مكانة العواطف والمشاعر والأحاسيس في التقوى وحقيقة الإيمان
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان بحارة عيديد، مدينة تريم، 9 ربيع الأول 1443هـ بعنوان:
مكانة العواطف والمشاعر والأحاسيس في التقوى وحقيقة الإيمان
نص الخطبة:
الخطبة الأولى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله رَبِّ الأكوانِ المُطَّلِعِ على القلوب، العالمِ بما في الظَّوَاهِرِ والغيوب، وأشهدُ أن لَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، الحُبُّ فيه والبغضُ فيه مِن أوثقِ عُرى الإيمان، جامعُ الأولين والآخِرِين ليومِ الفَصلِ والقضاءِ بينهم، فريقٌ إلى الجنةِ وفريقٌ إلى النيران، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُنِنا ونورَ قلوبِنا محمدًا عبدُه ورسولُه، مَن أُنزِلَ عليه القرآن وجاءنا بالهدى والبيان، أحبِّ محبوبٍ إلى ربِّ السماوات والأرض، والشفيعِ الأعظمِ في يومِ الحُكمِ والعَرض. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك المصطفى سيدِنا محمد، وعلى آلِه المطهَّرين وأصحابِه الغُرِّ الميامين، وعلى مَن والاهم فيك واتَّبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أمَّا بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسِيَ بتقوى الله.. فاتقوا اللهَ عبادَ الله وأحسِنُوا يرحمْكُم الله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
وإنَّ من أعجبِ وأرحَبِ مجالي ومجاري التقوى لله -تبارك وتعالى- رعايةُ المشاعرِ والعواطفِ والأحاسيس، وصرفَها محبَّةً وبُغضَاً ورِضَاً وسُخطَاً وقبولاً ورفضاً؛ إلى ميزان الحقِّ الذي خلَق، ووحيه الذي نزَّل، وتعاليم نبيِّه الذي أرسل.
أيها المؤمنون بالله: تهذيب وتقويم المشاعر والعواطف والأحاسيس شأنٌ مهمٌّ في تقوى الله، وشأنٌ مهمٌّ في إقامةِ أمرِ الله، وأمرٌ خطيرٌ في صحةِ الإيمان بالله وما جاء عنه ورسولُه المصطفى وما جاء عنه.
بهذا الميزان يقومُ الحبُّ في الله والبغضُ في الله، بهذا الميزان يقومُ العطاءُ لله والمنعُ لله، بهذا الميزان يكون القبولُ والرَّفض، يقومُ الاستحسانُ للأمرِ والاستقباحُ له. إذا قُوِّمَت المشاعرُ والعواطفُ والأحاسيسُ صارت لا تميلُ إلا إلى ما أحبَّ اللهُ ورسولُه، ولا تُعَظِّم إلا ما عظَّم اللهُ وسولُه، ولا تقبل إلا موافقَ شرعِ الله ورسولِه، ولا تبغضُ إلا ما أبغضَ اللهَ ورسولَه، ولا ترفضُ إلا ما رفضَ اللهُ ورسولُه.
ولقد جاءنا في الحديث الصحيح عن نبيِّنا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال: (مَن أحبَّ لله وأبغضَ لله وأعطى لله ومنعَ لله فقد استكملَ الإيمان) أو (فقد استكمل حقيقة الإيمان).
(مَن أحبَّ في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله) استقامت مشاعرُه وعواطفُه، وأحاسيسُه وما يستحسنُه وما يستقبحُه، وما يحبُّه وما يكرهه، وما يُعَظِّمه وما يستحقرُه؛ استقامتِ المشاعرُ والأحاسيسُ والعواطفُ على منهجِ الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.
وبذلك يُعلَم لِمَ سُئلَ نبيُّنا عن الصيامِ في يومِ الإثنين؛ فعرَّجَ إلى شعورٍ وإحساسٍ وعاطفةٍ وقال: (ذاك يوم وُلدتُ فيه)
ما مناسبة ذكرى الميلاد؟ ما مناسبة ذكرُ المولدِ في سؤالٍ عن صوم.. عن صومِ يوم الإثنين؟ فلفتَ النظرَ مباشرة إلى أنَّ هذا يومٌ أنا ولدتُ فيه، ويحقُّ لمَن آمن بي أن يعرفَ قدرَ ولادتِي ومولدي واليوم الذي ولدتُ فيه وأن يزدادَ فيه طاعةً وقربًا وصومًا مِن غيرِه (ذاك يومٌ ولدتُ فيه).
سألَه عن عبادة، وأجابَه بذكرِ الولادة؛ لأنَّ للولادةِ وذكرِها علاقةً بالمشاعرِ والأحاسيسِ والعواطفِ التي هي رأسُ العبادة، وأصلُ العبادة، وحقيقةُ العبادة؛ أن تُعَظِّم ما عظَّم الله. فلم تكن ولادتُه كولادةِ سواه، وُلد الملايين قبلَه ووُلد الملايين بعدَه وليس فيهم مَن خَرَّ مِن بطنِ أمِّه ساجدا، وليس فيهم مَن تنكَّست له عند ولادتِه أصنامُ الدنيا، وليس فيهم مَن انطفأت نارٌ تُعبَد مِن دونِ الله لفارس ألفَ عام، فخمدَت وقتَ بروزِه وولادته، ولادةٌ ما كمثلِها، مولدُ لا يساويه مولدٌ لسواه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.(ذاك يوم ولدت فيه) ولِنعمَ الصوم فيه.
فلترتبط مشاعرُكم في عبادةِ ربِّكم بتعظيمِ ما عظَّم، ومحبةِ ما أحب، ومعرفةِ القدر. ولا قدرَ في الخلقِ أكبرُ عند الله مِن قدرِ سيدِ الخلق، حبيبِ الحقِّ "محمد" صلى الله عليه وسلم، فولادتُه معظَّمة وتحملُ مشاعرَ عند مَن آمنَ بالله ورسوله، ونشأته ورضاعِه كذلك، وبعثتِه كذلك، وإسراؤه ومعراجُه كذلك، وغزاوتُه كذلك صلى الله عليه وسلم، وهجرتُه مِن مكةَ إلى المدينة كذلك، فكلُّها تملكُ مشاعرَ وعواطفَ المؤمنين.
هكذا جاء في صحيح الإمام مسلم: (ذاك يومٌ ولدتُ فيه) ولنِعمَ الصومُ فيه، وجاء عند غيرِ الإمامِ مسلم: (وفيه نُبِّئتُ) وفي رواية: (وفيه أُنزِلَ عليَّ، وفيه أُسرِيَ بي، وفيه هاجرتُ، وفيه أتيتُ طيبة) صلى الله عليه وسلم.
هذه مواقفي وأحداثي فتذَكَّروها في كُلِّ أسبوع وكلَّما حانت فرصةٌ مِن يوم إثنين أو شهرِ ربيع أو شهر فيه شيء مِن هذه الوقائع، فتذكَّروها؛ فإنَّ في ذكرِها بالمحبةِ والتقدير والاحترام حقيقةً مِن حقائق التقوى وأساساً مِن أسسِ الإيمان بعالِمِ السرِّ والنجوى -سبحانه وتعالى-.
أيها المؤمنون بالله: فمَن كان تَمُرُّ عليه ذكرى الميلاد وكأن لم يكن شيءٌ لكن إذا جاءت مباريات كأسِ العالم كان كُلُّ شيْ! وإذا كانت أخبارُ انقلابٍ في مكان أو ثورة في بقعة كانت كلَّ شيء! أمَّا ميلاد الحبيب فليس عنده في مشاعره بشيء!! كيف يُقاسُ إيمانه!؟ كيف يُعلَم حقيقةُ صدقِه مع الله!؟ كيف تُعلَم محبتُه لله ولرسوله!؟
عظَّمَ الحقير! عظَّم الزائل! عظَّم الفاني! ونسي المكانةَ والمنزلةَ للهِ ولرسولِ الله عند الله! صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..
فلقد كان المُمَيَّزُ في عالَمِ الأرواح وعالم الذَّرِّ فلمَّا حمَلَت به آمنةُ كان في الميزاتِ والخصوصياتِ مِن أولِ الحملِ إلى وقتِ الوضعِ والولادة، وكان في الخصوصياتِ مِن بعد ذلك طيلةَ أيامِ الرَّضَاع وطيلةَ أيامِ النشأة، إرهاصٌ بعد إرهاص، وآيةٌ بعد آيةٍ تظهرُ على يديه؛ عناية مِن ربِّ العرش بمقامِه عندَه ومنزلتِه لديه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها المؤمنون بالله: ولقد كان صلى الله عليه وسلم ثبتَت له النبوةُ بمعنى مِن الثبوت وختمِ النبوة فيما يَبرزُ إلى عالمٍ من العوالم، ولم يزل آدمُ عليه السلام بينَ الماء والطين، قال: (إني عندَ الله لخاتمَ النبيين وإنَّ آدمَ لَمُنجَدِلٌ في طينتِه) (كنت عند الله خاتمَ النبيين وآدمُ بين الماء والطين لم يُنفَخ فيه الروحُ بعد) وقد برزت معاني نبوَّتِه وختمِه للنُّبوة -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
ولم يزل ذكرُه على ألسنِ أنبياءِ الله -مِن آدمَ فمَن بعدَه- فمَا مِن لسانِ نبيٍّ إلا وقد عبَدَت ربَّها واتَّقته بترجمةٍ عن مشاعرَ وعوطفَ نحو "محمد".
آدم قال: (اللهم بحقِّ محمدٍ إلا ما غفرتَ لي. كيف عرفتَ محمدًا ولم أخلقْه؟ قال: ربِّ لما نفختَ فيَّ مِن روحك نظرتُ إلى قوائمِ العرشِ فوجدتُ مكتوبًا على قوائمِ العرش "لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله" فقلتُ إنك لم تُضِف إلى اسمِك إلا اسمَ أحبَّ خلقِك إليك. قال: صدقتَ، إنه لأحبُّ خلقِي إليّ، وإنه مِن ولدِك، ولولاه ما خلقتُك، وبحقِّه قد غفرتُ للوالد بالولد، ولو تشفَّعتَ لي بمحمد في أهلِ السماواتِ والأرضين لشفَّعتُه فيهم). صلى الله عليه وعلى نبيِّنا آدمَ وجميع الأنبياء والمرسلين.
وشيثُ بعد آدم، وإدريسُ بعد شيث، ونوح بعد إدريس، وهود بعد نوح، وصالح بعد هود، ومَن بينهم إلى إبراهيم، وإسماعيل بعد إبراهيم وإسحاق، ويعقوب بعد إسحاق؛ كلهم تَلَت ألسنتُهم فضائلَ محمدٍ وأحبّوا النبيَّ محمداً، وعبدُوا اللهَ بتكريمِ النبيِّ محمدٍ قبل تسويةِ بدنِه الشريفِ وجسده -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ومَن بعده مِن الأنبياءِ حتى جاء عيسى بنُ مريم ولخَّصَ رسالتَه فيما قال الله: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم..} وبنَى أمرَ الإيمانِ والرسالةِ على تقويمِ العواطفِ لمَن مضَى مِن الأنبياء ولمَن يأتي بعدَه بل حاملًا البشارةَ به- يقول: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}.
ولقد قوَّمَ اللهُ مشاعرَ المؤمنين في الإيمانِ به في آياتِ الذكرِ الحكيم، وقال -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} مَن يا ربِّ؟ أهل التقوى وأهل إيتاء الزكاة والذين يؤمنون بك حقَّ الإيمان؟ مَن هم الذين ترحمُهم مِن دونِ البرية وتخصُّهم برحمتِك التي تُخَلِّدُهم بها في الجنة؟ قال {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ..} وما معنى عزَّروه؟ بجَّلوه وعظَّموه ووقَّروه {..فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وأمرَ سبحانَه نبيَّه أن يخاطبَ الناسَ بهذا الخطاب والمفَاد في هذه التربية للمشاعر: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
رَبَّى المشاعرَ -جل جلاله- رَبَّى العواطفَ فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ..} يحمل لكم هذا الشعور فمَا مِن شعورٍ لكم نحوه؟ {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} يثقلُ عليه عنتُكم ومشقَّتُكم {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} فما حرصُكم أنتم على شريعتِه وهديِه وسُنَّتِه؟ هو حريصٌ عليكم.. أنتم ما حِرصُكم على ما جاء به؟ ما حِرصُكم على مشاعرِكم نحوه ونحو أصحابه ونحو آل بيته ونحو سُنَّتِه ومِلَّتِهِ؟ {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
ربَّى تعالى المشاعر وربَّى العواطف وقال: قل لهم وأحلف أنا بِرُبوبيَّتي أن لا حقيقةَ إيمان {حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ} {وَيُسَلِّمُوا} الأمر لك {تَسْلِيمًا} تامَّاً بلاح رجاء في نفوسهم إن كانوا آمنوا بي {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
ربَّى المشاعر والعواطف على الأدبِ مع حضرةِ مَجْمَع الَّلطَائف وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} بعد أن قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ..} تأدبوا معك وعرفوا قدرك ولم يرفعوا أصواتهم ولم ينادوك من وراء الحجرات {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وهكذا رَبَّى الحق المشاعرَ والعواطفَ في كتابِه وقال: قل لهم يا محمد {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
ربَّى العواطف والمشاعر في معرفةِ قدرِ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويقول -جَلَّ جلاله- مخاطبا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} يُرَبِّي المشاعر في الكتاب، ويقول -جَلَّ جلاله-: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ}.
وقال في نفي الإيمان عمَّن فقَدَ هذه المشاعرَ والعواطفَ والأحاسيس فقال: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ} وقال عن أهل هذا الوصف: {وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} وقال -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- قل لهم يا حبيبي: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}
وبعد هذه التربية القرآنية للعواطف نفقد مشاعرَنا نحو الحبيب!!
ثم نروح في ظلام وتَيْه مِن وقت لآخر: أنزور أم لا نزور المسجد؟! أنتوسل أم لا نتوسل؟! أنصلي عليه بالجهر أم بالسر؟ أنحتفل بمولده أم لا!؟
ما هذا اللعب؟! ما هذه السخرية!؟ ما قِلُّ الحياء هذا؟! ما موت العواطف والمشاعر هذا!؟
أهذه مسائل يُختلَف فيها!؟ أهذه مسائل يُتناقَش فيها بعد صريحٍ من القرآن!؟ بعد وضوح في السنة!! بعد هيئة للصحابة والتابعين!! أيختلف في هذا؟!
مَن الذي جعله بين المسلمين محلَّ نقاشٍ بل محلَّ نزاعٍ بل محلَّ قتال؟!
سياسات! سياسات كفر من شرق وغرب لَعِبَت وأوحَت للمسلمين مِن بيننا ليقولوا ويَهذُوا بما لا يعقلون ومالا يعرفون! ثم يدَّعون وهم ينخرُون في صُلبِ معاني الإيمان للأُمَّة بالتَّرَّهاتِ التي يُلقِيها إليهم ويوحيها أعداءٌ لله ولرسوله!! صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم! -والعياذ بالله تبارك وتعالى-!
اللهم أيقِظ قلوبَ المسلمين، واحفظ عليهم مشاعرَهم وعواطفَهم في محبَّتك ومحبةِ رسولِك حتى تكونَ ورسولُك أحبَّ إلينا وإليهم أجمعين مِن كُلِّ ما سواكما، ونُحِبَّ المرءَ والجماعةَ لا نحبُّهم إلا "لله"؛ مِن صَحبٍ وآلٍ وعلماء وصالحين وأولياء خاصة والمؤمنين عامَّة، وأن نكرهَ الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ كما نكرهُ القذفَ في النار.
اللهم حقِّقنا بحقائقِ هذا الإيمان، وارفعنا في المشاعرِ والعواطفِ والأحاسيس إلى أعلى مكان، حتى نكون عبادا لك مَحْضَاً خُلَّصَا يا حيُّ يا قيوم، لا تستعِبدنا الأهواء ولا الشهوات ولا محبة سواك يا حيُّ يا قيوم يا الله..
والله يقولُ وقولُه الحقُّ المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
وقال تباركَ وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}
{لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
باركَ الله لي ولكم في القُرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه مِنَ الآياتِ والذكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزيهِ وعذابِه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدينا ولجميعِ المسلمين فاستَغفِروه، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المُطَّلِعِ على خفيَّاتِ السرائر ومكنُوناتِ الضمائر، وأشهدُ أن لَّا إله إلا الله الأولُ الآخرُ البارئ الفاطر، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وحبيبُه النَّقِيُّ التَّقِيُّ الطاهر، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك المصطفى محمد رحمتِك المهداة ونِعمتِك المسداة، وعلى آلِه وصحبِه ومَن والاه، وعلى آبائه وإخوانه مِن أنبيائك ورُسلِك أئمة كُلِّ منيبٍ أوَّاه، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم الهُداة، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله.
فاتقوا الله، واحذروا العبَثَ بعواطفِكم ومشاعرِكم وأحاسيسِكم أو عواطفِ ومشاعرِ وأحاسيسِ أزواجِكم وأولادِكم وأبنائكم وبناتكم وأصحابكم وأصدقائكم فتحرفُوها عمَّا شرع اللهُ لها وعمَّا فرضَ الله عليها وعمَّا أحبَّ الله منها!
أيها المؤمنون بالله -جلَّ جلاله-: بتهذيبِ المشاعرِ والعواطف بما جاء في القرآن الكريم يُحَبُّ الله ويُحَبُّ رسوله، فلا يساويهما في الحب سلطةٌ ولا جاهٌ ولا مالٌ ولا كنوزٌ ولا سياراتٌ ولا وزاراتٌ ولا ثيابٌ ولا مظاهرُ ولا ألعابٌ ولا شيءٌ في العالم.. "الله ورسوله" يكونان أحبَّ إلى القلب والفؤاد مِن كل شيء، مِن الأهل، من الأولاد، من الزوجة، من السلطة من السيارة من الطائرة مِن المظاهر مِن الشهرة مِن البيوت مِن القصور مِن الصغير مِن الكبير مِن الأول مِن الأخير.. "الله ورسوله" يكونان أحب.
وبهذه المحبة وتقويمِ هذه المشاعر يُرفَض كلُّ ما خالفَ شرعَ الله. بتقويمِ هذا يُنتهى عن الأصوات الخبيثة، والآلات المحرمة، والحركات الهابطة الساقطة، وتُستقبَح، ويُستحَسن الوقار، ويُستحسَن الحياء، ويُستحسَن الطُّهرُ والنَّقاء. بتهذيب هذه المشاعر يُعرَفُ قدرُ محمد وقدرُ آله وآل بيته وصحابته، وقدر سُنَّتهِ الغرَّاء، وتُقَدَّمُ على كُلِّ سُنَّةٍ في الوجود، وعلى كلِّ فكرٍ لمفكِّر، وعلى كلِّ تصوُّرٍ لمتصوِّر {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ}.
أيها المؤمنون بالله: بتقويمِ هذه المشاعر يَبطُلُ كيدُ الخبيثِ الفاجرِ إبليس وجندِه بما يَنشُرُون مِن تحسينِ الخبائث -بأصنافها- زِيِّاً ومنطقًا وملبسًا ومشربًا، وأخذًا وردَّاً، وقبولًا ورفضًا، ومعاملةً وشراء، وبيعًا وتجارةً وصناعة؛ يُرفَضُ كُلُّ ما خالفَ الشرعَ ويُستنكَر ويُستقبَح، ويؤخذ حكمُ الله، وتُقامُ حقائقُ الإيمان بطلبِ رضوانِ الله، ويقومُ الإيمانُ والتقوى؛ فتَصلُح أحوالُ المدن والقرى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
أيها المؤمنون بالله: قوِّموا مشاعرَكم وعواطفَكم، واعمرُوا أيامَكم ولياليكم في ذكرى ولادةِ نبيِّكم، بمحبةِ الله وتقويتها ومحبة نبيِّه وتقويتها، والتفكُّر فيما بُعِثَ به، وفي أخلافه، وفي شمائله، وفي صفاته، وفي منزلتِه عند ربِّه، وفي أوامره ونواهيه، وقدِّموها قبلَ كلِّ شيء، في أنفسِكم وأهليكم وأسركم.
اتقوا اللهَ في المشاعرِ والعواطف، واحذروا أن يتسلَّلَ إلى القلبِ محبةُ خبيث ٍأو مجرم أو فاجر أو كافر، أو فكرُهم، أو خُلُقهم، أو مسلكُهم الذي خالفوا فيه منهجَ الله ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أو محبة الدينار والدرهم الذي هو عجلُ هذه الأمة والصنم الذي يُعبَدُ مِن دون الله! واجعلوها مِن وراء وسيلة لا غاية، إن تيسَّرت من حِلَّها وإلا فالمؤمن أزهَدُ فيها مِن القاذورات وأزهدُ فيها من الأوساخ والسواقط!
أيها المؤمنون بالله -جَلَّ جلاله-: اتقوا اللهَ في المشاعر، اتقوا اللهَ في العواطف، لا تقدِّموا أحدًا على محبةِ الله ورسوله، وعلى محبةِ شريعتِه ودينِه، واغنموا شهرَ المولد الشريف، واسمعوا عواطفَ الرعيلِ الأولِ مِن الصحبِ الأكرمين عليهم رضوا الله تبارك وتعالى: "يجلسون بين يديه لا يُحِدُّون النظرَ إليه تعظيمًا له، وإذا قال أنصتوا لقوله، وإذا أمر ابتدرُوا لأمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، فمَن لم يصِب منه شيئا أخذَ من بَلَلِ صاحبِه وتمسَّحَ به"
هذه عواطفُهم، هذه مشاعرُهم! هذا توحيدُهم، هذا إيمانُهم، هذا معرفتُهم بالكتاب والسنة! وتلاقاه عن المصدرِ عن المنبعِ عن المختار عن المصطفى عن النبي عن صاحبِ الرسالة صلى الله عليه وسلم.
ويقول له العباسُ بن عبدالمطلب: رسولَ الله ائذَن لي أن أمتدحَك بشعر؟ -يأخذ بهذه العواطف صلى الله لعيه وسلم-: (قل لا يَفضفضِ الله فاك)
ويقول:
مِن قبلها -أي قبل الأرض- طِبتَ في الظِّلال -في الجنة- وفي ** مستودعٍ حيث يُخصَفُ الوَرَقُ
ثم هبطتَ البلاد -أي مع آدم لما خرجَ إلى الأرض- لا بَشَرٌ ** أنت ولا مُضغَةٌ ولا علَقُ
بل نُطفَةٌ تركب السَّفِين -سفينة نوح- وقد ** ألجم نَسْرَاً وأهلَه الغَرَقُ
تُنَقَّلُ من صَالِبٍ إلى رَحِمٍ ** إذا مضى عالَمٌ بدا طَبَقُ
حتى احتوى بيتك المهيمن من ** خِنْدِفِ علياء دونها النُّطُقُ
وأنتَ لمَّا وُلِدْتَ أشْرَقَتِ الْـ ** ـأرْضُ وضاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فنحن في ذلك الضياء وذلك النُّــ ** ــــــــور وسُبلَ الرَّشادِ نَختَرِقُ
هذه عواطفهم! هذه مشاعرهم!
ولقد جاءنا في الصحيحين أنَّ أسماء بنت أبي بكر أخرجت جُبَّةً كان يلبسُها رسولُ الله قالت: "هذه الجبةُ لرسول الله كان يلبسُها ونحن نغسلُها للمرضى ونستشفِي بها". هذه عقائدهم، هذه مشاعرهم، هذه عواطفهم!
فاتقوا اللهَ في المشاعرِ والعواطف ولا يتسخفَّنَّكم كافرٌ ولا فاجرٌ ولا زائغٌ ضال!
أيها المؤمنون بالله: اصدُقوا مع عالمِ السِّرِّ والنجوى وتحقَّقوا بحقائقِ التقوى.
وأكثِروا الصلاةَ والسلامَ على خيرِ الأنام فإنَّ أولى الناسِ به يومَ القيامة أكثرُهم عليه صلاة، ولقد أمرَنا اللهُ بها بعد أن بدأ بنفسِه، وثنَّى بملائكتِه وأيَّه بالمؤمنين تعميماً فقال مُخبِرَاً وآمرًا لهم تكريماً:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك المختار نورِ الأنوار وسِرِّ الأسرار سيِّدِنا محمدٍ، وعلى الخليفةِ مِن بعدهِ المُختار، وصاحبهِ وأنيسهِ في الغار، مُؤازرِ رسولِ الله في حالَيِ السَّعةِ والضِّيق، خليفةِ رسولِ الله سيِّدِنا أبي بكر الصديق، وعلى النَّاطِقِ بالصَّوابِ، حليفِ المحراب، أميرِ المؤمنين سيدنا عمرِ بن الخطاب، وعلى مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، أمير المؤمنين ذي النُّورَين سيدِنا عُثمانَ بنِ عفَّان، وعلى أخِ النَّبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمِه، إمام أهلِ المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيِّدِنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسَنِ والحُسينِ سيِّدَي شبابِ أهلِ الجنَّة في الجنَّة وريحانتَي نبيِّك بِنَصِّ السُّنة، وعلى أمِّهِما الحَوراءِ فاطمةَ البَتولِ الزَّهراء، وعلى الحمزةَ والعبَّاس، وسائر أهل بيتِ نبيِّكَ الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبة وأهل بدرٍ وأهلِ أُحدٍ وأهلِ بيعةِ الرِّضوان، وسائرِ الصَّحبِ الأكرمين ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أيقِظ قلوبَ المسلمين، اللهم رُدَّ عنهم كيدَ إبليسَ وجندِه وحزبِه اللعين، اللهم املأ مشاعرَهم وعواطفَهم وأحاسيسَهم بحبِّك وحبِّ رسولِك حتى تكونَ ورسولُك أحبَّ إليهم مما سواكما، اللهم وارزقنا طلبَ رضوانِك ورضوانِ رسولك، والصدقَ في محبَّتِك والإنابةِ لك، وتعظيمِ ما عظَّمتَ، وأن لا نحبَّ إلا لك ولا نبغضَ إلا لك ولا نعطي إلا لك ولا نمنَع إلا لك، اللهم ثبِّتنا على سواءِ السبيل، واسقِنا مِن أحلى وأعذب سلسبيل، اللهم حقِّقنا بحقائقِ الصدقِ في الإيمان، ورقِّنا أعلى مراتبِ الإيقان، واسقِنا اللهم في المحبةِ أهنأ وأحلى سُلافٍ ودِنان، اللهم وارزقنا القربَ والتَّدَان، وأصلح السِّرَّ والإعلان، وعجِّل بتفريج كروبِ أهل الإسلام والإيمان، اللهم حوِّل أحوالَهم إلى أحسنِ الأحوال، وادفع عنهم جميعَ البلايا والأهوال، واختم لنا بأكملِ الحسنى وأنت راضٍ عنَّا
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أحياءهم والأموات ومن يأتي إلى يوم الميقات بخير المغفرات يا خير الغافرين.
نسألكَ لنا وللأمة مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعان وعليك البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهى عن ثلاث:
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكُم، واشكروه على نعمِه يَزِدْكُم، ولذِكرُ اللهِ أكبر.
09 ربيع الأول 1443