(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة ، بعيديد، تريم، 26 جمادى الأولى 1440هـ، بعنوان: مجلى التقوى في شرف الإيمان وإثبات هويته
الخطبة الأولى:
الحمد لله، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك1-2، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، استوى عنده البطونُ والظهور، منه مُبتدأ الخلقِ وإليه مرجِعُ جميعِ العبادِ في يومِ البعثِ والنشورِ، وهو الحاكمُ بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، والمخاطِب لهم بلسانِ عبدِه الأمينِ المأمون: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ ..} طه113-114.
وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا وقرة أعيننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسولُه، وحبيبُه وصفيُّه الأمينُ المأمون، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك القائمِ بحقِّ العبودية، الواسعِ في الأدبِ للربوبية، وعلى آله وأصحابِه أهلِ الخصوصية، وعلى مَن تبعهم بإحسانٍ في طريقَتِه السَّوية، وعلى آبائه وإخوانِه من الأنبياء والمرسلين أهلِ المراتبِ العليَّة، وعلى آلهِم وصحبِهم والملائكةِ المقربين، وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين، أما بعد:
عباد الله: فإني أوصيكم وإيَّاي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يُثيبُ إلا عليها. واعلمُوا أنَّ مَن اتَّقى الله عاشَ قوياً وسارَ في بلادِ الله آمِناً، وقُوبِل بالكرامة، وبُعِث آمناً يومَ القيامة، وزُجَّ به إلى دارِ الرحمةِ والنِّعمةِ خالداً أبداً.
ومن ضَيَّع التقوى وأهملَ أمرها ** تغشَّتْه في العُقبى فنون النَّدامةِ
فليكن مجلَى مِن مجالي تقوانا للهِ أن نتَّقيَ الله في إدراكِ نعمةِ الإيمان به، وإثباتِ هويَّتِنا مؤمنين بالخالقِ الذي نوقِنُ بالمرجِعِ إليه والمصيرِ إليه، وكفانا ذلكم فارِقاً كبيراً عظيماً بيننا وبين مَن كذَّب باللهِ واليومِ الآخر، وبين مَن أنكر وجودَ ربِّه ووجود رَجْعَتِه إليه، في يوم الهولِ الشديدِ العظيمِ.
أيها المؤمنون بالله: اتقوا اللهَ في هذه القضية، وهذا المجلى، وهذه الناحية، وهذا المعنى؛ فإنَّ تقوى الله فيه أساسٌ لامتدادِ نورِ التقوى؛ لأنه أمرٌ قلبيٌّ معنويٌّ غيبيٌّ، متصلٌ بالروحِ والعقل.
يا أهلَ القلوب: أن تتَّقيَ اللهَ قلوبُنا في إدراكِ عظمةِ هويةِ الإيمان، أن تتَّقيَ الله قلوبَنا في إدراكِ نعمةِ الرحمنِ علينا ببعثِ المصطفى محمدٍ وإنزالِه القرآن، وقبولِنا المِنَّة: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164.
وكلُّ مَن خرج عن تعليمِه وهديِه وما جاء به فهو لا يزال في الضَّلالِ المبين، وإن ادَّعى أسنَى حضارة، وإن ادَّعى أسنى قُدرة وتمكين على ظهر الأرض، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ .. }القصص4، فهل خرجَ مِن الضلال بذلك؟ إنها تقوى اللهِ في إدراكِ نعمةِ الإيمان، لا خروجَ مِن الضلالِ بحضاراتٍ ولا بمصانِعَ، ولا بتحقيقِ مكسَبٍ مِن مكاسِبِ العالم الفاني الحقير، الذي يؤمِنُ بفنائه كلُّ أحَد، وكأنهم لا يؤمنون بفنائه، بل جعلوه غايتَهم، وجعلوه نهايتَهم، وجعلوه غايةَ فكرِهم، وليكن ذلك فِكرَ وغايةَ مَن لم يؤمن بالله واليوم الآخر.
أما أنت يا آمَن بالله واليومِ الآخرِ حرامٌ عليك أن تكونَ هذه غايتُك، أو يكون هذا مطمح فكرِك، عارٌ عليك وعيبٌ، وخروجٌ من الكرامة، ووقوعٌ في الذِّلة والمهانة، في مسلكِ كلِّ مُعتدٍ أثيم، {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} المطففين7-15، فهل يُعجبُك شيءٌ مِن شأن هؤلاء؟!، محجوبون عن ربِّك، عليهم الغَضبُ ولهم اللعنة، أيعجبُك شيءٌ من صناعاتِهم، أيعجبُك شيءٌ مِن مظاهرِهم؟!.
اتَّقِ اللهَ في مجلى هذه التقوى، والمكانة هذه مِن تقوى اللهِ في قلبِك، عظِّم ما عظَّم الله، واعلم أنَّ ما حقَّر الله فهو الحقير.. الحقير.. الحقير، لا يُخرجُه عن حقارتِه اغترارُ الكثير ؛ فإنَّ مصيرَهم بئس المصير، وساعةٌ ستأتي يُنادَى فيها على آدم أبينا وأبي البشر: أَخرِج بَعثَ النارِ مِن ذريَّتِك، ربَّ، وكم أُخرج؟، يقول: في كل ِّألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعين إلى النار، وواحدٌ إلى الجنة، وحينَها تشيبُ رؤوسُ الولدان، والساعة آتيةٌ لا شكَّ، لا يمنع إتيانَها كُفر كافر، ولا عِناد مُعاند، ولا حضارةُ متحضِّرين، الكلُّ واردٌ، {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} الإبلُ العِطاش، هذه غايتُهم التي لا بُدَّ أن يصيروا إليها فاعقِلُوا، ولا يغرُّوكُم بإيحاءاتِهم الكاذبة، وإيحاءاتِهم الخدَّاعةِ الباطلة، عظِّمُوا ما عظَّم الله، واشكروا اللهَ على نعمةِ الإسلامِ والإيمانِ، وتمسَّكُوا بها، وعظِّمُوها، واعرفُوا قدرَها، واسألوه أن يحفظَها عليكم حتى يتوفَّاكم مؤمنين.
اللهم كما أنعمتَ علينا بالإسلامِ فزِدنا منه، وكما أنعمتَ بالإيمان فزِدنا منه، وكما أنعمتَ علينا بالعافية فزِدنا منها، وكما أنعمتَ علينا بالعُمرِ فبارِك لنا فيه، برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
يا عبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ في إثباتِ هويتِكم الإيمانية، {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ}السجدة18، وأين حقيقةُ الفَرْدِ؟ أفي هذا المتاعِ؟ إن كان سُلِّط عليكُم وعلى جميعِ بنِي آدمَ، مؤمنِهم وكافرِهم والجن معهم محبةَ المال أو محبةَ السلطة، أو نحوها مِن الشهوات التي سُلِّطت على هؤلاء المخلوقين، فهل ما سُلِّط علينا مِن ذلك يحجبُنا عن إدراكِ عظمةِ إلهِنا والاستعدادِ للقائه؟! وهل لأجلِ ما سُلِّط علينا مِن هذه الشهواتِ ننسى خلقَنا ومآلَنا، والمقصودَ مِن وجودِنا؟! إنَّ هذا فِكر وشغل مَن لا عقلَ له، وهم هؤلاء الكفار، واللهِ مَن مات كافراً وقد بَلَغتهُ الدعوةُ لا عقلَ له، ثم لا عقلَ له، ثم لا عقلَ له، والله سيعترفُ هو بذلك، ويقولون كلُّهم في المحشرِ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } الملك10.
فيا أتباعَ عقلِ محمد أعقلِ الخلق: احمدوا اللهَ على نعمةِ الانتماءِ إلى حبيبِ الحقِّ، واجعلُوه إمامَكم في كلِّ مُقيَّد ومطلق؛ فما أحبَّ اللهُ مِن عبادِه أن يتَّبعُوا أحداً كما أحبَّ أن يتَّبعُوا محمداً صلى الله عليه وسلم، بل وعد على ذلك محبتَه، ويا مؤمناً بالله: أيُّ شيءٍ أعلى مِن محبةِ الله؟!، قل لي بربِّك: لو اعتقدتَ شيئاً أعظم مِن محبةِ الله كفرتَ بهذا الإله، لا شيءَ أعظمُ مِن أن يُحبَّكَ الله جل جلاله، لا شيءَ أجلُّ ولا أكبرُ مِن ذلك ولا أحسن، ولا أنْعَم، وهي في اتِّباع محمدٍ {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}آل عمران31، لنا الشرفُ باتباعِ هذا الرسول.
يا مَن زاغَت عقولُهم: لا تلعبُوا بعقولِ الذين دُعيَت عقولهُم للرشادِ والهدى من المؤمنين، وتُزَيِّنوا لهم تبعيَّةَ بعضٍ منكم، ممَّن فسدَ وفسق، بدلَ تبعيةِ محمدٍ أكرمِ مَن برأ اللهُ وخَلَق، الشرفُ في اتباعِ محمدٍ خيرِ الخلقِ وحبيبِ الحقِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ ..}الزمر60-61، تحت رايةِ سيد المتقين محمد، اللهم اجعلنا منهم ومعهم وفيهم، {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ..}النساء42، أن يُمسَخُوا فيكونون مع الأرضِ سواءً لا وجودَ لهم، ألستَ يُقال لك: الرئيس الكبير؟! ألستَ يُقالُ لك: المفكرُ الكبير؟!، ألستَ يُقال لك: العبقري؟!، والآن تودُّ أن تسوَّى بالأرض؟!، {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً }، ولا يحصل لهم ما ودَّوا!، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27، مؤمنُهم وكافرُهم في ذاك الموقفِ لا يتمنى أحدُهم أنه اتَّخذَ سبيلاً مع ملكٍ من ملوك الأرض، ولا حكومةٍ، ولا دولةٍ، ولا هيئة، ولا مؤسسة، لكن مع الرسول، {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}، أما العلاقات الكاذبة الفارغة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً}الفرقان28، ما هي العلاقة؟ وما هي الصداقة؟ {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي..}الفرقان29، إنَّ عقولَنا تُدعَى إلى الذِّكر والرُّشد والهدى، وتبعيَّةِ نبيِّ الهدى، فنِعم الدعوة، وهناك دعواتٌ تدعوها إلى التشكُّكِ في دينِها وإيمانِها وإسلامِها، وفي تبعيَّاتٍ؛ لتستبدل تبعيةً محبوبةً للذي خلق، مُقربةً إليه، موصلةً إلى حبِّه، بتبعيةِ فسَدةٍ فسقَةٍ خاسرين خاسئين، يقول أحدُهم في القيامة: لو كنتُ أسمعُ أو أعقلُ ما كنتُ في أصحابِ السعير، {فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ }الملك11، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
أيها المؤمنون بهذا الإله، المشرَّفون بهذا الشرف: إنَّ كلَّ مَن خرج عن الإيمانِ بربِّكم تَنَكَّرَ لواقعِه، وتمرَّدَ على حقيقتِه، ولكن التنكُّر والتمَرُّد صوريٌّ وهميٌّ، يلعب به شيطانُه فيه في الدنيا، ثم يجد نفسَه في قبضةِ هذا الإلهِ، لا في قبضةِ سواه، وراجع إلى هذا الإله لا راجع إلى سواه، الملحِد منهم والمكذِّب والمنكِر والمكابِر، كابِر ما شئتَ أن تكابِرَ فإلى أين مرجعك؟!، وإلى أين مصيرك؟!، وإلى مَن تؤول، سيذهبُ تمرُّدُك هذا الخياليُّ الوَهميُّ الباطلُ الفاسد، الذي يُوجب لك الخلودَ في النار والعياذ بالله تعالى، وإذا بك في قبضةِ الذي خلقَك، وحُكمه النَّافذ فيك، لا ترجعُ إلى حزبِك، ولا ترجعُ إلى حكومتِك، ولا ترجعُ إلى أهلِ اتجاهِك وفكرِك، أنت وإياهم ترجعُ إليه، وتُعرضُ عليه، وتقومُ بين يديهِ وحيداً فريداً، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا..}النحل111.
أيها المؤمنون بالله جل جلاله: في حياةِ نبيِّكم المصطفى دارَت على العقولِ أفكارٌ كثيرة، ومنهم مَن اغترَّ بمُلكٍ، ومنهم مَن اغترَّ بمالٍ، ومنهم مَن اغترَّ بشهواتٍ، فحالَت بينه وبينَ الإيمان بمحمد، حتى مات الميتُ منهم على ذلك فهم الخاسرون، وهم النادمُون، وهم الساقطون، وهم المنحطُّون، وهم المعذَّبون، هذه حقيقتُهم، سواءً كان فقيراً مِن فقراءِ يهود، أو من فقراءِ المشركين، أو كان كسرى الذي هلَك إلى النار، هل أغنى عنه ملكُه؟!، هل أغنى عنه ما تحت يده؟!.
وكان من طريقةِ تفكيرِه: أن يستلمَ رسالةً من محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يكتب إليه فيها: ((إن تُسلم تَسلم، وإلا فإنَّ إثمَ المجوسِ عليك))، فلما وصلَت إليه، فقال: مَن هذا يكتبُ إليَّ بهذا وهو عبدِي؟!، وأخذ الكتابَ ومزَّقَه، إنها الأفكارُ التي تدورُ اليومَ في عقولٍ كثيرٍ على ظهر الأرض، وفيهم مَن يعدُّ لسياستِه أو مكانتِه أنَّ هؤلاء كعبيدِه وأتباعِه، لا حقَّ لهم أن يرفعُوا رأساً أمامَه، إلى غيرِ ذلك مما هو واقع، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} البقرة118، فبعث إلى عامِلِه، ملكِه في اليمن، يقول له: يا باذان ابعث رجلَين إلى هذا الرجل الذي خرجَ في أرضي، ويدعوني إلى دينه، فليأتياني به، وإن لم توصله إليَّ أفعل بك وأفعل، وجاءت الرسالة، وأخذها (باذان) عامِلُه في اليمن، ويبعث (قهرمان) وآخرَ معه قوي جَلْد، ويخرجان ويصلان إلى الطائف، ويسألان عن نبيِّنا، ويُقال لهما: هو في المدينة، فيتوجهان، وقد فرح كفار الطائف وكفار قريش، وقالوا: كُفِيتُم الرجل؛ انتصفَ له الملك الكبيرُ ملكُ الفرس، وما دروا أنه رسول الملك الكبير!، وما دروا أنه الذي سيصلُ دينُه إلى ذاك، وأنَّ مُلكَ ذاك سيمزَّق، وبلغَ النبيُّ الخبرَ، فقال: ((مُزِّق ملكه.. مُزِّق ملكه))، وقال كما جاء في صحيح مسلم: ((ليأخذنَّ كنوزَ كسرى عصابةٌ مِن أمتي، ولتنفقنَّ كنوزُ كسرى وقيصر في سبيل الله، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصرُ فلا قيصرَ بعده))، ووصل الاثنان إلى المدينة، ومعهما كتابٌ من الملك باليمن، ويخبران المصطفى، ورأى طولَ شواربِهما، وحلقِهما اللِّحاء، فكَرِه النظرَ إليهما، وقال: ((ويحكما مَن أمرَكما بذلك!))، قالا: ربُّنا، يقصدان كسرى، قال: ((لكن ربي أمرني أن أحفيَ الشارب وأن أعفيَ اللحية، ما خطبكما؟))، قالا: هذا الكتاب مِن ملك اليمن (باذان)، ويقول لك: إن تُطع وتُجب يكتب لك كتاباً عند الملك يسترحمُه ويستطعفُه وينفعُك عنده، وإلا فهو مَن علمت، وكان صلى الله عليه وسلم في سيرتِه لا يهاب ملكاً ولا غيره، فقال: ((انتظرا إلى الغد))، فانتظرا، فجاءهم في اليوم الثاني، قال: ((ارجِعا إلى الملكِ وأخبِراه أنَّ ربي قد قتلَ ربَّه، وأنه سلَّطَ عليه ابنَه في ساعة كذا كذا من الليل وقتلَه))، ورجعا ووصلا إلى باذان في اليمن، وقالا له: إنه يقول..، قال: والله ما هذا كلامُ ملك، كأنَّه نبي، وانتظروا، ننظر ما جاءنا مِن الخبر؛ فإن كان كما قال فهو نبي الله، وإلا رأينا رأيَنا فيه، فما هي إلا أيامٌ حتى وصلَ الكتابُ من (شيرويه) ابن الملك كسرى، يقول لباذان: أما بعد: فإني قتلتُ كسرى، وما قتلتُه إلا غَيرةً على الفُرس؛ إذ قتل أشرافَهم وفعلَ فيهم، فخُذِ الطاعةَ لي ممن عندك، والرجل الذي بعثَ لإحضارِه لا تُهِجْه بشيء حتى أكتبَ إليك فيه. وصل الخبر، فقال (باذان): والله ما هذا إلا نبي، وأسلمَ ومن معه مِن أبناءِ فارس في اليمن أسلموا، وكان فيما خاطبَهم النبي يقول: ((وإن ديني سيصلُ إلى بلدِكم))، وإلى عند هذا الملك، يقول لهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان إسلامهم، وكان ما كان، وانتهى ذلك الفِكر بصاحبه فإلى أين ذهب!، ونظيره كثيرٌ يفكرون في زماننا وسيذهبون نفس المذهب.
عظِّم نعمةَ الإيمان يا مؤمناً بالرب، وتهيَّأ لعظمةِ المنقلَب؛ فإنَّ جميعَ ما يدورُ على ظهر الأرض كسرابٍ بقيعةٍ، وستراه كأن لا شيء، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا }النازعات46، وما أقربَ ذاك المصيرَ وتلكَ الساعةَ.
املأ قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، وألحِقنا بعبادِك الصالحين، وارزقنا تقواكَ في نعمةِ الإسلام والإيمان، وإثباتِ هويةِ المؤمنينَ بك، الصادقين المخلِصين، يا أكرمَ الأكرمين، ويا ربَّ العالمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الأعراف204، وقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ * قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ } الأنعام11-19
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعنا بما فيه مِن الآياتِ والذِّكر الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خِزيه وعذابِه الأليم، أقول قولي هذا، وأستغفر اللهَ العظيم لي ولكم، ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الملكِ القدير، الذي منه المبتدأُ وإليه المصيرُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، بيدهِ الخيرُ، له الملكُ وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وحبيبُه المصطفى السراج المنير، اللهم صلِّ وسلِّم على أعظمِ متحقِّقٍ بالعبودية، وقائمٌ بحقِّ الربوبية، القائل في سناء وسماء المجد: ((إنما أنا عبدٌ آكل كما يأكل العبد، وأجلسُ كما يجلسُ العبد))، اللهم أدِم صلواتِك على سيدِنا محمد، وعلى آله المطهَّرين، وأصحابه المنوَّرين، وعلى مَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانِه مِن النبيِّين والمرسلين، وآلهم وصحبِهم أجمعين، والملائكةِ المقربين، وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، أما بعد:
عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتَّقُوا الله، وخذُوا شرفَ العبوديَّةِ لربِّكم، واحمدُوه على أن أنعمَ عليكم بنعمةِ الإسلامِ والإيمان، وارقَوا بسلَّمِهما بعلمٍ وبيانٍ إلى مراتبِ الإحسان، واستفتُحوا أبوابَ المعرفةِ الخاصةِ والمحبةِ الخالصة؛ فلا يوجد على ظهرِ الأرض أشرفُ مِن هذه العطايا وأجلُّ مِن هذه المزايا، ولا يُندمُ على مثلِها مِن عند الغرغرةِ فما بعد ذلك.
أيها المؤمنون بالله: حقِّقوا هويةَ إيمانكم، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ .. }الأنفال2-4، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } الحجرات15، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } النساء65، {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } آل عمران175، { وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } آل عمران171.
أيها المؤمنون بالله: الحمدُ لله على نعمةِ الإيمان، على قدرِ تعظيمِها تُحفظ لكم، وعلى قدرِ تعظيمِها تدركونَ من سِرِّها وعظمتِها ما تصلُ إليه مفهوماتُكم ومعلوماتُكم، وحقيقةُ عظمتِها إنما يحيطُ بها اللهُ الذي يرحمُ مَن يشاء ، ألا {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }الرعد19، اللهم اجعَلنا مِن أولي الألباب.
انصرِف مِن الجمعة وقلبُك مجموعٌ على نعمةِ الإيمان، مجموعٌ على الإلهِ الذي آمنتَ به، وأدِّ الصلاةَ غير خارجٍ عن معنى إقبالِك على الله، دَع بيتَك وما فيه، دَع بلدَك وما فيه، دَعِ الأرضَ وما فيها، ووجِّه للذي فطرَ السموات والأرض، وتعلَّم مِن سِرّ الإيمان في جمعتك ما عسى به أن يُجمعَ الخير لك، ويُدفع الشرُّ عنك؛ فوالله ما شرعَ الله الجمعةَ إلا للرُّقي في هذه المراقي، وإلا للشُّربِ مِن هذه السواقي، وإلا لأخذ النصيبِ مِن حقائقِ التقوى في السرِّ والنجوى، اللهم اقبلنا وأقبِل بوجهِك الكريمِ علينا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومِن أوسعِ أبوابِ قبولِكم وقربِكم وتنويرِ قلوبكم: كثرةُ صلاتِكم على نبيِّ الله محمد؛ فإنَّ الله يصلي على مَن صلى على نبيِّه مرةً واحدةً يصلي اللهُ عشرَ صلوات، وإنه القائل صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أولى الناس بي يوم القيامة أكثرُهم عليَّ صلاة)).
وإنَّ الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته، وأيَّهَ بالمؤمنين مِن عباده تعميماً، فقال مخبراً وآمراً لهم تكريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك المجتبى المختار سيدنا محمد، نورِ الأنوار، وسرِّ الأسرار، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار، وصاحبِه وأنيسِه في الغار، مُؤازرِ رسولِ الله في حاليِ السعةِ والضِّيق، خليفة رسول الله سيدنا أبو بكر الصديق، وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، أميرِ المؤمنين سيدِنا عمرَ بنِ الخطاب، وعلى محيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، أميرُ المؤمنين ذو النورين سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه، ووليِّه وبابِ مدينِة علمه، إمامِ أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، وعلى الحسن والحسين سيدي شبابِ أهلِ الجنة في الجنة، وريحانتي نبيِّك بنصِّ السنة، وعلى أمِّهما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى، وعائشةَ الرضى، وعلى الحمزة والعباس، وسائرِ أهل بيتِ نبيِّك الذين طهَّرتَهم مِن الدنسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبة، وأهلِ بدر، وأهل أحُد، وأهل بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ الصحب الأكرمين، وأهلِ البيت الطاهرين، وعلى مَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ وانصرِ المسلمين، اللهم ارزقنا حقيقةَ تقواك في إيمانِنا ويقينِنا يا أكرمَ الأكرمين، اللهم اصرِفنا مِن جمعتِنا والقلوبِ عليك مجموعة، والدعواتُ عندَك مسموعة يا أرحمَ الراحمين.
اللهم تدارَك هذه الأمةَ بإزاحةِ الظلمات والغبارِ والأوهامِ والخيالاتِ عن قلوبِها وعقولها؛ لتبقى نعمةُ الإيمان بك ورسولِك، وتصدُق في الوفاءِ بعهدِك فيُردَّ كيدَ عدوِّهم، ومَن يكيدُ لهم مِن الفجرةِ والكفرة، وأعداءِ الإنسانية وأعداءِ الدين في المشرقِ والمغربِ، يا ربَّ العالمين.
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتِنا، وذوي الحقوقِ علينا ومشائخنا في الدين، وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، مغفرةً واسعة، لا تغادر ذنباً ولا حوباً، ولا صغيرةً ولا كبيرة، وبدِّل جميعَ سيئاتِنا إلى حسنات يا خيرَ المحسنين، اللهمَّ فرِّج كروبَ الأمة، وادفعِ البلاء عنهم، وألهِمهم رشدَهم، وارزقنا الصدقَ والإخلاصَ واليقين، والتوفيقَ لمحابِّك في الأقوالِ والأفعال، واختِم لنا أجمعينَ بأكملِ الحسنى، واجعل آخرَ كلامِنا مِن حياتنا الدنيا: لا إله إلا الله، متحقِّقين بحقائقها، يا أولَ الأولين، ويا آخرَ الآخرين، ويا ذا القوة المتين، ويا راحمَ المساكين، ويا أرحمَ الراحمين، حقِّق لنا ذلك، واسلُك بنا أشرفَ المسالك، وأصلِحنا وأصلِح مَن في صلاحِه صلاحُ أمةِ نبيِّك محمد، ولا تُهلِكنا وأهلِك مَن في هلاكِه صلاحُ أمةِ نبيِّك محمد، وعامِلنا بالفضلِ وما أنت له أهلٌ يا أكرمَ الأكرمين.
ربنَّا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذابَ النار، ونسألكَ لنا وللأمةِ مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك محمدٌ، ونعوذُ بكَ مِن شرِّ ما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعان، وعليك البلاغُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
عبادَ الله: إنَّ الله أمر بثلاث، ونهى عن ثلاث:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُركم، واشكروه على نعمه يَزِدكُم، ولذكرُ الله أكبر.
26 جمادى الأول 1440