شرح كتاب سلم التوفيق - 2 - أحكام الردة
الدرس الثاني للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.
أحكام الردة
ظهر الإثنين 14 صفر 1446هـ
لتحميل كتاب سلم التوفيق
pdf: https://omr.to/sullam-pdf
نص الدرس مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
يقول سيدنا عبد الله بن حسين بن طاهر باعلوي في كتابه سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق:
والردة ثلاثة أقسام:
- اعتقادات وأفعال وأقوال، وكل قسم يتشعب شعبا كثيرة.
فمن الأول:
- الشك في الله، أو في رسوله،
- أو في القرآن، أو اليوم الآخر، أو الجنة أو النار، أو الثواب أو العقاب، أو نحو ذلك مما هو مجمع عليه،
- أو اعتقد فقدَ صفة من صفات الله الواجبة له إجماعا كالعلم،
- أو أثبت له صفة يجب تنزيهه عنها إجماعا كالجسم،
- أو حلل محرما بالإجماع معلوما من الدين بالضرورة مما لا يخفى عليه، كالزنا واللواط والقتل والسرقة والغصب،
- أو حرّم حلالا كذلك، كالبيع والنكاح،
- أو نفى وجوب مجمع عليه كذلك، كالصلوات الخمس، أو سجدة منها، والزكاة، والصوم، والحج، والوضوء.
- أو أوجب ما لم يجب إجماعا كذلك،
- أو نفى مشروعية مجمع عليه كذلك، كالرّواتب،
- أو عزم على الكفر في المستقبل،
- أو على فعل شيء مما ذُكر أو تردد فيه، لا وسوسة،
- أو أنكر صحبة سيدنا أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-،
- أو رسالة واحد من الرسل المجمع على رسالته،
- أو جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن، أو زاد حرفا فيه مجمعا على نفيه معتقدا أنه منه،
- أو كذب رسولا أو نقّصه أو صغر اسمه بقصد تحقيره،
- أو جوّز نبوّة أحد بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الحمد لله يبين الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يتعلق به أحكام الردة، والردة معناها: قطع الإسلام باعتقاد أو فعل أو قول، والاعتقادات القاطعة للإسلام ما أشار إليه؛ من الشك في الله تعالى وفي رسوله أو القرآن أو البعث أو اليوم الآخر أو الجنة أو النار أو الثواب والعقاب، كلها مثبتات على ألسن الرسُل صلوات الله وسلامه عليهم، من أولهم إلى خاتمهم النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله.
فالشك في شيء من ذلك -والعياذ بالله تعالى- خروج عن حقيقة الدين، عن حقيقة الإسلام عن حقيقة الإيمان بالله -جل جلاله تعالى في علاه-،
يقول: أو اعتقد فقد صفة من صفات الله الواجب له إجماعا كمثل العلم والقدرة، قال تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12]، فمن غير شك كيف ينفي صفة العلم عن الله الذي علَّمه سبحانه وتعالى! علْمه ذاتي أزلي محيط بكل شيء، وبذلك تعلم أوجه المخالفة لما يسمى بالعلم عند الخلق، والعلم عند الخلق سواء كانوا الملائكة أو الآدميين أو الجانّ أوغيرهم هو: اعتقاد الشيء وتصوّره على ما هو عليه في الواقع، مطابقة التصور والاعتقاد للواقع، الإدراك للشيء على ما هو عليه، هذا العلم عند المخلوقين بأصنَافهم، بما فيهم الملائكة وما دونهم من ساداتنا النبيين، ومن دونهم من عموم الإنس والجن، هذا معنى العلم عندهم.
والعلم هذا كله حادث، كله بالنسبة للكائنات كلها حادثة، لم يكونوا موجودين بذواتهم وأنفسهم فضلاً عن علمهم، ثم من أصل تكوينهم لم يكونوا عالمين بشيء، (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) [النحل: 78]، ثم يكتسبون هذا العلم، فمن هنا لا مشابهة ولا مقارنة من قريب ولا من بعيد بين علم الخلق وعلم الخالق -جل جلاله- علم الخالق سبحانه وتعالى أزلي، عالمٌ بذاته، وعلمه محيط بكل شيء.
وهذا -المخلوق- لا في علم حملة العرش ولا في علم سيدنا جبريل ورؤساء الملائكة ولا في علم الأنبياء ولا في علم غيرهم.. لا أحد عنده هذا الوصف في العلم، فالعلم في الحقيقة لله، ويطلق على خلقه أنه عالم إذا أدرك شيء على ما هو عليه في الواقع سمي علماً، مقابله الجهل:
- إما عدم العلم بالشيء، وهو الجهل البسيط كما يسمونه.
- أو التصور للشيء وإدراكه على خلاف ما هو عليه في الواقع، وهو الجهل المركب، وهو الذي يتغمغَم فيه أكثر الخلق.
وقال الحق عنه: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الانعام: 116]، في الظنون هذه غارق أكثر الذين يسمون في العالم بالمثقفين والمفكرين والعباقرة، أكثرهم في الظنون والأوهام والخيالات غارقين، ما يدركون شيء على ما هو عليه.
قرَّب الله الطريق بالنسبة للمؤمنين بواسطة الأنبياء والمرسلين ﷺعليهم في الأشياء التي فرضها عليهم يدركونها على ماهي عليه بإخبار الله على أيدي رسله، هذا أمر صحيح علم واضح ما فيه جهل، العلم بصفات الله والعلم باليوم والآخر هذا مطابق للواقع تماما، والذي أخبر عنه هو الحق؛ الخالق ورسوله، هذا واقع فهذا علم.
فمنه حد أدنى مفروض على كل مسلم، وهو العلم العيني الواجب عليه، ما يتعلق بالاعتقادات وما يتعلق بالعبادات وما يتعلق بالمعاملة، فهذا الحد الأدنى من العلم الواجب على جميع المسلمين، وهو علم بمعنى الكلمة، وإدراك شيء على ما هو عليه، فهذا وجه الفرق الكبير بين إطلاق الصفة على المخلوق وإطلاقها على الخالق، وقس عليه جميع الصفات الأخرى،
إذا وُصف خالق بأنه قدير، فقدرةٌ حادثة ومَحدودة وقابلة للزوال والإنتهاء، هذا بعيد عن قدرة الله أصلا، هذه قدرة ذاتية وأبديّة ومُحيطة بكل شيء وعلى كل شيء، فمهما وصف أي مخلوق بصفة فوصف الخالق بها ليس كذاته ذات، ولا كصِفته صفة، ولا كفعله فعل -جل جلاله وتعالى في أعلاه-. رزقنا كمال الإيمان واليقين والتعظيم.
يقول: "إذا اعتقدت صفة من صفات الله الواجب له إجماعا كالعلم، أو أثبت صفة يجب تنزيهه عنها كالجسم" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فالذين يعتقدون في الحق تعالى جسما يعبدون صنما، يعبدون صنما لأن الأجسام صغرت أو كبرت في الأرض ولا في السماء كلها مخلوقات، الجسم مخلوق، لا يتأتى أن يكون خالق!!
- بل هو من أدنى المخلوقات -الجسم-
- الروح، أشرف منه
- والمعاني أشرف منه
هذا مخلوق تافه -الجسم- يشمل الحيات والعقارب والحشرات كلها أجسام، فالجسمية أمر تافه بالنسبة للروح ليست بشيء، فكيف يوصف بها الجبار -جل جلاله- لا إله إلا هو، ليس كمثله شيء.
ولهذا يقول: "من تصور -عن الذي يعبد جسما- فقد عبد صنما" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، الله الذي نعبده أجلّ وأكبر من أن يحيط به محيط من أهل الأرض ومن أهل السماء، أجلّ وأكبر من كل ما يتصوّر في الأذهان، أجل وأكبر.. نعلم قدسيّته ونزاهته المطلقة، ولا يزداد أحد من أهل الأرض والسماء معرفة به إلا ازداد معرفة بعجزه عن الإحاطة بالعلم به، بما فيهم حملة العرش ومن هو أعرف منهم وهو ﷺ، ما تعرّف الله لكائن من كائناته كما تعرف لروح محمد ﷺ فهو أعرف الخلق بالله على الإطلاق، ومع ذلك فهذا حاله مع الخلّاق "أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وبرضاك من سخطك، وأعوذ بك منك سبحانك، لا أحصى ثناء عليك كما أثنيت على نفسك" هذا حاله مع الرحمن -جل جلاله-
وكان يتهجد في كل ليلة، إذا صلى الوتر قال هذا الكلمات، صلى الله وسلم بارك عليه وعلى آله، فنعم الإله هذا العظيم الجليل الذي نعبده، الواحد الأحد الفرد الصمد، ليس كمثله شيء هو السميع البصير، والحمد لله على نعمة الإيمان والله يزيدنا وإياكم إيمان، ويزيدنا معرفة به سبحانه وتعالى، فالمعرفة هذه تنتهي، لما قال سيدنا أبوبكر الصديق -سيدنا أبو بكر الصديق من خواص العارفين بالله من هذه الأمة- يقول: "لا يعرف الله إلا الله" هي معرفة إحاطة؛ ضرورة لا يعرف الله إلا الله، [إتّئدوا: الدّين دينان، إيمانا وإشراك].
ولكن هذه المعرفة العامة المفروضة على كل مؤمن، معرفة وجوده وعظمته وقدسه وآياته وما يتصف به من كلّ كمال وينزه عن كل نقص؛ هذه معرفة عامة، فوقها معرفة خاصة هي فيها حقائق التوحيد، وفيها مراتب الأنبياء، فأتبَاعهم مِن انكشاف حقائق العظمة للذات والصفات والأسماء والأفعال للحق تبارك وتعالى فأقرَبها إلى الإدراك ارواح وقلوب المؤمنين، وأقربها معرفة الأفعال، والأفعال؛ هو كل ما سوى الله، كل ما سوى الله فهو فعله، كل ما سوى الله فهو فعله -جل جلاله-
قال سيدنا إبراهيم لقومه: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات: 95,96]، كل ما سوى الله فعله الله -جل جلاله وتعالى في علاه- فمعرفة الأفعال بما تحتويه من دلالة على عظمة الفعّال المُوجد المُصوّر المكوّن المقدّر المُدبّر المقدّم المؤخّر، هذه ذرات الكون تخاطبنا بهذه الصفات للحق تعالى، أي أنها دلالة عليه، ومنها أنفسنا وذواتنا، لا إله إلا هو!!
هذه معرفة الأفعال ورائها معرفة الأسماء والصفات، لهذا يقول:
- هذه الأجسام مثل الظل للأرواح
- والروح فيها معرفة الأفعال كالظل لمعرفة الأسماء والصفات
- معرفة الأسماء والصفات كالظل لمعرفة الذات.
لا إله إلا الله..
هذه المعرفة الخاصة فيها على مراتب، وكلما ارتقت رتبة العارف من ملَك أو نبيّ أو وليّ قويَ علمه أنه لا يعلم، وزادت معرفته بعَجزه، وعجز الخلائق كلهم عن الاحاطة بصفة واحدة من صفاته، أو اسم واحد من اسمائه فضلا عن جميع صفاته واسمائه.
ولكن له الأسماء الحسنى وصفاته العلى نؤمن بها كما وصف بها نفسه ووصفه بها انبيائه، وما سمى به نفسه وسماه من أنبيائه صلوات الله وسلامه، أو علمَه أحد من خلقه، فإن النبي ﷺ في الأسماء قال: "اسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدا من خلقك".
في أن الله يتعرف على عباده ويعلم أحد من الخلق من الأسماء ما لا يعرفه غيره، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أي مهما علم الملائكة والنبيون والأولياء من أسماء الله فهناك أسماء لا يصل علمهم إليها، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك -جل جلاله-.
رأيت عظمة هذا الإله الذي نعبده!! لا اله الا هو
ما أعجب عظمته وجلاله، لا يحيط باسمائه ولا بصفاته إلا هو. الله يرزقنا كمال الأدب والتعظيم والإجلال.
هذه حقائق الإيمان تُقذف في قلوب من تطهر عن الأدران واقتدى بسيد الأكوان.
كل على قدر الصفا والاقتدى *** نال الهُدى في أحسن استقبال
يقول: "فإذا وصفه بما هو مجمع على تنزيهه منه" وقع -والعياذ بالله- في الخروج عن الملة والإسلام.
"أو حلل محرما بالإجماع معلوما من الدين بالضرورة" كما تقدم معنا في الصباح، ومثّل له الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- بالزنا واللواط.
ارباب البصير يرون ان الذي يدور في افكار الكفار بل رأسهم ابليس وما يريدون به منازعة الحق والهدى والنبوة والرسالة والالوهية.
هذه الشهوات الخبيثة التي إذا اعتدلت كانت عفافا مُرقّيا إلى مراتب قرب وإلى الإنعام بلذائذ كبيرة، منها ما يسبق في الدنيا من لذة الروح بالمعرفة والقرب، ومنها ما هو مؤجل إلى الآخرة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. إذا اعتدلت هذه الشهوات عند الإنسان بميزان الشرع الشريف والعقل.
وإذا خرجت عن العقل فأسبَاب الهلاك والدمار والتّعجيل للكُدورات والأحزان والأمراض في الدنيا ثم العذاب الشديد في الاخرة هي هي. وعليها يدور الكلام..
وأكثر محاولات الاضْلال والاغْواء والإغراق في الباطل تأتي من قِبل هذه الشهوات، يُحدّثون عنها ويحاولون يخاطبون الشباب بها.
يقول بعض العارفين: "ما أيس الشيطان من احدٍ إلا أتاه من قِبل النساء" وتجاوزوا الآن في وقتكم ووصلوا الى عند اللواط الذي أنتم بجوار القوم الذين أهلكهم الله بسببه. وكان نبيهم يحدِّث أنه: (مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ) [الأعراف:80].
كم قرون بين عهد سيدنا إبراهيم وسيدنا لوط وبين سيدنا آدَم؟ كم قرون؟ أكثر القرون..
ما بعد لوط الى قيام الساعة قليل بالنسبة إلى ما قبل لوط، القرون هذه كلها ما أحد في بني آدم ينزل إلى هذا التفاهة والسفاهة، ما أحد نزل إلى هذا الخساسة، قرون.. (مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ) [الأعراف:80].
جاءوا يتسابقون إليها! جاءوا يتسابقون الآن إليها!! ماهذه الخساسة؟ ماهذا السقطة؟ لا إنسانية.. لا فطرة.. لا عقل.. لا دين..
ويحبّون يقنّنون لها وينشرونها ويروّجون إليها!! والشيخ مثّل بالأمر المجْمع الذي لو قال بحلِّه مسلم كفر، مثل الزنى واللواط، والقتل والسرقة والغصب، وهي التي يحومون حولها في حَضاراتهم وفي ثَقافاتهم.
يغصبون ويسرقون ويقتلون مفتخرين باسلحة الدمار، ومتسابقين عليها وممنوع احد ينافسنا نحن فيها، يعني هواية القتل! يعني هواية.. على كل حال.. هذا هو منتهى ثقافتهم..لا اله الا الله.
ويروّجون لهذه الشرور ويعملون عليها الليل والنهار ولكن الله يخزيهم.
مع ذلك يبقى في الأمة قلوب تعرف الربّ، ولا يهزّها كثرة الشّغب والبلبلة والأقاويل من الإنس ولا من الجن ما دام القرآن موجود الحمد لله تعالى. وينصر الحق تعالى رسوله ويظهره على الدين كله إلى آخر الزمان، حتى تأتي الإرادة والاذن بهبوب الريح التي تخطف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، حينئذ لا خير على ظهر الأرض من شرقها إلى غربها، فلا يبقى إلا شرار الخلق، عليهم تقوم الساعة، ولهم الموعد، بعد ذلك يجتمع الكل فيفوز المؤمنون.. جعلنا الله من خواصّهم.
قال: "أو حرم البيع والنكاح"، قال "أو نفى وجوب مجمع عليه كالصلوات الخمس". هذا يقول ننقصها والذي يزيدها..! الأمر مجمع عليه جاء على لسان المصطفى ﷺ، وشأن الصلوات وفرضها تميزت عن بقية فرائض الشريعة كلها.
وكان ينزل الوحي من السماء إلى الأرض بالشّرائع والفرائض، إلا الصلاة لما أراد الله فرضها، استدعى الذات الكريمة كلها والختم للنبوة، قال تعال لنا، وأطلعه ورفعه إلى فوق السماوات وفرض الصلاة عليه وعلى أمته ﷺ، خمس صلوات فرضها الله عليه وعلينا في اليوم والليلة.
يقول: "أو سجدة منها بمعنى ركعة أو ركن مجمع عليه" لهذا التهاون بالصلاة أمر شنيع، وأمر شديد، وهو الذي واقع فيه كثير من الأمة.
قال: "والزكاة والصوم والحج والوضوء" (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة: 6]،
"أو أوجب مما يجب إجماعا" كذلك لأنه كما أشرنا في الصباح، حقيقة الاستحقاق في التحليل والتحريم للخالق، الخالق وحده هو الذي يحرم، لأنه هو الذي كوّن وأبدع، هو الحق يُحرّم ويحلل، أما أن يحلل ويحرم بعضنا لبعض!! إذًا أنه يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
(قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [الأنعام: 145]. يعني ما يحرم إلا ما حرم الله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله. فمن دونه من باب أولى، إنما يحرم ما حرم الله ويحل ما أحل الله، وهذا حق الإلوهية والربوبية.
ثم جعل سبحانه وتعالى في دوائر المنافع والمصلحة شؤون بين العباد يرتبون بها أمورهم لكن من دون أن يتناقضُوا مع تحليلٍ منه ولا تحريم منه سبحانه وتعالى.
قال: "أو نفى مشروعيةِ مُجْمعٍ عليه كذلك كالرواتب بالصلوات" وهذا من جملة الاعتقادات التي تخرج الإنسان عن الملة،
يقول: أو "أو عزم على الكفر في المستقبل" كيف عزم؟ يقول إذا قامت الحاجة الفلانية او وصلنا الى البلاد الفلانية وكذا، فلنترك الإسلام..انتهى! أنت من الآن خرجت، قال لا لا بعد خمسين سنة، ليس الآن.. حتى لو بعد خمسين.
أنت ناوي تخرج مثلا بعد الخمسين سنة من الإسلام! أمن من الآن خرجت، خلاص.
بمجرد العزم من الخروج من الدين خروج، الخروج من الدين هو لعبة؟! وإلّا هذا أمر حق وهدى ومبدأ يقوم بأساسه الخلق والوجود؟! كيف يكون عزم على فوضى!!! أويقول اذا رحنا إلى أوروبا وإلّا كذا نريد نكون مثلهم نصارى، وبعد ذلك سنعود إلى الإسلام!!
أنت من الآن وأنت في بلاد العرب وتصلي فأنت كافر، بسم الله! لانك عازم أن تكفر -أعوذ بالله من غضب الله-!
قال: "أو عزم على الكفر في المستقبل"، ما معنى هذا؟ لعب بالدين! هذا أمر مبدأ يقوم عليه الكون، يقوم عليه الوجود، ودين ما يتأتى أن يعزم على تركه، فإذا عزم على تركه، فمن الآن هو كافر.
" أو على فعل شيء مما ذكر، أوتردد فيه لا وسوسة"
قال: إن الله اغتفر للعباد الوسوسة، ما توسوس به نفوسهم، وتأتي به نفسه ما يواخذهم عليه.
لكن عزم، أو وصل الى التردد في شيء من المعلومات من الدين بالضرورة، التردد تردد، ليس مجرد وسوسة؛ شك يعني، هذا الخطر، وأما مجرد خطور الخاطر او ورود الوارد ووسوسة النفس فإن الله تجاوز عنها.
ومع ذلك فالمُقبلون عليه بصدق يرفع عنهم هذا ولا يبقى عندهم خطوْر خاطر ولا ورود شيء مما لا يليق بالعبد مع ربه جلّ جلاله، الله!
بعد ذلك يقول: "أو أنكر صحبة سيدنا ابو بكر"، ولماذا سيدنا أبوبكر وحده؟ وسيدنا عمر ليس صحابي؟ سيدنا عثمان، وسيدنا علي كلهم صحابة.. لكن يقولوا من أنكر صحبة أي واحد من هؤلاء فسق، إلا أبا بكر، لماذا ابو بكر؟ لأن النص على الصحبة في القرآن، (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ) [التوبة: 40]، أنت تقول ما هو صاحبه! الله يقول صاحبه، هذا كفر، خلاص على طول
فإذا كذّب بصحبة واحد من الصحابة يصير فاسقا، ليس كافرا، لكن صحبة أبو بكر منصوص عليها في القرآن، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ).
أنت تقول ليس صاحبه؟ كيف هذا؟ هذا التناقض مع كلام الله -جل جلاله-، فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله اجمعين، واهل بيته الطاهرين والعباد الصالحين ورزقنا محبتهم.
"أنكر صحبة سيدنا أبي بكر رضي الله تعالى عنه، أو رسالة واحد من الرسل المجمع على رسالته" من الخمسة والعشرين المذكورين في القرآن، "أو جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن"، وهذا أيضا عندنا عظَمة في حفظ الله القرآن لنا -سبحان الله-، حُفظت حروفه كلها، وحتى مدوده، والجائز منها والوارد فيه الروايات والقراءات، حفظ متقن سبحان الله، حتى لا يوجد مجال لزيادَة حرف ولا لإبعاد حرف.
فلو اعتقد أن من كلام الله حرفا واحدا ليس من كلام الله فقد كفر، أو أنكر حرفا من الحروف المجمع عليها فقد كفر -والعياذ بالله تعالى-، وهذا من بركة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، وأما مَن قبْلنا خانوا الأمانة في الوحي الذي نزل على أنبيائهم من الكتب، وغيروا وبدلوا وحرفوا وزادوا وانقصوا..
ولا يزالُوا إلى اليوم يزيدون وينقصون، وتقرأ بعض اياتهم في الصبح بلفظ وفي المساء بلفظ آخر يأتي بها القسيس، بلفظ ثاني، يجيء بها الراهب بلفظ ثاني، هو بنفسه يقرأ في الصبح بلفظ وفي المساء بلفظ ثاني!! لكن القرآن، سبحان الله، ما هذا الحفظ العظيم! هذا اللفظ كما خرج من بين شفتي رسول الله ﷺ.
وسأل من ربه السّعة فأعطاه السبعة الأحرف، وجاءت منها بعد ذلك القراءات المرويّة عنه ﷺ إلى العشر متواترة، كلها متواترة؛ أي واردة عنه ﷺ.
وفيه أنه في المدود وغيرها، يقرأ احيانا بما هو اطول واوسع، ويختصر احيانا في قراءته ﷺ، حتى جاء أنه قد يقرأ السورة فيطوّلها وتكون أطول من غيرها مما هو أطول منها؛ بالتأني فيها ووصوله الى غاية المدود التي فيها للتأمّل والتّدبر، إذًا فمُختلف هذه القراءات قد قرأ بها ﷺ ولكن في أحوال وأحْوال وأحوال، فالمرجع إليه ﷺ في تبليغ هذا القرآن، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) [مريم: 97] ﷺ.
ويقول: "أو كذَّب رسولا أو نقّصه"، استنقاص واحتقار الرسل من الكفر، والعياذ بالله تبارك وتعالى، بل السنن النبوية،
"أو صغّر اسمه بقصد تحقيره أحد من الانبياء، أو جوز نبوّة أحد بعد خاتم النبيين محمد" فلا نبي بعده -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
أويسمي نفسه "لا" كما عمل واحد، وقال: انا اسمي "لا"!! وأنا نبي.
كيف هذا؟ قال لأن النبي قد أخبر أنه قال: "لا"، نبيّ بعدي، قال: لا نبيٌ، وإلّا قال: لا نبيَّ؟!! وحده، لكن هذه البلاهة ..!
وواحدة قالت: أنا نبيّة، .. ولأنه قال: لا نبيّ ما قال لا نبية.. قالوا لا نبية لا قبله ولا بعده.. نبيّة ما أحد لا قبله ولا بعده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، فهو خاتم النبيين (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)
[الأحزاب: 40]. هذا قِسم الاعتقاد.
القسم الثاني الأفعال، والفعل الذي ذكره من غير شك، أنه معلوم، أنه مشروط بشرط اعتقاد الالوهية فيما يسجد له.
- كسجود لصنم، أو شمس، أو مخلوق آخر. والسجود لغير الله تبارك وتعالى في شريعة الله تعالى التي جاء بها سيدنا محمد حرامٌ، وكونه كفر أوشرك ومُخرج من الملَّة منوطٌ باعتقاد أن هذا المسجود له إله، على وجه العبادة له، لأن مجرّد السجود لشيء لا يكون عبادة له، إذا لم يعتقد فيه الإلوهية ولم ينوِ العبادة له، ولولا ذلك لما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم. لو كان مجرد السجود لشيء عبادة له فمعناه؛ أن الله أمرهم أن يعبدوا آدم -استغفر الله العظيم- لا آدم ولا غير آدم، لا معبود إلا الله. فكان سجودهم لآدم من جملة عبادة الله لأنه أمرهم بذلك.
ثم كان السجود أيضا في الشرائع السابقة عند الأنبياء على وجه التعظيم والإكرام جائز، من دون عبادة ولا اعتقاد الإلوهية والربوبية في المسجود له.
يقول سبحانه وتعالى عن سيدنا يوسف: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ) [يوسف: 100]،.
سيدنا يعقوب وزوجته واخوة يوسف (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ) إكرام، تحية، ليس عبادة، ما يُعبَد سيدنا يوسف ولا غير سيدنا يوسف، فكان السجود مباح، لو كان في حد ذاته شرك لما أبيح في شريعة من الشرائع أصلا.
إذًا فكونه مخرِج من الملة مشروط باعتقاد الألوهية في ذلك المسجود له، أو قصد العبادة له. وإن لا؛ فلا يكون مخرج من الملة ولكنه في شريعتنا حرام.
حرام ما يجوز السجود لغير الله تعالى وإن لم يكن باعتقاد له، حتى على وجه الإكرام والتحية محرّم، لكنه معصية وليس كفر.
إلا إذا قصد العبادة أو اعتقد الألوهية في غير الله تعالى فهذا هو الكفر.
ومنه -من الأفعال أيضًا التي تؤدي إلى الكفر-:
- رمي المصحف الشريف، متعمدا احتقارا، أو دعسوا عليه متعمدا؛ مخرج من الملة، بلا شك، متناقض مع الإيمان به وماجاء به، فهذه الأفعال المُكفرة.
والأقوال؛ وهي كثيرة جدا لا تنحصر، منها:
- أن يقول لمسلم: "يا كافر" أو "يا يهودي" أو "يا نصراني" أو "يا عديم الدين" مريدا أن الذي عليه المخاطب من الدين هو كفر أو يهودية أو نصرانية أو ليس بدين،
- وكالسّخرية باسم من أسمائه تعالى أو وعده أو وعيده مما لا يخفى عليه نسبة ذلك إليه سبحانه.
- وكأن يقول "لو امرني الله بكذا لم أفعله"، "أو لو صارت القبلة في جهة كذا ما صليت إليها"، أو "لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها"؛ مستخفا أو مظهرا للعناد في الكل،
- وكأن يقول: "لو أخذني الله بترك الصلاة مع ما أنا فيه من المرض ظلمني"،
- أو قال لفعل حدث: "هذا بغير تقدير الله"،
- و "لوأ شهد عند الأنبياء أو الملائكة أو جميع المسلمين بكذا ما قبلتهم"،
- أو قال: "لا أفعل كذا وإن كان سنة" بقصد الاستهزاء،
- أو "لو كان فلان نبيا ما آمنت به"،
- أو أعطاه عالم فتوى فقال: "أي شيء هذا الشرع"، مريدا الاستخفاف،
- أو قال: "لعنة الله على كل عالم" مريدا الاستغراق الشامل لأحد الأنبياء،
- أو قال: "أنا بريء من الله" أو "من النبي" أو "من القرآن" أو "من الشريعة" أو "من الإسلام".
هذه الاقوال، الاقوال التي تدل على استخفاف واستهزاء بشيء من آيات الله تبارك وتعالى والعياذ بالله تعالى، وقال: يتساهل بها كثير من الناس، وهي تقتضي الخروج من الملة بشرطها.
قال: "أن يقول لمسلم يا كافر"، لقوله ﷺ: "إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". كان واحد منهم كافر، إن كان كما قال -يعني هذاك المخاطَب- غير مسلم أصلاً على غير الملة فهو كافر كما ذكره، وإلا حار عليه، أي رجع عليه، رجع هو الكافر هذا،
وهنا قيّدها عندكم بأن يريد أن الذي أنت عليه هذا كفر، هو على الإسلام، كيف كفر! مسلم أمامك تقول له يا كافر! يريد أنّ الذي أنت عليه هذا دين كفر، إذا كان كفر، هذا أمامك مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ومحمد رسوله ويقيم الصلاة يؤتي الزكاة، وتقول له كافر!! فإذا قال له ياكافر رجع الكفر عليه -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
حتى كان بعض أهل العلم يقول: لماذا جاء في بعض روايات الحديث عن أهل الذين ظهروا بتكفير الناس من أهل نجد، أن فيها تسعة أعشار الكفر؟ كيف تسعة أعشار الكفر؟ منطقة محصورة وقصيرة، والكفر منتشر في العالم، كيف يكون تسعة أعشار الكفر؟! قال لأنه لما ظهر التصريح بتكفير الناس، كما يصرح بعضهم من ستة قرون أن كلهم كفّار، وحينها قال يعود عليهم الكفر على عدد هؤلاء.
كم عدد المسلمين ومن فيهم أولياء وصلحاء في القرون هذه كلها، فتجمعت تسعة أعشار الكفر، تجمعت من خلال التكفير هذا للأمة، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
إذا قال لمسلم واحد: يا كافر، رجعت عليه، فإذا اثنين، ثلاثة، أربعة، عشرة، مئة، مئتين، ألف ألفين، مئة ألف، مليون.. هو هو هو يرجع عليه والعياذ بالله تبارك وتعالى، التكفير هذا خطير والعياذ بالله.
يقول لمسلم: يا كافر، أو يا يهودي، إذا كان يريد أن الذي عليه أنت هي اليهودية! ؛ يشهد أن محمدا رسول الله، وتقول يهودي!! عجيب!
يؤمن بما بُعث به ﷺ وبما مضى عليه الصحابة وأهل البيت وتقول هو يهودي؟! كيف يهودي؟! إذا قصد هذه يهودية؛ أنت كافر إذًا. هذا هو الإسلام
أو تقول: يا نصراني، أو يا عديم الدين، قال في كل هذا إذا قصد أن الذي أنت عليه كفر أو يهودية ونصرانية أو ليس بدين؛ فهو كفر، يكفر القائل والعياذ بالله تبارك وتعالى.
في الحديث أيضا، ذكر ﷺ عن الفتن الواقعة في أمته يقول: "من يقرأ القرآن حتى إذا رؤيت عليه بهجته، خرج على جاره يرميه بالكفر، قالوا: يا رسول الله من أحق بالكفر، الرامي أوالمرمي؟ قال: بل الرامي" وإذا الرامي الذي يكفر الناس هو أحق بالكفر من الذي يرميهم! -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، أعوذ بالله من غضب الله..
يقول: "وكالسّخرية باسم من أسمائه تعالى"، "أو وعد"؛ وهو الثواب ما جعل من الثواب على شيء من الطاعات، "أو الوعيد"؛ وهو العقاب استخفاف بالثواب وبالعِقاب، الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب "مما لا يخفى عليه نسبة ذلك عليه سبحانه وتعالى" لا ُيستخف بشيء من وعده ولا وعيده -جل جلاله-
وكأن يقول: "لو أمرنا الله بكذا لما أفعل"، يتعصب، ويراجِعونه الناس، يقول: لن أفعل، لو الله أمرني ما أفعل، ما هذا الكلام؟ هذا كفر! والعياذ بالله، والله هو لعب عندك؟ يراجِعونه أو يصطلح مع قريبه.
أو يقول: لو جاء الأنبياء ويقولون لي إذهب عندهم لن أذهب عندهم! الأنبياء هم لعبة عندك الأنبياء؟ و حالهم إلا كذا يعني عندك! وقدرهم هكذا عندك؟! ما لهم إعتبار؟! فهذا كفر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
أو يقول: "لو صارت القبلة في جهة كذا ما صلّيت إليها"، ولو أعطاني الله الجنة ما دخلتها، مستخفّا أو مُظهرا للعناد، الاستخفاف بالجنة وبالنار كفر؛ لأنها معظمة؛ بلسان الله ورسوله ﷺ.
وفرق بين الاستخفاف بها وبين أن لا تكون علة للعبادة، فرق كبير، مع تعظيم الجنة وتعظيم النار عند المقربين والعارفين يقولون: "لا نعبده خوفا من ناره ولا طمعا في جنته" تمام.. صحيح تمام هذا تعظيم له سبحانه وتعالى، مع تعظيم ما عظّم من الجنة والنار، أما يستخف بها وهي عظيمة ،لا، ما يجوز لأحد يستخف بالجنة ولا يستخف بالنار، لأنها ذلك الذي يخوف الله به عبادة، وذلك الذي بعث الله به عباده، عظم الجنة وعظم النار، فلا يجوز الاستخفاف بالجنة ولا بالنار ولا بشيء مما عظّمه الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.
يقول: "أو يقول لو آخذنِي الله بترك الصلاة مع ما أنا فيه من المرض ظلمني"، هذا ربّ وأنت خلْقه وعَبده، يؤاخِذك بما شاء، ويعذبك كما يشاء، ويعاقبك على ما يشاء، ويعفو عنك ما شاء، هذا إله، أما لو "ظلمني" هذا جهل بالله تعالى وبألوهيته.
قال: "أو قال لفعْل حدث هذا بغير تقدير الله" يعني؛ هل في أحد يُكْره الحق تعالى، أو في أحد عنده قدرة عن الخروج عن المملكة والقدرة الإلهية، يتصرف من دون الله؟!! وهل ينام ولا يغفل ولا يموت حتى يكون شيء من دون إذنه؟! -جل جلاله وتعالى في علاه-؟! وإذا، كما يحصل لبعض المغفلين، "قدَّر الله" فيقول هذا ليس قدر الله!! في شيء بغير قدر الله؟! هل هناك إله آخر يُقدِّم ويؤخر ؟! كل شيء بقضاء وقدر!
لو قال : "لو شهد عند الأنبياء أو الملائكة أو جميع المسلمين بكذا ما قبلتهم"، حتى لو قال فقط، جميع المسلمين، يدخل فيهم الأنبياء، إذا قال كذا فمعناه ارتدّ، والعياذ بالله ويجب عليه أن يعود.
"أو قال لا أفعل وكذا وإن كان سنة بقصد الاستهزاء والاستخفاف"، أو قال: لو كان فلان نبيا ما آمنت به، أو أعطاه عالم فتوى فقال: أي شيء هذا شرع؟! هذا أي شرع؟! إذا ما أعجبته الفتوى، ما أعجبه الحكم، قال: أي من شرع هذا؟ ويقصد به الاستخفاف بالشرع، هذه الكلمة مكفِّرة، -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ) [النور: 51]، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]،
يقول: "أو قال -والعياذ بالله تبارك وتعالى- لعنة الله على كل عالم".
والأنبياء علماء وإلا ما هم علماء؟! زعل من واحد من العلماء وقال العلماء كلهم عليهم وعليهم.. هذا كلام كفر.
انظر ما تقول، كم من كلمة هوت بالإنسان إلى الهاوية -والعياذ بالله- إلى الأبد، اضبط لسانك.
يقول: "أو قال: أنا بريء من الله".
أعوذ بالله، أو من النبي، أو من القرآن، أو من الشريعة، أومن الإسلام، إذا قال كذلك فهو كذلك، انتهى. خرج من الملة، والعياذ بالله تعالى، أعاذنا الله من ذلك.
- أو قال لحكم من أحكام الشريعة: "ليس هذا حكم"، أو "لا أعرف الحكم"، مستهزئا بحكم الله،
- أو قال وقد ملأ وعاء: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) [النبأ: 34] أو أفرغ شراباً: (فَكَانَتْ سَرَابًا) [النبأ: 20]، أو عند وزن أو كيل: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين: 3]، أو عند رؤية جمع: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف: 47]، بقصد الاستخفاف أو الاستهزاء في الكلِّ، بهذا الشرط بقصد الاستخفاف والاستهزاء، أما مجرد قراءة هذه الآيات ما يضر، ولا يكون كفر، بعيد عن الكفر، بالعكس إذا أراد الاستشهادة أوالتذكر فهو عبادة.
لكن إذا أراد الاستهزاء أو الاستخفاف؛ ملأ وعاء قال (وَكَأْسًا دِهَاقًا) [النبأ: 34]، ومستخف بالآية الشريفة. أو أفرغ شراب (فَكَانَتْ سَرَابًا) [النبأ: 20] مستخفّا، بقصد الاستهزاء والاستخفاف، هذا يكون كفر، بقصد هذا، ما هو مجرد النطق بالآية، عند كيل أو وزن (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين: 3]، رأى جمع قال(وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) إن قصد الاستخفاف والاستهزاء كفر.
وكذا كل موضع استعمل فيه القرآن بذلك القصد، فإن كان بغير ذلك القصد فلا يكفر، لكن قال الشيخ أحمد بن حجر -رحمه الله-: لا تبعد حرمته.
- وكذا يكفر من شتم نبيا أو ملكا
- أو قال: "أكون قوّادا إن صليت"، أو "ما أصبت خيرا مذ صليت"، ما أصبت.. ما أصبت خيرا مذ صليت..! أو "الصلاة لا تصلح لي" بقصد الاستخفاف بها والاستهزاء، أو استحلال تركها أو التشاؤم بها -والعياذ الله-.
- أو قال لمُسلم: "أنا عدوك وعدو نبيك"، أو لشريف "انا عدوك وعدو جدك" مريدا النبي ﷺ.
كفر خلص نعم.
أو يقول شيئا من نحو هذه الألفاظ البشعة الشنيعة.
وقد عد الشيخ أحمد بن حجر والقاضي عياض رحمهما الله تعالى في كتابيهما "الإعلام" و "الشفاء" شيئا كثيرا، فينبغي الاطلاع عليه، فإن من لم يعرف الشر يقع فيه.
وحاصل أكثر تلك العبارات يرجع إلى أن كل عقد أو فعل أو قول يدل على استهانة أو استخفاف بالله، أو كتبه، أو رسله، أو ملائكته، أو شعائره، أو معالم دينه، أو أحكامه، أو وعده أو وعيده؛ كفر ومعصية، فليحذر الإنسان من ذلك جهده.
اعاذنا الله واحبابنا وأولادنا وأهلنا والمسلمين من جميع أنواع الردة والكفر ومن الفسوق والعصيان إنه أكرم الاكرمين وأرحم الرحمن.
فما يذكر بعد ذلك، من وقَع عليه الردة، ماذا يلزمه، وكذلك إذا كان هناك حاكم من المسلمين يجب أن يستَتيبه للرجوع إلى الإسلام.
يكرمنا الله وإياكم بقربه، ويسقينا من شربه، ويثبت أقدامنا على دربه، ويدخلنا في حزبه، ويحشرنا في زمرته، ويجعَلنا من أنصاره، والمُقتفين آثارِه، والمقتبسين أنواره، والمستقيمين على منهاجه، والرّاقين بمعْراجه.
وفرج كروب أمته أجمعين ويجعلنا وإياكم في أسعد أمته به، وفي أنفع أمته لأمته، وأبرك أمته على أمته، وانفعنا بأمته عامة وبخاصّتهم خاصة.
اكشف الشدائد والبلاء والآفات عنهم، وحول أحوالهم إلى أحسن الأحوال، ورزقنا القبول والإقبال وأصلح لنا كل حال، وأختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا، في لطف وعافية
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ
21 صفَر 1446