تفسير سورة الكهف - 8 - من قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ...} الآية (32) إلى الآية (44)

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الكهف:  

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)

مساء الإثنين 4 ذي الحجة 1445 هـ

 

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله رب العالمين مكرمنا بالذكر الحكيم المبين، والرسول المصطفى الأمين، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، اللهم أدم صلواتك على أسعد مخلوقاتك خير برياتك صفوتك مِن خليقتك سيدنا المجتبى المختار محمد وعلى آله، وأهل بيته الأطهار، وأصحابه معادن الأنوار، وعلى مَن والهم فيك وعلى منهجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك ياأرحم الراحمين.

أما بعد،،،

فإننا في نعمة تأملنا لكلام ربنا -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- ووحْيه على قلب نبيه سيدنا محمد، وما بلّغه إلينا هذا النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، انتهينا في سورة الكهف إلى ما ضرب الله لنا مِن مثلٍ لرجلين عاشا على ظهر هذه الأرض؛ فكان ما فيها وما يجري مِن ظروفها وأحوالها مؤثرًا على كل منهما؛ تأثير إيجابٍ على واحد وتأثير سلبٍ على الآخر، تأثير نفعٍ لهذا، وتأثير ضرٍ لهذا، وأيضًا ما قام مِن الموازين في أفكارهم ونَظرهم إلى الأمور والحقائق اختلف ما بين هذا وهذا؛ (ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) [محمد:3]: 

  • فالكفار أتباعُ الباطل في التصور، وفي الفكر، وفيما يختارون مِن سلوك، وفي العمهِ الذي فيه يعمهون: (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل:4]، 
  • وقال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:257]؛ فيجب على المؤمن أن يقوِّم تصوّره ونظرته للأشياء بميزان الله الحق الخالق. 

يقول جلَّ جلاله:- (وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ (32))، اضرب لأمتك ولمن بلغتْهُ رسالتك مثلًا، ولهؤلاء القوم الذين طلبوا منك أن تُبعد الفقراء والمساكين مِن حضرتك ورأوا أنفسهم أعلى وأجل مِن غيرهم؛ وكلها نظرات باطلة، ونظرات لا حقيقة لها، يُقيم الشيطان عليها جبالًا مِن الخيال والضلال يضل بها كثيرا، فيتصور أن في هذه الصورة، وفي هذا الزي، وفي هذا الأسلوب، في هذه الطريقة، في هذا المنهج شرف، وعزه؛ وحتى وهي قَباحة، وحتى هي سقاطة ووساخة ويتصور أنه في عز، وشرف، ويتفاخر بها؛ وعند ذلك يسقط وينتهي كل شيء، يعمل كذلك إبليس بمن صدَّقهُ فإنه يُلبِّس ويكذب ويتحيّل ويمكر وهذا شغله.

قال: (وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ (32))، (جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ (32))، يعني شؤون الحياة هذه وما يحصل فيها مِن بساتين أو أبنية أو أنهار أو أي شيء؛ ما يحدث باستقلال مِن نفسه ولا باستقلال أحد مِن الخلق، لا يعدل كلٌّ أن يكون أسبابًا ومسببات فقط؛ لكن المسبب هوَ، والمريد هوَ الله -جلَّ جلاله- جنتين لهذا، ما جاءت بها شطارته، وغاية الأمر أنه تسبب فيما سنَّ الله تعالى وجعل مِن قانونه على ظهر الأرض أنَّ أراضٍ خصبة تقبل الماء وتنبت الكلأ والزرع الكثير، وأنه إذا سُقيت، وإذا وضعت فيها البذور أنبتت كذا بتقديره هو جلَّ جلاله، فيقول: (جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ (32)).

ولكن يأتي دور الخيالات والضلالات أنه أن يقول: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص:78]، بجهدي وترتيبي زرعت وغرست، وهذا الثمر جزاء جهدي، جزاء ما قُمت أنا به كأنه هوَ (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) [الواقعة:63-66]، تقولون: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [الواقعة:66-67]. 

يقول تعالى: (جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ) أي بستانَين مِن أعناب، فالجنة بمعنى البُستان (وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ) -جعلنا في جوانبها النخل- (وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعٗا (32)) بين الجنتين- البستانين- الزرع هنا؛ عنب وهنا نخل يَحُف في الأطراف وبينهما زرع ما شاء الله؛ يعني أنواع مِن المزروعات، أنواع مِن الغرس، وأنواع مِن الأشجار موفرة؛ عنب، نخل، زرع (كِلۡتَا ٱلۡجَنَّتَيۡنِ (33)) كل واحدة مِن الجنتين، مِن المزرعتين، مِن البستانين (ءَاتَتۡ أُكُلَهَا (33)) جاء وقت ثمرها -فاءَتَتْ- أعطت أُكلها كاملًا ليس فيها نقص، وليس فيها آفة نزلت عليه، ما فيها دودة أكلته، ما وقع به شيء (ءَاتَتۡ أُكُلَهَا وَلَمۡ تَظۡلِم مِّنۡهُ شَيۡـٔٗا (33)) ما نقص منه شيء، ولا هلك منه شيء ما شاء الله. 

تصوّر بُستانين مِن الأعناب محفوفة بالنخل وبينهما الزرع والنهر يجري، كيف الحالة التي ترُوق للنفس بحكم الطبع، (كِلۡتَا ٱلۡجَنَّتَيۡنِ ءَاتَتۡ أُكُلَهَا (33)) وقت الثمار أثمرت نخلها وزرعها وعنبها، (وَلَمۡ تَظۡلِم مِّنۡهُ شَيۡـٔٗا وَفَجَّرۡنَا خِلَٰلَهُمَا نَهَرٗا (33)).

(وَكَانَ لَهُۥ ثُمُرْ (34)) في قراءة ثَمَرْ، قراءة ثُمْرٌ؛ إما الثمر للأشجار هذه، أو الثُمُر؛ مال ذهب وفضة؛ يكتنزه، يقتنيه. وقال لصاحبه، وصاحبه قليل المال، وما عنده بستان، وما عنده أشجار، وهذا هو واحد مِن جملة الموازين التي يلعب بها إبليس على الناس ويوهم أنه مَن حصَّل مال وتيسرت أسباب معيشته هذا إنسان سعيد، وإنسان محظوظ، وإنسان كذا؛ وليس السعادة والحظ بهذا، يقول: (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [الفجر:15-16]؛ (كَلاَّ) لا بذا العز، ولا بذا الإهانة، يقول (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص:79]، قال: (إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص:78]، قال الله: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) [القصص:78]،  ماذا على علم مِن عندي هذا؟!

وهكذا خطاب لكل عاقل في كل وقت، وفي كل زمان للأفراد وللجماعات. (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ) [القصص:79]، (وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ) -الحظ ما هو كذا- (ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) [القصص:80]، هذا الأمر الذي يغبط الإنسان عليه والذي يحبه، مادام يعقل ويؤمن لما بعد الموت، ويؤمن بالدار الآخرة والمصير الأكبر، يؤمن بالله الذي خلقه، ما يكون تفكيره بهذه الصورة، ولذا ذكر ﷺ أنه في آخر الزمان يكون هلاك الرجل على يد أبويه، على يد زوجته، على يد أولاده كيف؟! قال: كيف يهلكونه؟! قال: يعيرونه بالفقر حتى يرِدَ الموارد، يقولون له: أنت لا تأتي لنا بشيء، أنت  ما تحصِّل شي؛ فلان أحسن منك، فلان جاء بكذا، وفلان عمل كذا، فلان كذا، ويدفعونه إما أن يسرق، إما يكذب وإما يغش وإما يدخل في الربا؛ فيهلك. 

وفي تفسير قوله تعالى (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]، أن جماعة مِن الأنصار لما جاء وقت صلح الحديبية قالوا: نقبل الآن على زرعنا وأرضنا ونُحييها مِن جديد، قال الله: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]، يعني لا تركنوا إلى عمارة الزراعات وتنسون ما أنتم فيه مِن الجهاد مع نبينا، والبذل أفضل لكم وخير لكم (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]؛ ترك الجهاد.

يقول هذا بفكره الخاطئ، الخاطئ الملبَّس عليه فيه، الخارج عن ميزان الله. (فَقَالَ لِصَٰحِبِهِۦ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ) -يتخاطب معه- (أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالٗا وَأَعَزُّ نَفَرٗا (34))، ماذا معك أنت! يقول له (أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالٗا(34))، وهذا كم اليوم يقولون هكذا؟! ما هو وحده، هذا الرجُل، في كثير مثله، ويُعيرون أصحابهم بالفقر وما إلى ذلك وهذا مِن الخبال، الخبال العقلي؛ خبال في العقل بهذا، بالنسبة للمؤمن، ميزان باطل أصلًا ميزان باطل لا حقيقة له. 

قال تعالى في هذه التوهمات عند الكفار: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لّا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون:55-56]، (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء:205-207]، ماذا يفيدهم هذا؟! (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة:28-29]، لا المال ولا السلطة تنفع ماذا الذي ينفع؟ ينفع الإيمان، الإيمان والتقوى، والعمل الصالح.

قال: (أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالٗا وَأَعَزُّ نَفَرٗا(34))؛ معي جمهور، معي شعبية، معي مناصرين وناس يقومون معي (وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ) -بساتينه- (وَهُوَ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ(35))؛ بكفره، بكبره، بطغيانه، باغتراره، ظالم لنفسه. (وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ (35))؛ مسكين، ظالم لنفسه في توهم أنه سيُخلّد، وأنه صاحب مكانة، وأنه أعظم مِن صاحبه، وأنه أجل، وهو ظالم لنفسه. يقول: (مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدٗا(35)) متى جاءت حادثة يمكن أن تبيد في أي لحظة وفي أي وقت، لكن هكذا يتصورون، وقد سمعناهم يغترون مَن قام بدولة، أوبحزب ويقول إلى الأبد، إلى الأبد!! وقد يكتبونها شعارات، يكتبونها "إلى الأبد"، ماذا يعني "أبد"؟! في خلال سنوات معدودة بادت، وذهبت وراحت،  ماذا أبد!  ماذا أبد هذا؟! (مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدٗا(35)).

يقول: (وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ (36))، ما هذا؟! يخوفوننا، ويقولون قيامة، ومرجع إلى الله، والناس يقومون بين يدي ربهم، هذا ما هو صدق! هذا ما هو واقع! انت كيف جئت يا أبله؟ من أين جئت؟ كيف جئت؟! هو هذا الذي جاء بك سيعيدك،  تقول كيف؟ كيف؟ كيف جئت اصلًا؟! ما دمت أنت الآن موجود؛ لا بإيجادك ولا بإيجاد أحد مِن الخلق الذين تعرفهم، فمن الذي أوجدك؟  والذي أوجده؟  ما الذي يعجزه أن يردّك؟

(وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ (36))، قال: إن كان شيء صدق وإلاَّ إن كان كلامك هذا الذي تقوله، إنّا سنرجع (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي (36))، سأحصل على مثل هذا وأحسن، أوه!!.. لماذا؟ لا آمنت به، ولا عملت صالح، وبتحصِّل أحسن؟! أقمت هذا على أي ميزان؟! قلنا لك ميزان مُخْتل، لا يوجد ميزان أصلا، لأن رب الآخرة هذا الذي ترجع إليه، قال لك: مَن آمن وعمل صالحا نعطيه، ومَن كفر ندخله النار، وأنت تكفر وتقول بيعطينا! كيف يعني؟ من أين جاء هذا التصور؟! (لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا (36))، باأحصِل على بساتين أحسن مِن هذه، لماذا؟ لا أطعته، ولا آمنت به وبتحصِّل!! هي لعبة؟! مسخرة؟! مِن قال كذا؟! 

مثل حالهم الآن هكذا يقولون، فقط يُقيِمون الأمور على غير ميزان، على غير حقيقة.يقولون نحن، ونحن، ونحن أفضل، ونحن وسنعمل، ونحن… ما الأُسس الذي بنيتَ عليها هذا التصور؟ قال واحد مِن مشركي قريش يقول: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا) [مريم:77]، متى؟ في القيامة عليه دَين عند واحد مِن المسلمين يقول له المسلم سلِّم الدَين الذي لي؟ قال له: أنت تزعم أنه في حياة أخرى؟ قال نعم والله، ويبعثنَّك الله قال: انتهى الأمر، إذا باقي لنا الحياة الأخرى أنا عندي أموال هناك، وأولاد تعال سأعطيك حقك هناك، (وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) -يعني يبني كلامه هذا على ماذا؟- (أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) [مريم:77-78]، شيء بينه وبين رب القيامة، وخالق القيامة، عهد بيعطيه شيء؟ 

من أين يجيء بالكلام هذا؟ يُخالف رَسوله ويُكَذبهُ ويُشرِك به تعالى، ويقول له أنه سَيُعطينا؟ هذا كلام ! (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا * كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم:78-82]، لا أحد يَعِزَك من دونه، وما تَجِد لَك ناصر مِن غَيره. 

قال :(وَلَئِن رُّدِدتُّ) -رَجِعتُ إلى ربي- (لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36))؛ هذا مَنطِق أهلُ الكُفر، هذا هو الخَبال والضلال والتصور الباطل، قال له صاحِبهُ المُؤمن الذي أخذ فِكرُهُ ونَظَرهُ من ميزان الذي خَلَق: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)) أنت الآن تَتَكَلم بكلام، نَسيت بِدايَتك، نَسيت أصلك؟! ما كُنتَ نُطفة؟! ما كُنت تُراب؟! بعد ذلك نُطفة؟ بعد ذلك مضغة وعَلَقة، ثم (سَوَّاكَ رَجُلًا (37)) تتكلم بهذا الكلام ! تَكفُر به وتَتحَكّم عليه وتقول سيعطينا وسيعطينا ، أنت تتكلم بأي مَنطِق؟! بأي عقل؟!. (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37))؛ (لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ..(38)) -انا ما اقول قولك هذا، أنا أقول هو الله الذي خَلقَني ومَرجعي إليه؛ رَبي- (وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)) وأنتَ لو عَقَلتَ -وإذ كُنت نطفة مَذِرَة واليوم أعطاك هذا، يقدر يُزيلُه أيَّ وَقت- كان واجبك إذا دَخَلت بستانك أن تَتَذَكر مُعطيك (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ..(39)):

  •  يُحفَظ لَك مالك
  •  ويبارك لك فيه
  •  وتَنال النتيجة الحَسَنة من بُستانك هذا

(وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ..(39)) فَكان في هذه الكَلمة دَفعاً لأنواع من السوء؛ حتى رَوى الإمام أبو يَعلى -عليه رحمة الله- في مُسنَدِه أن النبي ﷺ يقول: "ما أنعَمَ الله تَعالى على عَبدٍ بِنِعمةٍ في أهلٍ أو مالٍ أو ولد، فَيقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" فَلا يُصيُبهُ آفةٌ ولا مَكروه. يعني: إذا قال هذا ما يُصيبه آفة ولا مَكروه. 

وينبغي لكل من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو أهله أو ولده أن يقول -ما شاء الله لا قوة إلا بالله - تدفع الأعيُن وتدفع الآفات والشرور، والنبي قال؛ أنه من قالها ما يصيبه آفة؛ هذه الآية (مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ..(39))؛ لأن الإنسان حتى قد يَستَكثِر ويَستَعظِم شَيء أُعطيه هو فَتُصيبه عَينه هو، فَيَتَضَرَّر ويَهلك، فمن أعجبه شيء في مال أو أهل أو ولد أو في نفسه يقول -ما شاء الله لا قوة إلا بالله- ؛ وجاء في رِواية: "ما شاء الله لاقوة إلا بالله، اللهم بارك فيه ولا تَضُرّه" اللهم بارك فيه ولا تَضُره، فهذا يندفع كل عين وكل أثر وكل آفه، بهذه الكلمة.

(وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ..(39)) كان إذا دَخَل بعض الصالحين والعارفين إلى ما بين كُتبِه وطَلَبَته الذين يَطلبون العلم يقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" ما هذا ؟! قال : هذه الجنة حقنا، (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ..(39)).

 صاحبه يقول له: (إِن تَرَنِ ..(39)) -في نظرك أنت وفي رأيك الآن- (إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)) وَلَدي قَليل، ولا لي شَعبية بين الناس ولا ظهور بينهم ولا سُمعة، ومالي أقل من مالك، فكيف تأمن بقاء الحال ومُحوِّل الأحوال ذو الجلال؟. (فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا) -على جَنتك هذه، وبُستانك هذ-ا (حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ) -عَذاباً- ( حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ ..(40))، عذاباً يُهلِك كل مزرعتك ولا يبقى منها شيء؛ (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا) -صحراء- ( زَلَقًا (40)) يزلق فيها الرِّجل ولا يوجد فيها ثمرة، نسيت أنه قادر على هذا؟! هذه نَظرة العاقِل، هذه نَظرَة المُؤمن -لا إلٰه إلا الله-.

وحَصَلت الكرامة على يد "آصف بن برخيا" من أصحاب سيدنا سليمان -عليه السلام-، ونَقل عرش بلقيس بقدرة الله -في لحظة- من سَبَأ من مأرب إلى فلسطين، (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ)  [النمل:40] لا تَكَبَّر سيدنا سُليمان ولا قال نحن ولا…(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

قال: (وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ..(41))  يذهب الماء عنك هذا، ولايبقى نهر، واذهب ابحث عنه، ما تقدر تحصل عليه بعد ذلك (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا…) [ الملك:30] يعني ذاهب نازل عليكم، (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ) [الملك:30] -الله ربنا- ما أحد غيره. (أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)) ما تقدر تجيء به لا بِدَلْوك ولا بِقوتك ذهب، ماعاد هناك ماء، فهذا في نَصيحته وإرشاده وتقويم فكره على الميزان الرباني، وذلك في غَيِّهِ وطُغيانهِ، يقول اترك هذا الكلام، لا تخوِّفنا بهذه الأشياء. قال الله ليلة واحدة: (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ…(42)) ليلة واحدة، جاءت ولا عاد شجرة، ولا عاد ثمرة، ذهبتْ كلها، وهلك المال وهلك البستان (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ…(42)). 

يقول -جل جلاله وتعالى في علاه-: (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ)؛ مُتَحَسِّرا، نَدمان. (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ ..(42)) ساقطة على عُروشها، فوق سُقوفِها، ساقطة في الأرض، لا عاد سقف، ولا عاد شجرة (خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ..(42))(وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42))، وقد قال لك صاحبك من أول، فاستهزأت به:

  •  قال لك وضَحِكت عليه.
  • قال لك وتَشَبَثت بِغُرورَك، 

والآن ماذا بعد ما ذهبت!! (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا(42))،  قال الله: هيا هات أولادك الآن وهات، وأنا أَعَزُّ نَفَرٗا، هات أحد منهم!! لا أحد منهم رَدّ، إرادتنا في هَلاك مَزرعتك بما فيها، هل نَفَعوك؟ هيا قل لهم يرجعونها لك الآن!. 

قال تعالى: (وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ..(43))؛ لا أحد يَشمَخ ويَعتَز بِحِزب ولا بِقَبيلة ولا بأصحاب ولا بأولاد، إذا جاء أمر الله: لا أحد منهم يصْلح لك شيء، لا أحد منهم سينفعك في شيء، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [آل عمران:192]، قال تعالى: ( وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43)) لاامتَنع هو، ولا قدر أن يَنصُر نَفسه، ولا هم قدروا أن يمتنعوا ولا هم يقدرون أن يعملوا له شيء -لا إله إلا الله-. ( وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا(43)) ، (يَنصُرُونَهُ) يَمنعونه من دون الله تعالى، يَحفَظون عليه ماله وما كان مُمتَنِعاً ولا مُنتَصِراً في نَفسه.

يقول الله تعالى: (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ..(44)) الولايةُ الحق لله، إن تريد أن تَتخذ لك وَلي فاتخذ ربك ولي، (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ) [ محمد:11] يتخذون أولياء من دون الله (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ…) [العنكبوت:41]، والله إن المَوجودين مَعَنا على ظَهر الأرض من كُل مُعتَمِد على قُواه وعلى تَخطيطه وعلى ما عِنده من دون الله (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا…) [العنكبوت:41] هذا مَثَلُه ولا أصدق من هذا المَثَل عليه.

ومُعتزٌّ بالله وصادِقٌ مع الله ولو لم يَملِك عَشاء لَيلَتهُ، قَوي وعَزيز بِعِزِّ الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه استند إلى الذي بيده مَلكوت كُل شَيء، (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت:41]. وأمامك كم قوة بيت العنكبوت؟! هذا أمام قُدرَتي -كل ما عِندَكُم مثل هذا- واعتِمادُكم على غَيري مثل من يَعتَمِد على بَيت العَنكبوت، وأنا أرَيتُكُم بيت العنكبوت، واحد مِنكُم بإصبعه يَطويه ويبعده فيختفي بمجرد لمسه!! (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت:41].

يقول تعالى: (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ..(44)) أو هناك في القِيامة الوِلاية السُلطان والحُكم والأمر؛ (لِلَّهِ الْحَقِّ ..(44))، في قراءة: (لِلَّهِ الْحَقِّ)، وفي قراءة: (لِلَّه الْحَقُّ ..(44)) أي: الوِلايَةُ أو الوَلايَة الحق لله. كما  قال إذاً في الآية الأخرى: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ..) -الحق- (لِّلَّهِ)  [الحج:56]، الحق الملك،  الحق لله؛ 

  • الوَلاية الحَقُ لله، 
  • والوِلاية القَهر والسلطان لله، 
  • والولاية -إن أردت وَلي يُواليك- هو الله.

إذا ما واليت الله ما أحد سيَنفعك كائِن من كان (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ) [محمد:11]؛ (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة:257].

يقول تعالى: (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا ..(44)) يعني أحسن من يُعطي الثواب، وطاعتهُ خَير ثواب من طاعة أي أحد غيره، 

  • أما نَعصيه ونُطيع غيره، نحن نَهلَك وغيره يَهلك ولا أحد يَقدر يَنفعنا غيره، 
  • لكن هو إذا أَطعناه يُعطينا الثواب: (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)) عاقِبَة طاعَته خَير من عاقِبَة طاعة غَيره، 

غَيرهُ إذا أَطعتُه وأَغراك بِشيء أو أَعطاك شَيء مُدة، بعد ذلك يَنقَطِع ويَنتَهي، لكن هذا إذا أطعته وقمت معه فالعاقبة مباشرة (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83]، (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا(44))؛ هكذا نِعمَ الرَّبُ. 

نِعمَ الإله رَبُّنا ورَبُّكُم، فَلنَتَخِذهُ وَلياً ولنتخذه وكيلاً ولنَطلب وِلاية الله: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة:55]؛ وبهذه القلوب نقابل ما بَقي من ليالي العشر، الأيام المعلومات كادت أن تَنتَصِف، عشر ذهبت منها الرابعة الليلة فقط وباقي معنا نصف الآخر منها، (أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) [البقرة:203]؛ فيها يربح الرابح وفيها يَفوزُ من ينفذ ويُصبِح فالح: 

  • وفيها يَخسَر مَن يَخسَر؛ المُشتَغِلون في هذه الأيام بالغَفلة والبُعد عن الله، والمُصِرُّون على قطيعة الأرحام، التاركون للصلوات، الفاعلون للمحرمات، ويلٌ لهم ثم ويلٌ لهم وسيخسرون هذا الموسم، كل من لم يتب منهم ولم يرجع إلى الله.
  • والمُقبِلون عليه سواء من الذين وفدوا إلى بيته الحرام أو الذين لهم قلوب متصلة بهم والذين لهم إقبال صادق على الله، هم الفائزون في خلال هذه الأيام، ويتولاهم المَلِك العلام بارىء الأنام من له الحُكم في يوم القيام، 

فانتبه لنفسك في هذه الأيام؛ يعدل قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وأكثروا فيها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، جعلنا الله وإياكم من المغتنمين، وفِّر حظنا مما فيها وما يجود على أهليها، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

اللهم ثبتنا على الحق فيما نقول وفيما نفعل وفيما نعتقد، واقبل حجاج بيتك، وزائري نبيك، ورُدَّهُم إلى أوطانهم سالمين غانمين موفقين مسعودين، واحفظهم واكلأهم وصُنهم وعافهم وعافنا وانظر إلينا، وأشرِكنا فيما تنزل عليهم  وتنظر إليهم من كل خير، واكتب لهم القبول ولنا، يابر ياوصول، وافتح بهم أبواب الفرج لأمة نبيك سيدنا الرسول، وارفع عنا كل هول مهول، وَقِنا الأسواء والأدواء والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي الأمين محمد ﷺ 

تاريخ النشر الهجري

04 ذو الحِجّة 1445

تاريخ النشر الميلادي

10 يونيو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام