شرح الحِكَم العطائيَّة لباراس - 121- من قوله: (إذَا الْتَبَسَ عَلَيْكَ أَمْرَانِ، فَانْظُرْ إِلَى أَثْقَلِهِمَا عَلَى النَّفْسَ فَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَثْقُلُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا كَانَ حَقاً )
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب شرح الحِكم العطائية للشيخ علي بن عبدالله با راس رحمه الله تعالى، ضمن فعاليات الدورة التعليمية الثلاثين بدار المصطفى بتريم، عصر يوم الثلاثاء: 17 محرم 1446هـ، من قوله:
(مِنْ عَلاَمَاتِ اتِّبَاعِ الْهَوَى الْمُسَارَعَةُ إِلَى نَوَافِلِ الْخَيْرَاتِ ، وَالتَّكَاسُلُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ)
نص الدرس المكتوب:
"فإذا ابتدأ في السلوك وأقبل على الله بالتوبة وأخذ في تحصيل النوافل، والسعي في مهام القفار، آناء الليل والنهار، والتردد في الأسفار إلى المشاعر ورؤية الأخيار، ولم يردَّ مظلمة!! ولا استحلَّ من جريمة!! ولا أدَّى واجب ما فرّط فيه! مع أنه أهمّ مما هو ساع فيه، ومن نظر بنظر أولي الأبصار.. ظهرت له مهاوي الاغترار، وعرف ما هو النافع في علاج دائه، وما هو الضّار؛ فاشتغل بما هو الأهم والأولى.
وبعدما يحكم المقام على التمام.. يثبت له القيام بالتقرب بنوافل الصلاة والصيام، والصدقة والحج وسائر واجبات الإسلام؛ فهي الأساس الذي تُبنى عليه مراتب السالكين، والنّهج الذي يسلك عليه المريدون، والقليل من العمل مع السلامة من دواخل العلل في الأعمال خير من الكثير مع الوقوع في حبائل الغرور، ومخائل الزور، واتباع هوى النفس، وقيام انتصارها، ورؤيتها أن لها ومنها، وأنّها أهل الفضيلة أو محلّ الوسيلة؛ فالكثير مع إهمال التّفقد في دقائق أخلاقها ورذائل أحوالها؛ غير نافع ولا يعتدّ به أهل الأفهام الثاقبة؛ فالتّفقد في تطهير الأخلاق مفترض عند أولي الفهم الصافي عن كدورة الهوى؛ فلا أهم للمريد من تفقّد أخلاقه وتصفية أحواله".
يقول -رضي الله عنه-: الذي لا يقيم شأن وجهته إلى الله على أساس صحيح؛ يقع ضُحكة للشيطان، يتعلّق بكثير من ظواهر الأعمال الصالحة وصورها -حقائقها ما هي عنده- ويظنّ بنفسه بذلك أنه من الأخيار ومن المقرّبين، وعنده واجبات تاركها، وعنده محرمات يفعلها، أو لم يتب منها، أو مظالم حقوق للناس ما ردّها، ولا يبالي بذلك؛ وهذا هو الأساس الذي يتوجه به إلى الله، يُبرّيء ساحته أول.
وَالتَّوْبَةِ الخَلْصَاءِ أَوَّلِ خُطْوَةٍ *** لِلسَّالِكِينَ إِلَى الحِمَاءِ الأَمْنَع
فإذا ما تحقّق بالتوبة تُحصله يغويه إبليس، ويقول له: أنت الآن تعرف المهمات والواجبات، الناس هؤلاء ضيّعوا الدين، أنت أحفظ الدين، الناس هؤلاء مقصّرين؛ يملؤه بسوء الظن بالخلق، واحدة من المعاصي، وأنت تقوم بها على السنة، يعُق والديه ومستمر في عقوقه، قاطع أرحامه ومستمر في القطيعة، ينظر إلى الخلق كأنهم حيوانات وحشرات، ويصلح صلاة كثير -ويكون منكّس رأسه-؛ ياليت قليل انتكس قلبه وتأدّب، قلبه منكوس.
وهؤلاء قد ذكر ﷺ أوائل؛ قال: "يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ -يجوِّدونه- لا يُجَاوِزُ حَناجِرَهُم"، لا شيء من القرآن يدخل قلوبهم أبدًا، كلهم من عند الحنجرة لفوق، فقط حروف تخرج؛ نور ما في -لا حول ولا قوة الا بالله العظيم-، وينطلقون بعد ذلك يعملون لهم بعض مظاهر إنّها من السنّة وكذا، وحقوق الخلق معلّقة برقابهم وما ردّوها، وذنوب ارتكبوها وما تابوا منها، وذنوب لا يزالون يزاولونها قلبية وعضوية، ينظرون للناس بعين احتقار، يسيؤون الظن بخلق الله تعالى، يسبّون الأحياء، يسبّون الأموات، هل هذا الدين؟! هذا دين؟! هل هذا سير إلى الله ؟! هذه لعبة شيطانية تمام تقطعه عن الله تعالى.
قال: فهؤلاء إذا "ابتدأ في السلوك وأقبل الله بالتوبة، أخذ - راح مباشرة- تحصيل نوافل ومظاهرها والسعي في مهام القفار، آناء الليل والنهار، والتردّد في الأسفار وغير ذلك .. وبعد ذلك .. ولم يرد مظلمة"؛ ظلم الناس حقهم، في نظره الناس كلهم: إمّا قاصرين وإلا مشركين، وإلا مبتدعين، وإلا ما يساوون شيء - لا حول ولا قوة الا بالله العظيم- واحدة من ذنوب القلوب، ومن معاصي القلوب: احتقار المسلم؛ "بحسب إمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"؛ هذا ما يحقر واحد ولا اثنين، يحقر المئات والألوف، يحقّر الملايين، أحياء وأموات يحتقرهم -والعياذ بالله-، ما هذا القلب المظلم! هل هذا يصل إلى الله؟! ويمشي هكذا ويشوف نفسه.
والنّبي لما ذكر هؤلاء الذي يكثرون قراءة ويكثرون صلاة ويكثرون قيام؛ قال: "لو أدركتهم لقتلتهم"؛ لأنهم على غير الأساس، على غير صحّة، في حياته ناس من هؤلاء المنافقين صلّحوا صورة المسجد، والمسجد يتجمّعون فيه؛ يصلحون خطط ضد النبي ﷺ، وضد المسلمين، ومرتّبين خطوط متعلّقة بالخارج، يأتون وينصرونهم من أجل الدول الكبرى -في تلك الأيام-، يأتون ليقضون على النبي ﷺ ومن معه، هل سمعتم؟! هذا كله رتّبوه، والصورة مسجد، وفوقه حلف بالله أننا نريد الحسنى، نحن أتباع هذا النبي، نحن أنصار هذا النبي، ونحن قائمين بالإسلام والدين، فوق ذلك كله أرادوا بقوته في قوة التلبيس، يلبّسوا على الناس، جاءوا في صورة التبرّك، قالوا: يا رسول الله نريدك تدخل مسجدنا هذا تصلّي فيه، نتبرّك بك -هم منافقين والعياذ بالله تعالى-. وكان النّبي خارج في آخر غزوة من غزواته تبوك، ذكروا له المسجد وقالوا له: نريدك تصلّي فيه، قال: أنا الآن متوجه لغزوة وأنظر على الرجوع، وهو راجع قبل ما يصل للمسجد أنزل الله: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ) -يحلف يمين- (إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ) -مسجدك ذاك الذي بنيته، هناك بجانب البيت، بجانب الحجرة حقك، والمسجد الذي أسسته في قباء- (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا) -لا منافقين ولا غشّاشين ولا يصلحون خطط من تحت، أتباع صدق وأتباع حق، ويحبّون أن يتطهّروا، ويتنقون، وتُصفى بواطنهم لربهم- (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة:107-108].
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ) [التوبة:109]؛ لمّا نزلت الآيات، أرسل بعض الصحابة يكسّرون هذا المسجد - يهدمونه- صورته مسجد، ولكن أمر النبي بتهديمه؛ لأن أساسه غير صحيح، نية غير صحيحة، (اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فهذه مصيبة حتى تنال المساجد -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. ولو كان هنا النّبي الذي يوحى إليه لأمر بتهديم مساجد كثيرة، شأنها شأن ذاك المسجد -العياذ بالله تبارك وتعالى- بأي صورة من الصور -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
وهكذا الذي يسير بغير بصيرة، بغير تربية، بغير تزكية، بغير شيخ، بغير سند صحيح إلى النبي محمد ﷺ؛ يتخبط ويأخذ بالصور ويترك الواجبات عليه، ويفعل المحرمات، ولا يرد المظالم لأهلها؛ لكن الذي عنده بصر، تظهر له مهاوي الاغترار، ومن أراد الله بخير أنقذه من هذا ورده إلى طريق الإستغفار، وطريق التواضع والانكسار، وطريق الخضوع والخشوع، وطريق السند إلى محمّد ﷺ.
قال: "فيعرف النّافع في علاج دائه، وما هو الضّار؛ فيشتغل بما هو الأهم والأولى، -فإذا أحكم هذا- المقام على التمام.. يثبت له القيام بالتقرب بنوافل الصلاة والصيام"؛ -الآن تمام- وأنت ردّيت المظالم لأهلها، وتبت من جميع ذنوبك وتذلّلت لربك، تكثر الآن عبادات؛ "لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل"؛ بعد أداء الذي لي، بعد أداء الفرائض، أما تقصّر في الفرائض وتصلح نوافل كثير، من علامة اتباع الهوى: "المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بالواجبات".
قال: فإذا أحكمها تقرب بنوافل الصلاة والصيام والصدقة والحج وباقي الواجبات، والمسنونات؛ "فهي الأساس الذي تبنى عليه مراتب السالكين، والنهج الذي يسلك عليه المريدون، والقليل من العمل مع السلامة من دواخل العلل في الأعمال، خير من الكثير مع الوقوع في حبائل الغرور، ومخائل الزور، واتباع هوى النفس، وقيام انتصارها، ورؤيتها أن لها ومنها، وأنها أهل الفضيلة أو محل الوسيلة؛ -لا حول ولا قوة إلا بالله- فالكثير مع إهمال التفقّد في دقائق أخلاقها ورذائل أحوالها؛ غير نافع ولا يعتد به -إذًا تفقد- تطهير الأخلاق مفترض عند أولي الفهم الصافي -اللهم اجعلنا منهم- الفهم الصافي عن كدورة الهوى -يوجب على أصحابه أن يتفقدوا تطهير أخلاقهم ظاهرا وباطنا-؛ فلا أهم للمريد من تفقّد أخلاقه وتصفية أحواله"، يا رب طهرنا اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها."
ورضي الله عنه وعنكم إلى أن قال:
ولي في ذلك:
"كمون سر الهوى في النفس يعرفه *** من كان ذا بصر في الدين معتبر
ومن علامة ذلك أن تـراه إلى *** كسب النوافل دون الفرض يبتدر
فكيف تهدي صنوف البر وأنت على *** محرم أو واجب جــا عنـه مقتصر
إن الأساس هو التقوى عليه إذا *** أردت أن تبني الأركان فاعتبر
فإذا علمت أن أفضل ما تقرّب به العبد إلى الله هو أداء ما افترضه الله عليه، وجعل الإتيان بها مقدماً على كل ما يقرّب العبد إليه، فكانت أبواب منها تدخل كل فضيلة، وتبتغي كل وسيلة .. حثّ عليها عباده حثًا أكيدًا.
وأعلم أن منهم من يستفزّه الشره، ومنهم من يغلب عليه الكسل، فقيّد بأوقات؛ لينهض إليه من غلب عليه الثقل الجبلي، ووسى عليهم تلك الأوقات؛ ليبقى لهم فيها ما يتأهبون به، ويتفرّغون عن الشواغل فيه.
لذلك قال المؤلف -رضي الله عنه-: قيّد الطاعات بأعيان الأوقات كي لا يمنعك عنها وجود التسويف، ووسع لك الوقت كي يبقى لك حصة في الاختيار، قيّد بالأمر الجازم والحكم اللازم والقيد هنا تخصيص كل صنف من أصناف الطاعات بوقت من الأوقات؛ وذلك لأن الأوقات خزائن تبرز من عالم الغيب، فكأنّها رسائل إليك من الله تودع ضمنها ذخيرة تدّخرها عنده، وأوسع الذخائر وأنفسها عند الله هو ما افترضه الله عليك من الأمر، وهو إمّا أمر جازم وإما غير جازم، فالأمر الجازم هو الفرائض.
ثم لمّا علم ما في جبلة الإنسان من التثاقل الذي هو التسويف، جعل لها وقتا معينا فبإخراج ما افترضه عليه عن ذلك الوقت، يكون به عاصيا مستحقا للعقوبة، ولا يتخلص عنه إلا بصدق التوبة، وذلك رحمة منه وعناية بنا، حيث ندبنا إلى ما فيه فلاحنا ونيل بغيتنا.
ثم لما علم -سبحانه- ما يغلب على النّفوس من الغفلة وقلة التحفظ، امتنّ علينا بما يكمل ذلك المفترض. كل فريضة نوع مما يشبهها فيكون جبرًا لما عسى أنه فرط؛ فترجع تلك الخزائن الوقتية بذخائرها، ونفاس ما استودع فيها من أنوار الطاعات، شاكرة شاهدة للإنسان بصلاح الشأن وصحة الإيمان، فيكون مستحقًّا للإكرام من الله، والرّضا عنه كما أكرم من نزل عليه بأحسن قرى، ثم امتن على العبد بنعمة أخرى وهي إن وسع عليه الوقت كي لا يكون في الحرج، وقد قال سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78] فبتوسعتها عليه ترفع عنه، ويقضي ما هو بصدده من مصالحه، ويفرغ قلبه عن الأسباب الشاغلة له عن إكمالها؛ فيأتي بنشاط وطرب وشوب وارتياح؛ ليكون على أكمل وصف وأتمّ نعت، كما قلت في ذلك:
قيّد لك الأمر كي تأتي إليه و لا *** يمنعك عنه وجود الطبع بالكسل
ووسّعه كي يكون العبد ممتهلا *** إلى فراغ من الأشرار والعِلَل
وتلك نعمته أسدى إليه فلا للعبد *** أن يدخل التسويف في العمل
وإيجابه سبحانه أمره، وأمره صادر عن علمه، وعلمه قديم بالأشياء وأحوالها وما هي عليه؛ فهي معلومة له معدومة لأنفسها، ويعطيها العلم بأحوالها، فإن بروز الأحوال والأعمال عليها في عالم خلقتها وشهادتها؛ حكمة منه.
وأما علمه بأحوالها وكيفياتها وكلياتها وإجمالها وتفصيلها فقليل أزلي لا يدخل عليه في التباس ولا يتطرق إليه تبديل؛ لذلك قال المؤلف -رضي الله عنه-: 195: عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وُجُودَ طَاعَتِهِ، فَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِسَلَاسِلِ الْإِيجَابِ "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ".
يقول: كانت حكمته -سبحانه وتعالى- أن "قيّد -لنا- الطاعات بأعيان الأوقات"، فجعل لنا صلوات في أوقات معينة؛ فرائض ونوافل، "كي لا يمنعك عنها وجود التسويف"، لابد في الوقت الفلاني تقوم بالفرض الفلاني إن أردت النفل الفلاني في الوقت الفلاني، فهذه النوافل ذوات أوقات وفرائض ذوات أوقات؛ قال تعالى عنها: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103] يعني: لها وقت، كذلك جعل للحج وقت، كذلك للصّوم -صوم رمضان- حتى لا يجئ أحد متكاسل يؤخر؛ رمضان قم.
وجعل بعد ذلك -سبحانه وتعالى- أيضًا لأنواع من الأذكار أوقات معينة، ورتّب هذه الأوقات بحِكم لا تسترسل بالتسويف، ووسّع عليك في الوقت حتى يبقى لك حصة من الإختيار والتركيب والتدارك.
فأقصر وقت في الصلوات المفروضة إما: وقت المغرب أو وقت الفجر، وكل منهما يقرُب من الساعة؛ الفجر ما ينقص عن ساعة -غالبا- ما بين طلوع الفجر إلى إلى طلوع الشمس، المغرب كذلك إلى أن يغيب الشفق الأحمر، أكثر ما يكون في بعض البلدان أربعين دقيقة، من الغروب إلى مغيب الشفق الأحمر، وهو في مناطقنا هنا بعد المغرب بساعة أو ساعة وعشر دقائق؛ يكون يقينًا قد غاب الشفق الأحمر.
جعل لك وقت؛ وما جعله بشدة عليك في الضيق، الساعة الفلانية مثلًا فرض الظهر عشر دقائق ويخرج الوقت عليك؛ ترك لك وقت ساعتين، ثلاث ساعات، إذا إذا أنت منتبه ومجتهد وصاحب شوق ورغبة؛ تبكّر وتجي بدري وتصلي في أول وقت؛ "أفضل الأعمال إلى الصلاة أول وقتها"، ولكن وسّع هذا الوقت رحمة منه بالعباد -جل جلاله وتعالى في علاه-.
ولوّن لنا الطاعات لما علم عندنا من الملل؛ نوّع شيء ذكر، وشيء علم، وشيء تسبيح، وشيء تعلّم، وشيء صلاة على النبي ﷺ، وشيء إنشاد، وشيء صلة رحم، ونوّع الطاعات -سبحانه وتعالى- ما ألطفه بعباده، وما أرْأفه بخلقه -سبحانه وتعالى-.
وهكذا يخرجنا من أهوائنا وشهواتنا بالتقييد بالأوقات وبشروط معينة، وفسح لنا المجال رحمة منه -سبحانه وتعالى- وشفقة، وجعل لنا من جنس المفروضات نوافل نقوم بها؛ تُكمل ما نقص علينا وفرطنا فيه من الفرائض.
الحاصل أنه إله كريم رحيم، حنّان منّان، رؤوف عطوف، جواد مُحسن، له الحمد والمِنّة. الله يزيدنا من فضله، ويمُن علينا بوصله، ويبارك لنا ولكم في المجامع والمجالس هذه، حتى نجني ثمراتها في الحياة وعند الوفاة وفي البرزخ ويوم القيامة، وفي دار الكرامة.
يا ربِّ واجمعنا وأحبابا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضع
فضلًا وإحسانًا ومنًّا منك ** يا ذا الجود والفضل الأتمّ الأوسع
صلوات الله وسلامه عليهم، وحقّقنا الله بحقائق إنجاز هذه الطلبات، وتحقيق هذه المرادات والرغبات، وزادنا من فضله ما هو أهله في جميع الشؤون والحالات، في الظواهر وفي الخفيّات، وأسعدنا بأعلى السعادات، وأجمل السعادات، وأتمّ السعادات، وأكمل السعادات، في الغيب وفي الشهادات، في الدنيا والبرزخ والآخرات، ويجعل لنا السعادة الكبرى بالاتصال بخير الورى، سرًا وجهرًا، دنيا وبرزخًا وأخرى، ويرفعنا الدرجات العلى مع خيار الملا، ووقّانا به الأسوا والأدواء وكل بلوى، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، وأعلى درجات والمنتقل إلى رحمة الله -شاهين مسطر بن حاج عمر البنجري- وأخلفه فينا وفي أهل بلده وفي أهل زمانه والمسلمين بخلف صالح، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وعجّل بسقيا الغيث ظاهر وباطن لأهل الحجرية في تعز، وجميع أقطار اليمن، وأقطار الشام، وأقطار المسلمين، وقلوب المسلمين، وأن يسقينا الله -سبحانه وتعالى- بالغيوث، ويدفع عنا البلايا والآفات، ويرعانا بعين العناية، وتثبّتنا أكمل الثبات، ويفرج كروب المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، ويحوّل أحوالنا إلى أحسن الأحوال والحالات، ويختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنّا في خير ولطف وعافية.
وإلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه آله وأصحابه
الفاتحة
09 صفَر 1446