(229)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للحبيب العلامة عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ، في جامع قسم، بوادي حضرموت، 1 صفر 1442هـ بعنوان:
عَظمَةُ الشَّريعة وتخليصها للإنسان مِن الأوهامِ والخَيالات وفاسِد الظُّنون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمدُ لله، الحمدُ لله الحيِّ القيوم القوي القادر، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الكريم العزيز الغافر، البارئُ الخالقُ الفاطر، عالمُ الباطنِ والظاهر.
وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا وقرَّةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، وحبيبُه وصفيُّه الطُّهرُ الطاهر.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك المُجتبى سيدِ الأوائلِ والأواخر، الشفيعِ الأعظمِ في اليومِ الآخِر، وعلى آلِه وأصحابِه الأكابر، ومَن والاهم فيكَ فصارَ على منهاجِهم إليكَ سائر، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين أئِمَّة كلِّ شاكرٍ وذاكر، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم والملائكةِ المقرَّبين، وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد .. عبادَ الله، فإني اُوصيكم واِيَّايَ بتقوى الله.
تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا عليها، فاتَّقِ اللهَ وكُن على بصيرة، سائراً في خَيرِ سيرة، فإنَّ اللهَ شرَّفك بدينٍ يُخرِجُك مِن الأوهامِ والظنونِ والخيالات، إلى يقينٍ في أمرِ بدءِ الخلقِ والخاتمةِ والرَّجعةِ الى الربِّ والمآلات، بحقائقَ أنزلَها سبحانه وتعالى على الأنبياءِ والمرسلين صَفوتِه مِن الخلائق، وكلُّ مَن استجابَ لهم خرجَ مِن وهمِه ومِن ظُلمِه ومِن غفلتِه ومِن تسلُّطِ عدوِّه عليه ومَن لَعِبِ نفسِه به ومِن أن توقعَه في الهلَكة، ومِن أن تزدحمَ عليه الأفكارُ مِن الشرقِ والغرب، واليمين والشمال، فتصرفُه إلى كسبِ الذنوب والمعاصي، أو التولُّعِ بما حرَّم اللهُ عليهِ في مالٍ، أو في عِرضٍ، أو في دمٍ أو في شيءٍ مِن شهواتِ النَّفس المحرَّمة. وما حرَّمَ اللهُ مِن شهواتِ النفسِ إلا ما يضر.. وإلا ما يفسد.. وإلا ما يقطع .. وإلا ما يكون سبباً للهلاك.
وجعل اللهُ تبارك وتعالى مباحاتٍ تشتَهيها النفوسُ، وجعل عند تزكيتِها مراتبَ عليَّات تشتهيها النفوسُ الزكيات .. تشتهيها العقولُ النَّقيَّات .. تشتهي القُربَ مِن ربِّها، تشتهي دوامَ النَّعيمِ والمُلك المُقيم في دارِ الكرامةِ والسلامةِ مِن العذابِ ونارِ الجحيم التي يوقنُ فيها المؤمنُ يقيناً لا شكَّ فيه ولا مِرية.. "والله إنكم ستموتون كما تنامون، وستُبعثون كما تستيقظون، وإنها الجنةُ أبداً أو النار أبدا".
ألا وكلُّ المتصرِّفين في الحياةِ والمنطلقين فيها المُنقطعين عن نورِ اللهِ يلعبُ بهم الوهمُ والخيال، ويوقِعُهم في أنواعِ الضلال، ومن أجْلِ شهواتِ النفوس، مُلكاً وسُلطةً، ومالاً وثروةً وجاهاً وشُهرة، يتقاتلون ويتحاربون، ويعتدي بعضُهم على بعضٍ، كما ترونَ في حالِ الشعوب والدول، كما ترونَ في الواقعِ الذي يحومُ ويدورُ مِن أمامِ أعيُنِكم على السلطات، على الأموالِ الفانيات، على السُّمعة والشهرة، يضربُ بعضُهم بعضاً، يقولُ صاحبُ الشريعة: "ألا فلا تَرجِعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض"
إنَّ الإنسان إذا لم يَسْمُ ويرتفعْ عن أن يكونَ مأسوراً لشهواتِه، ومأسوراً لنفسِه الأمَّارة.. فهو كالأنعامِ بل أضل! ذهب شرفُ إنسانيَّتِه بل ذهبَ شرفُ كرامتِه كلِّها! إلا أن يعقلَ ويعي الأمرَ، فيجاهد نفسه، ويصرفُها عن هواها، ويقيمُ عليها مِن العقلِ والإيمانِ ما يُزكِّيها ويُطهِّرها، وما يُمسِكها عمَّا يضرُّها وعمَّا يُهلِكُها، ذلك هو العقل! يقولُ صاحبُ الرسالة: "ألا إنَّ الكَيّسَ مَن دانَ نفسَه"؛ الكيِّس، العاقل، الفَطِن، اللبيب، الحَسن النَّظر، الواسع العقل! "ألا إنَّ الكَيّس مَن دانَ نفسَه": أي حاسبَ نفسَه "مَن دان نفسَه وعملَ لِمَا بعدَ الموت، ألا وإنَّ الأحمقَ العاجزَ مَن أتبعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ الأماني".
إنها شريعةٌ تُحرِّرُ الناسَ مِن الأوهامِ والظنونِ والخيالات التي يعيشُ فيها أكثرُ الناس، ويبنونَ عليها ما سمَّوه ثقافات، وما سمَّوه حضارات، وما سمَّوه تقدُّم وتطور، كثيرٌ منه مبنيٌّ على الظنِّ والوهمِ والخيال، وتعظيمِ المال وتعظيمِ المُلك الزائل، وتعظيمُ الفانياتِ والحقيراتِ، هذا الذي شغلَ عقولَهم! هذا الذي ملكَ عليهم فكرَهم! وغفلوا عن خالقٍ خلقَ، لم يخلقْ عبثاً؛ أرضاً ولا سماءاً ولا إنساً ولا جِنَّة! ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وبئس الظنُّ ظنُّهم! وبئس الوهمُ وَهمُهُم! (ذٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ويقولُ اللهُ لفئاتٍ من الكفارِ والفسَّاق الذينَ استحقَّوا دخولَ النار: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) اختلَّت عندكم موازينُ الوعيِ والفَهمِ في الدنيا وقد آتيتُكم أسماعاً وأبصاراً، فأقبلتُم على الاغترارِ بالمالِ وزُخرُفِ الحياةِ الدنيا، وغفلتِم عن ذكرِي وعن دعائي وعن أنَّكم محتاجون إليَّ! ومِن أين تَستنشِقون الهواءَ الذي تحيَون بهِ إلَّا منِّي؟! ومِن أينَ يوجد لكم الطعامُ الذي تأكلونَ إلا مِن خَلْقي وإيجادي؟! ومن أين تستقرُّ بكم الأرضُ التي أنتم عليها وتمشُون في مناكبِها إلا بإقامتي؟ أعندكم دولةٌ تمسِكُ لكم الكرةَ الأرضيَّة أو تمسكُ لكم الأرض؟! أعندكم دولةً تمسكُ لكم السماءَ مِن فوقِكم لا تقع على رؤوسِكم؟! أم عندكم حزبٌ يمسكُ لكم السماء؟ أم عندكم قبيلة؟! أم عندكم جماعة؟ أم عندكم هيئة؟ أم عندكم مؤسسة؟ أم شركة تمسك السماء مِن فوقكم؟
لا والله! (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) يعني ما أمسكهُما مِن أحدٍ مِن بعدِه.
الذين يُعدُّون متطوِّرين أو متقدِّمين في العلم؛ مِن وقتٍ إلى وقتٍ ينشرونَ بينكم: يوجد كوكب خطير مُقبِل ربَّما يصطَدم بالأرض!! ثم تمضي مدة ويقولون: في كوكبين، في ثلاث كواكب، في كوكب.. يرقبون هذا ولا يدرون أنَّ المُسيِّر للكواكبِ والأرضِ ومَن فيها حيٌّ قيومٌ قويٌّ قادرٌ إن أرادَ أن يخسفَ بنا الأرضَ فلا حكومةَ ولا حزبَ ولا هيئةَ ولا مؤسسةَ ولا قبيلةَ ولا جماعةَ ولا أفراد يُنقذونَنا مِن خَسفِ الأرض. وإن أراد أن يُسقِطَ علينا شيئاً مِن الكواكب؛ لا تقدر دولة ولا غيرها، كبرى ولا صغرى أن تدفعَ عنا ذلك.
اُخرُجوا مِن الظن، اُخرجُوا مِن الوَهم (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ومنهم هؤلاء الذين لا يعرفون قدرَ الذِّكر، ولا يعرفون قدرَ العبادة، ولا يعرفون قدرَ الدعاء؛ إذا صاحوا في جهنَّم وقال الله لهم: (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ* قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ* ِإنَّهُ كَانَ)؛ أيام الفُرصة، أيام أعطيتُكم الفُرصةَ وأوجدتُكم على سطحِ الأرض، وأرسلتُ إليكم الرسولَ، وأنزلتُ الكتابَ إليكم (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) صدَّقُوا بي وبِرُسُلي وكانوا يَدعوني (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا)، قلتُم: ما عرفوا تصاريفَ الحياة، ما عرفوا التقدُّمَ والتطورَ اليومَ في الأرض، قائلين: ربَّنا اغفر لنا.. ربَّنا اغفر لنا..(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) فهاتوا دُولَكم هاتوا ما عندَكم هاتوا أموالَكم. هل ينفعُكم شيءٌ الآن؟! ( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) لا تغترَّ بِمُكثِكَ على ظهرِ الأرضِ، إنَّه قصير!
أيها الحاضر في الجمعة: أكبرُ منكَ قد ماتوا على ظهرِ الأرض؛ لا تستطيعُ أن تَعدَّهم، والذي تعرفُهم أنت كثير، في سنِّك ناس كثير قد ماتوا لا تستطيعُ عدَّهم. أصغر مِن سنِّك هذا ناس كثير ماتوا.. كثير.. أنت تعرف كثيراً منهم..
لا تغتَرَّ بالظنِّ على البقاءِ على ظهرِ الأرض؛ لا بقاءَ على ظهرِ الأرض! أنت عن قريبٍ ستكونُ في بطنِها صاير، أنت خارج, أنت واردٌ الموردَ الذي وردَه مِن قبلِك في لحظةٍ لا تدري بها متاع، وبأي سبب تأتيك، اُخرج مِن الظنِّ والوَهم واستعدَّ لِلِقاءِ باريك جل جلاله. أيَسُرُّك أن تأتيَ تلك الساعةُ وفي صحيفتِك تركُ صلاة؟ وفي صحيفتِك قطعُ رحم؟ وفي صحيفتِك أخذُ أرضِ الغير؟ قال صلى الله عليه وسلم: "مَن ظلمَ قيدَ شِبرٍ مِن أرضٍ طُوِّقَه يومَ القيامةِ مِن سبعِ أرضين" فهل تستطيعُ أن تحمل هذا؟ أعجبكَ أن تأخذَ ذراعاً مِن حدِّ جارِك؟ هل نسيتَ أنَّ هذا الذراعَ الى سابعِ أرض سيُوضعُ فوقَ رقبتِك تحملُه يومَ القيامة؟! اُخرُج من الظن. هذا الذراع والذراعين والمتر والمترين والعشر أمتار، والقطعة الكبيرة التي أخذتَها ظُلما؛ ستتحولُ عليك ناراً، وثقلاً، وحملاً كبيراً. لا تظنُّ أنكَ ستصعد بها! لا تظن أنك ستهنأ بها! هذا الظنُّ وهمٌ وخيالٌ وكذب. يضحكُ عليك إبليسُ وشيطانه؛ إنك ترتاح بها شهر أو شهرين أو سنة أوسنتين أو أو عشر سنوات أو عشرين, ثم ماذا بعدَ ذلك ؟ وهل يوم القيامة مقدار عشرين سنة؟! لا والله! ولكنَّك كنتَ في الوَهمِ في يومٍ كان مقدارُه خمسين ألف سنة!
اُحسُب حسابَك، هذا كلامُ ربِّك ما هو كلام مَزارع، ما هو كلام حكومة، ما هو كلام هيئة أنت تصدِّقها تضحك عليك أو تكذب عليك. كلامُ الربِّ الذي مَن أصدقُ منه قيلا؟ مَن أصدقُ منه حديثا؟ جل جلاله وتعالى في علاه، وبلاغُ المصطفى الأصدقِ صلى الله عليه وسلم (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)
خلَّصَنا اللهُ مِن الظنونِ والأوهامِ والخيالات والظلام، ورزقَنا نورَ الفَهمِ والوعيِ عنه فيما أوحاه إلى عبدِه خيرِ الأنام، وحُسن الاستقامة مَع منِ استقام، تزوَّدوا لدارِ القيام، وليكونَ ملجأنا ومرجعُنا الدخول في دار السلام، اللهم أكرِمنا بذلك يا ذا الجلال والاكرام.
والله يقول وقولُه الحقُّ المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
ويقول الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ* وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ)،
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)،
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ* لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيه مِن الآياتِ والذكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا من خِزيِه وعذابهِ الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدينا ولجميعِ المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.
_الحمدُ للهِ ربِّ كلِّ شيءٍ ومَليكِه، منه المبتدأُ واليه المرجعُ والمآب، وأشهدُ أن لَّا إلهَ لا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له جامعُ الأوَّلين والآخِرين ليومِ الحساب، وإن كانَ مثقالَ حبَّةٍ مِن خردلٍ أتَى بها وكفَى به خبيرا وبصيرا.
وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، أتقَى الخلقِ للرحمنِ وأخشاهم مِن الجبار، وأطوَعَهم للواحدِ القهار، محمدُ بن عبدِ الله، رحمةُ الله المُهداة ونعمتُه المسداة.
اللهم أدمِ صلواتِك على المصطفى المختار سيدِنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن سار في دربِه وآبائه وإخوانه من أنبيائك ورُسلك وآلِهم وصحبِهم وملائكتِك وعبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
أما بعد.. عبادَ الله فإنِّي أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله..
فاتَّقوا القديرَ عليكم، لا أقدَرَ عليكم منه، لا قبائلَكم، ولا دولَ العالم، ولا الأحزاب ولا المخابرات، ولا الجواسيس ولا الاستخبارات ولا المعسكرات ولا الأسلحة؛ اللهُ أقدرُ عليكم منهم أجمعين. اللهُ أقدرُ عليكم وعليهم أجمعين, منهم أجمعين , لا إله إلا هو، فاخرُج مِن الظن.
الذي يَقدِرُ عليكَ مَن حوَّلكَ مِن نطفة إلى علَقة إلى مُضغة، وحوَّلَ مضغتَك إلى عظام، فقُل لي مَن هو؟ فقل لي مَن هو؟ أي دولة هذه؟! أي فردٍ هذا؟ جل جلاله! ثم كسا العظامَ لحماً ثم أنشأَكَ خلقاً آخر (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ) - يخاصم - (مُّبِينٌ) بَيِّنُ الخصامِ والجدال، يقول: أنا وانا.. أنسيتَ بدايتَك ونهايتَك؟ حفرة ستأتي إليها.. هل نسيت؟! (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) مَن كوَّنها أولا يكوِّنُها ثانياً، ولو شاء ثالثاً ورابعاً وخامساً، ما الذي يُعجِزه؟ وقد أراكَها أوَّلَ مرَّة؟ كوَّنَها مِن لا شيء جل جلاله وتعالى في علاه.
اُخرُج مِن وهمِك وظنِّك فإنَّك في شريعةٍ أخرَجَت أتباعَها مِن التشاؤم، ومِن الطِيَرة، وعلَّمَتهم الفألَ الحسَن، وحرَّمت عليهم سوءَ الظن، وقال صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام مالك والامام أحمد والإمام البخاري والإمام مسلم والإمام أبو داؤود والإمام الترمذي: "إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث، ولا تَحسَّسوا ولا تجسَّسوا ولا يَغتب بعضُكم بعضاً، وكونوا عبادَ الله إخوانا "هذا إرشادُ محمدٍ المأمون مِن قِبَلِ ربِّك الواحدِ الاحد، لكن أمام نفسِك فيه نفس واُناس وجن، يقولون لك: تحسَّسوا، تجسَّسوا، تباغَضوا، تحاسَدوا، فمَن تجيبُ يا هذا؟ هل تجيب نفسَك الأمَّارة!؟ أم تجيب عدوَّك الذي يريدُ لك سوءَ المصير؟! أم تجيبُ ربَّك، أم تجيبُ نبيَّك.. قل لي مَن تجيب؟
اُخرج مِن الظن، اُصدق مع الله، اُصدق مع نفسِك. مَن تَتبَع ؟ بهدي مَن تهتدي ؟ بمَن تقتدي ؟ على أي أساسٍ تقيم حياتك ؟ أقِمها على نورانيَّة لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله.
إن كنتَ واعياً، إن كنتَ عاقلاً، إن كنتَ مؤمناً، إن كنتَ مُدرِكاً ما حقيقةُ الإيمان فهذه مُهمَّةُ الجمعة فيك؛ أن تجمعَ قلبَكَ على بارِيك، وتذكِّرَك بمستقبلِك وتذكِّرَك بماِضيك، وتُذكِّرَك بما هو أمامَك مِن الأمرِ العظيمِ الذي لابدَّ أن يأتيك. فتذكَّر في جمعتِكَ واجتمِع على ربِّك وصحِّح نفسَك وحسابَك، صحِّح سيرَك في الحياةِ على ما يحبُّه اللهُ فإنَّ مرجعَك إليه، واللهِ لن ترجِعَ إلى جماعةٍ ولا هيئةٍ ولا حزبٍ ولا طائفةٍ ولا حكومة، قط.. قط! والطوائفُ والحكوماتُ والأحزابُ سيرجعون إليه، هذا الواحدُ الأحد سيرجِعون إليه، هذا الواحدُ الأحدُ جل جلاله وتعالى في علاه، يقولُ الله للكفار: (وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) اِبعِد عن كلِّ الأوهامِ والخيالات!
يقول عليه الصلاة والسلام فيما روى الإمام أبو داؤود وغيره: "وخيرُ الطِّيَرَة ِالفأل ويعجبني الفأل الحَسَن واذا رأى أحدُكم ما يكره فليقُل: اللهم إنَّه لا يأتي بالحسناتِ إلا أنت ولا يَذهبُ بالسيئات إلا أنت ولا حولَ ولا قوةَ إلا بك" هذه الحقيقة!
اُخرج مِن الظنونِ والاوهامِ ولا تَمُت إلا وأنتَ مُحسنُ الظنِّ بالله، وعِش بالحياةِ على إحسانِ الظنِّ بعِبادِ الله، ولا تستَطِب ما شرع لك فساقٌ وفجارٌ على ظهرِ الأرض. الطيِّب ما شرعَه لك ربُّ العرشِ , ما شرعَه لك ربُّ السماءِ والارض، ما بلَّغَك النبيُّ محمد.. هذا الطيِّب، هذا الحسنُ، هذا الخير، هذا الهُدى، هذا النور، شرعُوا لنا أن نسيءَ الظنَّ ببعضِنا البعض، وأن يبغضَ بعضُنا بعضاً، وأن نلتَجِئَ بكسبِ المال إلى عصبيَّات وأحزاب وهيئات، وأن يضربَ بعضُنا بعضاً، وأن يقاتلَ بعضُنا بعضاً، فبِئس ما شرعوا!
خُذ ما شرع ربُّك، خُذ ما جاء في الشرعِ على يدِ نبيِّه الأمينِ المأمونِ الذي قال لنا عنه: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) والذي قال: "إنَّ مثلَي ومَثلَكُم كمثلِ مَلِكٍ بنَى داراً وجعل فيها مائدةً وأرسل رسولاً يدعو الناسَ، فمَن أجابَ الرسولَ دخلَ الدارَ وأكلَ منَ المأدُبة، ومَن لم يُجِبِ الرسولَ لم يدخلِ الدارَ ولم يأكلْ مِن المأدُبة" قال: "فالملكُ الله، والرسولُ أنا، والدارُ الجنة، فمَن أجابني دخلَ الدارَ وأكلَ مِن المأدُبةِ، ومَن لم يُجِبني لم يدخلِ الدارَ ولم يأكل مِن المأدُبة " وقال صلى الله عليه وسلم: "كلُّكم يدخلُ الجنةَ إلا مَن أبى قالوا: ومَن يأبى يا رسولَ الله؟ قال: مَن أطاعني دخلَ الجنَّةَ ومَن عصاني فقد أبى". قلتُ هذه طريقُ الجنة فما رضي! فلا يلومَنَّ إلا نفسَه "(يا عبادي إنما هي أعمالُكم أحصِيها لكم ثم أوفِّيكم إياها، فمَن وجد خيراً فليحمَدِ اللهَ، ومَن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه)"
اللهم املأ قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، واجعلنا مِن المُستعدِّين لِلقائك يا ربَّ العالمين، وجنِّبنا ما يوجبُ الخِزيَ في يومِ الدين.
وأكثِرُوا الصلاةَ والسلامَ على حبيبِ اللهِ الأمين وعبدِه خاتمِ النبيِّين، محمدٍ الذي هداكم ودلَّكم على ما يوجبُ الفوزَ الأكبَر في يومِ القيامة، المخصوص بأسمَى المَزيَّة والكرامة، الذي أنزل اللهُ في حقِّه تَنويهاً وتعظيماً بعد أن بدأ بنفسِه، وثَنَّى بملائكتِه، وأَيَّهَ بالمؤمنين فقال مُخبراً وآمِراً تكريماً (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
وإنَّ مَن صلَّى عليه واحدةً صلى اللهُ عليه بها عشرا، وإنَّ أولى الناسِ به يومَ القيامةِ أكثرُهم عليه صلاة فأنعِم بها ذُخراً.
اللهم صلِّ وسلِّم على المختارِ المجتبى عبدِك المصطفى محمدٍ، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه وصاحبِه وأنيسِه في الغار، مُؤازرِ رسولِك في حالَيِ السَّعةِ والضِّيق خليفةِ رسولِ الله: سيدنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطقِ بالصواب حليفِ المحراب أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وعلى مَنِ استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدِنا عثمان بن عفان، وعلى أخِ النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه ووليِّه وبابِ مدينةِ عِلمِه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى الحسن والحسين سيدَي شبابِ أهل الجنة في الجنة، وريحانتَي نبيِّك بنصِّ السنَّة، وعلى أُمِّهِما الحَوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى، وعائشةَ الرضى, وأمهاتِ المؤمنين، وعلى الحمزةَ والعباس، وسائرِ أهلِ بيتِ نبيِّك الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنَسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبةِ وأهلِ بدرٍ وأهلِ أحُد وأهلِ بيعةِ الرضوان وعلى سائرِ الصحبِ الأكرمين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معَهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم اغفِر لنا ولوالدينا ولمَن تقدَّمَ في هذه المساجدِ وفي هذه الديارِ مغفرةً واسعةً، لا تُغادِرُ ذنباً ولا إثماً ولا حوباً.
اللهم اغفر لنا بمغفرتِك الواسعة، وارفعنا مراتبَ قُربِكَ الرَّافعة، واصرِفنا مِن جُمعَتِنا هذه وقلوبُنا مجتمعةً عليك مُتهيِّئةً للقائك، نقيمُ أمرَنا وقرارَنا في الحياةِ بما آتيتَنا مِن سمعٍ وبصرٍ واختيارٍ على ما تحبُّ منا وعلى ما شرعتَ لنا، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به حبيبُك المصطفى. اللهم ارزقنا كمالَ الوفاءِ بالعهدِ والظَّفرِ بالمحبَّةِ والوِد، والدخولِ في أهلِ الصدقِ مِن خيارِ العباد.
اللهمَّ فرِّج كروبَ المسلمين وادفعِ البلاءَ عن المؤمنين، ولا تسلِّط علينا مَن لا يخافُك ولا يرحمُنا، ولا تسلِّط على المسلمين بذنوبِهم كافراً ولا فاجراً ولا شرِّيراً.
اللهم حوِّلِ الأحوالَ إلى أحسَنِها، اللهم بارك لنا وللأُمّة في أشهرِنا وأيامِنا وليالينا وأسابيعنا وساعاتنا وأعمارِنا. اللهم اجعل عامَنا هذا عامَ فرجٍ للمؤمنين، ودفعاً للبلاء عنا وعن المسلمين. انظر إلى اليمنِ والشام والشرق والغرب نظرةً تقينا بها الأسواءَ وكلَّ بلوى، وتدفعُ بها الحروبَ والكروبَ والآفاتِ والعاهاتِ والمصائبِ والنوائبِ ظاهراً وباطناً، يا قويُّ يا قادرُ يا حيُّ يا قيوم. اللهم اصرِفنا مِن جمعتِنا بقلوبٍ أقبلت بالكليَّة عليكَ وتذلَّلت بين يديكَ وعَرَفتْ عظمةَ المصير إليك، اللهم أعِذنا من كلِّ سوءٍ أحاطَ به علمُكَ وهَب لنا كلَّ خيرٍ أحاطَ به عِلمُك فإنا نسألكَ لنا ولأحبابِنا وللأمَّة مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُك ونبيُّك محمد، ونعوذُ بك ممَّا استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد وأنت المُستعان وعليكَ البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا بك.
ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النار. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشَنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خير، واجعل الموتَ راحةً لنا مِن كلِّ شر. أصلِحنا واجعلنا صالحين مُصلحين هداةً مهتدين غير ضالِّين ولا مُضلِّين، حرباً لأعدائك وسِلماً لأوليائِك نحبُّ بحبِّك الناس، ونُعادي بعداوتِك مَن خالفَكَ مِن خلقِك يا أكرمَ الاكرمين.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسان وإيتاءِ ذي القربى، وينهَى عن الفحشاءِ والمُنكرِ والبَغيِ يعظُكم لعلكم تذكَّرون.
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُركم، واشكُروه على نِعَمِه يَزدْكُم ولَذِكرُ اللهِ أكبر.
01 صفَر 1442