(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة عيد الأضحى المبارك للحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة بعيديد تريم 1440هـ
الخطبة الأولى:
اللهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر
اللهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر
اللهُ أكبر، الله أكبر الله أكبر، لا إلهَ إلا الله، والله أكبرُ، ولله الحمد.
الحمدُ للهِ مَلِكِ السماواتِ والأرض، وجامعِ الخلائقِ ليَومِ العَرض، والذي أنزل كُتُباً وأرسَلَ رُسَلاً ليَستبينَ للناسِ مِنهاجُهم، وليعلمُوا حقائقَ خَلقِهم وإيجادِهم بحكمةِ خالقِهم ومُوجِدِهم، وليُحسِنُوا الاستعدادَ لمَرجِعِهم ومَعادِهم. وأشهد أن لَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، بيدِه الأمرُ كلُّه وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، حقيقةٌ ينتهي إليها الجميعُ بعد أوهامٍ وخيالاتٍ تُنَازِلُ عقولَ الناس مِن الغافلين والكافرين ومَن لم يستجِب لدعوةِ اللهِ العليمِ السَّميعِ على لسانِ رُسلِه وأنبيائه الذين خُتِمُوا بالمصطفَى الشفيع، ولم يكن بِصَادِقٍ مع الحقِّ في الاقبالِ ولا بمُطِيع.
وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، خَيْرُ مَن بَيَّنَ عن اللهِ طريقَ السَّيرِ إلى الله وأوصَلَ عنِ الله تعالى في عُلاه منهجَه وهُداه وخطابَه لمَن كلَّفهُ مِن براياه، عَمَّت رسالتُه الجِنَّ والإنسَ، ووصلَ مَن استجَابَ له إلى حضائرِ القدس، وأُنعِمُوا بالقُربِ والمحبةِ والشفاعةِ والرضوانِ والأنس.
اللهم صَلِّ وسَلِّم وبارِك وكَرِّم على عبدِك المُبَيِّنِ عنكَ بأمرِك أحسنَ البيان، محمدِ بن عبدِ الله مَن أنزلتَ عليهِ القرآن، وعلى آلهِ المطهَّرين عنِ الأدران، وعلى أصحابِه الغُرِّ الأعيان، الذين سَمِعَت قلوبُهم نداءَك وأسرارَ خطابِك على أكرمِ لسان، فكانت منهم الاستجابةُ البديعةُ الوسيعةُ التي يُضرَبُ بها المثلُ على مَمَرِّ الأزمان، وعلى مَن تبعَهم بالصِّدقِ والإيقانِ والمحبةِ والإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين مَن أَعْلَيْتَ لهم القدرَ والمنزلةَ والشأن، وعلى آلِهم وصحبِهم والملائكةِ المقربين وجميعِ عبادك الصالحينَ ذوي العرفان، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا رحيمُ يا رحمن.
أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم وإيايَ بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا عليها.
أيُّها المؤمنونَ المجتمعونَ في عيدِ الأضحى المباركِ، مُتوجِّهين إلى اللهِ الكريمِ المَالِك، مُستَجِيرين مُستعِيذين بهِ مِن جَميعِ الزَّيغِ والشَّرِّ والمهالِك، راجينَ عطاياهُ الواسعة، ومِنَنَهُ العظيمةَ المُتتابِعَة؛ إنكم في مَسْلَكٍ مُتَّصِلٍ بالإدراكِ الصحيحِ واليقينِ الصَّادِقِ في أَصْلِ الخَلْقِ وإيجادِه، والإنعامِ عليهِ وإمدادِه، والحكمةِ مِن خَلْقِهِ في هذا الوجود، وشأن رجوعِه والحُكمِ في اليومِ الموعود، والمتَّصلُ بهذه الحقيقةِ هم خِيَارُ الخليقة، الذين وعَوا وأدركوا سِرَّ الوجود وخَلقَ هذه الحياة تحت مُلْكِ مَلِكٍ تعالى في عُلاه، إليه مرجعُ الكُلِّ أقصَاهُ وأدنَاهُ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
ألا يا أيُّها المؤمنُ بهذا الإله: لقد أدركتَ المَدْرَكَ الذي به النجاةُ، وبالعملِ بمقتضاه الرُّقِيُّ في مراتبِ الفوزِ الأكبر، والاعتلاءِ مع أهلِ السعادةِ العظمى في خَير مُستقَر.
أيها المؤمن بالله: مَن حُرِمَ هذا الإيمانَ ينقَضِي عُمرُه بأيِّ وَصْفٍ كان، ومشتغلاً بأي شُغلٍ في السِّرِّ والإعلان، وغايتُه الخسران، والدخولُ إلى النيران؛ فبئسَ المسعَى مَسعاه، وبئسَ المصيرُ مصيرُه، وبئسَ الحالُ حالُه!. وهذا لكلِّ مَن دُعِيَ إلى اللهِ فاستكبَر، وكلِّ مَن وصلَ إليه خطابُ ربِّه فولَّى وأدبرَ وأعرضَ ونفَر {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}.
يا مَن حُزْتَ نعمةَ الإيمانِ فصارَ مَسلكُكَ في الحياة مَسْلَكَ المُدرِكِ مِن ذوي العرفان: مَن عَلِمَ عظمةَ الخالِقِ المنَّان فصارت أفراحُه قائمةً على أساسٍ مِن الوعيِ الصحيحِ والمَسْلَكِ المَلِيحِ يَتَرَقَّى به مراقي أهلَ الميزانِ الرَّجيح.
يا أيها المؤمن: الأعيادُ التي جاءَت على يَدِ نبيِّك صلى الله عليه وسلم -عيد الفطر وعيد الأضحى الذي أنتَ فيه الآن- أيَّامٌ للفرحِ بها وفيها، وتعظيمِها شَأنٌ في زيادةِ الإيمان والقُربِ مِنَ الرَّحمن، وفي استقرارِ الحياةِ على صلاحٍ وهُدىً واطمِئنان، وفي النُّزولِ إلى قبورٍ تكون رِيَاضاً مِن رياضِ الجِنَان.
أيها المؤمن بالله: يَكمُلُ المؤمنُ فيَتَّصِلُ في عقيدتِه ونَظرِه الأرضُ بالسماء، والدنيا بالبرزخِ والآخرة؛ فليس بقليلِ الفِكْرِ ولا مَحْصُورِهُ ولا قصيرِ النَّظَرِ في أمورِه غيرُ الكافرِ الذي لم يُدرِكْ إلا المتاعَ الزائلَ والأمرَ الفاني الحائل، فهم عبيدُ بطونِهم وشَهواتِهم وثرواتِهم وسُلطاتِهم وجَمعِ المالِ والتَّكالُبِ عليه والاعتداءِ على ثرواتِ الآخرين، إلى غيرِ ذلك مِن مَسَالِكَ يدَّعون بها أنَّهم يقومون بها بحضارةٍ وتقدُّمٍ وتطوُّرٍ ومعرفةٍ؛ وغايتُها وحقيقتُها: عدوانٌ وظلمٌ وتَشَبُّثٌ بالحقيرِ الزائلِ الفاني وتطاوُلٌ على مِلْكِ الرِّقَابِ والتحكُّمُ عليها إرواءً لغَليلِ النفسِ الخبيثةِ المُنحَطَّةِ التي لم تُزَكَّ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}..
فإذا ارتبطتَ بِعيدٍ، يجمعُك على المبدىءِ المُعيد، والحميدِ المجيدِ، الفعَّالِ لِمَا يريد فاعلم أنك تَسْلُكُ منهجاً رشيداً، ومسلكاً سديداً، تتبعُ فيه نَبِيَّاً مصطفىً أرسلَه رَبُّ العرشِ خالقُك وخالقُ أبيك وأمِّك وخالقُ أجدادِك وخالقِ أبيك آدم وخالقُ السماوات والأرض هو اللهُ، لا إله إلا هو.. بَعَثَ محمداً يُنَجِّيكَ ويُصَفِّيكَ ويُنَقِّيكَ ويُزَكِّيكَ ويُذَكِّرُكَ ويُنَوِّرُكَ ويُبَشِّرُكَ ويُنذِرُكَ؛ لتدركَ أمرَك، وتعرفَ قدرَك، ولا تتعدَّى طَوْرَك، وتستقيمَ على المنهاجِ بلا اعوجاج؛ فتتهيَّأ لمَصيرٍ ما أجملَه، وعاقبةٍ ما أعظمَها وأرفعَ قدرَها في أعلى منزلَة.
يا أيها المؤمن بالله: كذلك شأنُ الإيمان؛ رفعةٌ لأصحابِه، وعُلُوٌّ وسُمُوٌّ بأهلِه، واتساعٌ في الفكرِ والنظر، وخروجٌ مِن الحَصْرِ والأَسْرِ الذي فيه كلُّ مَن كفر، وكلُّ متبعٍ لمَن كفَر، ومغتَرٍّ بمَن كفَر، ومتأثِّرٍ بمَن كفر. وما أعجب أن يوجدَ بين أُمَّةِ خيرِ البشر، وبين أُمَّةِ الطُّهرِ المُطَهَّر، لا يتأثرُ بِخَبَرِ الأعلى الأجلِّ الأكبر، ولا بِخَبَرِ حبيبِه المطهَّر ويتأثَّر بأخبارِ كفَرةٍ وفجرة! ما أغربَ ذلك! وما أعجبَ ذلك!
ولكنَّه كائنٌ حتى حَدَّثَ عنه صلى الله عليه وسلَّم وقال: (لتَتبعُنَّ سَننَ مَن قبلَكم شِبْرَاً بشبرٍ وذراعاً بذراع). أي تتغيَّرَ بكم الموازينُ وتنحَطُّ بكم أقداركُم وتسفلُون، فتصيرون أتباعاً رِعَاعاً لفَسقَةٍ كفارٍ منقطعين عن منهجِ الإلهِ الغَفَّارِ والرسلِ والأنبياءِ وخاتمِهم المختار، تُحكِمُونَ الاقتداءَ بهم انبِهاراً واغتراراً بفَسقةٍ لا خلاقَ لهم، ولا قدرَ لهم عندَ الله، ولا نصيبَ لهم مِن نعيمِ الآخرة، وما هم في الدنيا -في كلِّ ما يتظاهرونَ به- مِن رفاهيَّةٍ وحريةٍ إلَّا أسرَى هُمومٍ وغُمومٍ وأكدارٍ وضيقٍ وأزماتٍ يَعيشون فيها، وفيهم الذي يطلبُ التخلُّصَ مِن الحياةِ بالانتحار، واضطرَّت بعضُ حكوماتِهم إلى أن تُنشىءَ أماكنَ رسميَّةً للانتحارِ لكثرةِ الانتحار! ويُسَلِّمُ المُنتَحِرُ فلوساً لأجل أن يُنحَرَ ولأجل أن يُذبَح! وهذا مِن المَعيشةِ الضَّنك.. أفقيرٌ هو؟ لا، أقليلُ المال هو؟ لا.. هو يملكُ عمارةً مكوَّنةً مِن مائة دورٍ ويطلعُ إلى الدورِ الأعلى ويرمي بنفسَه منتحراً! هو فقيرٌ في قلبِه، هو فقيرٌ في روحِه، هو جائعٌ في باطنِه لم يتغذَّ بـ "لا إلهَ إلا الله" ولم يُدرِك مَن خلقَه، ولا إلى أين مرجعُه.. وهكذا شأنُ الكفار.
أيها المؤمنون بالله جَلَّ جلاله: ومَن لم يَصِل به الحالُ إلى هذا فهو يخافُ الموتَ أشَدَّ ما يكون، ويَفِرُّ منه معَ كبارِ مَن يَفرُّون؛ لأنه لا نصيبَ له إلا هذه الحياة، ولا فرصةَ له إلا هذه المدة القصيرة.. فما أبعدَهم عن أهلِ الطمأنينة، وما أكثرَ البَوْنَ بينهم وبين أهلِ السكينة.
أيها المؤمنون بالله: أعيادُنا المتَّصلةُ بالقرآنِ والسنَّةِ أعيادُ وعيٍ وإدراكٍ عميقٍ، وتَمَسُّكٌ بركنٍ وثيقٍ، يتصل فيه شأنُ الأرضُ بالسماء، وتنزلُ الملائكةُ إلى سِكَكِ الطُّرقِ حيث يمضي المصلُّون إلى الأعيادِ ويُباهِي الرحمنُ بهم ملائكتَه.
فهل تعرفُ هذا القدرَ؟ ليسَت مباهاةَ حزبٍ ولا حكومةٍ ولا دولةٍ صغرى ولا كبرى؛ الرحمنُ رَبُّ العرشِ يُبَاهِي بهم الملائكةَ! ما أعظمَ ذلك وما أعجبَه! يُبَاهِي بهم ملائكتَه ويُشهِدُهُم أنهم غفرَ لهم جَلَّ جلاله وتعالى في علاه.
ولقد كان مَن حوالَي المدينةِ مِن القرى، يَهِبُّونَ مِن الليلِ متوجِّهين إلى مدينةِ خيرِ الوَرَى، ليَحظَوا بإتمامِ العيدِ برؤيةِ الوجهِ السعيد، ومُصافحةِ خَيرِ العبيد، وليُهَنِّئوه ويتهنَّوا بقُربِه، ويتهنَّوا بخطابِه ورؤيتِه. فكان أهلُ القرى يَهِبُّون رجالاً ونساءً صغاراً وكبارا، يخرجون مِن بعدِ منتصفِ الليل ومِن آخرِ الليل حتى يصلوا إلى المدينةِ مع الفجرِ أو بعد الفجرِ بعد طلوعِ الشمسِ ينتظرون خروجَ البدر صلى الله عليه وسلَّمَ إلى المصلَّى الذي يُصَلِّي بهم فيه؛ إذ لا يتَّسعُ لهم مسجدُه مع كَثرةِ وُرودِهِم مِن مختلفِ القرى -من عَوالِي المدينةِ وما حَواليها- ويتركُ في المسجِد مَن يصلِّي ببعضِ العَجَزَةِ والضَّعفةِ الذين لا يقوَونَ على الخروجِ إلى الصحراء. ويخرج صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ويصلِّي بهم، ويخطبُ فيهم، ويعلِّمُهم، ويَهدِيهم، ويُرشِدُهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ومما قال في مثلِ هذه الخطبة في يوم عيد الأضحى: (مَن نَسَكَ نَسِيكتَه -أي ذبحَ ذبيحتَه- قبلَ الصلاة فإنما هي شَاةُ لحمٍ يُقَدِّمُه لأهلِه، ومَن نَحَرَ بعد الصلاةِ فهي الأضحية). هذا النُّسكُ الذي أمرَ الله به.. والأضحيةُ المعظَّمُ شأنُها.
ولقد قال الله تعالى عن سيدِنا إسماعيلَ عليه السلام: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}. ولمَّا كان الذِّبْحُ فداءً لعظيمٍ وقُربَةً إلى الكريم كان عظيماً بِمَعانٍ متعدِّدة؛ كذلك صارت البُدْنُ التي تُهدَى إلى بيتِ الله مِن شعائرِ الله {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} صارَت مِن شعائرِ الله بِنِيَّةِ إهدائها لبيتِ الله. وهل يكتسبُ أيُّ مخلوقٍ عظمةً إلا بحسبِ النسبةِ إلى الله، إلا بحسبِ القُربِ مِن الله. فهذه حيواناتٌ بنيَّةِ مالِكها أن تُهدَى تتحوَّلُ إلى شعيرةٍ مِن شعائرِ الله {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
ولقد اعتنَى بالأضحيةِ صلى الله عليه وسلم طيلةَ سنواتِه بالمدينةِ، وسَنَة أن حَجَّ. وفي مثلِ هذا اليومِ نحرَ بيدِه الكريمةِ ثلاثاً وستين بدَنَة، وناول الـمُديَةَ لسيدِنا عليٍّ ليُكمِلَ البواقي -باقي المائة التي أهداها-، ثم ضَحَّى أيضا في أيامِ التشريقِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ أو شاتَين، ولم يَتركِ الأضحية. وقال في بعضِ أضحيتِه: «وقد ضَحَّى بكبشَين أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ سَمِينَيْنِ مُختَلِطٌ بياضُهم بسوادِهم». قيل أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ: أي طوالَ القرون حَسَنَي الخِلْقَة. وقال وقد نحرَ الأولَ: (اللهم عنِّي وعن أهلِ بيتي)، ونحرَ الثاني وقال: (اللهم هذا عنِّي وعمَّن لم يضحِّ مِن أمتي)» صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلم.
أيها المؤمنون: يُعَلِّمُنا الحقُّ معانيَ التكافلِ بينَنا في شريعةِ الإسلام بتقديمِ الهدايا والأضاحي، وبالتهنِّئةِ بالعيد، ومواصلةِ الأرحام، وبرِّ الوالدين. يخرجُ عن منهجِ النبوةِ ومسلَكِ الإسلامِ مَن يُصِرُّ على عقوقِ أبٍ أو أمٍّ أو يقطعُ رحمَه، ومَن لا يرحمُ جاراً، ومَن يجدُ ما يستطيعُ أن يجبرَ به كسراً لمنكَسرٍ وخاطراً لمسلمٍ فيبخلُ بذلك؛ خرج هؤلاء عن مَسلكِ النبوَّة، وعن حقائقِ شريعةِ الإسلام؛ فَنَقَصَت صِلتُهم بالإسلام وتحقُّقهم به.
أيها المؤمن بالله: اجعَله يومَ عيد "الله أكبر الله أكبر الله أكبر" يَعظُمُ رَبُّك في قلبِك، يَعظُمُ رَبُّكَ في إدراكِكَ وشعورك فَيَهْوِى كلُّ شئٍ مِن الكائناتِ خاضعاً أمام مَن عنَت له الوُجوه {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}، {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
اللهم املأ قلوبَنا بسِرِّ التكبير، وارزقنا كمالَ التَّنوير، وارزُقنا الادِّكارَ بالتذكير، وتَوَلَّنا بما تولَّيتَ به الصالحين مِن عبادِك أهل حُسنِ المَسِيرِ، وحُسنِ المصير، يا لطيف يا خبير.
واللهُ يقولُ وقولهُ الحقُّ المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
وقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيم:
{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}
باركَ اللهُ لي ولَكُم في القرآنِ العظيم، ونَفعَنا بما فيهِ مِن الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصِّراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزْيِهِ وعذابهِ الأليم. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ فاستَغفِروهُ إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الإلهِ القادرِ الحقِّ، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، فَازَ مَن آمنَ به وصدَّق، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، أعظمِ مَن بحقائق المعرفةِ لله والعبوديةِ له تَحَقَّق. اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك الأصدقِ الأسبقِ سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ الأطهار وأصحابِه الأخيارِ ومَن سار على منهجِهم واقتفَى الآثار، وعلى آبائهِ وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين معادنِ الأنوار، وآلهِم وصحبِهم والملائكةِ المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد، عبادَ الله: فإني أوصيكُم ونفسيَ بتقوى الله.
فاتقوا اللهَ وخذوا حقائقَ العِيد، لتنالُوا المَزيد، وتَمشُوا على المَنهجِ الرَّشيد، وتتَّصلوا بخيارِ العبيد في حقائقِ توحيدٍ لإلهِه؛ مرتَفعينَ بذلكم عن أن تُؤسَرُوا لدعواتِ المَستفزِّ بصوتِه، إبليس وجندِه مِن الإنسِ والجن {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ..} فكونوا منهم أيُّها الأحباب؛ مِن عبادِ اللهِ الذين ليس للشيطانِ عليهم سلطان، المُحرَّرِينَ عنِ الأدران، المطهَّرين عن الكَدرِ والرَّان.
أيها المؤمنون: التكبيرُ في العيدِ تثبيتٌ لحقائقِ التوحيد، وإخراجٌ لكلِّ وهمِ عظمةٍ لغيرِ عظيم، وكلِّ وهمِ كرامةٍ لغيرِ كريم.
ألا أيُّهَا المؤمنون: ما كانَ مِن أنواعِ الفرحِ في غيرِ العيدينِ المباركين مُتَّصِلَاً بالمنهجِ المقصود، وما أنزلَ المعبود، وما بيَّنَ زينُ الوجود، فهو مِن الخيرِ المُندرجِ فيما جاء به صاحبُ الشريعةِ مِن فَرَحٍ بفضلِ الله ورحمتِه {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
وامتلأت أيامُ المسلمين بأعيادٍ مُستَحدَثَاتٍ من قِبَلِ عقولِ مَن ضَلَّ، وعقولِ مَن زَلَّ ولم يعلم، وما قاموا بشيءٍ مِن لعبِهم في الحياةِ الدنيا وتَصارُعِهم على السلطة إلا وأقاموا له أعياداً! وقالوا العيد الفلاني والعيد الفلاني لا متَّصلاً بفضلِ الله ولا متِّصلاً برحمتِه! أولئك الذين رَقَّ عندهم صلتهم بحقائق الإيمان، وأصبحوا مُستَتْبَعِينَ في الحياةِ لجندِ الشيطان ولم يتحقَّقوا بحقائقِ: "لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسول الله"، والمؤدِّي إلى ذلك رغباتُ النُّفوسِ في الفانياتِ وتعظيمِ الحقيرات، والرَّغبةِ في السلطات، واتِّباعُ الأزياءِ الخَبيثاتِ التي تَنتَشِرُ، يُقتَدى فيها بالفاجرين والفاجرات، والفاسقين والفاسقات، واستماع أغانيهم الماجِنَات.. كلُّها حبالُ انفكاكٍ وانحلالٍ عن نورانيَّةِ الصِّلَةِ بالعَلِيِّ الأكبر، وحُسنِ الاستعدادِ لأكرمِ مستقَر، والرجوع إلى الرَّبِّ تبارك وتعالى في القبرِ والمحشَر.
أيها المؤمنون بالله: أقيمُوا حقائقَ الإيمان، وعظِّموا شعائرَ الرحمن، وانطلقوا بنورانيَّةٍ في الوعيِ والإدراكِ تتَّصلون فيها بخطابِ مَلِكِ الأملاك، وتقتدون بمَن رضيَه لكم قدوة، واختارَه لكم أسوة، وقال لكم في كتابه: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. يقولُ الله مَن آمنَ بي وبلقائي والرجوعِ إليَّ وذَكَرني بحقٍّ كثيراً فالأسوةُ له "محمد"، والقدوةُ له "محمد"؛ لا المُمثل ولا اللاعب ولا الرئيس ولا الحزبِ ولا الهيئةِ ولا المؤسسة.. "محمد" القدوة، "محمد" الأسوة. أخرِجُوا القدوةَ بغَيرِه مِن عقولِكم وعقولِ أبنائكم وبناتِكم، وأحيُوا حقائقَ الإيمانِ في أعيادِ التَّكبيرِ للعليِّ الكبير، وضَحُّوا ضحاياكم مُريدِينَ بها وجهَ الرَّبِّ.
وإنه يُغفَرُ لصاحبِها في أول قُطرَةٍ تنزلُ منها قبلَ أن تقعَ على الأرضِ يُغفَرُ له ما سلفَ مِن ذنبِه، وإنَّها لَتُوضَعُ في الميزانِ تُضَعَّفُ إلى سبعينَ ضعفاً فتوزنُ في ميزانِ الحسناتِ يومَ القيامة. فَلِيُسَمِّ اللهَ ولِيُكَبِّر، ولِيُكَبِّرِ التكبيرات، ولِيُسَمِّ اللهَ على ذلك، وليشهَد أضحيَّتَه، فإن كان يستطيعُ الذبحَ والنحرَ بيدِه فذلك أفضل، وإلا فيشهدُ عند نحرِها وذبحِها.
أيها المؤمنون بالله: يومُ المواصلة، ويومُ حسنِ المقابلة، ويومُ تهنئاتِ المؤمنين، ويومُ حسنِ النظرِ في إقامةِ الأمرِ على الإدراكِ القويِّ، والارتباطِ بالمنهج السَّوِي، ورفضِ كُلِّ زائغٍ وغويٍّ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}.
أيها المؤمنون: ونَابَ عنِ الأمَّةِ مَن وفَدَ إلى بيتِ الله ووقفَ بعرفات، وأفاضَ إلى مزدلفةَ وإلى مِنى وإلى الطوافِ بالبيتِ العَتيق.. قَبِلَهمُ الله، ولطفَ اللهُ بهم، وكشفَ الضُّرَّ عنهم وعنَّا وعنِ المسلمين. وبِنِيابَتِهم في الوفادةِ تكونُ مشاركةُ أهلِ السعادة، بحسبِ ما في القلوبِ مِن إنابةٍ وخشيَة، ومحبَّةٍ وقُربَة، ورغبة، وتعظيمٍ للرَّبِّ جَلَّ جلاله وتعالى في علاه؛ فأهلُ تلك القلوبِ محلُّ نظرِ اللهِ في شَرقِ الأرضِ وغَربِها.
أيها المؤمنون بالله: ما أعظمَ أعيادَ أهلِ الإسلام، وما أعظمَ أن يُدرِكوا مِيزتَهم والوِسام، والإكرام والإعظام، بِتَبعِيَّتِهم لرَبِّ الأنامِ وخيرِ الأنامِ، وخروجِهم مِن الظلامِ بتبعيَّة الطَّغامِ والاستِتباعِ للِّئام، و: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}.
أيها المؤمنُ في هذا المجمَع: إذا سَارَ وسَرَى إلى قلبِك نيةُ الاستقامةِ على منهجِ ربِّك وحسنِ تربيةِ أولادِك وأهلِك والانتظامِ في اتباعِ نبيِّك فأنتَ صاحبُ العيد حقيقة، وأنت لاحِقٌ بخيرِ الخليقة، وأنت ثابِتٌ على أقومِ طريقة. واحذر أن تَعْدَمَ هذه الوِجهَةَ في قلبِك وأنتَ في هذا المَجمَع، واحذر ألَّا تَنتَفِعَ بهذه الصلاةِ وبهذا الشهود. قد شَهِدتَ دعوةَ الخَيرِ وشَهِدتَ جمعَ المسلمين الذي حَثَّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ على حضورِه.
اللهمَّ إنَّا ندعوكَ أن تنظرَ إلى الأمة، وأن تكشفَ الغُمَّة وأن تُجلِيَ الظلمَة، وأن تدفعَ النِّقمَة، وأن تَبسطَ بِساطَ الرحمة، وأن تؤمِّن أوطانَنا وديارَنا وبلدانَنا، وأن تردَّ كيدَ الكفارِ والفجارِ عَنَّا، وأن تحرُسَنا في الحِسِّ والمَعنى، اعصِم دماءَ المسلمين يا ربِّ واحقِنها، اللهم واحرُس أموالَهم وأعراضَهم واحفَظها وصُنهَا.
اللهم وادفَعِ البلاءَ عن أهلِ "لا إلهَ إلا الله"، واجعلهُ مِن أبركِ الأعيادِ علينا وعلى المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. وقوِّ صلتَنا بنبيِّك حتى لا يكونَ في الكائناتِ والمخلوقاتِ أحبَّ إلى قلوبِنا منه، مِن أجلِك ولكَ وبُحِبِّك نحبُّه، ونحبُّ آلَه وصحبَه، ونحبُّ أمَّتَه عامَّةً وخاصَّتَهم خاصة.
اللهم اخلَع علينا خِلَعَ القبولِ في جمعِنا، واكتب اللهمَّ منكَ لنا عظيمَ استفادَتِنا ونفعِنا، واكتب اللهمَّ لنا منك واسعَ السُّموِّ بِنا ورَفعِنا.
اللهم أعِذنا مِن جميعِ الشرور في جميعِ الأمور، وأصلِح لنا جميعَ البطونِ والظهور، واشرح لنا باليقينِ والإيمانِ الصدور، اللهم واكشِف كروبَ الأمةِ أجمعين، واجعلنا في الهُداةِ المُهتدين، ولا تَصرِفنا مِن مَجمَعِنا إلا والقلوبُ عليكَ مجموعة، والدعواتُ عندكَ مسموعَة، ولا تجعَلْهُ آخرَ العهدِ لهذا العيد، وهَبْ لنا منكَ المزيد. وأعِدنا إلى أمثالِه في صلاحِ اليمنِ والشامِ والشَّرقِ والغَرب، وكَشفِ كروبِ المسلمين ودَفعِ كلِّ خَطب، وتحويلِ الأحوالِ إلى أحسَنِها يا محوِّلَ الأحوال.
وأكثِروا الصلاةَ والسلامَ على خيرِ الأنامِ، فإنَّ أولى الناسِ به يومَ القيامةِ أكثرُهم عليهِ صلاة، ومَن صلَّى عليه واحدةً صلَى اللهُ عليه بها عشرا، ولقد قال تعالى آمراً بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بالملائكةِ فقال مؤيِّهَاً تعظيماً وتكريما: {إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
صَلِّ وسلِّم اللهمَّ على حبيبِك المحبوب، طِبِّ الأجسامِ والقلوبِ سيِّدِنا محمدٍ، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه وصاحبِه وأنيسهِ في الغار، مُؤازرِ رسولِكَ في حالَيِ السِّعَةِ والضِّيق؛ خليفةِ رسولِ اللهِ سيِّدِنا أبي بكرٍ الصِّديق.
وعلى النَّاطِقِ بالصواب، حليفِ المحراب، مَن نشرَ العدلَ في الآفاق واشتهرَ، أميرِ المؤمنين سيِّدِنا عمر بن الخطاب.
وعلى مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، ذي النورِ والبرهان، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن؛ أمير المؤمنين ذي النُّورَينِ سيِّدِنا عثمانَ بن عفان.
وعلى أخِي النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمِه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب؛ أميرِ المؤمنين سيدِنا عليِّ بنِ أبي طالب.
وعلى الحسَنِ والحُسينِ سيِّدَيْ شبابِ أهلِ الجنةِ في الجنةِ، ورَيحَانَتي نبيِّك بِنصِّ السُّنَّة، وعلى أمِّهِما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء وعلى أخواتِها الكريمات، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرضى وأمهاتِ المؤمنين، وعلى الحمزةَ والعَبَّاس وسائرِ أهل بيتِ نبيِّك الذين طهَّرتَهم من الدَّنَسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبةِ وأهل بدرٍ وأهلِ أحدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وسائرِ الصَّحبِ الأكرمين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا مَعهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ وانصُرِ المسلمين، اللهم أذلَّ الشركَ والمشركين، اللهم اجعَلنا بحقائقِ الإسلام متحقِّقين، مُتَرَقِّينَ أعلى مراتبِ الإيمانِ واليقين، وأثبِتنا في عبادِك المُحسنين، واجعَلنا مِن المقرَّبين العارفين. اللهمَّ أثبِتنا في ديوانِ مَن أحبَبت، وقرِّبنا في خواصِّ مَن قَرَّبت، وادفعِ البلاءَ عنَّا وعن أمَّةِ نبيِّك في المشارقِ والمغارب، وادفع عنَا وعنهم جميعَ المَصائبِ والنَّوائب، وحوِّلِ الأحوالَ إلى أحسنِها يا مُحَوِّلَ الأحوال.
اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ومشائخِنا ومعلِّمينا وذوي الحقوقِ علينا مغفرةً واسعة، واختِم لنا بأكملِ الحُسنى وأنتَ راضٍ عنَّا يا أرحمَ الراحمين.
اللهم إنَّا نسألكَ لنا وللأمَّةِ مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُكَ ونبيُّك سيدُنا محمد، ونَعوذُ بك مما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
عبادَ اللهِ:
{إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذْكُركُم، واشكروهُ على نِعَمهِ يَزِدكُم، ولَذِكْرُ اللهِ أكبر.
10 ذو الحِجّة 1440