شرح الحِكَم العطائيَّة لباراس - 122- من قوله: (عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ العِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وُجُودَ طَاعَتِهِ ، فَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِسَلاَسِلِ الإِيجَاب )

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب شرح الحِكم العطائية للشيخ علي بن عبدالله با راس رحمه الله تعالى، ضمن فعاليات الدورة التعليمية الثلاثين بدار المصطفى بتريم

 عصر يوم الأربعاء: 18 محرم 1446هـ، من قوله: 
(عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ العِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وُجُودَ طَاعَتِهِ ، فَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِسَلاَسِلِ الإِيجَابِ (عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ).

 

نص الدرس المكتوب :

 " قال المؤلف -رضي الله عنه-: 195: عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وُجُودَ طَاعَتِهِ، فَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِسَلَاسِلِ الْإِيجَابِ "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ".". 

علم سبحانه بعلم قديم، وعلمه محيط بالأشياء أولًا وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، وجوبًا وجوازًا واستحالة؛ فالخلق وأحوالهم وأعمالهم مَعلومون له في قدمه كيف يكونون في حال بروز خلقيتهم، فهم معلومون له حاضرون لديه لا يعزب عنه منهم حال ولا عمل، ولا حركة ولا سكنة، ولا أقل من ذلك ولا أكثر. 

وأما لأنفسهم.. فمعدومون حتى يعطيهم العلم بها، وبما أراد من تفاصيل أحوالها لا كليتها؛ فذلك له في حضرة عِنديته التي هي مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو، وينكشف له من عجائب القدرة بحسب ما ينكشف لها منها، فهي لاتتعدى فوق ما أعطيت من ذواتها، فهنا يجب علينا قبض العنان، ولنرجع إلى حل كلام المؤلف:

قال: (عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِه) لما هم عليه من الثقل الترابي الذي منه مَنشأ صورهم، وظهور أَثرهم، ومعاملته: هي ما دعاك إليه من الأوامر التي تقرّب إليه، وتُزلف بها لديه، وتدخل بها في حضرته، وتستحق بها محبته، فلم تنهض لما غَلَب عليك من الكثافة الترابية الأرضية، وعبارة المؤلف "بالسلاسل" للواجبات الشرعية؛ بديع وهو قريب من قود الأسير الكافر إلى الدخول في الإسلام الذي فيه نجاته. 

فَبجميل لطفه لم يترك العباد ومقتضى طبائعهم، بل ساقهم بِتخويفات العقوبات ورجاء المثوبات؛ فهو المتفضّل في ذلك، وهو مقتضى لطف الربوبية بالمَربوب، وتكليف الحبيب بالمحبوب، فالخلق مربوبون تحت كنف ربوبيته، يُربيهم كما يربّي الوالد الشفيق المحبّ الرفيق طِفله الجاهل بما يعود عليه من الصّلاح، فإذا كشف عند كماله ما سبق إليه، وأكلف عليه.. شكر صنيع والده. 

فكذلك إذا كشف الله لعباده في الدّار الآخرة ما أعدّه لهم من الكرامة على ما استَعملهم فيه، كيف تراهم يقولون؟ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف:43]، (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر:74]، فهذا وما وراء  هذا مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ثم ما ساقهم إليه وندبهم وأوجب عليهم وحثّهم على فعله؛ لينالوا هذا الفوز العظيم، والحظّ الوافر العميم.

والسلاسل: ما يوضع في الرقبة للقود بالعنف والزجر، والعجب من الله جائز بالكتاب والسنّة، لكنه من السمعيات، ومن قسم الصفات التي يختار تركها على ما جاءت، فيؤمن بها، ويُترك على ما أراد من ذلك، كسائر ماجاء من ذلك، فذلك أَسْلم إلا إذا اضطر إلى التأويل، فيبحث عن تأويل العلماء الربّانيين فيها، فيجدها على أكمل محمل، ثابتة شرعا وعقلا، ولي في ذلك 

 لما علم جل مولانا و موجدنا *** أنا كما قال لم ننهض إلى العمل

 أوجب علينا وحذر سوء عادتنا *** و قادنا قود إيجاب فصيح جلي

 فَالإيجاب من مقتضى قهر الألوهية ومستحق الربوبية؛ فَمقهور ظاهر بالعدل، وباطن بالفضل، وهو القهر على الواجبات المفترضات، فإذا نظرت ما يعود بسبب ذلك من الفضل العظيم والجزاء الجسيم، علمت أنه ما أوجب عليك إلا ماهو عائد إليك نفعه، وصائر إليك غُنْمُه.

 جلّ جلاله وتعالى في علاه.

يقول رحمه الله -تبارك وتعالى- في بيان عَظَمَته وحُسُن تعامل الرحمن لنا: "عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ" لما يَكتنفهم من كثافة جسمانية وظُلُمَات شهوانية، والاغترار بالفانيات، فما يَنتهضون بما يُوجب لهم الفوز الأكبر والنعيم الأفخر.

فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ خمس صلوات كتبها على عباده في اليوم والليلة، زكاةٌ، صوم رمضان (..فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة:185]، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران:97]؛ وأوجب الفرائض، وحرّم عليهم المحرمات؛ كان بِيرمون بأنفسهم فيها فَتضرهم في حِسْهِم ومعناهم، ودنياهم وبَرزخهم وأخراهم؛ فحرّم رحمة منه بعباده -جلّ جلاله-.

وحثّ ورغّب على سنن يرتفع بها درجاتهم، وتَعظم بها مَثوباتهم، وتكمل بها سعادتهم، وأيضًا حذّرهم من شبهات إن استخفوا بها وقعوا في المحرّمات، ومن مكروهات إن زَاولوها سهل عليهم الوقوع في المنهيات؛ رعاية كبيرة منه -سبحانه وتعالى-، وهذه في الشرائع من الله منّته على عباده، فيها صلاحهم وفَلاحهم، ونجاحهم وفوزهم وسعادتهم في الدّارين.

"عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وُجُودَ طَاعَتِهِ، فَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِسَلَاسِلِ الْإِيجَابِ "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ"." مع أنهم لو تمت عقولهم وأدركوا الحقيقة ما يحتاجون يوجب عليهم، يعكفون على بابه ويلوذون بجنابه؛ ولكنه سبحانه تكرّم عليهم، وأوجب عليهم، وبيّن لهم؛ تطهّروا كذا وصلّوا كذا، واَذكروا كذا، واتلوا كذا، وصوموا كذا -الحمد لله-. 

قال: "علم بعلمه القديم المحيط بالأشياء، فجميع الخلق وأحوالهم وأعمالهم مَعلومون له في قدمه -جلّ جَلاله- كيف يكونون في حال بروز خلقتهم، فهم معلومون له حاضرون لديه، لا يعزب عنه منهم حال ولا عمل"، (..لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ..) [سبأ:3].

قال: "وأما لأنفسهم فمعدومون حتى يعطيهم العلم بها، وبما أراد من تفاصيل أحوالها لا كليتها"؛ فعلّمنا فوائد لهذه المأمورات والمستحبات، وعلّمنا أضرار وآفات لهذه المحرمات والمكروهات، وما لا نعلمه أكثر مما نعلمه؛ لأنها كلها رحمة منه -سبحانه وتعالى-، الفرائض والنّواهي رحمة منه -سبحانه وتعالى-.

  • ففوائد المأمورات والمستحبات مهما علمنا منها ما علمنا، فما لم نعلم من خيرها وبركاتها وفائدتها أكثر مما علمنا.

  • والشرور والآفات، المنهيات والمكروهات كلها، المحرمات والمكروهات مهما علمنا من ضُرّها وشرها وآفاتها وسوءها، فما لم نعلم من ذلك أكثر مما علمنا -سبحان العليم-.

قال: "بما أراد من تفاصيل أحوالها لا كليتها، فذلك له في حضرة عِنديته التي هي مفاتح الغيب"، (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) -هو المحيط علمه بكل شيء جل جلاله- (لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام:59].

قال: "وينكشف لها من عجائب القدرة بحسب ما ينكشف لها منها، فهي لاتتعدّى فوق ما أعطيت من ذواتها، فهنا يجب علينا قبض العِنان، نرجع إلى حل كلام المؤلف"؛ لأن فيه سرّ القدر والتكوين.

قال: (عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ) -لماذا؟- "لما هم عليه من الثقل الترابي الذي منه مَنشأ صورهم وظهور أَثرهم، ومعاملته هي ما دعاك إليه من الأوامر التي تقرّب إليه، وتُزلف -تقرب- بها لديه، وتدخل بها في حضرته، وتستحق بها محبته"، "لا يزالُ العبد يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ بعد أداء الفرائض حتى أحبَّه"، "تستحق بها محبته، فلم تنهض لما غلب عليك من الكثافة الترابية الأرضية، وعبّر "بالسلاسل للواجبات الشرعية"؛ قال: تعبير بديع، كما يُقَاد الأسير الكافر بالسلسلة إلي يدخل في دين الإسلام ليخرج من النار ويدخل الجنة، ليَخرج من الظلمات إلى النور بالسلسلة، أنت بنفسك من المفروض ترغب وتروح.

قال: "فَجميل لطفه لم يترك العباد ومقتضى طبائعهم"؛ بيسترسلون معها فيهلكون؛ فأرسل الرسل، وأنزل الكتب، بيّن الأحكام، شرع الشرائع، أَحَلّ وحرّم، ورغّب وحذّر، وبشّر وأنذر -لا إله إلا هو- كرم منه علينا؛ وإلّا ضِعْنَا وتُهْنَا كلنا -لا إله إلا الله-.

"بل ساقهم بِتخويفات العقوبات ورجاء المثوبات؛ فهو المتفضّل في ذلك، وهو مقتضى لطف الربوبية بالمَربوب، وتكليف الحبيب بالمحبوب، فالخلق مربوبون تحت كنف ربوبيته -الرحمن الرحيم-، يُربيهم كما يربّي الوالد الشفيق المحبّ الرفيق طِفله الجاهل -ولله المثل الأعلى- بما يعود عليه من الصّلاح"، فتحصّله -تجده- يحافظ على الولد ما يدخل النار، ما يلعب بالسكين فيعوّر -لايؤذي- عينه، ولا يجرح بطنه ولا يده، يمنعه لا لا، يأخذه منه بالقوة، ما هكذا -ليس كذلك- يفعل الوالد الشفيق مع الولد.

 الرّحمن قال: لا تفعل كذا، لا تقرب كذا، ثم تقع في مصيبة تضرّ نفسك، مثل الطفل يَبغى يلعب بالنار، يبغى يلعب بالسكين، يبغى يقع، تمنعه منه يبكي، خلوه يبكي أحسن له ولا يهلك علينا. وهكذا أوامر الله ونواهيه للخلق ونحن بجميع عقولنا ومواهبنا بالنسبة للرّحمن؛ أقل حالًا من الطفل بالنسبة لنا هو الذي يعلم -سبحانه وتعالى-، وماذا نعلم نحن؟ (..وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]، -لا إله إلا الله-. 

قال: فإذا  كمل هذا الطفل وكبر وأدرك، يشكر صنيع والده يقول: جزاه الله خير كنت سأهلك نفسي وأروح في داهية  ولكن الوالد انتبه مني، وهكذا يشكرون ربهم، "فكذلك إذا كشف الله لعباده في الدّار الآخرة ما أعدّه لهم من الكرامة على ما استَعملهم فيه، كيف تراهم يقولون؟ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف:43]، (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر:74]" (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر:73-75]، الحمد لله رب العالمين الحمد لله رب العالمين.

قال: "فهذا وما وراء  هذا مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ثم ما ساقهم إليه وندبهم وأوجب عليهم، وحثّهم على فعله؛ لينالوا هذا الفوز العظيم، والحظّ الوافر العميم"، فله الحمد.

"والسلاسل: ما يوضع في الرقبة للقود بالعنف والزجر، والعجب من الله جائز بالكتاب والسنة" -يعني أمر في ما آتاكم من عقول مستغرب- "لكنّه من السمعيات، ومن قسم الصفات التي يختار تركها على ما جاءت عليه، فيؤمن بها" كما حدّثنا  رسول الله ﷺ.

"فَالإيجاب -علينا في الواجبات- من مقتضى قهر الألوهية ومستحق الربوبية، فَمقهورٌ ظاهر بالعدل وباطن بالفضل" تفضّل علينا بِإيجاب الواجبات وتحريم المحرمات فله الحمد، اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

ورضي الله -عنه وعنكم- إلى أن قال:

لذلك قال المؤلف -رضي عنه: 

196: أَوْجَبَ عَلَيْكَ وُجُودَ طَاعَتِهِ ، وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكَ إِلَّا دُخُولَ جَنَّتِهِ".

والتعرّض لنفحات منّته وإتحاف نعمته، وسبوغ رحمته، فسبحانه ما ألْطفه بعباده!! وما أتقنه لمراده!! إذ خَزن خزائن الفضل في خزائن العدل، وطوى وبيل العدل في ما صوّره بصورة الفضل، فهذه عبارة تُشير إلى ماقبلها وتفسّر معناها. 

فحيث علمت أن الإيجاب والقود من مقتضى القهر.. بيِّن ما في ذلك من عظيم الفضل، وأن ذلك يسوق إليه من عباده كل من غلبت عليه العادات، واستولت عليه الشهوات، فقهرته وإنقاد لحكمها، فأوجب سبحانه تعالى وأوعد عن هذا التخلّف عن هذا الفضل العميم بضُروب العذاب الأليم، والخزي الدائم المقيم، وجعل الواجبات سائقات وقائدات، ومزعجات عن الركون إلى مقتضى الجبليات، ومخرجات عن حيز البهائم والجمادات، ومنيلات لأعالي الدرجات، ومُكسبات لأشرف المثوبات، هذا لمن غلب عليه الحجاب، ووقفت به عن منهج الأحباب ومنازل الإقتراب، وسوطات الإغتراب.

 وأما أهل القرب المَشغوفون بحبه، والمُتمتعون بقربه.. فلا يحتاجون إلى القود القهري، بل يأتون بحكم الطوع والفرح، فالأسباب تسوق أهل الحجاب الموسومين بسمة الغافلين والأجناب، والصفات تهذّب السادات المقرّبين الأَنجاب،  فالعَارفون من العلماء والمقرّبون من النجباء.. لا يزعجهم خوف الأسباب الغيرية، ولا تشوّقهم المحبوبات الأثرية، بل خوفهم هيبةً واشفاقًا، وإجلالًا وتعظيمًا، واحترامًا وخشيةً، وهذه الأحوال كلّها لا تكون لغيرهم؛ لأن العظمة والكبرياء والجلال والقهر والغلبة لم يتّصف بها سواه، وكل مَخُوفٌ وإن اشتد هوله وعظم أمره؛ إنما هو صادر عن تأثيره واختراعه، وناشئٌ عن تصويره وإبداعه، فناهيك بهيبة تصدر عن مشاهدة وصف ذي الجلال، القائم بها صفة الحال، الفائضة آثارها على سائر الأفعال، وذلك معنى ما أشار إليه قوله ﷺ: " نعم العبد صهيب؛ لو لم يخف الله لم يعصه". 

وأما من كان نعُته الحجاب.. فَخوفه يحاكي ما هو متصف به؛ كما قال عز من قائل: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ) [المطففين:15-16]؛ فخوف العامّة - المحجوبين برؤية الأغيار المضروبة دونهم الأستار -: خوف النار، ورجاؤهم: ما أعدّ في نعيم الجنة من طيب الأثمار، واضطراد الأنهار، و افتضاض الأفكار، وطمع نظر العارفين إلى رفع الحجب والأستار، وتجلّي الجمال البهّار؛ فشتّان بين الفريقين وبون ما بين المقامين!! أهل عليين ترونهم كما ترون الكواكب الدريّة الغائرة في أفق السماء؛ كما ورد في الحديث، فسبحان المتفضل على الكل بما منَّه وشهوده. 

فنعمة العامّة بما أوجبه عليهم وافترضه، وجعل الفرائض مفاتيح القرب، لم يحجر عليها دون التوصل إليه بأصناف القرب، بل فتح لهم من كل فريضةٍ بابًا مهيئًا إلى محبته واستعطاف رحمته واستدرار نعمته، "لا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه"، فالحمد لله".

يقول: أوجب عليك وجود خدمته؛ وهذه الطاعات والأوامر والنواهي كلها في الشريعة فرضها لك وما هو أوجب عليك إلا دخول جنته؛ هي طريق جنته وهي سبب فوزك وسعادتك فماذا أوجب عليك؟

أوجب عليك صلاحك، أوجب عليك فلاحك، أوجب عليك فوزك، أوجب عليك سعادتك، أوجب عليك نَعِيمَهُ لك، فهذا الذي أوجبه عليك.

فبهذه الواجبات كلها إنما أوجب لك الجنّة، إنما أوجب عليك السعادة، إنما أوجب عليك الفوز الأكبر، فله الحمد والمنّة على هذه الأوامر.

 نحمد الله على الخير الكثير *** نعمة التوحيد والدين اليسير

ورسول جاء بالحق بشير *** ونذيراً بالكتاب المستنير

وإلى الله تعالى المصير***..........

نَحنُ في روحِ وَراحِهِ *** وَحَبورِ وَاِستِراحِهِ

نِعمَةَ الإِسلامِ أَعلى *** نِعمَةٍ حَلَّت بِساحِهِ

 

أوجب عليك وجود خدمته وما أوجب عليك إلا دخول جنته، إن خدمته وطاعته تؤدي إلى الجنة، هذا الذي تعلّق قلبه بسورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1]، صار يقرأها في كل ركعة، ما قرأ من القرآن غيرها، ما قرأ إلا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1]، وذكروا للنبي ﷺ قال: لماذا؟ قال : إني أحبّها؛ لأنها صفة الرحمن صفة ربي، قال: "إنَّ حبَّكَ إيَّاها أدخلَكَ الجنَّةَ"، ما دعاك إلا لجنّته -سبحانه وتعالى- وإلا لعطائه الوافر -لاإله إلا الله-.

"والتعرض لنفحات منته، وإتحاف نعمته، وسبوغ رحمته، فسبحانه ما ألطفه بعباده".

فـ"الإيجاب والقود من مقتضى القهر" - وسط هذا وضمنه وطيّه - "عظيم الفضل" -لا إله إلا الله-.

"وأن ذلك يسوق إليه من عباده كل من غلبت عليه العادات، واستولت عليه الشهوات، فقهرته وإنقاد لحكمها، فأوجب سبحانه تعالى وأوعد عن هذا التخلّف" - تخلّصه من هذه الورطات والظلمات كلها- "وجعل الواجبات سائقات وقائدات، ومزعجات عن الركون إلى مقتضى الجبليات" الطبائع المعكّرة بظلمانية الشهوات والآفات.

قال: "ومخرجات عن حيّز البهائم والجمادات، ومنيلات لأعالي الدرجات"، هذه الأوامر والنواهي-، قال: و"أما أهل القرب المَشغوفون بحبه"؛ "وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ" يقول الرسول ﷺ، "فلا يحتاجون إلى القود القهري"، وهكذا "فالأسباب تسوق أهل الحجاب الموسومين بسمة الغافلين والأجناب، والصفات تهذّب السادات المقرّبين الأَنجاب.

فالعَارفون من العلماء والمقرّبون من النجباء.. لا يزعجهم خوف الأسباب الغيرية، ولا تشوّقهم المحبوبات الأثرية، -المحسوسة- بل خوفهم هيبةً واشفاقًا وإجلالًا وتعظيمًا واحترامًا وخشية" لمّا عرفوه هابوه ورجوْهُ وعظّموه، وولِعوا به -سبحانه وتعالى- (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا..) [الرعد:15]، واحد طوعًا وواحد كرهًا، فهؤلاء بالطّوع يمشون بالمحبّة والشوق، "أرِحْنا بها يا بلالُ". 

قال لربيعة بن كعب؛ قال له: "سلني أو اطلب ما تشاء، قال: ما أسألك يا رسول الله؟ كنّا في جاهلية وكفر وشر وبعد وحجاب؛ وأنقذنا الله بك ونحن الآن معك والوحي ينزل عليك، ماذا أطلب؟ ماذا أطلب؟ قال: فسل شئ؟ قال: إن كان لا بد إني أسألك مرافقتك في الجنة، قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ، قُلتُ: هو ذَاكَ يارسول الله. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ"؛ تهيأ لهذه المرافقة، أدخل في الحضرة، وتذلّل للرّب وكثِر السجود حتى تقُْرب مِنِي؛ لأنه سيد الساجدين وهو المُتَقَلِب في الساجدين، (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:218-219] صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

قال: ماكان يقول للنبي ﷺ في سيدنا صهيب الرومي -عليه رحمة الله- "لو لم يخف الله لم يعصه" يعني لو لم يكن هناك تخويف بنار ولا عذاب، هو من معرفته الله ما بيرضى يعصيه أصلًا،  " نعم العبد صهيب" عبد صادق مع الله "لو لم يخف الله لم يعصه"، لو كان ما يخاف شيء، عذاب ولا نار ولا عقاب، ما بيرضى يعصيه أصلًا هو، ربّه ربّه ربّه ربّه، ربه كيف يعصيه؟ معصيته  هي بنفسها المعصية نار، ما يرضى بها. 

هذا مثل سيدنا صهيب -عليه الرضوان- خارج من مكة يُرُدُّونُه ما يخلونه يهاجر الى النبي ﷺ، حتى أفلت وخرج، وَجاء لقِيَ  جماعة، قالوا: إلى أين يا صهيب؟ ما تريدون مني وما ينفعكم بقائي عندكم! دعوني أذهب إلى رسول الله ﷺ، قالوا: تعطينا مالك؟ قال: وأعطي لكم مالي، قالوا: كل شيء، قال: كل شئ، قالوا: ومالك الذي في مكة؟ كُلُ الذي معك في مكة؟ قالوا: رح -أذهب- وفي مثله نزل قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة:207]، فلما وصل إلى المدينة ودخل على النبي ﷺ، وسلّم عليه، وقال: "ربح البيع أبا يحيى"، وتلا الآية عليه (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ …) [البقرة:207]، قال: تركت مالك كله من أجل الهجرة إلى الله ورسوله؟ قال: نعم، ربح البيع: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ..) -يبيع نفسه- (ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة:207] -جل جلاله- "نعم العبد صهيب؛ لو لم يخف الله لم يعصه".

"وأما من كان نعُته الحجاب.. فَخوفه يحاكي ما هو متصف به؛ (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ) [المطففين:15-16]؛ فخوف العامّة -المحجوبين برؤية الأغيار المضروبة دونهم الأستار-: خوف النار، ورجاؤهم: ما أعدّ في نعيم الجنة من طيب الأثمار، واضطراد الأنهار، وافتضاض الأفكار، وطمع نظر العارفين إلى رفع الحجب والأستار، وتجلّي الجمال البهّار؛ فشتّان  ما بين الفريقين وبون ما بين المقامين!! أهل عليين ترونهم كما ترون الكواكب الدريّة الغائرة في أفق السماء"؛ -لا إله إلا الله- قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ) [المطففين:22-27]، مزاج: شرابه من تسنيم، لكن التسنيم هذا فين؟ (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين:28]؛ لا يشربون منه مباشرة، يمزجون لهم شوية منه كلهم في الجنة، ذا الأبرار وذا المقربين.

(وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين:27-28]، تسنيم خالص والذين تحتهم هؤلاء الأبرار، (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ) [المطففين:27] شوية يحطولهم -يضعوا لهم- شوية منه؛ لأن هؤلاء كانوا في الدنيا على حال مع الله أجمل، كانوا يحبونه لذاته؛ لأنّه ربهم وهؤلاء يُحبونه للإِنعام وللفَضل وللنَعيم، فرق بين هذا وهذا.

ورأى الإمام أبو بكر بن عبد الله العطاس في منامه؛ كأن الجنة جيء ببُحورها وقصورها إلى تحت بيت شيخه الإمام حسن بن صالح البحر، فرآه يشرف يقول: ما مرادي الحور ولا القصور، مرادي كشف الستور؛ فعجب، وعلم أنه من الرجال الذين قصدهم الله، ما يعبدونه من شان طمع في جنة ولا خوف من نار، لكن يعبدونه؛ لأنه ربهم، لأنه إلههم، لأنه يستحق العبادة؛ فأحبّوه لذاته -سبحانه وتعالى- نسألك حُبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك.

"فسبحان المتفضل على الكل بما منَّهُ" -عليهم- "وبشهوده" -سبحانه وتعالى- هؤلاء بما منه عليهم وهؤلاء بشهوده -سبحانه وتعالى- "فنعمة العامّة بما أوجبه عليهم وافترضه، وجعل الفرائض مفاتيح القرب، لم يحجر عليها دون التوصّل إليه بأصناف القرب، بل فتح لهم من كل فريضةٍ بابًا مهيئًا إلى محبّته واستعطاف رحمته واستدرار نعمته، " لايزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه".

فيا رب العالمين نسألك بك وأسمائك وصفاتك وذاتك أن تجعلنا من المحبوبين لك، ولرسولك في عافية، أن تجعلنا من المحبوبين لك ولرسولك في عافية، برحمتك يا أرحم الرحمين.

ومن صيغ بعض الصالحين: اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة نكون بها محبوبين لك ومحبوبين له في عافية، اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة نكون بها محبوبين لك ومحبوبين له في عافية.

الله يكرمنا بذلك، الله يكرمنا بذلك؛ الأرض ملآنة من المكلفين واخد محبوب وواحد مبغوض، واحد من الأبرار وواحد من المقربين، وواحد من الفجار ومن الكافرين.

 

 اعتبر نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم *** تلقهُ حقاً وَبِالْحَقِّ نَزَلَ  

فاجعل اللهم قسمنا من كل خير موفورا، وحظّنا من محبتك كبيرًا.

يَا الله بِذَرَّهُ مِنْ مَحَبَّةِ الله *** أَفْنَى بِهَا عَنْ كُلِّ مَا سِوَى الله 

وَلَا أَرَى مِنْ بَعْدِهَا سِوَى الله *** الوَاحِدِ المَعْبُودْ رَبِّ الأَرْبَابُ 

فَمَا أُرَجِّي اليَوْمُ كَشْفَ كُرْبَة *** إِلَّا أَنْ صَفَا لِي مَشْرَبُ المَحَبَّة 

وَنِلْتُ مِنْ رَبِّي رِضًا وَقُرْبَهْ *** يَكُونُ فِيهَا قَطْعْ كُلِّ الأَسْبَابُ 

عَلَى بِسَاطِ العِلْمِ وَالعِبَادَة *** وَالغَيْبُ عِنْدِي صَارَ كَالشَّهَادَهُ 

هَذَا لَعَمْرِي مُنْتَهَى السَّعَادَة *** سُبْحَانَ رَبِّي مَنْ رَجَاهُ مَا خَابْ

 

يَا طَالِبَ التَّحْقِيقُ قُمْ وَبَادِرْ *** وَانْهَضْ عَلَى سَاقِ الهِمَمْ وَخَاطِرْ 

وَاصْبِرْ عَلَى قَمْعِ الهَوَى وَصَابِرُ *** وَاصْدُقُ وَلَا تَبْرَحْ مُلَازِمَ البَابُ

فلا بد يُفتح..

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الخَيْرَ كُلُّهُ أَجْمَعْ *** ضِمْنَ اتِّبَاعَكْ لِلنَّبِيِّ المُشَفَعْ 

 

جاب لك إمام كريم رحيم رؤوف عَطوف، له عناية وله نورانية تبعد ظلمانيتك، اتبعه وامشي قفاه وخلاص أنا بقبلك (..اتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ..) [آل عمران:31]، فإن تُسلِّم له هو بِيسلمك إليه، أنت سلِم له (..حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ..) [النساء:56]، وهو بيسلمك إليّ ويوصلك إلى عندي (..يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ..) [آل عمران:31]، فيا خير إمام. 

واعلم بأن الخير كله أجمع *** ضمن اتباعك للنبي المشفع

 إذا أكلت استحضر اتباعه، إذا شربت استحضر اتباعه، إذا لبست استحضر اتباعه، إذا دخلت البيت أو خرجت والمسجد، أو خرجت استحضر اتباعه، تذهب الظلمات عنك، يشرق النور في قلبك؛ لأنّه متبوع محبوب للرب -جل جلاله-، فمن تبعه؟ للتابع حكم المتبوع، كما يقولون أهل النحو، يجي نعت أو عطف أو بيان بدل حكم، لا يوجد حكم، يتبع من؟ الحكم حسب الذي يتبعه، إن تبع مرفوع مرفوع، إن تبع منصوب منصوب، إن تبع مخفوض مخفوض، إن تبع مجرور مجرور، الذي يتبعه هذا هو، يرجع حكمه عليه في نفسه ماشي له حكم، لكن بالتبعية، للتابع حكم المتبوع، إن كان المتبوع رافع هو رافع، إن كان المتبوع منصوب هو منصوب، إن كان المتبوع مخفوض هو مخفوض، إن كان المتبوع مجزوم هو مجزوم، هكذا، ولا أرفع من محمد ﷺ، اتبعه وترتفع على طول.

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الخَيْرَ كُلُّهُ أَجْمَعْ *** ضِمْنَ اتِّبَاعَكْ لِلنَّبِيِّ المُشَفَعْ صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا تَشَعْشَعْ *** فَجْرٌ وَمَا سَالَتْ سُيُولُ الأَشْعَابُ

وفي الوقت الذي تمتلئ فيه صدور المؤمنين بمحبتة وحسن اتباعه ﷺ، ويظهر أثر اتباعه عليهم في أقوالهم وأفعالهم وديارهم ومنازلهم؛ ينتشر دين الله ونور الله؛ عندها ما يبقى بيت في الأرض إلا و دخله دين الحبيب ﷺ -لا إله إلا الله-.

ما دام المسلمين وسط ديارهم شيء سنة يهودي، شيء سنة نصراني، شيء سنة ملحد، شيئ سنة غافل، شيئ سنة فاسق، شيئ سنة خائن؛ دخلوها في ديارهم وسنن الحبيب مغيبة؛ ما تحصل الرحمة ولا النصرة ولا نشر الدين.

وإذا عظموا الله ورسوله، وأحيوا سُنَنُه في بواطنهم وظواهرهم، وديارهم ومنازلهم وعاداتهم، نشر الله الخير لهم على أيديهم. 

سمعت! قد كانوا يعالجون إبطاء الفتح والنصر، ويعالجون مشكلات الجهاد بالسُنن، قادة من الصحابة في دخولهم إلى مصر، خيار من أصحابه ﷺ، لماذا أبطأ الفتح؟ يتذاكرون بينهم البين، وماذا ردّوا التحليل حقهم؟ تخطيط عسكري؟ ولا قلة عدد؟ ولا شيء من هذا، قال واحد: أرى الجيش هوَّن في سنة السّواك، قال: يالله -الأمير حقهم- قال: هذا هو، الجيش كلكم، السواك وعُود الأراك كان أفضل حواليهم، كان أراك هناك في صحراء مصر، راحوا يقطعون الأراك يستاكون، العُيون حق الكفار رأوهم وقع الرعب في قلوبهم، رجعوا قالوا: إن القوم يسنّون أسنانهم؛ بِيأكلوكم، ولا يُسنون ولا يأكلون أحد ولكن يعملون بالسنّة، فقط نهار ودخل ثاني يوم جاء الفتح، فتح الله عليهم. 

شفت النبي ﷺ خبّر بطريقة لعلاج مشكلة الجهاد وتأخر النصر، قال: يدور الكلام بينهم، يقولون: هل فيكم من رأى رسول الله ﷺ؟ وما الذي يحصل لهم؟ قال: عَظّموهم وهاتوهم إلى هنا، قدّموهم وتوسلوا بهم، يقدموهم يفتح لهم؛ عالجوا المشكلة بسرّ الرؤية، هل فيكم من رأى رسول الله ﷺ؟ فَيقولوا: نعم، فَيقدمونهم فيفتح عليهم، والحديث في صحيح البخاري: "ثم يغزو فئام من الناس يبطئ الفتح عليهم. قال: هل فيكم من رأى من رأى رسول الله؟ ما عاد حد من الصحابة، لكن بعض التابعين موجودين، هل فيكم من رأى رسول الله؟ جيش.. قالوا: نعم قدموهم هاتوهم ، يقدّمونهم ويعظمون هذه الرؤية، قال: فيفتح لهم"، النبي يذكر هذا ﷺ (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ) [النجم:3] حلّ المشكلات، قال: "ثم يغزو فئام من الناس فَيبطل الفتح عليهم، قال: هل فيكم من رأى من رأى من صحِب رسول الله؟ قال: فيقول نعم، فَيقدّمونهم فيفتح لهم".

اللهم أكرمنا بحبك وحب نبيك، اجعلنا محبوبين لك، محبوبين له في عافية، اللهم إنا نسألك حبّك وحبّ من يحبّك، وحبّ عمل يقربنا إلى حبّك. 

اللهم اجعل حبّك أحبّ إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا، ومن الماء البارد على الظمأ.

اللهم اجعل حبّك أحبّ إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا وأولادنا، ومن الماء البارد على الظمأ.

اللهم اجعل حبّك أحبّ إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا وأولادنا ومن الماء البارد على الظمأ يا أكرم الأكرمين في لطف وعافية.

قربنا الله إليه وإلى حبيبه المصطفى، وأزال عنا -سبحانه وتعالى- كل جفانا، وأزال عنا كل أدناسنا، وأزال عنا كل أَرجاسنا، وصَفّانا عن جميع مَعايبنا، وطهّرنا من جميع عيوبنا وأَكدارنا، وَرزقنا كمال الوفاء وكمال الصفاء ونيل المُصافاة من حضرته، وحضرة مصطفاه، ورزقنا شهوده الأسنى بِمرآة حبيبه الأصفى، تولّانا به في الظاهر، وتولّانا به في الخفاء، ووقانا به الأَسواء والأدواء؛ من حيث أحاط بها علمه في السرّ والنجوى، واجعلنا من المستقيمين على منهاج الرّاقين بأعلى معراج، محفوظين من جميع الزيغ والاعوجاج، وثبتنا على أقوم منهاج، ورقّانا مراقي أهل المعرفة الخاصة والمحبة الخالصة، وفرّج كروب أمة الحبيب الأعظم في يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا، وفرّج كروب أمة الحبيب الأعظم في يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا، وفرّج كروب أمة الحبيب الأعظم  في يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا، فرجًا عاجلًا كاملًا، والطف بنا وبهم لطفًا شاملًا، وحوّل الأحوال إلى أحسنها في خير ولطف وعافية ويقين وتمكين متين. 

 

وإلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

08 صفَر 1446

تاريخ النشر الميلادي

13 أغسطس 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام