(229)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في جامع الروضة بمدينة تريم، وادي حضرموت، 27 رجب الأصب 1439هـ بعنوان: ما يبنى على أساس: "إن كان قال فقد صدق"
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ السميعِ البصيرِ العليِّ العظيمِ العزيزِ القادر، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، الملكُ الحقُّ المبين القديرُ العظيمُ الرحيمُ الغافر.
وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، الحبيب الكريمُ المُعَظَّمُ الطاهر. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك المجتبى المصطفى سيِّدِ الأوائلِ والأواخر، المخصوصِ منك بأعلى الرُّتبِ في العزِّ والشرفِ والسُّموِّ والمفاخِر، وعلى آلهِ الطيبين وأصحابه الغُرِّ الميامينَ، وعلى مَن سار في سبيلِهم بالتصديقِ والصِّدقِ والتوكِّل عليك، والإنابةِ إليك، والاستعدادِ للقائك في الباطنِ والظاهر، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين ساداتِ الأكابر، وآلهِم وصحبِهم والملائكةِ المقرَّبين، وجميعِ عبادك الصالحينَ في كل وقتٍ وحينٍ.. يا أرحم الراحمين.
أما بعد، عبادَ الله: فإني أوصيكم وإيَّايَ بتقوى الله ، تقوى الإله الذي خلق، وقدَّرَ ودبَّرَ ورزَق، وهو الذي وحدهُ للألوهية والربوبية استحَق؛ خالِقُ كلِّ شيء، بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء؛ جعلَكم في بني آدمَ من أمةِ عبدِه المصطفى مِن لُؤي، وشرَّفَكُم بإرسالهِ إليكم فكنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجت للناس، وقامَ مجدُكُم وعزُّكُم على أقوى أساس ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
أيها المؤمنون بالله: كَثُرَ على ظهر الأرضِ من يتَّقِي فقرَ المال، ومَن يتَّقِي مصائبَ الأجسامِ وأمراضَها وعِللَها، ويخافُ من ذلك، ومَن يتَّقِي تسلُّطَ مخلوقٍ عليه، ومَن يتَّقِي أن يُتكلَّم عليه، أو أن يُهانَ بين الناس، ومَن يتَّقِي ذا سلطانٍ وبأسٍ مِن الخلقِ مثلُه، ومَن يتَّقِي كلامَ الناسَ عليه أن يَزْدَرُوه، ومَن يتَّقِي مؤسَّساتٍ وهيئاتٍ ووزاراتٍ أن يقطعُوا مُرَتَّبه أو يخرجوه مِن وظيفتهِ أو يسعَون إليه بسوء، ومَن يتَّقِي حكوماتٍ وأنظمةٍ على ظهر الأرضِ أن لا تمسَّ جانبَهُ بما يكره. وهكذا تعدَّدت بهم هذه المظاهرُ السريعةُ الانقضاء، الآئلةُ إلى الفناء.
ولو أنهم آمنُوا واتَّقَوا العزيزَ الفاطرَ لكفاهُم كلَّ ذلك، ولكانَ لهم مِن بعدِ هذه الحياة، وفي بواطنِ الأمورِ التي لا تظهرُ لهم وفي اليوم الآخر، وأورثَهم جنات تجري من تحتِها الأنهار فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر. ولكنَّ مَن ضَعُفَ إيمانه لِضَعْفِ عقلِه ولِضَعفِ إدراكِه وعِلمِه ظنَّ أنَّ شيئاً كائناً ما كان ذلك الشيء أخوفَ عليه أو أقدر مِن إلهِهِ الذي خلقَه وخلق كل شيء ! وربِّهِ الذي أوجدَه وأوجد كل َّشيء !
إنها الظنونُ الباطلةُ والأوهام الزائفة، والخيالات الفاسدة ؛ تحلُّ في قلبِ كل مَن لم يتمكَّنِ الإيمانُ مِن قلبِه وفؤادِه ؛ فيتقُّون غيرَ القادر مِن كلِّ عاجِز، ويتّقون غيرَ الآمر مِن كلِّ مأمور؛ ويتَّقون غيرَ الفاطر مِن كلِّ مخلوقٍ ومفطورٍ! ما أضعفَ عقولَهم! ما أقلَّ مدارِكَهم!.. ما أبعدَهم عن حقيقةِ العلم! وشأنُهم شأن طوائف قال الله تعالى عنهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ....... وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا يعملون )
وقال تعالى عنهم: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) لا يعلمون.. لا يعرفون.. لا يُدركون. وعزَّةِ المعبودِ.. كلُّ مَن أدركَ الحقيقةَ، وتنقَّى عقلُه وفهمُه عن الوهمِ والخيالُ يُوقنُ أن لا شيءَ أحقُّ أن يُتَّقى مِن الله، وأنه لا أخوفَ عليه مِن الله، كما لا أرجى له مِن الله. وأنَّ شيئاً مما يحذَرُه ويخافُه غير الله لا يستطيعُ أن يمسَّه ولا أن يدنوَ منه ولا أن ينزلَ به إلا بأمرِ الله وقُدرتِه وإذنِه وتقديرِه وتدبيرِه وخلقِه وتصويرِه جل جلاله.
حقيقة.. يجب أن تمتلئ بها القلوبُ، وأن يدركَ أتباعُ النبيِّ محمدٍ مِنَّةَ اللهِ عليهم في إدراكِ تلكَ الحقائق، وخروجِهم عن الظنونِ الزائفةِ التي تشملُ أكثرَ الخلائق. وفيهم من يُنسبُ إلى الثقافةِ والتطورِ والاختراعِ ولكنه جهلَ الحقيقة؛ فلا ينفعُه ما علِمَ مِن كلِّ المعلوماتِ، وقد فاتتهُ أعظمُ معلومةٍ وأجلى حقيقةٍ تتعلقُ بخَلقِه وإيجادِه وتصويرِه وتكوينِه ومصيرِه ورجوعِه ومآلِه ومستقبلِه الأعظم.
أيها المؤمنون: في ذكرى الأمةِ لحادثةِ الإسراء والمعراج تأكيدٌ لتَثبيتِ هذه الحقيقة عند كلِّ مؤمنٍ اتبعَ محمداً في المنهاج، وعلِمَ أنه الرسولُ المجتبى المصطفى المختارُ مِن قِبَلِ فاطرِ السماواتِ والأرض، مِن قِبَلِ ربِّ العرشِ العظيم، مِن قِبَلِ خالق كلِّ شيء، مِن قِبَلِ الإلهِ الذي لا إلهَ إلا هو، و(ما مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
مختارٌ مصطفى مُنتقى مِن قِبَلِ المكوِّنِ الفاطرِ البديعِ المصوِّر الخالقِ البارىءِ الحقِّ الحيِّ القيُّوم؛ فهو أجلُّ خلقِه، وهو أفضلُ عبادِه، وهو أعلى أهلِ المنزلةِ لدَيه، وهو الصفيُّ الأصفَى ، وهو الوفيُّ الأوفى، وهو المنتقَى المصطفى؛ هو محمد، مَن دَنَى فتدلى فكانَ قابَ قوسَين أو أدنى؛ أثنَت عليه حضرةُ الربوبية والألوهية بقولِ الله عنه: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ)، إنها رؤيا الحقِّ، لا مجال للتلبيسِ فيها ولا للخيالِ ولا للظنِّ ولا للوهم، (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ) (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَى) (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) إلا فتنة ؛ اختباراً وامتحاناً للناس، ليعلَمَ الله مَن يؤمنُ ومَن لا يؤمنُ ؛ ليرتدَّ مَن يرتد، ويَسْتَهْزئ مَن يستهزئ، ويُكَذِّب من يكذب. وليقول من يقولُ : "إن كانَ قالَ فقد صَدَقَ" ويطمئن ويزدادُ إيمانا ويُفْصِحُ عن حقيقة الإيمان، أنه ائتمنَ المجتبى المصطفى على خبرِ الرحمن، وأخبارُ السماء تأتيه بكرةً وعشيةً.
أيها المؤمنون بالله: هذه حقائقُ الإيمان تُكَسِّرُ أصنامَ عبادةِ غيرِ الله كائناً ما كان؛ مِن الأهواء والعقولِ التي قَصُرَت ونقَصَت عن حُسِنِ استخدامِها فلم تَهدِ أربابَها للحقيقة. وكلُّ مَن لم يهدِه عقلُه إلى أنه مخلوقٌ وأن له خالقاً بديعَ الآيات رفيعَ الدرجات بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء؛ فهو الذي لم يُحسنِ استخدامَ العقل، ولم يهدِه عقلُه إلى الحقيقة؛ فهو الجاهل، وإن اخترعَ التكنولوجيا، هو الجاهل والله؛ الذي يؤُولُ إلى سوءِ المصير وسوءِ الحساب.
شؤونٌ وحقائقُ ما جاءت ولِيدةَ تفكيرِ أُناسٍ ولا جنٍّ ولا ملائكةٍ ولا غيرهم من أصنافِ المخلوقات؛ ولكنه بجعلِ البارئِ المصوِّرِ الخالقِ الفاطرِ المبدئِ المعيدِ الفعَّالِ لما يريد جل جلاله . جعلَ مع ما آتَى مِن فطرةٍ وعقلٍ تهدي إليه ؛ جعل إنزالَ الكتب وإرسالَ الرسل حجَّتَه على كلِّ عاقلٍ مِن المكلفين مِن الإنسِ والجن، فمَن بلَغَته الرسالةُ والدعوةُ إلى الحقِّ ثم بَقِيَ مع سخافةِ ذلك العقلِ لا يلتفتُ إلا إلى الماديةِ ولا يكونُ إلا منحصراً في المحسوسات، فهو الكافر الفاجر الذي يُخَلَّدُ في نارِ جهنَّم أجارَنا اللهُ منها.
أيها المؤمنون بالله: يجب أن نقومَ صفوفاً تُظلُّنا راية: " إن كان قال فقد صَدَق" ؛ فننطلقَ في حُسن تنفيذِ شرعِ الذي خلقَ، على يدِ الذي صدَق، أكرمِ مَن خَلَق ، ونقيمَ الأمرَ إيماناً وفكراً وسعياً وسلوكاً ومساراً وتعاملاً وحركةً في الحياة على مقتضى منهجِ هذا الإله الذي خلقَ تعالى في علاه. مِن كلِّ ما بلَّغ عنه حبيبُه ومصطفاه ، فليَعلمُوا مِنَّة الله عليهم، وليَعلمُوا فضلَ الله الواصلَ إليهم، وليعلمُوا ميزتَهم التي بها يفتخرون في الدنيا ويوم يقومُ الناس لربِّ العالمين، (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ * وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
اللهم احيِ فينا حقائقَ الإيمان واليقين، ورقِّنا في مراتبِ المحسنين، واجعل حظَّنا وافراً مِن حبيبِك الأمينَ سيد المرسلين؛ إيماناً وتصديقاً ومحبةً واتباعاً وانقيادًا وخضوعاً ومودةً وشوقاً ورغبةً في المرافقة يا أكرمَ الأكرمين.
والله يقول وقولُه الحقُّ المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ)
بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزيِه وعذابِه الأليم.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين، فاستغفرُوه إنه هو الغَفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، يهدي اللهُ لنُورِه مَن يشاء، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، يرفعُ بفضلِه عمن سبقَت لهم السعادةُ عن عقولِهم وقلوبهم الغشاء، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ عيونِنا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، خيرُ مَن أُسريَ به وعُرِجَ به إلى السماواتِ وخيرِ مَن على الأرضِ مشَى . اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على النَّقْوَةِ المصطفى سراجِكَ المنيرِ سيدِنا محمد، وعلى آلِه وأصحابِه وأهلِ حضرةِ اقترابِه مَن أتباعه وإخوانه مِن النبيين والمرسلين، وآلهم وصحبِهم والملائكةِ المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله
فاخرُجُوا عن الحبسِ الذي حُبِسَ فيه أكثرُ الناس في هذه الحياةِ الدنيا، وينتقلون منه إلى حبسٍ شديدٍ شنيعٍ في العُقبَى؛ انحباسُهم في تقوى غيرِ الله، انحباسُ معاني حذرِهم وخشيتِهم وانتباهِهم وخوفِهم مِن غيرِ الله (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ)؛ ممَّن يُخَوَّفُ بالفقر، وممَّن يُخَوَّفُ بالمرض، وممَّن يُخَوَّفُ بالسجن، وممن يُخَوَّفُ بالضرب، وممن يُخَوَّفُ بأيِّ شيء؛ فيخافُه وينسى الذي بيدِه الأمر! وينسى الذي هو مولى القَهر، والكلُّ مقهورٌ تحته! . مَن حُبِسَ في هذا السجنِ في الدنيا فهو محبوسٌ في العذابِ في الآخرة، وهو الآئلُ إلى حبسِ النارِ بما كان يخافُ غيرَ الله ولا يخافَ القادر.
أيها المؤمنون: إذا اصطففتُم في صفوفِ: "إن كان قال فقد صَدَق" كلٌّ منكم تيقَّنَ وتحقَّق أنَّ أولى مَن يخافه مَن له خلَق، وإليه المرجعُ والمآل، وهو الحاكمُ يومَ تخضعُ رقابُ الأوَّلين والآخِرين (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) .
لا تبقى مُلْكٌ لرؤساء ولا لدولٍ ولا لأحزابٍ ولا لهياتٍ ولا لمؤسساتٍ ولا لوزاراتٍ ولا لحضاراتٍ ولا لأجهزةٍ ولا لشيء ، ويقول ربُّ كلِّ شيء (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) . فاخرج مِن هذا السجنِ وانطلِق إلى فضاءِ خشيةِ عالمِ السرِّ والنجوى، والبَسْ حُلَّةَ التقوى ، واعلم أنَّ كلَّ ما أصابَ الأمةَ مِن شدائدَ وأتعابٍ وأخوافٍ وعنَتٍ ومشقَّةٍ وتسلُّطِ أعداءٍ أصلُه وأساسُه إضاعةُ هذا الأمر ؛ خشيتُهم مِن غيرِ الله؛ تقواهم لغيرِ الله؛ خوفُهم مِن غيرِ الله؛ مع ضَعفِ تقواهم لله تعالى، وضَعفِ خوفهم مِن الله تعالى ، وكذلك سنَّتُه في هذه الحياة (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)
أيها المؤمنون بالله: قولُوا لكل ما يطرأُ على البالِ مما يدَّعيهِ أولئكَ وأولئكَ على ساحاتِ الظنِّ والخيال: نحنُ على منهاجِ رضينا باللهِ ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً، نحن على قدمِ " إن كانَ قالَ فقد صَدَقَ" فهو الأصدق وهو الأسبق وهو الأوثق وهو الأحق، ما خَلَقَت الربوبيةُ عبداً كمثلِ محمد، فلا نتركه بفِكرِ أحد ولا لخيالِ أحد، ولا لاكتشافاتِ أحد، ولا لاختراعاتِ أحد ، ولا لتقوُّلاتِ أحد ، هذا حبيبُ الواحدِ الأحد، هذا أمينُ الفردِ الصمد، هذا الذي كلُّ مَن بَلَغته رسالتُه فلم يؤمن به ولم يقتدِ.. فالحكمُ مِن قبلِ الخالقِ عليه أنه في النارِ مُخَلَّد . نعوذُ بالله مِن غضبِ اللهِ الواحدِ الأحد . (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
أيها المؤمنون بالله : مَن علِم أنه الصادق، وأنه خيرُ الخلائق، وأنه حبيبُ الخالق، نظرَ إلى ما جاءَ به، ومِن أعظمِ ما جاء به في ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ، وهو الأعظمُ في الدينِ بعد الشهادتين: الصلاة ؛ خمسُ صلواتٍ فُرِضْنَ عليه وعلى أمَّته إلى أن تقومَ الساعة (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) . فما مجلى تعظيمِ الصلواتِ في قلوبِنا وبيوتِنا وديارِنا ؟ وأبنائنا وبناتِنا ؟ وفي أسواقِ المسلمين وطرقِ المسلمين ؟ وناقلاتِ المسلمين ؟ وأسفارِ المسلمين، وإقامةِ المسلمين ؟ ما مدى تعظيمِ هذه الصلاة ؟ . لقد ضَعُفَ إيمانُ مَن لم يعظَّم الفرائضَ الخمس، لقد ضَعُفَ إيمانُ مَن يَسْهُلَ عليه أن يؤخِّرَ الفريضةَ عن وقتِها لأجلِ باصٍ ولأجل طائرةٍ ولأجلِ شيءٍ مِن أغراضِ الدنيا، ولأجل وزارةٍ ولأجلِ شراءِ حاجةٍ ولغيرِ ذلك (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا).
لم يقُم على قَدَمِ " إن كانَ قال فقدَ صدق " مَن يُصبح وكثيرٌ مِن أفرادِ عائلتِه لا يصلُّون الصبحَ في وقتِها، ويتساهلونَ بذلك ويعتادونَه ذلك يوماً بعدَ يوم !
ما قام على حقيقةِ إن كان قال فقد صدق" من تَصِلُ بِنْتُه مِن بعد السبعِ والعشر إلى حدِّ البلوغِ لا تفقهُ أحكامَ الصلاة، ولا تدري كيف تتعاملُ مع حيضِها، ولا متى تتركُ الصلاة ومتى تُقيمُها؛ لغفلتِه وغفلةِ زوجِه عن مهمةِ اللهِ في بناتِهم !
لم يقُم على قدمِ " إن كان قال فقد صدق" مَن يتساهلُ بأخذِ الربا، وقد رأى صاحبُ الإسراءِ والمعراجِ بطونَهم قد عظُمَت فيها الحيَّات؛ كلما قامُوا قد سقطُوا ؛ ويستودعُ أموالَه في البنوكِ الربويةِ ويستخفُّ بالأمر!
ما قام على قَدَمِ " إن كان قال فقد صدق" مَن يستخفُّ بأماناتِ الناسِ ولم يحسن أداءها ولا يبالي أن يأخذَ الأماناتِ بعد ذلك ! وقد رأى رسولُ الله مظهرَ ذلك في ليلةِ الإسراء!
ولقد رأى قوماً تُرْضَخُ رؤوسُهم بحجارةٍ مِن النار، كلما رُضخَت عادَت كما كانت. مَن هؤلاء يا جبريل؟، هؤلاءِ مِن أمتِك الذين تتثاقلُ رؤوسُهم عن الصلاة!
أيها المؤمنون بالله: ما قام على قدمِ " إن كان قال فقد صدق" مَن رضيَ أن يكون آلةُ القربِ مِن المحرماتِ زوجتُه أو بنتُه الصغيرة مِن حينِ يؤلفها ويربيها على لبسِ الكاسيات العاريات، وعلى لُبسِ المائلاتِ المميلاتِ، وعلى لُبسِ الداعياتِ إلى الفاحشاتِ مِن موضَاتٍ عظَّمها ولم يُعظمِ الرب، موضات جاءت مِن عند فسَقَة.. عظَّمَها وأحبَّها ولم يعظُم الحبيبَ المقرب ! لا والله ما خالطَت بشاشةَ الإيمان قلبَه، وإلا لما رضيَ أن يكون سُلَّماً إلى سوءٍ هو أو بنتُه أو زوجتُه، أو ابنُه الذي يأخذ القصّات والموضات مِن كل مَن فجَر ويلفت الأنظارَ إلى الموبقات!
أيها المؤمنون بالله: لقد رأى رسولُ الله أنواعَ العذابِ للزُّنَاة؛ للزواني والزانيات في تلكم المواقف الخطيرات الرهيبات.
أيها المؤمنون بالله: لم يتحقق بالإيمان مَن آثرَ غيرَ الله على الله. لقد شمّ رائحةً طيبةً فسأل عنها ، فقيل: رُفعت إليك رائحةُ امرأةٍ نالت قدراً عند الربِّ ؛ كانت في الحياة تُمَشِّطُ بنتَ فرعون.
وما كان دخولها لقصرِ فرعون ولا تمشيطُها لبنته ليَلوِيَ قلبَها لإرادة مصلحة أو مد كفٍّ لأخذ شيء من متاعه أو دنياه ، وما كان ليصرف قلبها لِتَهَابَ ملكه أو جنده بعد أن حلَّ في قلبها حقيقة الإيمان بالله الذي خلق، بالله الذي بيده ملكوت كل شيء. ما قِصَّتُها؟ تُمْشِطُ ابنة فرعون فسقط المشط من يدها فقالت: "بسم الله" وأخذت المشط . تُمَشِّطُ بنت عدو الله ولا تنسى اسم الله، ولا تتحرك إلا باسم الله ؛ ما غَرّها قصرٌ ولا غرَّها زَهُو مُلْكٍ ولا غَرَّها جبروتُ طاغية. قالت: مَن هذا ؟ أبي؟! . قالت: بل الله ربي ورب أبيك ورب كل شيء. قالت: ألَكِ إله غير أبي!. قالت: ربي وربُّ أبيك ورب السماوات الله الذي خلق. قالت: سأخبر أبي بذلك!. قالت: أخبريه. وأخبرت أباها وغَضِبَ عدو الله ودعاها: أتتخذين إله غيري؟! . قالت: إلهي وإلهك وإله كل شيء الله الذي خلقنا. قال: عودي عن هذا وارجعي عن هذا. قالت: لا أرجع. قال: أقتلك. قالت: افعل ما تشاء. وجيء بِطُستٍ كبير مملوء زيت وحُمِيَ عليه حتى فارَ وأُخِذَ أولادُها ووضعوا في الزيت قبلها، وانخلعت لحومُهم مِن عظامِهم في لحظةِ وصولهِم إلى الزيت المحمّى. وتقدَّمت ، أترجعين؟ .قالت: لا. فلمَّا وصلت عندَ لهفةِ النارِ أدركتَها الشفقةُ على ابنها الرضيعِ فحَنَت عليه وتقاعست، فأطلق الثدي مِن فمِه وقال: يا أماهُ قَعِي ولا تقاعسي فإنكِ على الحق، وإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. ورُمِيَت في الزيتِ. وشمَّ رسول الله رائحتها الطيبة ورأى مُلكها العظيم ونعيمَها المقيم.
فماذا صنَعْتَ ؟ وماذا عملتَ أنتَ وأهلُك ؟ لا يُحمِّيكم أحد ولا يطرحكم في الزيت ولكنكم تُصدِّقون من يخدعكم ومن يضرُّكُم ! وتُهملون سنن نبيكم وتتساهلون بذلكم ! . ألا ففي هذه الذكرى أيقظ قلبَك، وقُم من نومِك، وعظِّم سنة حبيبِ الله محمد ، وأقم بيتك على تَبَعِيَّتِه فهو الصادق ، وقُم على حقيقة "إن كان قال فقد صدق" ، واتبعه اتباعا ترتفعُ ارتفاعا، وأنْصِت واستمع استماعا تَنالُ خيراً وعطاياً وِسَاعَا.
وأكثرِ الصلاةَ والسلامَ عليه، فإنَّ ربَّكَ يصلي عليكَ إذا صليتَ عليه بكل واحدةٍ عشراً، فأعْظِم بذلك قدراً، وإن أولى الناس به يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة.
وإنَّ اللهَ أمرَنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكتِه، وأيَّهَ بالمؤمنين مِن عبادِه تعميماً؛ فقال مُخبراً وآمِراً لهم تكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم في كل لحظةٍ وحينٍ أبداً عدد معلوماتِك بقدر عظمتك التي لا نهايةَ لها على عبدِك المجتبى المصطفى المختارِ سيدِنا محمدٍ صاحبِ الإسراءِ والمعراج النورِ والسِّرَاج الهادي إلى أقومِ مِنهاج، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار وصاحبِه وأنيسِه في الغار، مُؤازرِ رسولِ الله في حالَيِ السَّعةِ والضيق؛ خليفةِ رسولِ الله سيدِنا أبي بكرٍ الصديق.
وعلى النَّاطقِ بالصواب، حَليفِ المحراب، الذي نشرَ العدل في الآفاقِ فاشتَهَر، مَن سَبقت الدعوةُ بإسلامِه وأذِنَ الله بتفضيلِهِ وإكرامِه ؛ أبي حفصٍ الفاروقِ أمير المؤمنين عمر. وعلى مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن الناصحِ لله في السرِّ والإعلان؛ أمير المؤمنين ذي النُّورَين سيدنا عثمان بن عفَّان.
وعلى أخِي النبيِّ المصطفى وابن عمِّه، ووليِّه وبابِ مدينةِ علمِه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب؛ أمير المؤمنين سيدِنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسنِ والحسينِ سيِّدَي شبابِ أهلِ الجنة في الجنة، وريحانتي نبيِّك بنصِّ السُّنة، وعلى أمِّهما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى بنات المصطفى وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضى وسائر أمهات المؤمنين، وعلى الحمزةِ والعباس، وسائرِ أهل بيتِ نبيك الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنَسِ والأرجاس، وعلى أهل بيعةِ العقبة وأهلِ بدرٍ وأهلِ أحدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ الصحبِ الأكرمين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم نظرتَكَ لقلوبِ أهلِ لا إله إلا الله ليستقرَّ الإيمانُ في قلوبهم، وليستيقظُوا من نومتِهم وغفلتِهم وسُبَاتهم الذي سلَّط أعداءَك عليهم. اللهمَّ إنه نازلَتهُم الشدائدُ لِمَا خرجوا عن منهجِ جامع المحامد؛ اللهم فأمِدَّهُم بأنوارِ التوفيقِ ما يستقيمُون به على أقومِ طريق في متابعةِ الهادي إليك والدالِّ عليك واللُّحوقِ بخيرِ فريق. اللهمَّ تدارَكهم وأنقِذهم فقد نزَلت بهم الشدائدُ وحلَّت بهم المصائبُ والنوائبُ، وبُقدرتِكَ كشف ذلك فوفِّقْهُم للإنابةِ إليك والاعتمادِ عليك والتعظيم لأمرِك والإقامةِ لفَرائضِك والانتهاءِ عن محارمِك؛ حتى تؤيِّدَهم وتنصرَهم على مَن عاداهم مِن أعدائك أعداء الدين يا حيُّ يا قيُّوم .
اللهم لا بلَّغتَ أعداءَك مُراداً فينا ولا في أحدٍ من أهل الملة . اللهم تدارَك أهلَ هذه الحنيفية وأهلَ هذه القبلة، اللهم إنه التْوَتْ قلوبُ الأكثرِ منهم عن الصدقِ معك والإخلاصِ لوجهِك وخافوا غيرَك ولجأوا إلى غيرِك واعتمدُوا على غيرِك واستندُوا إلى غيرِك ورجَوا غيرَك وخانُوا العهدَ معك، اللهم فتدَارَكهُم يا مُغيث بغياثِك الحثيث، تُنقذهم به مِن كلِّ غثيث يا حيُّ يا قيومُ يا الله .. إليك نشكو أحوالهم، وإليك نرفعُ يا رب حاجاتِهم، ونسألك بنبيِّك الذي بعثتَه إليهم أن ترحمَهم، وأن تغيثَهم وتتداركَهم.
ولا تجعل في جُمْعَتِنا ولا مَن يسمعُنا عنصراً مِن عناصر السوءِ في الأمة، ولا سبباً للهزيمةِ ولا سبباً لنُزولِ المصيبة. اللهم اجعلنا أسباباً لرفعِ البلايا ودفعِ الأذايا واجعَلنا عندَك في خيارِ البرايا اللاحِقين بخيرِ السَّرَايا المُطَهَّرين في الظواهرِ والخفايا، والمقاصدِ والنوايا عن إرادةِ سِواكَ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أجعل شهرَ رجبَ شاهداً لنا لا شاهداً علينا، وأعِدنا إلى أمثالِه في صلاحٍ لأحوالِنا وأحوالِ أمةِ نبيِّك أجمعينَ سرّاً وعَلَنَا، اللهم وبارِك لنا في خاتمتِه وبارِك لنا في شعبان وبلِّغنا رمضان، وارزقنا اغتنامَ الأعمارِ بالأعمالِ الصالحاتِ والمسارعةِ إلى الطاعاتِ والخيراتِ وحضورِ مجامعِ الذكرِ والتذكُّر والأنوار يا حيُّ يا قيوم، واجعَلنا عندك بالغِي رمضانَ ومِن خواصِّ أهلِه لديك يا الله. لا تحرِمنا خيرَ ما عندك لشرِّ ما عندنا، واصرفنا من الجمعة بقلوب عليك مجموعة ودعواتٍ لديك مسموعة، وبِزَلَّاتٍ وذنوب مغفورة وموضوعة يا الله. أغثنا والأمة بغياث عاجل وبلغنا فوق المآمل
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ثلاث مرات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) واربطنا بمحمدٍ في جميع الأطوار، واحشرنا في زمرته إلى جناتٍ تجري من تحتها الأنهار يا عزيز يا غفار يا حي يا قيوم يا الله.
واغفِر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، اللهم وقد أصابَتهم سَنةُ الجدبِ، وقد أصابَهم يا مولانا القحطُ في القلوب والجدوبِ فاسقهم وأغثهم . اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا وأغثنا ؛ غيثا مغيثا مجللاً سًحَّاً عاما دائماً مباركاً فيه مع اللطف والعافية يا أرحم الراحمين.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهى عن ثلاث: (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكم، واشكرُوه على نعمهِ يزِدْكم.. ولذكرُ الله أكبر.
28 رَجب 1439