خطر الهوى في مسالك الأفراد والأمم وسوء عاقبته وسبيل التخلص منه وشرف التغلب عليه
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة، بحارة الروضة بعيديد، مدينة تريم، 27 جمادى الأولى 1446هـ بعنوان:
خطر الهوى في مسالك الأفراد والأمم وسوء عاقبته وسبيل التخلص منه وشرف التغلب عليه
ركائز التخلُّص من الهَوَى:
- خوفٌ من الله عن يقينٍ مكينٍ بالفؤاد
- تزكية للنفس وتربية على أيدي الأجواد، الذين مرجعهم إلى خير مُنقذٍ ومُزَكٍّ وهاد
- ومُشاورة لأولي الألباب، ورجوع إليهم في استجلاء الصواب
لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf):
فوائد مكتوبة من الخطبة:
نص الخطبة مكتوب:
الخطبة الأولى :
الحمدلله، الحمدلله العلي الحكيم، العزيز العليم، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جامعُ الأولين والآخرين للحُكم بينهم في يوم الهول العظيم، فلا ينجو إلا مَن أتى الله بِقلبٍ سليم.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وصفوته ومختاره الهادي إلى الصراط المستقيم.
اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرِّم على عبدك وحبيبك سيدنا محمد ذا الخُلق العظيم، وعلى آله وأهل بيته وأصحابه الكرام، ومن استقام على ولائهم ومنهجِهم القَويم، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك أهل الفضل العظيم، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا عظيم يا رحيم.
حقيقة التقوى بمجانبة الهوى:
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله، وإنَّ من عُمق التقوى ومن حقيقةِ التقوى ومن عظيمِ التقوى مُجانبةُ الهوى في السر والنجوى، في أعمال ووجهات وأقوال وحركات وسكنات الإنسان، في نفسه وأسرته ومجتمعه ومن يُعاملُه.
أيها المؤمنون بالله، إنَّ من شرّ ما اتُّخِذ إلهاً من دون الله هو الهَوى، يهوي بأصحابه إلى الهاوية، ويقتحمون بِهواهُم سبل الغواية، ويقترفون الآثام ولا يبالون بالخبائث حتى يكون مُنتهى أحدهم الخِزيُ العظيم، والفضيحة الكبرى، والعذاب الشديد المُهين.
كيف يكون هوانا تبعاً لما جاء به ﷺ؟
أيها المؤمنون بالله ﷻ، لقد خَلق الله لنا الشهوات والأهواء ليختبرَنا وليعلمَ من يخافه بالغيب، ويعلم من ينصُرَ الله ورُسله، ومن ينتصِر لنفسه وهواه أو لهوى غيره من البعيدين عن الله والعياذ بالله ﷻ.
أيها المؤمنون، ولم يغتَنِ عن التحذير من الهوى المعصومون من الأنبياء فكيف بمن سواهم!
-
إنّه ميلُ النفس إلى مشتهاها وما لها فيه غرَض،
-
إنّه قوى الشر في باطن الإنسان، المائلة عن ميزان الرحمن وشرع الرحمن، وعظيم القرآن وخير البيان عن خير إنسان، الذي قال لنا: "لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتَّى يكونَ هواهُ تَبَعًا لما جئتُ بهِ".
أي حتى يكون قاصماً لهواه، حتى يكون مجاهداً مجاهدة مَن تحوَّل الهوى مِن غالبٍ عليه وسُلطان إلى تابعٍ مُقتدٍ بسيد الأكوان، مَن بلغت به المجاهدة هذا المبلغ يتحقّق بحقيقة الإيمان.
وإليه الإشارة بقول الإله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
إنّه شأن الذين صارت أهواؤهم تَهوى الصِّدقَ والتَّبعِية لمن جاء بالصدق، فتقول: "واصِلْ حبال من شئت واقطع حبال من شئت، وسالِم من شئت وحارب من شئت، فإنما أمرنا تبع لأمرك، نحن حرب لمن حاربت وسِلمٌ لمن سالمت، خذ من أموالنا ما تشاء واترك منها ما تشاء، والذي تأخذ أحب إلينا من الذي تترك، لو سرت بنا فاستعرضتَ هذا البحر فخضته لخُضناه معك ما تخلّف منا رجل واحد.
على من يتسلّط الهوى؟ :
أيها المؤمنون بالله، الذين نالوا الغَلبة على أهوائهم هم الذين فازوا برضوان إلههم، وتهيأوا لمرافقة صفيّه هاديهم ومرشدهم ﷺ.
يا أيها المؤمنون بالله:
-
من ضَعُف ذِكره للمآب ويوم الحساب تسلّط الهوى عليه،
-
ومن انقطع عن مُشاورة الكبار والأخيار تَسلَّط الهوى عليه،
-
ومن اغترَّ بنفسه وعقله تسلَّط الهوى عليه،
-
ومن آثر الفانيات وركن إليها تَسلَّط الهوى عليه.
﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
أيها المؤمنون بالله، يقول الحق ﷻ: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾.
ومن لم يغلبه خوف الله تغلَّبَ عليه هواه، فهوى به وأرداه.
ركائز التخلص من الهوى:
فركائزُ التخلص من الهوى:
-
خوف من الله عن يقينٍ مَكينٍ في الفؤاد،
-
تزكيةٌ للنفس وتربيةٌ على أيدي الأجواد، الذين مرجعهم إلى خير مُنقذ ومُزَكٍّ وهادٍ،
-
ومشاورةٌ لأولي الألباب، ورجوعٌ إليهم في استجلاء الصواب.
هذه ركائز التخلّص من الهوى والتّوَصُّل إلى غَلبته؛ حتى يفوزَ الغالِب على هواه بالدرجات العُلا فوق ما يرجوه ويتمنّاه، ويقولُ بلسانِ الصّدق:
وكنـت عبد الهـوى واليـوم مــــالكهُ
وصرت مولى الورى مُذ ذُقتُ سلسلها
أيها المؤمنون بالله ﷻ ، بياناتٌ واضحةٌ في الكتاب العزيز: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾.
ألا إنّ الفوز في تَمكُّن المؤمن من مخالفته هواه، واتّباعه لِمرضاة إلهه ومولاه، وتسليمه الزمام بكل معنى ومن كل وجه لحبيبه ومصطفاه، ومشاورته لأولي الألباب من أصفياء الله.
وهي قواعد أُسِّسَ عليها سير صالحي الأمة من عهد النبوة عليهم رضوان الله ﷻ، مُستمسكين بالعُروة الوثقى، مُتحقِّقينَ بحقائق التقى.
حصون تقيكم شر الهاوية :
ومن لم يجاهد ويُزَكِّ النفس حتى يُخرجها عن مذمومات الصفات وقبيح العادات، وسوء الالتفات إلى غير إلهه رب الأرض والسماوات، وتقويم المحبّة للحق ورسوله، وعندها يكون الهوى تبعاً لما جاء به رسول الله، مَن قَلَّ ذِكرُه وضَعُفَ أو فَسد أو انحرَف فِكره، فلابدَّ أن يتسلّط عليه الهوى ويهوي به إلى الهاوية.
-
فخُذوا حصونَ الذّكر، وحُسنَ وصفاءَ وسُمو وعلوَ الفكر،
-
والمَسلك في مسالك التزكية للنفس، لتطهيرها عن الدنس والرجس،
-
ومُجالسة الأخيار ومُشاورة العقلاء الأطهار، حصوناً لكم تقيكم شر الهاوية باتباع الهوى.
محبة الله سبيل التبصرة:
يا أيها المؤمنون بالله ﷻ، على قدر تعظيم الله ومحبته تنمحِق ذرات الهوى المُردِيَة ودواعيه المُغوِيَة، وآفاته المُهلِكة وسمومه الفاتِكة.
اجعل اللهم هوانا تَبَعاً لما جاء به حبيبك ﷺ، وتولّنا في جميع شؤوننا ولايةً يحصل لنا بها رضوانك وتقريبك، ثَبِّتنا على ما تُحِب واجعلنا فيمن تُحِب، واجعل لنا من محبتك ومحبة رسولك ما يضمحِلُّ أمامها كل هوى، وتستقيم قلوبنا وأقدامنا على منهج الهُدى والسواء في السر والنجوى، يا أرحم الراحمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: ﴿فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وقال تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصّراط المستقيم، وأجارَنا من خِزيهِ وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمدلله مُراقِب السرائر، مَن يرى ويسمع الخواطر، ويطَّلِع على ما في الضمائر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأول الآخر الباطن الظاهر، مَن بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون.
أطهر الخلق عن الهوى:
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه الأمين المأمون، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ﴾.
فهو أطهر الناس عن الأهواء، وأرسَخهم قدماً في سبيل الحق والهُدى والسواء.
فصلِّ يا ربِّ على مصطفاك الطُّهر الطّاهر المُطَهِّر، سيدنا محمد النّور المُنَوِّر، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومَن على منهاجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الأنوار والأسرار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم في اقتفاء الآثار، وعلى ملائكتك المُقرّبين وجميع عبادك الصالحين يا كريم يا غفار، وعلينا معهم وفيهم بفضلك يا أرحم الراحمين يا ستار.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله أن يتغلّب عليكم الهوى ويُخرجُكم عن منهج السَّواء، ويلفِت قلوبكم إلى الغَير والسِّوى.
سُبل تقوية المعرفة والمحبة:
أيها المؤمنون بالله، ما فاز برضوان الله إلا من خالف هواه، ومن اتّقى ربه في سِرِّه ونجواه.
إنّ التقوى تقومُ على المعرفة والمحبة، وبالتّمكُّن فيهما يرسخُ القدم في التّقوى وتضمحِلُّ شؤون الأهواء المُردِية.
ولا تقوى المعرفة ولا المحبة إلا بكثرة الذكر وصفاء الفكر، ومجالسة أهل التُّقى، وموالاة الحق ورسوله والمؤمنين ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
ركائز هامة لا تهملوها! :
أيها المؤمنون بالله، ركائز صفاء الفكر وكثرة الذكر، ومجالسة الأخيار ومشاورة الأبرار؛ لا تهملوها ولا تَتغافلوا عنها لتَستقيموا في حياتكم، فإنهُ لم يتسلّط عدو الله على أحد أكثر مِمّن يتسلّط على من تَغلبُهم أهواؤهم، فهو أقوى سلاح له وأعظم وسيلةٍ لأن يُردي صاحبه.
نتائج اتباع الهوى:
وبالأهواء تصدُر أكثر اتجاهات وقرارات مَن على ظهر الأرض، ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾، فتنتهي تبجُّحاتِهم وتظاهُراتهم بالبغي والعدوان والظلم، والسفك للدماء وانتهاك الحقوق، والخروج عن القِيَم بل عن الإنسانية كلها.
هذه نتائج جميع الفئات والهيئات والدول التي انقَطعت عن الله وتحكَّم فيها الهوى، فغَلبها عدوّها الخبيث الرجيم، وحاد بها إلى الفعل الذميم والوصف الذميم والمسلك الوخيم.
من الذي ينجو؟ :
أيها المؤمنون، إنّما ينجو من اتّقى الله، وإنّما يتَّقي الله من عرف الله وأحَبَّه.
وإنما يَعرف الله ويُحِبّه مَن أكثر الذكر وصفَّى الفكر، وجاوَرَ الصالحين وأخذ بآرائهم.
فاتقوا الله في مسالككم في الحياة ولا تغترّوا بأنفسكم ولا بما عندكم، واتّقوا الله في سركم ونجواكم، واطلبوا أن تبلُغوا درجات أن يكون هوى أحدكم تَبَعاً لما جاء به حبيب الله، فهناك العيش وبهجتهُ فلمُبتهجٍ ولمُنتهجِ.
الدعاء:
يارب بارك في أعمارنا وارزُقنا الغَلبة على أهوائنا وشهواتنا:
-
حتى يكون هوانا ومُشتهانا قُربك،
-
حتى يكون هوانا ومُشتهانا حُبك،
-
وحتى يكون هوانا ومُشتهانا مُرافقة حبيبك.
يارب مَكِّنّا في الارتقاء في هذه المقامات الشريفة، ونَيل هذه الأحوال المُنيفة، ولا تحرِمنا خير ما عندك لشر ما عندنا يا أرحم الراحمين.
أكثروا الصلاة والسلام على أكرم إمام، بالائتمام به نَخرجُ من كل هوىً وردىً وفساد وظلام، حبيب الرحمن محمد، صفوة الحق أحمد، من قال: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"، و "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً"، ومن خاطبنا الحق فابتَدأ بنفسه وثنّى بالملائكة وأيَّهَ بالمؤمنين، فقال مُخبراً وآمراً لهم تكريما.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير عبدك البشير النذير سيدنا محمد.
وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازرهِ في حاليي السعة والضيق خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى النّاطق بالصواب حليف المحراب أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب،
وعلى الناصح لله في السر والإعلان من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب،
وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة وريحانتي نبيك بِنَص السنة.
وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وبنات سيدنا المصطفى وأزواجه أمهات المؤمنين.
وعلى عمَّيهِ الحمزة والعباس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وسائر آل بيت نبيك وصحبه الأعيان، وعلى من تبعهم بإحسان وعلينا معهم وفيهم يا كريم يا منان.
اللهم أعِز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذِل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم أعِز الإسلام بتغليب المؤمنين على الأهواء، اللهم أعِز الإسلام بعز المؤمنين بالتقوى.
اللهم اخذل أعداءك أعداء الدين والظالمين الفاجرين الغاصبين المعتدين، المُتجرِّدين عن القِيَم والفضائل والإنسانية، ولا تُبلِّغهم مراداً فينا ولا في أحد من المسلمين.
اللهم أظهِر راية حبيبك المحبوب في شرق الأرض وغربها وشمالها والجنوب، اللهم أرِنا نصرها واجعلنا في خواصِّ أنصارها، وأرِنا ظهورها في الآفاق، ودخولها إلى كل بيت على ظهر هذه الأرض يا كريم يا خَلّاق.
اللهم أنجِز وعدك لحبيبك المختار، وادفع عنا شرور الفجار والكفار، وطهِّر قلوبنا عن الأدناس والأكدار، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به صفوتك المختار.
اللهم لا تُسَلِّط علينا الهوى ولا النفس الأمّارة ولا الدنيا الغرّارة، ولا أحداً من شياطين الإنس والجن، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به نبيك في كل ظاهر وباطن.
اللهم لا تصِرفنا من الجمعة إلا مُكرمينَ بأنوار إيمان ويقين وتقوى ومحبة ومعرفة نغلب بها الهوى، ونستقيم بها على ما تحبه منا في السر والنجوى.
يا سامع الدعاء، يا من لا يخيّب الرجاء، يا رب الأرض والسماء، تداركنا وأنقذنا، وتولَّنا وأسعِدنا وخُذ بأيدينا إذا عثِرنا، ولا تكِلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) .
(رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) .
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
عباد الله إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولَذِكْرُ الله أكبر.
28 جمادى الأول 1446