عمارة الحياة بالذِّكر والإنفاق وصالح الأعمال، وتنزيهها عن الرَّفث والفُسوق والجِدال

للاستماع إلى الخطبة
 
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ، في جامع الإغتنام ، حارة الخيرات - عيديد، مدينة تريم، 5 ذو الحجة 1444هـ 
 
بعنوان: عمارة الحياة بالذِّكر والإنفاق وصالح الأعمال، وتنزيهها عن الرَّفث والفُسوق والجِدال

 

نَصُّ الخطبة: 

الحمد لله.. الحمد لله خَلق الموتَ والحياةَ لِيَبْلُوَنا أيُّنا أحسنُ عملاً، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، نَصَب لنا بيتَه الحرام وجعلَه سبحانه للرَّحماتِ والتَّنَزُّلات بالفضل محلًّا، وأكرَم الوافدين المخلصين لوجهه عليه ورَفع لهم قدْراً وأعطاهم أجراً جَزْلاً، وجعلهم وَفْدَه؛ سألوه فأعطاهم، ودَعَوْه فاستجاب لهم.

وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، أعْظَم شعائر المولى تعالى، وخيرِ مَن قام بامتثال أمرِه واجتناب زَجْرِه، والإكثار مِن ذكرِهِ، وارتقاء المراتب العُلا في شكرِه، اللهم صل وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك الهادي إليك والدالِّ عليك خاتم النبيين سيدنا محمد، وعلى آله المطهرين، وأصحابه الغُر الميامين، ومَن والاهم فيك واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتكَ المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعدُ عباد الله: فإني أوصيكم وإيَّايَ بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، وأحْسِنوا يرحمكم الله، إنَّ رحمةَ الله قريبٌ مِن المحسنين.

يا أيها المؤمنون المتوجهون إلى مولاهم، الموقنين بلقائه والرجوع إليه، والوقوف غداً بين يديه: إنَّ هذه تطيبُ لمن آمن به وعمل الصالحات، ولقد أمَر جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه أنْ نُعَمِّرها وأنْ نُزَيِّنها وأنْ نُصلحها بالتطهُّر والتنزُّه عن الرَّفَث والفسوق والجدال، وأنْ نُزينها بالذِّكر والشكر والإحسان وصالح الأعمال.

وبذلك جاءتنا الآيات في خصوص ما شرَع اللهُ لِحُجَّاج بيتِه، والوافدين إلى رحاب الكعبة المشرفة، وأول بيتٍ وضع للناس؛ ليكونوا مساهمين في عمارة الحياة بما شاء الله أنْ تُعْمَر به، ويُطَيِّبهُا لأهل تلك الأوصاف، ويُحييَهم الحياة الطيبة، وأنْ يُنزِّهوا الحياةَ عن الرَّفث والفسوقِ والجدال، فَتِلْكُم مسالكُ أهل الضلال، يَحيْوْنَ على الرفث ونشر الرفث، وعلى الفسوق، وعلى الجدال، تمرُّ بذلك لهم الأيام والليال سيئةً قبيحةً مُوصِلَةً إلى سوءِ المآل.

قال تبارك وتعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، لا رفث ولا فسوق ولا جدال؛ ولكن ذكرٌ لله، وتذكيرٌ بِلِقَاه وبعظمته وصِفَته وآياته، وذكرٌ لأنبيائه ورُسلِه بالمحبة والتعظيم، وذكرٌ للملائكة الكرام، وذكرٌ لحقائق الحياتين وغاية الدارين.

هذا مَسلَكُ الأنبياء والأصفياء؛ يَعْمُرون حياتهم بالذكر والتذكير، بالشكر والتنبيه والتوجيه، والإعطاء والإحسان، ذلكم ما فرضه الله تعالى في الحج؛ لِتَتعلَّم الأمَّة قضاء أعمارِها في الدائرة التي قال عنها في كتابه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، حياة المعظمين لشعائر الله (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، حياة الذاكرين لله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)، حياة أهل الطاعة للرحمن جل جلاله. 

أيها المؤمنون: إبليسُ وجُنده يُحبِّون أنْ يحيى الناسُ حياة الرفث، والرفث: كل ما يَستحيي منه أهلُ المروءات وأرباب الإيمان واليقين؛ مِن مسموعاتٍ ومنظوراتٍ وملفوظاتٍ غيرِ لائقة، ترجع إلى العورات وإلى الفحشاءِ وإلى السُّوءِ وإلى الإساءةِ وإلى العيوب وإلى النَّقائص، يُنزِّهون أقوالَهم بمسلَكٍ نبويٍّ محمديٍّ، قال عنه في بيان هذا المسلك في شريعة الله: ((مَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخِر فليقل خيراً أو ليصمت)).

بل المؤمنون في أدبهم مع عالم الظهور والبطون يُنزِّهون خواطرهم وبواطنهم عن الرفث، كما يُنزِّهون ألسنتهم ويُنزِّهون أعينهم ويُنزِّهون أسماعهم عن الرفث؛ فهم مُنزَّهون في بواطنهم، ومُنزَّهون في خواطرهم وفي ضمائرهم عن الرفث، فلا تَسْبَح بواطنُهم إلا في الذِّكر وحميد الفِكْر، وفي مطالعةِ عظمةِ الله، وجمالِ الله، وجلالِ الله، وكمالِ الله تعالى في عُلاه، قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). 

نِعْم الحياة التي دعانا إليها الرحمن ورسولُه سيِّد الأكوان، ودعا إليها الأنبياء والمرسلون والعبادُ الصالحون، حياة الذِّكر والنَّزاهة، حياة الصَّفا والنَّقاء، حياة الحضور مع الرَّب الذي خلَق، ومعاني الاستعداد للقائه، تِلْكُم حياة الأصفياء، تلكم حياة الأتقياء، تلكم حياة مَن لهم حُسن المصير، ولهم النجاة مِن النار والسعير، ولهم الخُلود في جناتٍ تجري مِن تحتها الأنهارُ ولِباسُهم فيها حرير. 

أيها المؤمنون بالله.. أيها المُصدِّقون بمحمدٍ بن عبدالله: يجب أنْ نتعلَّم في الأيام الكريمة المعلومات أيام عشر الأضحى، خير أيام الدنيا، أفضل أيام الأرض، أعظم الأيام عند الله، وما مِن أيامٍ العمل الصَّالح أحبُّ إلى الله فيها منهن، أقسمَ الله بهنَّ في كتابه، فَلْنُقِم مَسلَك، وَلْنُنَزِّه ألفاظنا وألْسِنَتنا، ونُنَزِّه أعيننا وأبصارنا، ونُنَزِّه آذننا وأسماعنا عن الرفث، فوالله ما فيه منفعة ولا خيرٌ للناس ولا سعادة ولا جَلْبٌ للنور ولا للهدى. 

أيها المؤمنون بالله: زَيِّنوا بواطنَكم لِلْمَطَّلع عليها، تعرفون قيمة تزْيين الوجوه لنظر الخَلْق، ألا وإنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ومحل نظرهِ تلكم القلوب فزَيِّنوها، وأنَّى يَتَنزَّه قلبٌ عن الرفث إذا كان اللسانُ يقول الرفث!، وإذا كانت العينُ تنظر الرفث!، وإذا كانت الأذُنُ تستمع إلى الرفث!؛ أين يُنزَّه هذا القلب؟!، متى يُطَهَّر هذا القلب؟!، أتَصُبُّ إليه الأوساخ وتقول له: تَنَظَّفْ؟!، أتَسْكُب إليه القاذورات وتقول له: تَطَهَّر؟!، إنما يتَطهَّر إذا سَكَبْتَ عليه ماء ذِكر الرحمن، إنما يتطهَّر إذا صبَبْتَ عليه مُزْنَ القرآن، إنما يتطهَّر إذا صَدَقْتَ في مُراقبةِ عالِم السِّر والإعلان، بذلك يتطهَّرُ القلبُ والفؤاد والجَنان، وتَثْبُتُ الأركانُ على عملِ الصلاح والهدى والإحسان (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ). 

وإبليسُ قام بِجُنْدِه ينشرونَ لكم الرفث، ويُتابعونكم لتغرقوا في حَمْأتِه، وفي قاذوراته؛ وسط الجوالات، ووسط أنواع الأجهزة، ووسط الأوراق، ووسط الملابس، ووسط الدّعايات إلى غير ذلك، رفث في رفث في رفث؛ ليعيش الناسُ وَحَلَ الرفث، وخباثة الرفث، ولْيَخْرجوا عن صفاء الفؤاد مع رب العباد، وليخرجوا عن ذوق الجمعة وسِرِّ الجمعة، وعن ذوق الصلوات المفروضة، وعن ذوق صوم رمضان، وعن ذوق الحج ومعانيه.

ومشاركة أهليه لمن لم يَحُج: بقلبٍ بالبيت طائف وعلى الخير عاكِف، وإلى الحقِّ مُتَوَجِّه يستلم منه اللطائف. 

أيها المؤمنون بالله: يحرم علينا أنْ نُصْغِيَ إلى دعاة الرفث، وأنْ نُسَلِّم إليهم أزِمَّة أعمارِنا وأفكارِنا، وأزِمَّة أبناءنا وبناتنا، إنهم دعاة السوء، إنهم أهل الفسق، يدعون إلى الرفث، ويدعون إلى الفسوق بأنواعه؛ وهو الإثم والمحرمات، ويدعون إلى الجِدال العقيم الذي لا يُراد منه كشفُ حقيقة، ولا بيان حق، ولا إبطال باطل؛ ولكن تطاولُ الناس على بعضهم البعض، وترفُّعهم على بعضهم البعض، وتحاملهم على بعضهم البعض. هذا إبليس وجنده ينشرون الرفث والفسوق والجدال.

و(مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ)، قال تبارك وتعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وقال لنبيه: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؛ لا يسقط أحدكم في الجدَل العقيم المورِث للتَّحامُل وللبغضاء وللشحناء، وللتطَّاول وللتَّكَبُّر وللتَّعالي، إنما شأن الأنبياء وأتباعهم: بيان، وإثباتُ حُجَّة وبرهان على إحقاق الحق وإبطال الباطل، بلا نزاعاتٍ ولا خصوماتٍ ولا جدالات عقيمة. 

(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله)؛ ولذلك نُدِبنا في أيام العَشر إلى كثرة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، نُدِبنا في أيام العشر أنْ لا نرى شيئاً مِن الأنعام إلا كبَّرنا الله الذي خلَقنا وخَلَق هذه الأنعام، وجعلها لنا رَكوباً، وجعل لنا منها شراباً، وجعل لنا فيها طعاماً، تحملُ أثقالنا، ونشربُ مِن لِبانها مِن بين فرْثٍ ودمٍ لبناً صائغاً للشاربين، ومنها نأكل بإذن الله تبارك وتعالى لنا عند ذبحها ونَحْرها بالكيفية التي جعلها الله مُبيحةً لأكل ذلك الحيوان مِن الأنعام. 

(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، الأيام المعلومات: أيام العشر مِن ذي الحجة، وهي العشر الـمُقْسَم بها في القرآن، والشفع: يوم الأضحى، والوتر: يوم عرفة؛ هكذا قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. 

أيها المؤمنون: نُدِبْنا إلى كثرة التسبيح والتهليل والتذكير في هذه الأيام، فهل شُرِّف قلبُك بأنوار التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير لربك؟، هل شُرِّف بيتُك ومَن فيه وقلوبُ أهل بيتِك بالتسبيح والتحميد والتهليل، أو أيام العشر التي قد مضى نصفها عليك مضت كنفس الحال قبل أيام العشر؟!، فأين شعارها؟!، أين شعارها في بيتك؟!، أين شعارها عند أهلِك وولدِك؟!، أين إكثارهم للتسبيحِ والتهليلِ والتحميدِ والتَّكبير؟!.

ولقد كان يُسْمَعُ الضجيجُ في بيوتِ مكة والمدينة، وفي دِيار الناس في شرق الأرض وغربها: (لا إله إل الله عدد الليالي والدهور، لا إله إلا الله عدد الأيام والشهور..)، إلى غير ذلك مِن أنواع الذِّكر والتسبيح والتحميد، والناس على وصفٍ قال الله فيه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا). 

نُدِبْنا إلى صوم ما تيَسَّر مِن هذه الأيام؛ فصومُ يومٍ منها يعدلُ صيام سَنة، وصومُ يوم عرَفة يعدلُ صيام سنتين، وجاء في بعض الروايات: (بصيامِ ألْفِ يوم)، وجاء في بعض الروايات: (كُنَّا نَعدُّه على عهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بصيامِ عشرة آلاف يوم) يوم عرفة، لمن لم يكن حاجَّاً يُسَنُّ له صيام ذلك اليوم.

ثم لِيَتَقرَّبوا إلى الله بالنَّحْرِ أهلُ عَرَفَة إذا جاؤوا إلى منى، والمؤمنون بالأضاحي في شرق الأرض وغربها، بهذا تُعْمَرُ الحياة، وإنه يُغْفَرُ لصاحبِ الأضحية لأول قُطرة تقطر مِن دمها، وأنها توضع في كفَّة حسناته فتُضَعَّف سبعين ضعفاً، إنها تقع عند الله بمكانٍ قبل أن تَقْطُرَ القطرة منها على الأرض. 

أيها المؤمنون بالله: عَمَر الله قلوبنا، وعَمَر الله ديارنا، وعَمَر الله أعمارنا بالإقبال عليه، وعَمَر مساجدنا بالذِّكر والعبادة والإنابة إليه، اللهم ارزقنا اغْتِنام الأعمار، وصرفها فيما يرضيك عنا في السر والإجهار، وبارك لنا وللأمة في الاجتماعات على الذِّكر والشكر وحُسن العبادة، وأسعدنا أعلى السعادة، وهب لنا الحسنى وزيادة، يا أرحم الراحمين. 

والله يقول وقوله الحق المبين:  واللهُ يقولُ قوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

 أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *  أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ *  وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). 

بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعنا بما فيهِ مِن الآياتِ والذِّكر الحكيم، وثَبَّتنا على الصِّراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزيهِ وعذابهِ الأليم، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروهُ إنه هوَ الغفورُ الرحيم.

 
الخطبة الثانية: 

الحمد لله، يُحْيِي الـمُقْبِلينَ عليه الحياة الطيبة، ويُنْزِل على قلوبهم آثار رحمتِه الصَّيِّبة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فازَ مَن أحبَّه وقرَّبه، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، أقرَبُ قريبٍ إلى الرحمن وأحبُّ حبيب، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، الذين وفَّيْتَ لهم الحظ والنصيب، ونظروا إلى وجهِه الأغَر، وسمعوا كلامَه الأعْذَب الأطْهَر، واقتدوا به فيما بطَنَ وما ظهَر، وحجَّ مَن حجَّ منهم معهم ووقفَ في عرفَة وحضَر ذلك المحْضَر، وسمعوا بلاغه عنك فقاموا به مِن بعده واقتفوا الأثَر، وعلى جميع أتباعهم إلى يوم المحْشَر، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياءِ والمرسلين أهل المقامِ الأشرف الأفْخَر، وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وعبادك الصالحين ، يا حيُّ يا قيوم يا بَر. 

أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله في حضوركم هذا، لتأخذوا أنواراً تتلألأ في قلوبِكم وصدورِكم تخرجونَ بها بسرِّ الجُمعة وحقيقتها، وتقضون بقيَّة أيَّامِ العَشْر على حالٍ جميلٍ مع الرَّب الجليل، ومَشيٍ في سَواء السبيل، وشُرْبٍ من أحلى سلسبيل؛ ليكون العيدُ عيدَ عطاءٍ جزيلٍ ومَنٍّ جليل مِن حضرة الجليل، بالتكريم والتبجيل، والعطاء الجزيل، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء. 

أحْسِنوا خَتْم أيَّام العَشْر واستقبال أيام التشريق، وقد حرَّم الله الصيامَ في يوم الأضحى وأيام التشريق، وجعل الأُضحية واجبةً على نبينا محمد وسُنَّة لغيره مِن الأمة لكل مَن قدَر أنْ يُضَحِّي، واسْتُحِبَّ له أنْ يتفقَّدَ الأرحامَ بشيءٍ مِن أضحيتِه، وأنْ يَخُصَّ أهل الفقر والحاجة بنصيبٍ مِن أُضحيَتِه، وأنْ يأكل منها شيئاً، وأُذِن له أنْ يَدَّخِرَ منها شيئاً، هكذا جاءتنا السُّنَّة عن زينِ الوجودِ صلى الله عليه وسلم. 

ونُدِبْنا إلى حُسن الامتثال لأمر الله جل جلاله، وحرَّمَ على الرجال أيام الإحرام لباساً، وأمَرَهم أنْ لا يلبسوا مُحيطاً ولا مُخيطاً، وأباح للنساء ذلك؛ لِيُقيم سبحانه وتعالى تذويقنا معنى العبودية له، والفرقَ بين الذَّكر والأنثى في الواجبات وفي المشروعات، في أجزاء منها كلٌّ له ما يليقُ به، بحكمةِ حكيمٍ خَلَق الكل وإليه مرجع الكل، وجعل السَّتْر للمرأة مُلازِماً لها في أحوالها، حتى في إحرامِها تَلبَسُ ما شاءت مِن المحيط والمخيط.

ثم اختار صلى الله عليه وسلم وقد أُمِر النساء ساعات الإحرام بكشفِ وجوههن، فاختار لأزواجهِ أمهات المؤمنين وابنتِه الزهراء البتول وهُنَّ معه في حَجَّةِ الوداع، أنهن إذا أقبل عليهن الرُّكبان أسْدَلْن السَّتْرَ على وجوههن، وإذا خَلَوْ عن نظرِ الرجال الأجانب كشفن وجوههن، بتعليمِ صاحب الشَّرع المصون الأمين المأمون صلى الله عليه وسلم.

لكن دُعاة الرَّفث حتى في أعيادنا مَعْشر المسلمين قالوا: خذوا ثياب الرفث لبناتِكم!، وأطاعهم مَن أطاعهم، الزِّينةُ مُستحبَّة، لا زينةُ استحسان إبليس وجُندِه؛ لكن زينة ما استحسنه الرحمن وأنبياؤه، وما استحسنه أولياه، تلك الزينة الحسنة، أما زينة التَّفَسُّخ، وزينة التَّكَشُّف، وزينة الْهَتْك للحياء والمروءة، لا والله ما هي زينة، هي خساسة، هي قبَاحة، زيَّنها إبليس عدو والله.

وصار المسلم يشتري بالثمن الغالي ثوب لِبِنْتِه المسكينة!، التي وجب عليهم أنْ يُرَبُّوها على الحياءِ وأمانةِ الأدب والخشية، فإذا بهم تَبَعاً للفساق للرفث يُرَبُّونها على قِل الحياء وعلى تكشيف بدنها وهي صغيرة!، مظلومةٌ هذه البنت بين أبوين حُرِما حقائق الإيمان، وحُرِما ذوق الإيمان، وأنَّ الحياء والإيمان قرينان إذا ذَهب أحدهما تَبِعَه الآخر، ((الإيمان والحياء في قرَن؛ إذا ذهبَ أحدهما تَبِعَهُ الآخَر)).

ثم كان مِن المسلمين مَن إذا جاء يوم العيد صافح الأجنبيات مِن زوجات إخوانه أو أعمامه وهن مزينات، ومدَّ يَدَهُ إليهن، وظن أنَّ هذه صِلةٌ وخير!!، في ميزان مَن؟، في حُكْمِ مَن؟، صاحب الرسالة يقول لك: ((لأنْ يُطْعَنَ أحدكم بِمِخْيَطٍ في عينه خيرٌ له مِن أنَّ تمسَّ يدُه يَدَ امرأة لا تَحِلُّ له))، هذا ميزانه، وميزان أهل الرفث قالوا: اترك التشدد وامْشِ مع ما نُمْلي ونوحي نحن، ليس مع ما أمْلى وأوحى الرب، وبلَّغ حبيبه المقرَّب!، نَصَبوا أنفسَهم آلهة، يريدون أنْ نُحِلَّهم محل الإله ومحل الرب جل جلاله، وقالوا: استخفُّوا بدينكم وعظموا ما نُمْلي عليكم، وعَظِّموا ما نوحي إليكم، فكيف يستجيب لهم عاقل؟!، فكيف يستجب لهم مؤمن؟!، خابوا وضَلُّوا، وخَسِئوا وخسروا (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ). 

أيها المؤمن بالله: بَيَّنَ اللهُ لك فَخُذْ بيانَه، وشَرَّع لك فَخُذْ شريعتَه، وامْشِ على سبيلِه الذي ارْتَضاه، وجعلَ لك القدوة فيه محمد بن عبدالله، وَدَعْ أهل الخُبث مِن الأمريكان أو الروسي أو البريطانيين أو الفرنسيين أو غيرهم مِن أهل شرق الأرض وغربها، لا خلقوك ولا رزقوك ولا إليك مرجعهم، وعامَّتهم حطبٌ لجهنم الموقدة التي تطَّلِع على أفئدتهم ويعضُّون على أيديهم (يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)، ويقولون: (فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)، ولا ينفعهم شيءٌ مِن ذلك، وليسوا بقدوة لك؛ لكن محمد قدوة، محمد أُسْوَة، محمد الاقتداء يُحَبِّبُك إلى رب العرش خلَّاق الأكوان الذي إليه المرجِع (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ). 

أحْسِنوا خاتمةَ العَشْر واستقبالَ أيامَ التشريق، أيامَ أكلٍ وشُرْب وبَعالٍ وذِكرٍ لله عز وجل، وخذوا الزينةَ المباحة المندوب إليها الشرعية، ولا تقتدوا بالفُسَّاق والكفار، ولا تجعلوا مَسْلَك الكاسيات العاريات في بناتِكم الطاهرات، الأمانات التي أنتم مسئولون عنها، واختاروا لهنَّ ما كان حياءً وما كان حِشمةً وما كان أدَباً، ومثل ما كان يُحِبُّ النبي أنْ يَكْسُو بناته وبنات صحابَتِه، وما كان يُحِبُّ أنْ يَظْهروا فيه، فَنِعْم المسلَك مَسْلَك الحقُّ ورسولِه صلى الله عليه وسلم. 

واستَعِدُّوا للعيدِ بِتِلْكُمُ القلوبِ الْمُقْبِلَة، وبالرحمةِ وبالشفقة، وبنشر ذِكر الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً، سِراً وإجهاراً. 

وأكثروا الصلاة والسلام على خير الأنام؛ مَن كَثْرَةُ الصلاة عليه خيرِ اغْتنام للعُمر والليالي والأيام، وهو القائل: ((أولى الناس بي يوم القيامة: أكثرهم علي صلاة))، ((ومَن صلى علي واحدةً صلى الله عليه بها عشراً))، ولقد أمَرنا بالصلاة بعد أنْ بدأ بنفسِه وثنَّى بالملائكة وأيَّهَ بالمؤمنين، فقال مُخبِراً وآمراً لهم تكريماً: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).. 

اللهم صلِّ وسلم على الرحمة الْمُهداة، والنعمة الْمُسداة، السراج المنير البشير النذير، عبدك الطُّهْر سيدنا محمد، وعلى الخليفة من بعده المختار، وصاحبه وأنيسه في الغار، مُؤازرِه في حالَيِ السّعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطق بالصواب، شهيد المحراب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وعلى مَن اسْتَحْيَت منه ملائكةُ الرحمن، مُحيي الليالي بتلاوةِ القرآن؛ أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخِ النبي المصطفى وابن عمه، ووليِّه وبابِ مدينةِ علمِه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.

وعلى الحسن والحسين سيِّدَي شباب أهلِ الجنةِ في الجنة، وريحانةِ نبيِّكَ بنَصِّ السُّنة، وعلى أمهما الحَوْراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى، وعائشة الرضا، وعلى الحمزة والعباس، وسائر أهل بيت نبيِّكَ الذين طهرتَهُم مِن الدَّنسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العَقبةِ، وأهل بدرٍ، وأهل أحُد، وأهل بيعة الرضوان، وسائر الصحبِ الأكرمين، وآلهم تابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا الراحمين.

اللهم أحْيِنا حياةً طيِّبة؛ حياةَ مَن تُحِبُّ بقاءه، وتوَفَّنا وفاةَ مَن تُحِبُّ لقاءه، اللهم أسعدنا في الحياة بالصفاء والسرور، والأُنس والحبور، وأشْرق في قلوبنا النور، واشرح لنا الصدور، اللهم اقْبَل حُجَّاج بيتِك وزائري نبيِّك، واقْسِم لنا فيما تُعطيهم وتتفضَّل به عليهم، ورُدَّهُم إلى أهليهم وديارهم سالمين غانمين مقبولين موفَّقين، واكلئهم وصُنْهُم مِن جميع الآفات يا ربَّ الأرضين والسموات، وثَبِّتنا أكمل الثبات. 

وبارك اللهم في افتتاح الجُمعة في هذا المسجد، واجعل فيها خيراً يَمْتَدُّ بلا حَد، في الغيبِ والمشهد، تَرحمُ به أحيائنا وموتانا، وتُصلِح به ظواهرنا وخفايانا، وأكْثِر بيننا شعائر الحق والهدى والدين، واجعلنا ممن يُعظِّم شعائرك بتقوى قلوبهم لك يا أكرم الأكرمين. 

اللهم واغفر لوالدينا ومشايخنا وذوي الحقوق علينا، آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، احفظ على بلدنا أنوار الإيمان واتِّباع سيد الأكوان، وأعِذْنا أنْ نستبدل به اتباع أحَدٍ من أهل الكفر والفسوق والعصيان، حَبِّب إلينا وزَيِّنْه في قلوبنا، وكَرِّه إلينا الكُفر والفسوق والعصيان، واجعلنا مِن الراشدين، جَنِّبْنا الرفثَ باللسان وبالأعْيُن وبالآذان، وجَنِّبنا الرفث بالقلوب والخواطر والجَنان، واغْمُرنا واعْمُرنا بالحضورِ معك في كل آن، حتى نلقاك على أكمل الإيمان والإحسان والعِرفان، وعلى محبةِ لقاءك وأنت تُحبُّ لقاءنا يا رحمن. 

اللهم فَرِّج كروب الأُمَّة ورُدَّ كيد أعدائك أعداء الدين في نحورهم، وادفع عن المسلمين جميع شرورهِم، وأصلِح أحوالَ أُمة نبيك محمد، واغْفِر لأُمة نبيك محمد، واسْتُر أُمة نبيك محمد، اللهم اجْبُر أُمة نبيك محمد، اللهم أصلح شأن أُمة نبيك محمد، اللهم اجمع شَمْل أُمة نبيك محمد، واجعلنا في خيارِهم وأنفعهم لهم وأبْركهِم عليهم يا أرحم الراحمين. 

اللهم إنا نسألُك لنا وللأمةِ مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدنا محمد، ونعوذُ بك مِمَّا ما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدنا محمد، وأنتَ المُستَعان، وعليك البلاغُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيم.

عبادَ الله: إنَّ الله أَمَرَ بِثَلاث وَنَهَى عَنْ ثَلاث: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.. فاذكُرُوا اللهَ العظيمَ يَذْكُرْكُم، واشْكُرُوه على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكْرُ اللهِ أكبر. 

تاريخ النشر الهجري

06 ذو الحِجّة 1444

تاريخ النشر الميلادي

23 يونيو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام