تفسير سورة الأنبياء -1- من أول السورة: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} إلى الآية 6

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأنبياء  

بسم الله الرحمن الرحيم (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)

مساء الإثنين 6 ذو الحجة 1446هـ

لقراءة جزء من تفسير أوائل سورة الأنبياء في الدرس السابق:

https://omr.to/q-taha16

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله ربّ العالمين، مُكرمنا بِوَحْيِهِ وتنزيله على قلب عبده ورسوله سيدنا محمّد، وتَبْيِينِه وتفصيلِه على لسانه لأمته التي هي خير الأُمَم، نحمده ونشكره ونُثني عليه الخير كلّه، وهو أهل الحمد جلَّ جلاله، ونسأله أن يُصلي ويُسلِّم على هادينا وداعينا إليه وَدَالِّنا عليه، مأمونِه في الرسالة، سيدنا محمد سيد أهل الدلالة، صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل وَلَائه ومُتابعته والاقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، خاصة أصفياء الرحمن وخُلاصة أحبابه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المُقرَّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعد،،، 

فإنّنا في نعمة تأمُّلِنا لكلام إِلَهِنا وخالقنا ومُوجِدِنا وبارِئِنا مُكَوِّنِ الأكوان، وبارئ الإنس والملائكة والجانّ، وخالق كلّ شيءٍ الإله الرحمن سبحانه وتعالى.

ابتدأنا في تأمُّلِ معاني سورة الأنبياء، صلوات الله عليهم وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وابتدأها الحقُّ تبارك وتعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ.. (1))، أي أنّ المُكلَّفين من هؤلاء الناس -ومثلهم الجانّ- قد حكم الله أن يجعل عليهم حساباً، وأنّه يُحاسِبهم عمَّا اقْترَفوا وعمَّا اجْترَحوا من كل ما مَلَّكهم فيه الاختيار والقدرة، ففعلوه في حياتهم الدنيا باختيارهم، أن يرجع عليهم مُحاسبةً لكلّ قليلٍ وكثيرٍ منه.

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ.. (1))، وجعل بعض أهل التفسير أنّ اللام في (لِلنَّاسِ) معناها مِنْ؛ أي: اقترَب من الناس حسابهم، والاقتراب يكون إما للمكان وإما للزمان، والمراد به الزمان، أي دنا وقَرُبَ وقتُ مُحاسبة الجبّار تعالى لعباده، ومُؤَاخَذَتِهم على ما جرى منهم وعلى ما كسبوا واكتسبوا:

  • و(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة:286].
  • (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8].

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ)، أي مُحاسبةُ الجبّار لهم، وعَرْضُ أعمالهم، ومُؤَاخَذَتهم على ما كان منهم:

  • (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ) [القمر:52-53]. 
  • يقول تعالى: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) [الكهف:49]. 
  • (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [ال عمران:30].
  • (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) [المجادلة:6].

وهذا الحسابُ واقترابُه ما بين خاص بالأفراد بموت كل واحدٍ منهم، وذلك يشمُلُ حسابَ الأوّلين والآخرين، فإنهم كلهم حسابُهم قريب بهذا الاعتبار، ولو كان في أوّل الدنيا أو من أيام آدم -عليه السلام- وأولاده، فإنّ مُدَّتَهم التي يقضونها على ظهر الأرض قليلة بالنسبة لما يقضونه في البرزخ، ثمّ في القيامة، ثمّ إلى الأبد؛ فحسابُهم مُقترِبٌ، كلهم قد مضوا وقد وصلوا إلى الحساب؛ 

  • فعلى وجه الخصوص للأفراد؛ حسابُ كُلٍّ قريب، لأن الله ما جعل لبشرٍ في هذه الدنيا الخُلْد، (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ.. (35)). 
  • وكُل إنسانٍ من حين وِلادته، ثم من حين عقله وتمييزه وتكليفه إلى وقت وفاته؛ الوقت قصيرٌ جداً وقليلٌ بالنسبة لِمَا بعده؛ إذن فالحسابُ قريبٌ للجميع.

ثم إنّ هذا الحساب الذي يحصلُ في البرزخ بموت الإنسان، ثمّ الحسابُ الأكبر العام في الجَمْع يوم حُكْم الله بين خلقه فيما كانوا فيه يختلفون، مُتَيَقَّن لا مِرْيَةَ فيه؛ وكلُّ مُتَيَقَّن الإتيانِ فهو قريب؛ فكلّ شيءٍ لا يُمكِنُ تأخّرُه، ولا يُمكِنُ أن ينقطِعَ أو يذهبَ أو يتلاشى أصلًا، بل لا بُدَّ مِن مَجِيئِه؛ فهو قريب، كلُّ آتٍ قريب؛ فتَبَيَّن لنا معاني الاقتراب التي ذكرها الله. 

ثمّ معاني الاقتراب ليوم الحساب العامّ على العموم؛ يوم القيامة؛ فنحن آخر الأمم، والذي بقي ليس من عُمر الواحد مِنّا، عُمُر الواحد مِنّا لا يساوي شيء؛ لكن من عُمُر مَن يأتي من البشر إلى أن تقوم الساعة، ما بقي من عُمر الدنيا قليل جدًّا بالنسبة للماضي، وَعَادَتُهم إذا جاوزوا النصف في العدد فاقتربوا من النصف الثاني، يقولون: اقترب الأمر؛ اقتربت النهاية؛ ونصف وثلثين وثلاثة أرباع، قد مضت وأكثر من ذلك، فلم يبقَ إلا القليل: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ)؛ فهذه الأمّة، عَرَبُها وعَجَمِها، إنْسِها وجِنِّها، جاءوا قُرب موعد القيامة، وقد اقترب للنّاس حِسَابهم.

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)) وصفهم بمُصيبَتَيْ: الغفلة والإعراض.

  • الغفلة: الذّهول والتّناسي وعدم الالتفات للأمر؛ هم في غفلة، شُغْلاً منهم بشهوات نفوسهم ومُراداتهم الحقيرة، يتشبّثون بها ولا ينفَكُّون عنها، ولا يُحسِنون التّفكير في حقائق الأمور: الخلق والإيجاد، والنِّعمة والإمداد، وإنزال الكتب، والخروج من الدنيا؛ أمور مُتيقّنة لكن لا يلتفتون إليها؛ أمور متيقنة واضحة لا يلتفتون إليها، في غفلة.
  • فإذا جاءت لهم ساعات الْتِفَات وتأمّل، أعرضوا وتَوَلّوا؛ غفلة وإعراض.

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)) -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وهذا حال أكثر الناس. 

  • أمّا اقتراب الحساب، فَلِلنّاس كلّهم. 
  • وأمّا الغفلة والإعراض فنصيب أكثر النّاس؛ أكثر الناس في الغفلة والإعراض. 
  • وفيهم؛ أهل الذّكر والإقبال، لا غفلة ولا إعراض؛ فنِعْمَ القوم؛ لهم الكرامة، ولهم الرِّفعة والشّأن في القيامة، ولهم دار النّعيم والخُلْد، ولهم: "ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ".

لا يغفلون ولا يُعرضون، بل هم ذَاكِرون، مُقبِلون، مُتوجِّهون، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة:148]؛ فنِعْمَ الوجهة إلى الله! 

ولَقَّن الله سيّدَهم أن يقول مُنبِئًا عن حاله الذي أقامه فيه:

  • (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام:79].
  • (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163]، هذا نبيّنا وسيّدنا، قائد أهل العبادة والذِّكر أجمعين؛ فهو أذكرُ الخلائق، وهو أعظمُ الخلائق إقبالاً على الخالق، وأعرفُهم بالحقّ جلّ جلاله. 
  • فالله يُوجِّهنا بوِجهته، قال: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [ال عمران:20]، أي: مَن اتّبعني أيضاً أسلَموا وجوههم لله؛ (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ). 

اللّهمّ اجْعلنا من خواصّ مَن اتّبعه؛ فَنَال به الرِّفعة فِيمَن تَرفَعُه، يا الله!

قال: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ.. (1))، هذا حال النّاس أجمعين بكلّ المعاني، أمّا هذه الأمّة فَبِوَجهٍ أخصّ، للفرد منهم كحالهم مع الأمم السابقة، وَمَعَ أنّ الكثير من الأمم السّابقة -قبْلنا- كانوا يُعمَّرون من سبعمائة سنة، وثمانمائة سنة، وتسعمائة سنة، وألف سنة، وألف ومئة سنة -الواحد منهم- ومع ذلك كلّهم اقترب لهم حسابهم، هؤلاء قد وصلوا أيضاً إلى هذا الحساب، قد وصلوا أصلاً؛ وأما هذه الأمة، مع أعمارهم هذه القصيرة، من أوّلهم إلى آخرهم، ما أقرب القيامة منهم بالنّسبة لِمَنْ مضى من عمر الدنيا! ثم كل واحد منهم قريبٌ سيصل إلى ربه، قريبٌ سيخرج من هذه الدنيا، بأي سبب ظاهر أو غير ظاهر، 

  • تَعَدَّدَتِ الأَسْبَابُ وَالمَوْتُ وَاحِدُ.
  • (فإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34]. 
  • (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [ال عمران:185]. 

اللّهمّ اجْعل موتنا على خير الحالات بكمال الإيمان واليقين والثّبات.

يقول سبحانه وتعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)): 

  • فهذه الأمّة أقربُ حسابُهم، وهم أقربُ إلى الوصول إلى الآخرة وإلى قيام الساعة.
  • أوّل الأمة قد مَضوا قبلنا، -ألف وأربعمائة سنة انتهت- ذهبوا. 

الله! الله! الله! ونحن الآن آخرُ الآخِر، آخر شيء في أيّام هذه الدنيا، فالأمر كذلك أقرب وأقرب وأقرب؛ فيجب أن نكون أَذْكَر، ويجب أن نكون أَحْسَن إقبالا، لا نغفل ولا نُعرِض؛ هذا الواجب علينا، هذا المفروض المُتحتِّم علينا أن لا نغفل ولا نُعرض؛ بل نُحسِن الذِّكر والتَّذكُّر والتَّبَصُّر، ونقبل على الله بصدق؛ فنحن في أَوَاخِرِ آخِرِ أمّة، ما أقربهم من يوم الحساب! 

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1))، وذكر تعالى مَجْلَى ومَظْهَرَ إعراضهم، وفي ماذا يُترجَم: (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.. (3))؛ هذه نتائج الغفلة والإعراض. 

  • (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ)، تَذْكِرة وتَبْصِرة بنزول القرآن، أو بَيَان سيد الأكوان وبَلاغهِ وتَذكيره، كلّه من ربنا أتانا. 
  • (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ)، مُحدَثٌ نزولُ الآيات، مُحدَثٌ لهم بيانُ خير البريّات، وهو لم يزل يُبيّن لهم بياناً بعد بيان، ولم يَزل الحقّ يُنزل عليهم القرآن آية بعد آية وسورة بعد سورة؛ فذلك متكرر. 
  • (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)) ما يلعبون؟! مُتَشَبِّثِينَ بالانشغال بِدَنَايَاهم؛ فهم في لعب، (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [الحديد:20]. 

والتّعلّق بها لعب، لِمَ لعب؟ لأنّ التّعلّق بها الذي يُغويك عن الاستعداد لِمَا بعدها ضُرٌّ وآفة عليك، وهو بلاءٌ نازلٌ بك، يُفَوِّتُ عليك الحظّ والنّصيب من السّعادة، ومن الرّفعة، ومن النّعيم؛ فهو إذًا لعب خطير، لعب مُؤذٍ، لعب مُضِرّ. 

وهذا شأن الاشتغال عن الله بأيّ شيء سواه، يقطعك عن خير كثير؛ فالذين ملآنة أفكارهم بالدنيا وتعظيمها، في اللعب، في اللهو، وكلّ ما يعملون ويدور حول هذا المِضْمَار الذي قاله الله: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) -ما الذي عندهم غير هذا؟ والله ما عندهم شيء غير هذا، ما الذي عندهم غير هذا؟ وهذا- (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) -والأمر الخطير بعد في الآخرة، قال- (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ) -فإذا نظرت إلى هذه النتيجة الكبيرة، رأيت الحياة كلّها- (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20]، أجارنا الله من هذا الغرور.

(مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2))؛ حتى أنَّهم يُحاولون الإعراض وقت الاستماع؛

  • (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ) [الإسراء:47]، يَتكلَّمون مع بعضهم البعض، ويُظهرون أنَّهم يسمعون، ولكنَّهم لا يسمعون ولا يريدون أن يسمعون.. لعب!
  • (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ..) ولكن مشغول الذِّهن والقلب! (حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا) ماذا كان يقول؟ أنت حاضر، ولم تدرِ ما يقول؟! (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ..(3)) -والعياذ بالله تعالى-.
  •  (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ * وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد:16-17]، اللهم اجعلنا منهم واهدنا بهداهم..

قال: (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (3)) قال: والظالمون -الظلم الأكبر- وهو:

  •  الشِّرك بالله
  •  والكُفر به
  • والتَّكذيب برسله؛ هذا أكبر الظلم!

 يُسِرُّون الحديث بينهم، يتكلَّمون بما يشاء؛ وما يُسِرُّونها؛ لأنَّ الله جعل للحقّ صَولة، وجعل للحقّ عظمة، فحتى أعداءه كثير من الكلام؛ مُتخوِّفون به، ومهما حاولوا يُظهرون أشياء فما يُخفونه أكثر (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران:118]، فكثير من الأشياء.. وكم من عُتاة الأرض الموجودين يُوَدُّون أن يُظهروا أشياء ويقولوا أشياء؛ ولكن بينهم البَيْن، يُسِرُّون في الموقف هذا، وهذا يسكتون، وهذا يؤجِّلونه، وبعد ذلك؟! لإنَّ للحقّ سُلطان، للحقّ سُلطان! مع تفوُّه الكثير منهم بالخباثة، وقلة الحياء من الله ورسوله، والجحود والإلحاد يحصل، ومع ذلك كله فللحق سُلطان.

 (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (3)) يُسِرُّون المخاطبة بينهم البَين. النَّجوى: المُحادثة والمُخاطبة والمُكالمة، تناجي الاثنين فأكثر؛ يقال له: نجوى.

(وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) وما الذي يسرُّونه ويتداولونه بينهم؟ (هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ) هو نَعم بشر، أين خصائصه؟

  •  هذا بشر مذكور في كتب الله كلها، هذا مثل من البشر؟
  • هذا بشر، خلق الله نوره قبل خلق السَّماوات والأرض.
  •  هذا بشر مكتوب اسمه على قوائم العرش.

ولا يرَوْنه إلَّا بشر! وينكرون خصوصيته؛ رسالته، نبوّته، ومزاياه عند الله -تبارك وتعالى-  هذا بشر بَشَّر به الأنبياء والمرسلون.

(هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ) والرُّسل الذين جاءوا من قبله، ماذا هم؟! أليسوا بشر؟  كل الأنبياء بشر، كل الرُّسل بشر!

 لماذا أنتم فقط تريدون رسولاً ليس ببشر؟! والأمم قبلكم أنبياؤهم ورسلهم بشر، أنتم لا.. عجيب! لماذا؟ من أين جئتم؟ وما هذا الحكم؟ وماذا هذا التَّصور؟ وماذا هذا الفكر؟ خبالة، بلادة!

 قال: (هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ)؟

  • (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) [الكهف:110]، وحي ختم الله به النُّبوة والرِّسالة.
  • (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) [إبراهيم:113].

قال الذين كفروا: (إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِين * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ *  وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم:10-14]؛ فالحقُّ ناصرٌ رُسُلَه: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:171-173].

 قال، يقولون: (هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3)) تعلمون أن هذا ساحر يَسحَر النَّاس؛ فلماذا تتبعونه؟!

 يقول لهم: لو كان ساحراً لكان سحركم؛ وإذا سحرَكم لا خيار لمسحورٍ مع الساحر! لماذا أنتم؟ لو كان ساحرًا وسحر أبا بكر وعمر، هل هو لا يعرف أن يسحركم؟ إذا هو ساحر؛ سيسحركم أنتم أولا، سيبدأ بكم أنتم أبو جهل.. سيسحركم أنتم لو كان ساحراً..! إذا سحركم؛ فأنتم مسحورون، لم يعد لكم خيار؛ ستتبعونه!

 كيف هو ساحر وقد نشأ بينكم؟! هل له بينه وبين السِّحر قرابة؟! أو هو في سيرته بينكم وأخلاقه أبعد الناس عن السّحر (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ)؟

 وبعد ذلك يقولون: (بَلْ هُوَ شَاعِرٌ..(5)) بل تارة يقولون: كاهن، تارة: ساحر، وتارة شاعر، ليس لهم أساس يقومون عليه؛ لأنهم على باطل، هم على باطل، ليس لهم أساس، ويتناقضون في كلامهم، يوم كذا ويوم كذا، وساعة كذا وساعة كذا..

(قُل رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ..(4))، في قراءة: (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، هذا حال النَّبي والأنبياء من قبله، وحال ورثته من بعد.

(رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ):

  •  ما تتناجون به.
  •  وما تتكاتمون به.
  •  وما تتخابرون به.
  •  وما تُسِرُّون به. 

فهو معلوم للذي ندعو إليه ونعمل بأمره، لا يخفى عليه شيء منه..!

(قُل رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ) -للخواطر فضلاً عن الأقوال- (الْعَلِيمُ (4))؛ بالنِّيات والأفعال والتصرُّفات.. أيّ: فأنا مُعتمد على السَّميع العليم، لا يَضُرُّني قولُكم، ولا ما تتناجون به.

  • (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، ويقول له سبحانه وتعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) [الأنعام:33].
  • ويقول سبحانه وتعالى أيضًا في الآية الأخرى يُبيّن له حقيقة القوم، يقول -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:95-99].
  •  وقال سبحانه وتعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ  * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس:78-80] -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه- (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) [يس:76].

  (قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ..(5))،  تارة يقولون ساحر، تارة يقولون: أحلام! هو يرى في النوم، عنده مَرائي في النوم مُخلّطة هكذا، ورأى أنَّه النَّبي ورأى أنَّه الرَّسول!

  • (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) والضِّغْث: الأمر المُتفرق. (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا..)، مُتفرّق الأعواد، مُتكاثر الأعواد (فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ) [ص:44].
  • (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) يعني تسويلات، وتهويلات، وظنون أحلام.. (بَلِ افْتَرَاهُ..(5)) لا بل هو افتراه من عنده. 

قولوا كلاماً واحداً، هو كذا أو كذا؟! حتى في عام من الأعوام، لما أقبل الحج، قالوا: تعالوا الآن الناس لا يُصدّقونا لأن أحد يقول ساحر وأحد يقول كذا.. هاتوا شيئاً واحداً نجمع عليه كلامنا لكي يصدقونا الناس؛ لا يتبعونه، فنقول مجنون؟ من سيُصدّقنا؟ أي واحد يرى هذا، يقول: هذا ليس بمجنون هذا!

  •  هذا صاحب خُلُق عظيم.
  •  هذا صاحب كلام حِكمة.. كيف مجنون؟!
  • هذا صاحب وقار، وصاحب سكينة.

  نقول كذاب؟ ما هي الحُجَّة لنا؟! كيف يعرفون أنه كذاب؟ فنقول، نقول ماذا؟ قالوا: نقول ساحر؛ فأجْمعوا أن يقولوا للنّاس إنه ساحر.. ومن جاء إلى عنده ويرى أي سحر الذي معه؟ حَصَّل معه نور، حَصَّل معه هدى! قالوا نقول: شاعر.. لا يدرون ماذا يقولون! وهكذا المبطل متناقض.

(بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ)، رجعوا يقولون: (فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5))، قد جاءكم بآيات كثيرة! قالوا: لا بل يأتينا مثل موسى، مثل عيسى، مثل صالح يأتي بناقة.. (فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ)، طلبوا آية التي إذا نَزَلت؛ فمن كذَّب بها عمَّ بهم العقاب. 

قال الله: (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا) جاءت هذه الآيات التي طلبوها القوم، والقوم الذين جاءتهم هذه الآيات ما آمنوا! أهؤلاء سيؤمنون؟! وهم أعتى وأقسى!..

  • جاءهم من هو أنوَر وأطهر؛ وكذّبوا!
  • وجاءهم بمعجزات؛ فاقت معجزات النبيين!
  • وما أحد من الأنبياء انشق له القمر؛ إلّا سيّدنا مُحمَّد ﷺ، وشاهدوا انشقاق القمر أمام أعينهم؛ وما رضوا..! 

 ويقول الله بهذه الآيات التي إذا أُنزلت؛ نُهلك أصحابها، وحتى لما قال بعض الكفار: لا نؤمن بك، وإذا أحببت أن نؤمن؛ سيِّر لنا جبل الصفا ذهب، فقال جبريل لرسول الله: إن شئت أن يستجيب الله لهم في هذا، فإن لم يؤمنوا عمَّهم العذاب وأهلكهم، وإن شئت استأنيت بقوم. قال: بل أستأني بقوم. قال: سيهلكون هكذا مباشرة، ولن يبقى واحد منهم يأمل أن يؤمن الكثير، وآمن الكثير منهم بعد ذلك، فما أرحمه ﷺ!

(مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6))، هذه الآيات التي طلبوها؟! أنزلناها على قومٍ قبلهم؛ وكذبوا، ولا اتَّبعوا الرُّسل، وأهلكناهم.. هل يريدون مثلهم؟! نُعَجِّل لهم بهلاك؟ وقد سبق من فضله؛ أنْ لا يَعُمّ أُمَّة نَبيّه مُحمَّد بهلاك ﷺ.

يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا)، والذين أرسلناهم قبلكم، هل هم بشر أو ماذا هم؟! كل الرُّسل من قبلك هم رجال، بشر، وأنت سيّد الرجال، سيدهم ﷺ، (نُّوحِي إِلَيْهِمْ ..(7))، إلى آخر ما بين الحقّ.

فالله يُلحقنا بمن بالإيمان تَحَقَّقَ، وفي ميدان الصِّدق سَبَقَ، وعلى قدم الرَّسول ﷺ مضى ومشى ودحَق خيرَ مدحَق، اللهم ثبّتنا على ذلك الدَّرب، وألحقنا بذلك الرَّكب، واجعلنا في عبادك الصَّالحين يا أكرم الأكرمين. 

واقبَل حُجّاج بيتك وزائري نبيّك، والوافدين إلى مهابط الوحي والتنزيل، وأنزل عليهم السّكينة والطّمأنينة، واحفظهم واكلأهم، وأعدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين ظافرين مقبولين.

 وافتح أبواب الفرج لأُمّة نبيّك مُحمَّد، والطف بالمؤمنين في غَزَّة والضّفة الغربيَّة، وفي لبنان وفي سوريا وفي الأردن وفي اليمن وفي جميع الشَّام، وفي الشرق وفي الغرب. 

يا كاشف كل كرب، أنقِذ أُمَّة نبيّك مُحمَّد، وأصلح أُمَّة نبيّك مُحمَّد، وخلّص أُمَّة نبيّك مُحمَّد من الآفات والعاهات، واجعلنا ممن (يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر:118]، يا مُجيب الدَّعوات، يا قاضي الحاجات، يا أرحم الرَّاحمين، والحمد لله ربّ العالمين. 

 بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي الأمين

صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلم

 الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

15 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

11 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام