(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مسجد صلاح الدين، بمدينة عمّان، الأردن، 16 ذو القعدة 1445هـ بعنوان:
من حقائق ومعاني لا إله إلا الله
الخطبة الأولى :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله الواحدِ الأحدِ الكبيرِ المُتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والجلال.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، جاءنا بالبيان الكامل عن الإله الخالق، وقد جعله خير الخلائق، فهو أفضل ناطق بـ"لا إله إلا الله"، صلوات الله وسلامه عليه.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك الذي جاءنا بالهدى ودين الحق، وعلى آله وأهل بيته المُطهرين، وأصحابه الصادقين، ومن والاهم وأحبهم واتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقربين وجميع عبادك الصالحين.
أما بعدُ…
عباد الله،، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السرِّ والنجوى، ولقد ألزمَ الله الرعيل الأول كلمة التقوى، (وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) وما كلمة التقوى إلا "لا إله إلا الله".
خيرُ ما خرج من بين شفتيك أيها المؤمن طول عمرك وفي جميع أحوالك "لا إله إلا الله".
قال نبينا ﷺ: "أفضل ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي لا إلَه إلَّا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ يُحيِي ويُميتُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ".
ما أعظمها من كلمة جمعت حقائق الدين؛ إسلامًا وإيمانًا وإحسانًا.
جعل الله الدُّخول إلى الإسلام بها، فلا يُقبل الإسلامُ من قادرٍ على النّطق حتى ينطِق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، واختصر الله علوم الشريعة والدين كله في هاتين الكلمتين وهاتين الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وجعل آياتٍ في القرآن شرحًا لهذه الكلمة من آيات التوحيد وأسماء الله وصفاته وأخبار المرسلين وأخبار البعث والنشور والملائكة، ثم جعل بقية القرآن كالشرح لهذه الآيات،
ثم جعل السنة النبوية بيانًا لهذا القرآن وشرحًا له،
ثم جعل أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان من أهل الاجتهاد الصحيح من المؤهلين له من الذين أشار إليهم الحق بقوله (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) جعله شرحًا للسنة الغراء.
عظمة (لا إله إلا الله) :
فكانت جميع هذه العلوم مُنبثقةً من "لا إله إلا الله" وقائمة على "لا إله إلا الله"، وعليها تقوم صِلة العبد بالإله الحق -جل جلاله وتعالى في علاه-، فحلَّت مكاناً عند الله تبارك وتعالى، وحلَّ أهلها مكانةً لديه، حتى قال سيدنا عمر بن الخطاب لما سأل عن الذي طعنه من هو؟ فقالوا إنه أبو لؤلؤة المجوسي، فقال: "الحمد لله لم يقل لا إله إلا الله، وليس له بها حُجّة يوم القيامة يُحاجّني بها عند الله" -جل جلاله وتعالى في علاه-.
صلة العبد بربه قُوامها (لا إله إلا الله) :
أيها المؤمنون بالله، إنها الكلمة التي تقوم عليها الصِّلة بالإله، وتنمحي بها أدران الظلمات والاستعباد لغير الحق من هَوى ومن نفس ومن كل ما سوى الحق -جل جلاله وتعالى في علاه- فهي:
الطُّهر للقلب والفؤاد،
وهي النَّقاء عن الأدران،
وهي الرّافعة للغشاء والرّان،
وهي المُقربة إلى الإله الرحمن.
حقُّ المؤمن أن يكثر منها حتى يُتَوفّى عليها، فمن كان آخر كلامه من هذه الدنيا "لا إله إلا الله" دَخل الجنة، أي مع السابقين من غير عذاب ولا عتاب ولا حساب، "من كان آخرُ كلامهِ لا إلهَ إلَّا اللهُ".
فأكثروا منها، فإن عظيم معناها به خاطب الحق تعالى رسوله في القرآن فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ).
محمد ﷺ أعلم الخلق ب(لا إله إلا الله) :
ومَن أَعْلَمُ بلا إله إلا الله ومعانيها من محمد رسول الله؟!
حتى أن معناها إذا أردنا أن نُفسِّره وجدناه في الشهادة بأن محمدًا رسول الله، فإنك تتبيّن بذلك معنى أن "لا إله إلا الله"، لا معبود بحق إلا الله -جلّ جلاله وتعالى في علاه- لا معبود بحق سواه قط قط قط، ولا مقصود لأهل الإيمان إلا الله -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
أثرها على المؤمن:
و "لا إله إلا الله" تُحرِّرهم عن قصدِ سواه؛ في أقوالهم وأفعالهم ونياتهم وحركاتهم وسكناتهم وأسفارهم وإقاماتهم ومعاملاتهم، تُحرِّرهم عن قصدِ سواه -جلّ جلاله- حتى يَرْقى المؤمن في رُقي "لا إله إلا الله" وسُلَّمِها، فيصير لا يأكل إلا وهو يقصدُ الله، ولا ينامُ إلا وهو يقصدُ الله، ولا يأتي أهله إلا وهو يقصد الله. فما أعظم ذلك، فكيف ببقية أعماله وشؤونه؟ قال ﷺ: "وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ" في إتيان أهله وزوجته، قالوا : يا رسولَ اللهِ، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ؟ قال :"أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وِزرٌ؟" قالوا: بلى ، قال :"فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له فيها أجرٌ".
فيقصد المؤمن ربه بعمله الذي يكتسبه وهو رزقه في هذه الحياة الدنيا أو يتسبَّبُ في الاكتساب للرزق، يقصدُ الله -جل جلاله- على قدر تمكُّنِ "لا إله إلا الله" من قلبه، وعلى قدر رسوخِها في فؤاده وضميره، وبعد ذلك لا موجود بذاته إلا الله تعالى في علاه.
سر إيجاد الوجود :
وما سواه فبإيجاده، أَوجد السماوات والأرض، أوجَد العرش والكرسي، أوجَد الجنّة والنّار، أوجَد الحيوان والنبات والجماد، أوجدَ الإنس والجن والملائكة، هو جل جلاله، لا وجود لأحد منهم مستقلٌ بذاته بل بإيجاد الله، والموجودُ بذاته واجبُ الوجود الحقّ المعبود وحده لا شريك له جل جلاله وتعالى في علاه.
وأوجد الكائنات على أصناف، منها الجمادات وهي أقلّها في الدرجة، وفوقها النباتات، وفوقها الحيوانات، وجعلها الله خادمة لهذا الإنسان، وفوقها الإنسان والملائكة والجن خلقهم الحق تبارك وتعالى لعبادته. روى البخاري عن سيدنا المصطفى محمد: "كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيءٌ غَيْرُهُ" كان الله ولم يكن شيء معه جل جلاله وتعالى في علاه، فهو الموجود بذاته الحق سبحانه وتعالى.
سبب ارتقاء المراقي العالية:
يا أهل النُّطق بها، خُذوا نَصيبكم من سِرّها ومعناها، خذوا نصيبكم من ثمراتها، فإنه ما رَقى الراقون في مَراتب الإسلام والإيمان ولا في مراتب الإحسان ولا زُجَّ بهم إلى دَوائرِ المعرفة الخاصة بالله، وارتقوا في مراقيها ومحبة الرحمن؛ المحبة منه والمحبة له إلا بأسرار "لا إله إلا الله"، وما ارتقوا مقامًا من تلك المقامات إلا بحقيقة "لا إله إلا الله".
ثقل (لا إله إلا الله) في الميزان:
فما أعظمها من كلمة، لو أن السماوات السبع والأرضين السبع وُضعت في كِفة ووُضعت "لا إله إلا الله" في كِفّة لرَجحت بِهن "لا إله إلا الله". فيا فوز من تحقق بحقائقها:
وهي التي تُطَهّر لك باطنك،
وهي التي تشرح لك صدرك،
وهي التي تقرُب بها من إلهك وربك،
وهي التي تنتهي بها عما زَجر عنك،
قال ﷺ كما روى الإمام البخاري: "أسعدُ الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه". قيل: وما إِخلاصُها؟ قال: "أَن تُحْجِزَه عن محارم الله". َ
ولقد قال ﷺ لبعض أصحابه كما روى الإمام مسلم في صحيحه: "اذْهَبْ بنَعْلَيَّ هاتَيْنِ، فمَن لَقِيتَ مِن وراءِ هذا الحائِطَ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بها قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ".
لا إله إلا الله عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نبعث إن شاء الله.
تُزكّي القلب وتُنَقيه :
هي المُزكّية والمُنقّية للفؤاد والضمير، والمُرقِّية لك أيها المؤمن إلى مراتب القرب من العلي الكبير.
فقلْها، وخير من قالها محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- أَعلَم الخلائق بمعانيها، وأرقاهُم في مَعارِجها ومَراقيها -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه-.
أثر لا إله إلا الله في قلوب الصحابة :
حلّت أنوارُها في قلوبِ أولئكم الصحابة، فرأيتم العجائب في تغلُّبِهم على الشهوات والأنفُس والأَهواء، وعلى جميع ما كان على ظَهر هذه الأرض من أَعرافٍ ومن قوانين ومن أَنْظِمة ومن تركيبات للدول وللشعوب.
وقال سيدنا سعد بن معاذ: "آمنا بِك وصدّقناك وشَهِدنا أنّ ما جِئت بِه هوَ الحَق".
فكانت ثمرة "لا إله إلا الله" فيهم وفي أحوالهم، قال: "صِلْ حِبالَ من شِئْت، واقطَع حِبال من شِئت، وحارِب من شِئت، وسالِم من شِئت، ونحن حَربٌ لِمن حاربْت، وسِلمٌ لمن سالمت، فإنما أمرنا تبع لك، والله لو سِرْتَ بنا حتى تَبلغ بِرك الغماد من الحبشة لسرنا معك ما تخلّف منا رجل واحد، ولو سرتَ بنا فاستعرضتَ هذا البحر فخُضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، ولقد تخلف عنك أقوام، ما نحن بأشد حبًا لك منهم يا رسول الله، ولو علموا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، فامضِ لما أمرك الله، فإنا لصُبرٌ في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرُّ به عينك".
واستنار وجه رسول الله ﷺ فكأنه قطعة قمر، وقال: "سيروا وأبشِروا بما يسرُّكم؛ فإنَّ اللهَ قد وعَدَني إحدى الطَّائفتَينِ، إما العير وإما النفير".
ألا تحقّق بحقائق "لا إله إلا الله"، واصدق مع مولاك في النُطْقِ بها وفي تَدبّر معانيها، وفي ألّا تقصد غيرَ وجهه، وألّا تُريد إلا هو، وأن تَخضعَ لجَلاله، وأن تخلعَ كل تبَعية لكل نظامٍ ومنهجٍ يُخالف "لا إله إلا الله" ويَخرُج بك عن دَرب "لا إله إلا الله" في نفسك وأُسرتك وأهلك.
اللهم حقِّقنا بحقائق "لا إله إلا الله"، وثبّتنا على "لا إله إلا الله"، واجعل آخر كلامِ كلّ واحدٍ منا من حياته الدُّنيا "لا إله إلا الله" مُتَحقِّقًا بحقائقها، واحْشرنا في زُمرة كمَّل أهلِها وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين.
والله يقولُ وقوله الحقُّ المُبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) .
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ۚ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاَ) ،
وقال تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنا كَمَن كَانَ فَاسِقا لَّا یَسۡتَوُۥنَ * أَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡمَأۡوَىٰ نُزُلَۢا بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِینَ فَسَقُوا۟ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَاۤ أَرَادُوۤا۟ أَن یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَاۤ أُعِیدُوا۟ فِیهَا وَقِیلَ لَهُمۡ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِی كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرْآن العَظيم، ونَفعنا بما فيه من الآيات والذّكر الحَكيم، وثَبّتنَا على الصّراط المُسْتقيم، وأَجارنا من خِزيهِ وعذابه الأليم.
أقولُ قولي هذا، وأسْتغفر الله العظيم لي ولكم، ولوالدينا، ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله الواحد الحَق خيرُ الغافرين، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، جامعُ الأولين والآخرين للحُكمِ والفصْل بينهم يوم الدّين.
وأشْهَد أنّ سيدنا ونبينا وقُرّةَ أعيُننا ونورَ قلُوبنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفوته الأمين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرِّم على خاتم النبيّين وسيّد المرسَلين عبدِك المختار محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربِه، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وعلى جميع آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقرّبين، وعلى جميع عبادك الصالحين.
حُرمَة دَم من يقول (لا إله إلا الله) :
أما بعدُ…
عباد الله،،، ولقد بَلَغَ من شأن "لا إله إلا الله" أنّ أسامة بن زيد، نَجل زيد بن حارثة الّذي شرّف الله به أرْضكم، فيمن اشتُشْهِد في يوم مُؤتة حِبُّ رسول الله، وهذا حِبُّ رسول الله وابن حِبّه، زيدُ بن حارثة، قاتله بَعض الكفّار من المشركين، ثم لمّا رَفع عليه السَّيف وتمكن منه قال: لا إله إلا الله، فما وَقع في خاطِر أُسامة أنّه إنّما قالها مُتعوِّذًا خائفًا من الموت، فقتله.
وبَلغ الخَبر صاحبَ الرِّسالة فتَأثّر ﷺ وغضب ﷺ، ولم يَزَل يقول لأُسامة: "أَقَتَلْتَه بعدَما قال لا إلهَ إلَّا اللهُ؟" قال: يا رسول الله، إنّما قالها مُتعوِّذًا. قال: "هلاّ شققت عن قلبه"، هلّا شققت عن قلبه؟ اطّلَعت على ما في فُؤاده وضَميره حتى تَحكُم عليه؟ وهذا أَمرٌ غَيْب، يكفي أنْ يقول لا إله إلا الله ليَكون بابُ دُخولِه إلى دين الله ﷻ. قال: "ويحك، فما تصنَعُ بـ(لا إله إلَّا اللهُ) إذا جاءت يومَ القيامةِ؟" قال: فلم يزل يُردّدها علي حتى تَمنيت أنّي ما أَسلمتُ قبل ذلك، وأنّ الإسلامَ جاءَ مِن بعدِ هذه الحادِثة فيُكفّر عني ويَجُبُّ عنّي هذا الجُرم الذي أجرَمتُه.
وهكذا كانت تربِيَة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ومسلَكُه في أهل "لا إله إلا الله".
ولما تكلّم المنافقون في المدينة المنوّرة بعد غزوة أُحد، وما نال الصحابة فيها، واستأذن سيدنا عمر رسولَ الله أنْ يقتلَ الذين تَفوَّهوا بالكلام السيّئ، فقال -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "أما ليس يقولون لا إله إلا الله؟" قال: نعم يا رسول الله، وما هم بقائمين بِحقّها. قال: "إني نُهيتُ أنْ أقُتل من قالَ لا إله إلا الله". قال: وهؤلاء الذين تكلموا من يهود، وكان لهم عهد. قال: "لم ينقضوا العهد بعد، وبيني وبينهم عهد".
فمَضت كذلك سنته -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ولما خانوا ونَقضوا العُهود أجْلاهُم وأخرَجَهُم ﷺ من المدينة المنورة بحقّ الحقّ والهُدى وبحقِّ العقلِ والمنطقِ والشريعةِ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى من سار في دربه.
لا إله إلا الله تدافع عن أهلِها :
لا تزالُ "لا إله إلا الله" تَدفعُ عن أهلِها سَخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك ثم قالوها، قال الله: كذبتم، لستم بها بصادقين.
فلتطْلب بحقائِق الصّدقِ بها بينَك وبينَ ربّك، وما مع النّاس في الدُّنيا إلاّ أن يشْهَدوا نُطقُ لسانِك بها، وبينك وبين الله هُناك تَحقّق بحقائِق "لا إله إلا الله". تُخرِجك من التَّبعيةِ للهوى وللنَّفس وللشيْطان، تُخرِجُك من التّبعية لكل ما خالف الرّحمن وخالف رسوله المصْطَفى الذي أُنزل عليه القُرآن.
فتَحقق بحقائِق "لا إله إلا الله"، وقُم بـ"لا إله إلا الله"، عسى أن يَتَوفّاك الرّحمن على "لا إله إلا الله".
فمن ثبت عليها حتى خُتِم له بها، فلا بدَّ له من دُخول الجنّة، وإن كان ما كان عليه من الذنوب، ما لم يَتُب منها، وما لم يُغفَر له منها، عُذِّب على قَدْرها ثم أُخرج إلى الجنَّة.
الدعاء :
اللهم أجِرنا من النّار، وارْزقنا التّحقُق بحقائِق "لا إله إلا الله"، وقِنا عَذابك يوم تَبْعث عبادك.
اللّهم انْظُر إلى أهل "لا إله إلا الله" فقد تَفرّقت بهم الأَهواء، وقد داخلَتهم شُرور النُّفوس، وقد تََسلّط عليهم عدُوّهم، وقد أسامَهم سوءَ التّنكيل بهم.
يا ربَّ أهلِ "لا إله إلا الله" انظُر إلى أَهل "لا إله إلا الله"، واجْمَع شَمْل أهلِ "لا إله إلا الله"، وأَلِّف بين قلوبِ أَهل "لا إله إلا الله"، فهي أقوى رابطة يتواصل بها عبادُك ويتآخون فيك.
اللهم انْظر إليهم نظرَة تَكفُّ بها عنهم شرَّ الخِيانة فيها، وشرّ الإخلال بحقِّها، وشر من لم يُؤْمن بها من الكفار والفجار.
اللهم، وبـ"لا إله إلا الله"، انظر اللهم إلى المؤذَيْن والمُعتَدى عليهم والمستَضعفين؛ في رَفح وفي غزة وأكْنافِ بيتِ المَقدِس والضِّفة الغَربية خاصة، وبقية أقْطار الأرْض شَرْقِها وغَرْبها. نظرَة تردُّ بها كيدَ المُعْتدين والظالمين والغاصِبين والمُجتَرِئين والمُؤذين والمُتَعدين، يا حي يا قيوم، نستنصِرُك فانْصرْنا، وانصُر أهل "لا إله إلا الله" في مشارق الأرض ومغاربها، وأعزّنا بها، واجعلنا من خَواص أهلِها برحمتك يا أرحم الراحمين.
أكثروا الصّلاة والسلام على من علّمَكُم "لا إله إلا الله"، وحَمَل إليكم أَنْوار "لا إله إلا الله" وأَسْرار "لا إله إلا الله" عبدالله المُصطفى محمد الذي خاطبَه الرّحمن، والذي أَنزل عليه الرحمن مبتدئًا بنفسه، ومُثنّيًا بالملائكة، ومؤيّهًا بالمؤمنين تعظيمًا وتكريمًا، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
اللهم صلِّ وسلِّم على المصطفى عبدك محمد، وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازرهِ في حاليي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى النّاطق بالصواب حليف المحراب، ناشر العدل الوقّاف عند آيات الكتاب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى النّاصح لله في السّر والإعلان، من استحيَت منه ملائكة الرحمن، محيي الليالي بتلاوة القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخِ النبي المصطفى وابن عمه، ووليِّه وباب مدينة عِلمه، إمامُ أهلِ المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين سيدي شبابِ أهل الجنّة في الجنّة، وريحانتي نبيك بنصّ السنّة، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزّهراء، وأخواتها بنات سيد المرسلين، وعلى خديجة الكبرى، وعائشة الرضا، وأمهات المؤمنين.
وعلى الحمزة والعبّاس، وسائر أهل بيتِ نبيك الذين طهّرتَهم من الدّنس والأرْجاس، وعلى أهل بيعة العقبة، وأهل بدر وأهل أُحد، وأهل بيعة الرضوان، وسائر أصحابِ نبيك الكريم، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أعز الإسلام وانصر المسلمين، أعز الإسلام وانصر المسلمين، أعز الإسلام وانصر المسلمين. اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجمع شمل المسلمين، اللهم ألف ذاتَ بين المسلمين.
اللهم خُذ بيد ملِك هذه البلاد الملك عبد الله بن الحسين إلى كل تقوى وخير وهدى، وتوله فيما خفي وفيما بدا، ويسّرله البطانة الصالحة التي تُعينه على تقواك ورضاك، اللهم وأصلح أمرَ الأردن وأهل الأردن وحُكومتها وشعبَها، وادفع عنهم البلايا والآفات، وانْظر إلى المسلمين في جميع البِقاع، وحوّل أحوالهم إلى أحسنِ الأحوال والحالات، يا مجيب الدعوات.
اللهم لا تصرِفنا من جُمعتنا إلا بقلوبٍ عليك مقبلة ولك قاصدة، متخليًة عن قصدِ سواك، وإرادة غيرِك برحمتك يا أرحم الراحمين.
واغفِر لآبائنا وأمهاتنا وذوي الحقوق علينا والمتقدّمين في مساجِدنا، وزِد عمارة هذا المسجد بالنور والإيمان والتقوى والإخلاص، والسّير على قدم أهل الصّدق والإخلاص والاختصاص من عبادك الصالحين وحزبك المُفلحين يا أرحم الراحمين.
وادفع البلايا عنا وعن أمة نبيك أجمعين، ارحم اللهم أهل السودان وأهل ليبيا وأهل العراق، وأهل الشام وأهل اليمن، وجميع المسلمين في جميع أقطار الأرض في السّر والعلن، ادفع البلايا والفتن والمحن، وحّققنا بحقائق "لا إله إلا الله"، واجمَع بها قلوبنا عليك، وارزقنا صِدق الوجهة إليك، واخْتم لنا بأكمَل الحسَنة وأنت راضٍ عنا.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) .
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
(وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) .
(رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِىٓ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ) .
عباد الله،،، إنّ الله أَمرَ بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .
فاذكروا الله العظيم يذْكُركم، واشْكُروه على نِعمهِ يزِدْكُم، ولذكر الله أكبر.
18 ذو القِعدة 1445