغني عن أعمال العباد، -والذي سمى نفسه- المتسمي بالكريم والجواد،" ينيل ويعطي حتى من لم يرجه ولم يؤمل ما عنده، فكيف من تعلق قلبه ومطامعه بالرب؟! وانبسطت حوائجه إليه ورفع شكواه إليه وتضرع إليه وتوسل إليه به وبأسمائه وصفاته وحبيبه ومحبوبيه ومحبوباته كلها، كيف يتركه؟ كيف ما يدركه؟ كيف ما يقربه؟ "فلا يستغرب ولا يستبعد أن يقبله ويمنحه غايات الآمال".
لهذا قال المؤلف: لا يضحك عليك إبليس من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، قال: لا، ماشي فايده مني! ولا بيحصل مني شيء، لماذا؟! هل أنت أم الشيطان أقوى من قدرة الرحمن ومن إرادته؟! ماهذا الكلام؟! من استغرب أن ينقذه الله من شهوته وأن يخرجه من وجود غفلته إلى الاستقامة والحضور مع الله. قال: إذا استغربت هذا فقد استعجزت قدرة القادر: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا) [الكهف:45]، (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحديد:2]، إذا استغربت هذا يجيب أبعد بعيد وألحد ملحد في لحظة يحوله إلى تقي وهو صاحي يرده.. يقدر، فلا تستغرب ولا تقول: صدق إبليس يقول: أنت ما فيك فايده وخلاص خلك في الشر! كيف خلك في الشر؟ يضحك على عقلك هذا، قل: معي القوي القادر ينقلنا في لحظة واحدة، وأنا أعكف على بابه ولا يخيبنا، أذهب أنت وتسويلك يا كذاب -الشيطان- وأصدق ولا تبرح ولازم الباب يفتح لك البواب.
إبليس يقول للجبار سبحانه وتعالى-: "وعزتك وجلالك لأغوينهم مادامت أرواحهم في أجسادهم"، ما دام عاد ما خرجوا من الدنيا بحاول معهم، قال: "وعزَّتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفَرُوني"، ما استغفروني باغفر لهم على رغم أنفك، (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ..) [الحجر:42]. فلا تستغرب قدرة الله ولا تقول: أنا ما أقدر ولا كيف أعمل، إذا جاءت المعونة انتهى كل شيء، فثق به وتوكل عليه وعلق مطامعك به وألح عليه؛ يقرّب البعيد، يهون الشديد، يحول الشقي سعيد: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:13-16].
يابختنا بهذا الرب -تعالى في علاه- لك الحمد، ولك المنة، فعرفنا عظمة ربوبيتك وعظمة منتك علينا وارزقنا العبودية المحضة الخالصة والاعتماد عليك والاستناد إليك والصدق معك.
ربّي عليكَ اعتمادي *** كما إليكَ استنادي
صدقًــا وأقصى مُرادي *** رضاؤكَ الدائم الحالْ
فارض عنا رضًا لا سخط بعده أبدا، وبين ختم شهر محرم إلا وكثير على ظهر الأرض ممن رضي الله عنهم، بعد أن كانوا في دوائر السخط ومظاهر السخط ويدخلون في دائرة الرضا، الله اظهر عليهم دخولهم في دائرة الرضا، اللهم ارض عنا رضًا لا سخط بعده أبدا، وازدد عنا رضا في كل لمحة ونفس أبداً سرمداً، حتى نسمع نداءك لأهل جنتك: "أُحِلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَطُ عليكم بعدَه أبدًا".
ورضي الله عنه وعنكم إلى أن قال:
"من استغرب واستبعد وقوع ممكن من الممكنات، أو دفع نازلة من النازلات مما هو من قسم الجائزات من سائر الأشياء المقتدرات وإن جلّت، ودفع نازلة من النازلات وإن عظمت، وإدراك مسمى من المسميات وإن دقت.. فذلك لقصور فهمه وغلبة سلطانه وهمه عن درك ما هو وصف من صفات الله الجلية، ونعت من نعوته العلية؛ إذ (هو) من صفته نفوذ القدرة وصلاحيتها لكل ما خصصته المشيئة الازلية، وسواء كان من الأعيان الحسية والأجسام الصورية، أو من المعاني الغيبية الملكوتية والجواهر الروحية، أو من الأعراض المعنوية، أو من مجموع ذلك وفوق ذلك من كل ممكن".
تعجب بعضهم من سيدنا عمر، يسمع سيدنا عمر يدعو: "أسألك شهادة في سبيلك ووفاة في بلد نبيك" فقال: ها؟ تريد شهادة وبعدك في المدينة! بعد أن سمعه يكرر الدعاء سيدنا عمر. قال: يا أمير المؤمنين الجهاد هناك في الأطراف بعيد في الأمصار التي فتحت وأنت تطلب الشهادة هنا وسط المدينة! التفت إليه وقال: إذا أرادها جابها إلي بلا حرس. قال: هو يجيبها اليّ.. وإذا بالمجوسي جاء وطعن سيدنا عمر وسط المدينة منور، وسط المسجد الشريف، وقعت الوفاة في المدينة وهو شهيد عند الله -تبارك وتعالى -قال: إذا أرادها قربها، فما شيء يصعب على الله ولا يعجز الله شيء- لا إله إلا هو- ماشي على ربنا يصعب ولا شيء بعيد.
قال: وينفتح باب رضوانه بإحسان قليل، عسى عناية يقرب كل من هو كل بعيد، وينفتح باب رضوانه بإحسان قليل، ما في شيء على ربنا يصعب ولا شيء بعيد، بيده ملكوت كل شيء، ثق به واصدق معه وطلبه، أي شيء في الدنيا في البرزخ في الآخرة، في حالك في دينك فِي دنياك في نفسك في أهلك في أولادك في زمانك.. اطلبه جواد قادر يفعل ما يشاء.
ورضي الله عنه وعنكم إلى أن قال:
"والشهوة: عرض من هذه الأعراض، لا يعجز الله عن تبديلها، ولا يؤوده تحويلها إلى ضدها، فالتّبديل للسيئات من الله لعباده التائبين مألوف، وضد ذلك غير معروف، فمن فضله الفائض العميم: أن أخبر بذلك ونبه على ما هنالك بقوله وقوله الحق: (إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ)، فالإيمان يقتضي حسن الظن بالله؛ أنه ما ألهمه التوبة ويسر أسبابها وفتح لها أبوابها.. إلا وهو يريد به أن يجعله من خواص أحبَابه، ويُدنيه من حَضرة شهوده وإقترابه.
فليحمل على المسارعة إلى الخيرات واستعمال الصالحات، ولا يصده عن بابه ما قارفه من السيئات، وما طالت فيه ممارسته للخطايا والهفوات واتباع الشهوات، فقال عز من قائل متقربا إليه ومتَعطفا عليه، ومواصلا له بعد القطيعة: (فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ)[الفرقان:70]، ويرفع حسناتهم درجات، ودرجاتهم مشاهدات، ومشاهداتهم مواصلات، ومواهب ألطاف، ونيل إسعاف، و تنزلا ودنوًا، وغير ذلك مما لا يسع العقل فهمه.
وفي الحديث أن بعض الناس في القيامة يعرض عليه بعض أعماله من السيئات، يقول: أنت فعلت كذا وكذا، يخاف ويسكت وما ينكر شيئا، أنت فعلت كذا وكذا، يسكت ساكت يقر ما يقدر ينكر شيئا.. يقول: أنت فعلت كذا وكذا يزداد خوفه ويسكت، ساكت.. يقول: أنت فعلت كذا يقر بكلّه.. يقول الملك: إنك تبت وأن الله بدلها حسنات، لما يشوف قابلها كذا ويقر، بعدها يرجع يفتح عينه يقول: باقي عندي ذنوب أخرى؟ عندما يرى المعاملة من الرب كيف، يقول: أعد باقي عندي شيئا؟ كان فزعان وما يقدر.. فزعان من هذا.. فلما رأى المعاملة الحسنة من الرب يقول: بعد باقي عندي ذنوب؟
بعد ما رآها تبدلت حسنات.. (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ) [الفرقان:70]، فما شيء صعب على ربك، غيره ما يقدر يبدل السيئة حسنة، يعفو عن سيّئتك نعم، يجزيك حق بإحسان من عنده نعم، لكن يبدل السيئة حسنة! هذا ما حد يقدر عليه غيره، هو بنفسه يبدل السيئة يقلبها خلاص حسنة، ما عاد عنده؛ راح السوء كله يبدله، -لا إله إلا هو- (فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ) [الفرقان:70]، -لا إله إلا الله-.
ورضي الله عنه وعنكم إلى أن قال:
"والشهوة: شيء مما هو مقدور لقدرته، ومقهور تحت قهر ألوهيته.
والغفلة: وهم يضمحل عند إشراق أنوار مشاهداته، فكيف ييأس من تمكنت منه أسبابها؟ بل يطلب من فضله أن ينقذه منها، فهي عليه يسيرة وإن عُظمت، وقليلة وإن كثرت؛ كما رأيت وشاهدت من أحوال من سبقت منهم كبائر الذنوب وفظائع أمور، وعادوا بفضل الله سادة وقادة، وأعلام لمنار السعادة، فلا يحصى عددهم، ولا يمكن حصرهم ممن قد تلبّس بزنّار، وعابد صنم ونار، وكوكب من الكفار.
الذين سبقت لهم من الله عناية، لم يضرهم ما قارَفوه ومِن مَن لبث أزمانا على إدمان المعاصي، وتُدُورِكَ من الله ونال أعلى المنازل، كسادة العارفين فخر اليمن أبى الغيث وغيره، مثل ربيع المَافودي؛ كما روى عن نفسه: أنه كان في سالف الزمان مقدما لجماعة قطاع الطريق فتدُورك فأصبح قطب التحقيق، وغيره من أكابر هذه الأمة".
لا إله إلا الله.
فهكذا يقول: أن كثير من من كانوا أهل الذنوب والمعاصي حولهم الله -تبارك وتعالى- إلى أهل دلال عليه، وأهل وصول وإيصال إليه، وهكذا.. وكان في شيء من الغفلة وقطع الطريق سيدنا أبي الغيث بن جميل فعاد إلى حال جليل، وهذا رَبيع المافودي قال: كان مقدم جماعة قطاع الطريق، فصار إمام يهدي إلى الطريق، رجع ثاني ماذا وصار في حال ثاني.. وما يصعب على ربي شيء، يقلب ما شاء، ويفعل ما يشاء، فاعكف على بابه، و لذْ بأعْتابه، وقل: ما لي غيرك، وأنا بين يديك والحال لا يخفى عليك، وخذ بيدي، ولا يصعب عليه شيء، كل شيء كل ذنب يغفره ولا يبالي، كل عيب يستره ولا يبالي.
ويبدل السيء حسن ولا يبالي، يقرب بَعد البُعد ولا يبالي، ويُسعد بعد الشقاوة ولا يبالي، وهو مولى الموالي، وبيده ملكوت كل شيء، ومطمح الآمال، -لا إله إلا هو- اللهم لا تحرمنا خير ما عندك لشر ما عندنا، فثبتنا، ولأن من أعظم الذنوب اليأس من رحمة الله، من أعظم المعاصي القنوط من رحمة الله، واليأس من عفو الله ومغفرة الله (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]،،
يالله بالتوفيق..
اللهم احفظنا بكرمك، اجعل كل منا مقبولا عندك، واجعل كل مننا موفقا لمرضاتك، اجعل كل منا مقتديا بخير أنبيائك، وحول الحال كل منا إلى ما هو أحسن وإلى ما هو أزين ولما هو أبين ولما هو أجمل ولما هو أكمل ولما هو أفضل في جميع النيات والمقاصد والأقوال والأفعال والأخلاق والحركات والسكنات والأخذ والعطاء، وزدنا من فضلك ما أنت أهله، واجعل قلوبنا ملأى بمحبتك ومحبة رسولك حتى نمسي ونصبح ونحيا ونموت وأنت ورسولك أحب إلينا مما سواكُما، واجعلنا لا نحب إلا فيك ولك ومن أجلك، ولا نبغض إلا فيك ولك ومن أجلك، واجعل هوانا تبعا لما جاء بين خاتم رسلك ﷺ، وحنن روحه علينا.. وحنن روحه علينا.. وحنن روحه علينا.. وعطف قلبه علينا.
وانظر به إلينا وإلى والدينا وأهلنا وأولادنا وطلابنا و أحبابنا وأصحابنا، واجعلنا والحاضرين والسامعين وأهل المحبة والتعلق من الداخلين في دائرته، والحاضرين في حضرته والمحشورين في زمرته، والمَسعودين بمرافقته والمكرمين بتلك المرافقة في دار الكرامة وأنت راض عنا، من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا حساب وارفعنا أعلى الدرجات، واغفر للمنتقل إلى رحمة الله الشيخ آدم بن أحمد بن عبد الله وارفعه أعلى له المراتب ويجزل له المواهب واخلفه بخير خلف، وارحم الشيخ أبو بكر محمود بن محمد النوفلي واجعل قبورهم رياضًا من رياض الجنة، ويجعل من عذابك وقايةً وأدخله الجنة وثبتهم بالقول الثابت، واجمعنا بهم في دار الكرامة وأنت راض عنا من غير عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، وأجعل مستقر أرواحهم في رغد، واخلف فيهم في الأمة بخير خلف، وأصلح شؤون المسلمين وادفع البلاء عن المؤمنين، وحول الأحوال إلى أحسنها واختم لنا بالحسنى.
بسر الفاتحة
وإلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
09 صفَر 1446