(575)
(536)
(235)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة ، بعيديد مدينة تريم، 23 ذو القعدة 1445هـ بعنوان:
تقويم وجهات أهل الإسلام بما شرع الله من الذكر والصلاة وتفضيل المساجد الثلاثة والحج لبيته الحرام
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد العلي العظيم، الأحد الغني الكريم، الفرد العزيز الحكيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده ملكوت كل شيء وإليه تُرجعون.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وصفوته الأمين المأمون، سيد من يهدون بالحق وبه يعدلون.
اللهم صلّ وسلّم وبارك وكرّم على القدوة العظمى والأسوة الكبرى، سيد أهل الدنيا والأخرى، عبدك المختار سيدنا محمد، وعلى آله المطهرين وأصحابه المُكرمين، وعلى من والاهُم فيك واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتك المُقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وجهة العباد لبيوت الله ﷻ :
أما بعدُ…
عباد الله،، فإنّ في تربية الرحمن لنا لِوِجهاتِنا، أنْ وجَّهَنا إلى بُيوته وإلى المساجد:
في الصلوات الخمس
ثم بوَجهٍ خاص في يوم الجمعة للجوامع التي تُقام فيها فريضة الجمعة،
ثم بوَجه أخص للمساجد الثلاثة المميزة عن سواها من المساجد على ظهر الأرض،
ثم بوَجه أخص إلى البيت الحرام، أول بيت وضع للناس، للعمرة في طول العام، ولموسم الحج في الوقت المعلوم المُعيَّن المخصَّص.
مقصد الحق ﷻ من التوجه لبيوته:
وَجَّهَ الوِجْهاتِ إلى تلكم الأماكن ليظلَّ المؤمن على ظهر الأرض:
مُربى مُزكًّى في وُجهته،
يتجه إلى الله،
ويلجأ إلى الله،
ويلوذ بالله،
ويعتمد على الله،
ويضع حاجاته على مولاه،
ويرجو الفرج من إلهه تعالى في علاه،
ويُنَمِّي التذلل بين يديه،
والخضوع لجلاله،
وصدق التوجه إليه
من خلال الصلوات الخمس، والجمعة، وقصد المساجد الثلاثة، والعمرة، ثم الحج ركن دين الله تبارك وتعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
وجعل الواجب على كل مؤمن في توجُّهِه للصلوات أن يُقبِل بقلبٍ خاشعٍ خاضعٍ مُنقّى مُطهرٍ مُصفى، ليقوم بين يدي عالم السّر وأخفى ـجل جلاله وتعالى في علاهـ، فنُدِبَ ألا يمشي إلى المسجد إلا بالسكينة وإلا بالوقار والطمأنينة، تعظيماً للشعائر في امتثال الأوامر من خير آمر، وتنقيةً للسرائر والبواطن والضمائر، ثم الوقوف بين يدي الحي القيوم -جل جلاله وتعالى في علاه-
بيوت الله ﷻ من الشعائر ومُعتكف المرأة بيتها:
وجُعِلت المساجدُ من شعائر الله على ظهر الأرض، وقال عنها: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ).
ونَدب الأمة أن يكون في بيوتهم أثرٌ من شِعار التّوجُه إليه؛ بأن يُخصّصوا في البيت موضعًا للصلاة فيكون مُصلى البيت، خصوصًا للنساء اللاتي اعتكافَهُنّ في البيوت أعظم من خُروجهن إلى المساجد، حتى قال الإمام ابن حنيفة: إن المُصلى في البيت يصِحُّ فيه اعتكافُ المرأة، فتنوِي الاعتكافَ وتَحوُز الثواب الذي يحوزُه الرجل إذا اعتكف في مسجدٍ من المساجد، إذا اعتَكَفَت في الموضع المُخصص للصلاة والعبادة من بيتها ومن وسطِ دارها.
أيها المؤمنون بالله -جل جلاله وتعالى في علاه- يرعى الله وجهة المؤمنين أن لا تَزِل وأن لا تسقُط وتَنزِل، فيدوم على التوجه إلى الإله الحق -جل جلاله-، مُتَذكرين نعمة الإيمان به، مُستزيدين منها، مُقوّين لها بالذكر والصلاة والطاعة، وتذكير أنفسهم بالعبادة له والسجود لجلاله سبحانه وتعالى: (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) -جل جلاله وتعالى في علاه وعظمته-.
تشتيت وجهات العباد عن الله :
أيها المؤمنون بالله، تربيةٌ في الشريعة غَفِلت عنها قلوب أكثر المسلمين وأكثر المؤمنين، فيُصبح أحدهم ووجهته مُشتّتة في المكانة عند الناسِ أو كيفية كسب الفلوس والقروش والمال، أو المكانة في وظيفة أو في هيئة أو مع جماعة إلى غير ذلك، بل ولُعِب بكثيرٍ من عقول المسلمين، فيصبحُ والوجهةُ مُشتّتة ما بين لعبٍ وما بين مصارعةٍ وما بين لعبِ كرةٍ، وما بين تمثيليات وما بين برامج مبثوثات من هنا وهناك، إلى غير ذلك مما شتّتوا به الوجهات، وشتّتوا به الإقبال القلبي والإقبال الروحي للإنسان، وشَتتوا به هِمة ابن آدم وهِمة المسلم الذي كان بمقتضى إسلامه وإيمانه يُصبح وهمُّه الله، ويُمسي وهمُّه الله، ويَبيت ويُصبح على ذلك، سالكاً أشرف المسالك، مُتذكِّراً من خلال ذكر الطعام وذكر المنام وذكرِ الشراب، وذكرِ دخول بيت الخلاء وذكرِ لبس الثياب وذكرِ الخروج من البيت والدخول إليه، وذكرِ دخول المسجد والخروج منه، ثم في الصلوات؛ فرائضَ ونوافل، ويخصُّ الفرائض بالحرص على الجماعة فيها، يتكامل جمعيةُ همّه على المراجع الأعظم والمقصود الأكبر.
معاني "لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد" :
ثم بعد ذلك كل ما تيَسّر له ومن تيسّر له من المسلمين في خلال الأعوام أن يتوجّه إلى أحد المساجد الثلاثة، فتُقصَد للصلاة فيها لمكانتها عند الرَّب:
ذاك أول بيتٍ وضع للناس،
وهذا بيتٌ أسَّسهُ سيد الناس،
وذاك مسجدٌ شُرِّف بخيار الناس،
وقام على هذا الأساس تعظيم هذه البيوت الثلاثة والمساجد الثلاثة على ما سواها، فكانت أحق المساجد على ظهر الأرض أن تُضرب إليها أكبادُ الإبل وتُشَد الرِّحال إليها، وفي ذلك جاء الحديث: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدٍ"، أي ما من مسجد على ظهر الأرض أحق بأن يُرحل إليه لشرف الصلاة فيه من هذه المساجد الثلاثة، وإن كان صاحبُ الحديث وصاحبُ الرسالة ﷺ قد شدّ رحله إلى مسجد قباء من غير المساجد الثلاثة، فلا إشكال في أن الثلاثة خصوصيّتُها أكبر وميزتُها أعظم، وهو معنى الحديث "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدٍ"، ثم بفعله شرّع أنه يمكن شدُّ الرّحل إلى مسجدٍ آخر، ولكن هذه أولى وهذه أعلى وهذه أغلى؛ الثلاثة المساجد المباركة المصونة، أدام الله حفظَها وسلامتها، وخلَّص بيت المقدس من كيد الظالمين والمعتدين والغاصبين والمفترين، إنّه قويٌ متين -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
توجه الوجهة لبيت الله و الوفاء بعهد الله:
أيها المؤمنون، وتأتي الوِجهة الكبيرة في خلال العام للعمرة بالبيت الحرام، ثم تأتي الوجهة الأكبر إلى يوم الحجِّ الأكبر، حيث تَجتمع وِجهات كل الذين تيسَّر لهم الوصول إلى حجّ بيت الله تبارك وتعالى، ويَقِفون في عشية يومٍ مشهود،؛ من خيار الأيام معدود؛ في يوم عرفة، حيث تُقبِل الوجهات التي أَحرمت بحجّها إلى بارئها، وتضجُّ بالدعاء والتضرع والابتهال، إعلانًا للعبودية وللوفاء بالعهد الذي أُخذ علينا في عالم الأرواح في مكانٍ قريبٍ من عرفة، في نعْمان الأراك، جُمِعَت فيه أرواح بني آدم، وناداهم الحي القيوم: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟).. (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ) ، عهدٌ بيننا وبين الملك الأعلى، بلى أنت ربنا لا نتخذ ربًّا سواك.
المهمة العظيمة في قصد بيت الله ﷻ :
أيها المؤمنون بالله، و ليقوموا بتلك المهمات العظيمات: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) في مسلكٍ كان الإمام فيه حبيب الرحمن مُختاره على التحقيق، قائلًا: "خذوا عنِّي مناسِكَكم" صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
إنها تربيةٌ للوجهات في الأمة، وهو لهؤلاء الذين يحضرون ويتوجهون، يشاركهم بقية أفراد الأمة على قدْرِ إيمانهم وصدقهم مع الإله، وإخلاص وجهاتهم له في الشرق والغرب من خلال الصلوات الخمس والتوجُّه فيها إلى الكعبة المشرفة، القبلة التي ارتضاها لنا ربنا بالرضوان لعبده المصطفى محمد، وقال له: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)، ومن خلال أيضًا النوافل التي يُصلّونَها، ومن خلال ما في قلوبهم من مشاعرَ فيّاضة بالمحبة والإجلال لبيت الله -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
وطلسم سرّ الذات رمزٌ به اهتَدى ** إليها رجالُ الحقِ من كلّ ناظرِ
ومن هاهُنا جَذبُ القلوبِ وميلُها ** ومنه مطار الروحُ من كلّ طائرِ
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا)، جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس، والشهر الحرام والهدي والقلائد.
الأيام العشر من ذي الحجة وعظمتها:
أيها المؤمنون بالله ﷻ، ومن خلال كَثرة الذكر والعبادة في عشر ذي الحجة للمسلمين حيثما كانوا في أي مكان، فما من أيام العملُ الصالحُ أحب إلى الله من العمل فيهن من أيام العشر، ولا الجهادُ في سبيل الله، قال: "ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ". وقال: "يعدل قيام كل ليلة منها من ليالي العشر من ذي الحجة بقيام ليلة القدر، ويعدل صيام كل يوم منها بصيام سَنة".
الشبه بين المضحي والحاج المحرم :
أيها المؤمنون، ومشاركةٌ أخص لمن أراد أن يضحي في عيده هذا المُقبل، أن لا يمسّ ظُفرًا ولا شعرًا حتى يأتي وقت التضحية ويضحِّي، فيتشبه أيضًا بالحجّاج من حيث أن لا يمس شيئًا من ظُفره ولا من شعره، كما هو حرام على المُحرمين بالحجّ والعمرة حتى يقضوا الوقوف بعرفة، ثم يعودوا إلى مزدلفة، فمنى، وحينئذٍ (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
فجاء في الحديث الصحيح عنه: "إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ فأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه ولا من بشَرِه شيئًا"، من أول يوم من ذي الحجة الذي يُنتظر إهلاله في مثل الليلة الماضية في ليلة الجمعة المقبلة علينا وعليكم.
أيها المؤمنون بالله، وجهاتٌ تُربي وتُزكي ليحفظ على أهل الملة حقائق إيمانهم وحقائق علاقتهم بإلٰههم، والله يحيي ما مات ويردّ ما فات، ويقوي الإيمان واليقين، ويحسن ويصلح الوجهات من رجالنا ونسائنا، وصغارنا وكبارنا، وعربنا وعجمنا، وأولنا وآخرنا، يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143) قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
وقال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
(وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ).
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله مولانا الحي القيوم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نُؤمِّلُهُ ونرجوهُ ونعتمدُ عليه ونتوكلُ عليه ونستغفرُه لكل ذنب وسيئة وقول وفعل مذموم.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه الطاهر السيد المعصوم.
اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على عبدك المختار سيدنا محمد، الذي جعلته لركب الأنبياء والمرسلين والمقربين قيدومًا أيَّ قيدوم، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن والاهم واتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الميقات المعلوم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عبادك الصالحين الذين صفَّيتَ لهم الطوايا وصحَّحتَ لهم الفهوم، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا حي يا قيوم يا رؤوف يا رحيم.
العشر من ذي الحجة موسم تصحيح الوجهات:
أما بعدُ…
عباد الله،،، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله أن يُتِمَّ عليكم شهر ذي القعدة وأنتم غافلون عن تَقويم وجهاتكم، واتقوا الله أن تَستقبلوا العشر الأُولَ من ذي الحجة وأنتم في غفلةٍ عن تصحيح وجهاتكم، وصحِّحوا وجهتكم إلى الحي القيوم، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا).
اتقوا الله أن تمرَّ الليالي والأيام وأفكاركم مشغولة بما يشغلُكم به أهل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وتَغفلون عما دعاكم إليه رب العرش مكوِّن الأكوان، خالق السماوات والأرض، على لسان الأطهر، على لسان الأصفى الأنور، على لسان عبده محمد خير البشر.
واشتغلوا بما به شَغلكم الله وأحبَّ منكم الاشتغال به:
بتقويم وجهاتِكم إلى الله،
واعتمادكم عليه،
واستنادكم إليه،
وتذلُّلكم بين يديه،
وزيادة الإيمان من خلال الصلوات والأذكار، وحضور المساجد،
ومشاركة الوافدين إلى بيت الله الحرام، وإلى رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، بالإحساس والشعور والوجهات
والتعظيم لما عظَّم الله،
وتمنِّي الوقوف في تلك المواقف على الخشوع والخضوع والصدق مع الحي القيوم جلّ جلاله وتعالى في علاه.
وأكثروا الصلاة والسلام على خير إمام، سيد الأنام، وسيلتكم الكبرى إلى مولاكم في كل خاص وعام، في الدنيا ويوم القيامة والزحام -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإن أولى الناس به يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة، ومن صلّى عليه واحدة صلّى الله عليه الله بها عشر صلوات.
ولقد أمرنا الله بأمرٍ ابتدأ فيه بنفسه وثنَّى بالملائكة، وأيَّهَ بالمؤمنين، فقال مُخبِرًا وآمِرًا لهم تكريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة، والنعمة المُسدَاة، عبدك المختار سيدنا محمد،
وعلى الخليفة من بعده المختار، وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حاليي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى القائم بحق الله والعدل في خلق الله، المُنيب الأوّاه، القائم بالصدق مع الرحمن جل جلاله فهو الأوَّاب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى مُحي الليالي بتلاوة القرآن، من استحيَت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخِ النبي المصطفى وابن عمه، ووليّه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسن والحُسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنّة،
وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى، وعائشة الرِّضا، وعلى الحمزة والعباس، وعلى أمهات المؤمنين، وبنات سيد المؤمنين، ومريم وآسية، وعلى آل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس،
وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد، وأهل بيعة الرضوان، وسائر الصحب الأكرمين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء :
اللهم نظرك للإسلام والمسلمين، اللهم إعزازك للإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم ارحم المسلمين الذين تشَتّتت بهم وجهاتهم فيما تدعوهم إليه النفوس والخبيث عدوك إبليس وجنده من الإنس والجن، ورُدّ وجهاتهم إليك، وارزقهم صدقَ الإقبال عليك، وأحيي فيهم حقائق الإيمان بك في جميع شؤونهم، في ظهورهم وبطونهم، حتى يتحقق كل ذكر وأنثى منهم بأنه المسلم الذي يَسلَمُ المسلمون من لسانه ويده، وأنه المؤمن الذي يُؤتمنُ على الأموال وعلى الأبضاع وعلى الأعراض.
يا مُحوِّل الأحوال تدارك المسلمين وحَوِّل حالهم إلى أحسن حال، وأنقذهم من الضلال والزيغ والإهمال، والإضاعة لأمرك، واتباع الأنفس والأهواء، والخروج عن سبيل السواء، والرضا بما يُلقى إليهم من الإغواء على يد الغَوي المُضلّ المُبين وجنده من شياطين الإنس والجن.
اللهم تدارَك هذه الأمة، اللهم ارحم هذه الأمة، اللهم اكشف عنهم الغُمة، اللهم أجلِ عنهم الظلمة، اللهم ارفع عنهم النقمة، اللهم كن لنا ولهم في كل مُهِمة، اللهم تدارك بألطافك وغياثك ونصرك أهل رفح، وأهل بيت المقدس، وأهل غزة، والضفة الغربية، وأهل السودان وأهل الصومال، وأهل العراق وأهل الشام وأهل اليمن، والمسلمين في المشارق والمغارب.
ياغياث المستغيثين، لا تجعل لقلوبنا وجهةً إلا إليك، ولا إقبالاً إلا عليك، ولا تذللاً إلا لك بين يديك. أعِزنا بطاعتك واليقين، وارفعنا مراتب المُتقين، وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، يا قوي يا متين، ورد كيد الغاصبين والظالمين والمعتدين والمجترئين والمفترين وأعداءك أعداء الدين.
اللهم اجعلهم كعصف مأكول، وادفع شرهم عن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في جميع الجهات، يا حي يا قيوم، اجعل وجهتنا إليك وتذللنا بين يديك واعتمادنا عليك، يا أكرم الأكرمين، طهِّرنا عن الأدناس، واكفنا شر الجِنّة والناس، وأعذنا من شر الوسواس الخناس، وقوّم بالتقوى لنا الأساس، وارحمنا في الدنيا والأرماس، ويوم بين يديك يقوم الناس، يا حي يا قيوم.
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك نبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك نبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، (ربنا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
عباد الله،،، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نِعَمهِ يزدكم، ولذكر الله أكبر.
24 ذو القِعدة 1445