معاني ومعالم الاجتهاد في رمضان في تبعية سيد الأكوان
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة ، بعيديد، تريم، 29 شعبان 1446هـ بعنوان:
معاني ومعالم الاجتهاد في رمضان في تبعية سيد الأكوان
لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf):
فوائد مكتوبة من الخطبة (كيف يتم الاجتهاد في رمضان؟) :
نص الخطبة مكتوب:
الخطبة الأولى:
الحمد لله خالق الزمان والمكان، وجاعلهُما ظرفًا لمن أراد الإحسان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُعمّر قلب وجوارح ووقت ومكان من أطاعه بنور الإيمان وإفاضة الجود والإحسان، ويُظلم قلب من أعرض عنه وتولى، وأعطى قليلًا وأكدى، ولم يستشعر أن الله يرى، ولم يستعد للمآب والرّجعى.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله وحبيبه الأتقى، القدوة في الخير كله بكل معانيه، بكل مقام أسمَى.
اللهم أدم صلواتك على عبدك المجتبى المختار نور الأنوار سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن سار على منهجه الأرشد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين جعلتهم الأئمة لكل من اهتدى لأكرم مقصد، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد ،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبلُ غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها.
شهر رمضان موسم عظيم:
أيها المؤمنون بالله، ولأجل التّرقي في مراقي التقوى والتحقق بحقائقها جاءت الفرائض والشرائع ومنها فريضة صيام رمضان كما نصّ عليه الرحمن في القرآن.
أيها المؤمنون، إنه لموسم تلقّاكم عظيم، ومددٌ من الرحمن الرحيم جسيم، وفيض من الفضل العلي الكبير الفخيم، البركة فيه من جميع الجوانب والنواحي بجميع المعان، والرحمات مصبوبة على كل مقبل على الرحمن.
إنه سيد الشهور رمضان، وقدوتنا وإمامنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان يجتهدُ في رمضان ما لا يجتهد في غيره، ويجتهد في العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيرها من رمضان.
كيف يكون الاجتهاد في رمضان:
وكيف الوصول إلى الاجتهاد أيها العباد؟
فكل مُقتد بخير إمام وهاد يجتهد في الشهر ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
وهل يتأتى الاجتهاد لمن لم يتخلّ عن غير مرضي للإله رب العباد؟
لا يكون الاجتهاد إلا بعد التخلي عن المحرم والمكروه والفساد، إلا بعد التّطهر عما لا يحبه الرحمن جل جلاله من خاف وباد.
أيها المؤمنون، فلا يجتهد في رمضان من لم يصدُق في التوبة والرجوع والأوبة إلى غافر الذنب والحوبة، وإلى معطي العطايا ومُسدي الهبات والمزايا بالإقلاع عن جميع الذنوب صغائرها وكبائرها.
التطهير قبل دخول رمضان:
فلتُطهّر القلوب والجوارح والبيوت والمساكن والأجهزة والمنظورات والمسموعات لكل مؤمن قبل دخول رمضان، إن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يُدخِله، ويكتب شقائه وإصره قبل أن يُدخِله، وذلك أن المؤمن يعد فيه العدة من النفقة للعبادة، وإن المنافق يعد العدة لتتبُّع عورات المسلمين.
أيها المؤمنون، ما مرّ على المؤمنين شهر خير لهم منه بمحلوف رسول الله، ولا مر على المنافقين شهر شر لهم منه بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
الاجتهاد في التخلي عن الشحناء:
فكيف يتم الاجتهاد منك ومن أهلك ومن أولادك ومن في دائرتك من أصحابك وأصدقائك ومن بينك وبينهم صلة؟
وجب عليك نحو الكل أن تتواصوا بسنة زين الوجود في الشهر، وأن تجتهدوا بالتخلي عن الذنوب صغائرها وكبائرها، وبالتّخلي عن الشحناء على أحد من أهل لا إله إلا الله.
فانظر حال قلبك ومطويّ قلبك ومكنون قلبك وما هو مستقرٌ في قلبك، فإن ذلك محل نظر ربك، فإن ذلك محل نظر ربك، فلا تُبقي فيه شوبًا من شحناء على أحد يقول لا إله إلا الله، قم بحق الأمر إن كنت تقصد وجه الله، وإن كنت تريد القدوة بحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ولقد قال لصاحبه: "إن قدرتَ أن تصبِحَ وتمسيَ ليسَ في قلبكَ غِشٌّ لأحَدٍ فافعل، وذلكَ من سنَّتي".
طهّر قلبك عن الشحناء والبغضاء لأحد من أهل لا إله إلا الله، وإن كان فيهم من استثقلته نفسك، وإن كان فيهم من ظلمك، وإن كان فيهم من قصّر في حقك، إن كنت تشهد لك حقاً لقصورك، وإن كان فيهم من أساء إليك، فلا تبقي في قلبك ذرة من شوب الشحناء على أحد منهم، وادع ربك: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
تفقد الأقارب والوالدين:
لا تبقي في البيت قطيعة لرحم، لا منك ولا من أهلك ولا أحد من أولادك ومن يسكن معك، تفقدهم.
لا تترك في البيت عقوقًا لوالدين وبادر إلى سد ذلك، وإن كنت والدًا فبادر لإنقاذ نفسك وولدك حتى تصفح وتعفو ويرجع إلى برك.
أربع أسباب للحرمان من المغفرة في رمضان:
لا تُبقي في بيتك من يقرُب من الخمر ولا من المسكرات ومذهبات العقل المخدرات، فإن هذه الأربع سبب الحرمان من المغفرة في أول ليلة إلى آخر ليلة من رمضان، فلا في ليلة النصف يغفر لأصحابها، ولا في ليلة القدر يغفر لأصحابها، ولا في آخر ليلة حيث يغفر الله لجميع المؤمنين يغفر لأصحاب هذه الصفات الأربع: الشحناء والعقوق والقطيعة والمسكرات.
تنزيه العيون والأسماع عما لا يرضي الرب:
يا أيها المؤمنون بالله، هذه مقدمة الاجتهاد متعلقٌ بها ومنها تنزيه العيون والأسماع عما لا يرضي الرب، فلا يبقى في بيتك مقروء ولا منظور ولا مسموع يخرج عن الحياء والأدب والحشمة والمروءة.
هذه مقدمات الاجتهاد لنقتدي بخيرها ونجتهد في رمضان ما لا نجتهِد في غيره، وندخل بعد هذا التنقّي عن هذه وأمثالها إلى الصدق مع الله في الصيام وتصحيحه.
صفات من لم يصدق في صومه:
ولم يصدُق في الصيام من لم يحترِز عن الغيبة،
لا والله لم يصدق في الصيام من لم يحترِز عن الكذب،
لم يصدق في الصيام من لا يحترز عن النظر الحرام،
لم يصدق في الصيام من لم يحترز عن احتقار المسلمين،
لم يصدق في الصيام من قال عنهم خير الأنام :"من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ".
الاحتراز عن المفطرات الحسية والمعنوية:
حَقِّق الصيام بالنية لكل يوم والامتناع عن المفطرات الحسية من طعام وشراب وجماع واستمناء واستقاه، ومن المفطرات المعنوية من كذب وغيبة ونميمة ويمين كاذبة ونظر بشهوة إلى غير ذلك.
إذا لم يكن في السمع مني تصاونٌ
وفي بصري غضٌ وفي منطقي صمتُ
فحظي إذا من صومي الجوع والظمأ
وإن قلت إني صمت يومي فما صمتُ
تأخير السحور وتعجيل الفطور:
أحسن الصيام وأخّر السحور حتى لا تقع في شك، وقبل أن تشك في دخول الفجر امتنع عن المفطرات وجدد النية استحبابًا، ثم عجّل الفطر بعد تيقن الغروب، وقبل أن تتيقّن الغروب فالإقدام على الفطر حرام، لأن العصر بقاءُ النهار حتى تتيقن أن الشمس قد غربت أو يغلب على ظنك ذلك بعلامة ناجزة فتبادر حينئذ بالفطر قبل الصلاة، وأفضله بالتمر و رطبه أفضل وأن يكون وترًا.
الاجتهاد بصلاة التراويح وأفضلها 20 ركعة:
قيامك بحق هذا الصوم كما ذكرنا مظهرٌ للاجتهاد في رمضان، ثم أدِّ حق القيام مجتهدًا ومهما استطعت صلاة العشرين فلا تكون مجتهدًا إن صليت ثمانية عشر ولا أقل من ذلك، إنما يجتهد من يبذُل الوسع والغاية وأفضل التراويح عشرون ركعة، كما أجمع عليه الأئمة بعد أن قام ذلك في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب، واستمر ذلك على مدى القرون حتى سمعتم بما عَبِث في الناس في دينهم ودنياهم من أيام ما سمعتم بذاك المرض الذي طولوا فيه وعرّضوا، وما سموه بالكورونا، ولعبوا حتى بالصلاة في الحرمين الشريفين وعدد ركعاتها، وكان ما كان على الأمة حتى أُبطِلَت جُمعٌ وجماعات وتعطَّلَت كثيرٌ من الخيرات.
الحفاظ على تكبيرة الإحرام:
أيها المؤمنون، وأحضر قلبك في الفرائض أولًا في الصلوات الخمس بجماعة لا تفوت في واحدة منها تكبيرة الإحرام مع الإمام وإلا فلست بمجتهد.
اجتهد في رمضان لا يفوتك تكبيرة إحرامٍ مع الإمام في مغرب ولا عشاء ولا فجر ولا ظهر ولا عصر، بل ولا ركعتين من التراويح ولا من الوتر، بادر واستعد فإذا كبر الإمام فكبر بعده، فإن لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى مع الإمام.
مظاهر التبعية لخير البرية في رمضان:
أيها المؤمن بالله، هذه مظاهر التبعية لخير البرية في اجتهاده الذي هو على قدر المؤمنين من بعده لا على قدره العظيم، فشأنه أجل وأجمل وأفضل وأكمل وأفخم وأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وثبتنا الله على دربه وأدخلنا الله في حزبه وسقانا الله من شُربه وحشرنا يوم القيامة في زمرته.
خاتمة الخطبة الأولى:
والله يقول وقوله الحق المبين: ﴿فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقال تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله جاعل العمر غنيمة للمغتنمين، وتداركًا للمتداركين، وحسرة على الغافلين المهملين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله المجتبى المصطفى الأمين، صلّ اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله الأكرمين وأصحابه الميامين، ومن والاهم واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعهم والملائكة المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،
حال المؤمن في ليلة النظرة:
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله.. اتقوا الله أن تأتي أحدكم ساعة ليلة النظرة من رب العرش وهو معرض أو متراخٍ أو متكاسل أو مُدبر أو مُصر على سوء.
اتقوا الله، وأحسنوا استقبال الليلة الأولى من رمضان، فإن فيها ينظر الرحمن إلى عباده ويطلع على ما في قلوبهم، ومن نظر إليه لم يعذبه أبدًا.
صلاة 12 ركعة:
أيها المؤمنون بالله، أعدّوا العدة للعبادة في الشهر الكريم، وأحسنوا القيام، فاطمئنوا في الركوع والسجود، وابدأوا بالفرائض فأحسنوها، وأطيلوا قيامها وركوعها وسجودها، وأتموها على ما ينبغي، ثم احرصوا على النوافل، فمن صلى في اليوم ثنتي عشرة ركعة غير الفريضة بُني له قصر في الجنة، ويُرجى باثنتي عشر أخرى قصراً آخر، مهما صلى من غير الفرائض، فلقد قال لنا صاحب الرسالة: "الصلاة خير موضوع فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل".
الحفاظ على نوافل الصلوات :
أيها المؤمنون بالله جل جلاله، حافظوا على الضحى والرواتب وعلى صلاة قيام رمضان التي اشتهرت بصلاة التراويح، وعلى صلاة ما بين المغرب والعشاء ست ركعات، فمن صلى ست ركعات بعد المغرب لا يتكلم بينهن بكلام الدنيا عدلت له بعبادة ثنتي عشرة سنة صيامها وقيامها، وفي رمضان النفل كعمل الفريضة، والفريضة بسبعين فريضة.
وجاء في بعض الأخبار عن النبي المختار تضاعف الحسنة في رمضان إلى ألف فما أعظمها من منّة!
فاجتهد، ولتجتهد أسرتك وأصحابك، وتعاون على الاجتهاد، فرمضان ليس شهر الخوض فيما لا يعني، وليس شهر إطلاق النظر فيما لا يقرّب إلى الناظر إلى القلوب، وليس شهر الألعاب، ولا متابعة الألعاب، لكنه شهر الاجتهاد وشهر الإقبال الكلي على الإله الجواد وشهر الاقتداء بخير العباد.
الاجتهاد في دعاء الرب والتضرع له:
واجتهدوا في دعاء الرب وتجتهد الأمة، فإن كشف الغمة عنهم لا يكون إلا من قبل ربهم وبإذن ربهم، ولو شرَّقوا وغرَّبوا لإصلاح شيء من أحوالهم أو استقامة شيء من أمورهم أو حصول خير أو بركة أو طمانينة أو استقرار، من غير اتصال بالله وأدب مع الله وذكر لله وعمل بشرع الله، فلن يكون ذلك، ثم لن يكون ذلك ثم لن يكون شيء من ذلك،
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَىٰ)،
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)،
﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا﴾،
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾،
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾،
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾.
علاج الأمة بصدق الرجوع إلى الله:
فلتعالج الأمة أوضاعها الاقتصادية الاجتماعية والسياسية بصدق رجوعها إلى الله في رمضان، وإلحاحها على الله في الدعاء، والإخلاص في المسألة له ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾.
أين البَكيات في الليالي وفي السجدات؟
قلّت في أمة خير البريات، وقد كانت كثيرة في صغار القوم وكبارهم، ورجالهم ونسائهم.
فأين ذهبت هذه القلوب الخاشعة والعيون الدامعة من معرفة الله ومحبته وخشيته والشوق إليه، أين ذهبت؟
ماذا أصاب قلوب المسلمين وعيونهم؟
ماذا نازل أفئدتهم وأبصارهم؟
رضوا ببضاعة الفجرة والكفار وأعرضوا عن بضاعة الله والنبي المختار؟
فيا محول الأحوال ومطور الأطوار، حوّل أحوال المسلمين إلى خير حال.
فليتخذوا من الاجتهاد في الإنابة والرجعة وصدق التوبة والتلاوة للقرآن في رمضان بالتدبر والخشوع والخضوع، وإرادة العمل والتطبيق لما في الآيات، وكثرة الإلحاح والدعاء له تعالى، وليتخذوا لذلك عدةً لكشف الشدائد ودفع البلايا وتحويل الحال إلى أحسنه، يا محول الأحوال حول حالنا والمسلمين إلى أحسن حال وعافنا من أحوال أهل الضلال وفعل الجهال.
باب الصلاة على النبي باب صلة بالله:
وباب صلة بالله يفيض الله به عطاياه ويدفع بلاياه هو باب الصلاة والسلام على عبده ومصطفاه محمد، فلقد قال حبيبه: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة".
وقال: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا".
وابتدأ الحقُّ بنفسه وثنَّى بملائكته وأيَّه بالمؤمنين، فقال مخبراً وآمراً لهم تكريماً تعظيماً لشأن عبده المصطفى وتفخيماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، البشير النذير السراج المنير، عبدك المختار محمد ﷺ،
وعلى الخليفة من بعده وصاحبه وأنيسه في الغار، مآزره في حالتي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى الناطق بالصواب حليف المحراب المنيب الأواب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى محيي الليالي بتلاوة القرآن، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين ليث بني غالب سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة، وعلى أمهما الحورى فاطمة البتول الزهرة وبنات المصطفى، وأزواج أمهات المؤمنين خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وبقية أمهات المؤمنين، ومريم وآسية.
والحمزة والعباس وأهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وسائر أصحاب نبيك الكريم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء:
اللهم بارك للمسلمين في رمضان، اللهم اجعله شهر فرج لهم ودفع ورفع للبلايا والآفات والعاهات الرزال، اللهم حوّل فيه أحوالهم إلى خير الأحوال، اللهم ادفع عنهم البلايا والأهوال.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وتب على المؤمنين والمؤمنات، وأنقذ المؤمنين والمؤمنات، و خذ بأيدي المؤمنين والمؤمنات، وحُوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وحالاتهم إلى خير الحالات.
اللهم أبدل تبعيتهم لأعدائك بتبعيتهم لك وأنبيائك، واقتدائهم بخير أصفيائك، اللهم املأ قلوبهم بالإيمان واليقين، وهيِّئ لهم الدخول في المتقين، اللهم اكفنا وإياهم مصائب الدارين، وحلِّنا بكل زينٍ، وخلِّنا عن كل شين.
اللهم اغفر لنا ولهم أجمعين مغفرتك الواسعة، وارفعنا مراتب قُربك الرافعة، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
اللهم الطف بالمسلمين في الضفة الغربية وأكناف بيت المقدس، وفي شامنا ويمننا وشرقنا وغربنا ومصرنا وسوداننا وفي جميع أقطار أهل لا إله إلا الله، وألطف بالمسلمين حيثما كانوا وأينما كانوا يا حي يا قيوم، تدارك وأغث يا حي يا قيوم، ارفع البلايا والآفات يا حي يا قيوم.
وفِّر حظنا من بركات الشهر ولياليه وأيامه وساعاته وما فيه، واجعلنا عندك من خواص أهليه يا أرحم الراحمين .
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
اللهم سلمنا لرمضان وسلم رمضان لنا، وسلم رمضان منا وتسلمه منا متقبلا، واجعلنا من أسعد أمة حبيبك بلياليه وأيامه، وجودك فيه وما تجود على خواص محبوبيك في لياليه وأيامه يا رب العالمين.
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث وينهى عن ثلاث ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر.
29 شَعبان 1446