(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة جمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة بعيديد، تريم، 24 ذي الحجة 1441هـ بعنوان: العبرة بمرور العام الهجري وميزان لِمَن يفعل ويترك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ للهِ القويِّ القَديرِ المَالِك، مَن بيدِه أمرُ الظاهرِ والباطنِ والحِسِّ والمعنَى فهو مَلِكُ المَمالك، في الإيمانِ به والخضوعِ لجلالِه سلوكُ خيرِ المسالك، لكلِّ مُكَلَّفٍ مِن مخلوقيهِ يُوجِبُ نَيْلَهُ لأعلى المطالبِ والمدارِك، وفي الغفلةِ عنه والخروجِ عن أمرِه والكُفرِ به والشِّركِ به كلُّ السوءِ والزَّيْغِ والفسادِ والشرِّ والمهالِك، وأشهدُ أن لَّا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا يشاركُه في تَصريفِ الأزمانِ وتَكويرِ الليلِ في النهارِ والنهارِ في الليلِ أحد، ولا يشاركُه في تسييرِ الليالي والأيام والأسابيع والأشهر مِن خلقِه فَرْدٌ ولا نِدٌّ ولا ضِدٌّ، سبحانَه مِن مَلِكٍ هو الإلهُ لا إلهَ إلا هو، ونشهد أنه اختارَ مُرسلين فختمَهم بالمصطفى محمدٍ، فنشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيُنِنا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسوله ونبيُّه وحبيبُه وصفوتُه وخليلُه، أرسله {بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
نسألُ الرحمنَ أن يُصَلِّيَ ويسلِّم على سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه ومَن آمنَ به واتَّبعَه وسار في سبيلِه واقتدَى به، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين وآلِهم وأصحابِهم وتابعيهم، وعلى الملائكةِ المقرَّبين وجميعِ عبادِ الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِه إنَّه أرحمُ الراحمين.
أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونَفسِيَ بتقوى الله، تقوى اللهِ التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا علَيها.
يُوَدِّعُ المسلمون في هذه الأيام عَاماً مِن أعوامِ هجرةِ خيرِ الأنامِ صلى الله عليه وسلَّم وسَنَةً مِن السِنينَ القَمَرِيَّةِ تَخرُجُ عليهم لا اختيارَ لأحدٍ منهم أن يُقَدِّمَها أو يؤخِّرَها أو يزيدَ فيها يوماً أو ساعةً، أو أن ينقصَ منها يوماً ولا ساعة؛ فمَجاري هذه الأزمنةِ وتقديرُ الأيامِ والليالي والأشهرِ والسنين مَظهرُ قَهْرِ القهَّار ومَقهوريَّةِ المؤمنين والكفار، وجميع مَن على ظهرِ الأرضِ لا يُكوِّرُونَ نهاراً في ليلٍ ولا ليلاً في نهار، ولا يُقدِّمونَ مِن الأيام والليالي ولا مِن الأشهرِ والأعوامِ ساعةً ولا يؤخِّرونَها.. فَمَن ذا يُسَيِّرُهَا مِن فوقِهِم؟ وما لَهم عنه غافلون!؟ وما لَهم عن ذكرِه مُعرِضُون؟! وما لهم لأوامرِه مُضَيِّعُون!؟ وما لهم لِمَا حرَّمَ عنهم ونهاهم عنه مُرتَكِبُون!؟ {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}
ونعوذُ باللهِ مِن لَهوِ القلوبِ التي تُضَاعُ به الأعمارُ وتُهدَرُ به نفائسُ أوقاتِ الأنفاسِ والساعاتِ فيكون ذلك سببَ الندامةِ الكبيرةِ والحسرةِ العظيمة {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}.
أيها المؤمنون: يجبُ أن تَستَحضِرَ عقولُنا وقلوبُنا سِرَّ مُرورِ الأيامِ والليالي بِنَا وقَطعِ المراحلِ التي تُلحِقُ الأواخرَ بالأوائل، ويجتمعُ فيها المُتَأَخِّرُ بالمُتَقَدِّم {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ * وَإِن كُلٌّ لَمَا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.
{وَإِن كُلٌّ لَمَا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} حُبِسَ أوَّلهم هابيلُ ابنُ آدمَ عليه السلام لِصُلبِه، حتى يَصِلَ آخرُهم، حتى يصِلَ آخرُنا، حُبِسُوا مِن عندِ أولِ مقتولٍ وأولِ مَيتٍ مِن بني آدمَ إلى أن يموتَ جميعُ بني آدم فيجتمعونَ في البَرزخِ ثم يُنفَخُ في الصور {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}
وما بعد ذلك إلا سَوْقٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النارِ حَتْمَاً مَقْضِيَّا، لا يُترَجِمُ إلا عما ساقوا أنفسَهم إليه مِن خلالِ هذه الأعمار، ومِن خلالِ هذه السنواتِ والأعوام {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}
أفترضَى أيُّها المؤمنُ أن يكونَ واحدٌ مِن هؤلاء المتكبِّرين أو جماعةٌ الذين بئسَ المَثوى مَثواهم قائدينَ لكَ في فِكْرٍ أو سلوكٍ على ظهرِ الأرض!؟ يا أيها المؤمنُ واحد أو جماعة مِن هؤلاء المتكبِّرين الذين بئسَ المثوى مثواهم ترضَى أن يقودوك في فكرٍ أو سلوك!؟ أو يقودوا أهلَك أو أولادَك؟ أو يقودوا بناتِك!؟ ما أبعدكَ عن العقلِ والإدراكِ والإيمانِ إن ارتَضيتَ ذلك! انظُر مَن قُدوتُك، انظر مَن أسوتُك، انظُر إلى مَن تنتهِي وإلى مَن تَرجِع في فكرٍ وسلوكٍ.
أيها المؤمنُ بالله: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ..} طَابَ فكرُكم وطَابَ سلوكُكم وطَابَ نظرُكم وطَابَ اختيارُكم وطَابَت إرادتُكم فَطَابَت ذواتكم فَطَاب مصيرُكم {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
هذه القصةُ لبَني آدمَ وجميعِ المكلَّفين تُتلَى علينا من قِبَلِ الخلَّاق؛ فهي غايةُ مستقبلِهم وأعظمُ خطرٍ يداهِمُهم ويلاقونَه أمامَهم، ولا مَفَرَّ لأحدٍ منهم عن ذلك {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
فانظر كيفَ تنتهِي بكَ هذه السنة، وكيف تختمُ آخرَ أسبوعٍ مِن أسابيعِ هذا العام.. وقد حدَّثَك العامُ بلياليه والأيام وأسابيعه والأشهر، بأنَّ القديرَ مضى تقديرُه، وأنَّ الكبيرَ جرى في بحرِ العامِ تدبيرُه، وأنه جَلَّ جلاله أماتَ مَن أمات، وأحيا مَن أحيا، وأمرضَ مَن أمرض، وشفا مَن شفى، وقدَّمَ وأخَّر، ورفعَ وخفض {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} كم في خلالِ هذا العام مِن المَغرورين بالتَّبعيَّةِ في الفكرِ أو السلوكِ لكفارٍ أو فُجَّارٍ -وهم مسلمونَ بالأصل- ماتوا خلال هذا العام فماذا لقُوا مِن تبعيَّة شرارِ الأنام!؟ وماذا لقُوا من رِضاهم باتباعِهم في فعلٍ أو كلامٍ!؟
وكم في بحرِ هذا العام توفَّى الله مِن قلوبٍ آمَنَت وصدَّقَت وأخلَصَت وأَبَت أن تَبِيعَ دينَها أو تَبيِعَ روحَها أو تَبِيعَ مالَها لغيرِ الله جلَّ جلاله، ولأجل إغراءٍ بمناصبَ في الدنيا أو إغراءٍ بأموال أو إغراءٍ بسُلطاتٍ لم ترضَ أن تبيعَ النَّفسَ والمالَ والروحَ لشيءٍ مِن ذلك، ولا أن تَبِيعَ دينَها بعَرضٍ مِن الدنيا يسير ماتت في هذا العام.. فيَا ما أنورَها مِن قلوبٍ، لَقِيَت الرَّبَّ وهو لها محبوب، فَلَقِيَت المحبوب.. وماذا تتخيَّل عند لقاءِ المُحبِّ للمحبوب؟ وماذا يكون مِن كرَمٍ وجودٍ وعطاءٍ غير محدود!
ألا إنه بابٌ يدخلُه الكل، ولكن والله ليس مَن نَدِمَ كمن فَرِح، وليس مَن خَسِرَ كمن رَبِح ، وليس مَن تَحَسَّرَ كمَن سُرَّ، وليس مَن نجا كمَن هَلَك، وليس مَن رَضِيَ عنه ملكُ الملوكِ كمَن لقيَه وهو غضبان عليه، لا واللهِ لا يستَوون، ولن يَشفَعَ لأحدٍ منهم مُرَتَّبٌ كان يتقاضاه، ولا سيارة تميَّزَ بها عن أصْنَاه، ولا دارٌ فاخرةٌ عَمرَها مِن حرام، ولا شيءٌ مِن الوظائفِ التي كان يشغلُها.. لا والله لن تشفعَ تلكَ لأحدٍ منهم، ولن يحوزوا مغفرةً وقُرْباً وشفاعةً عند الحقِّ إلا مِن حيثُ ما شرَعَ لهم في منهجِ الأدبِ والخضوعِ والتذلُّل، وحُسنِ الظنِّ بالحقِّ وخَلْقِهِ، والأدبِ مع أنبيائه وأوليائه وأصفيائه.. وما عدا ذلك لا يَشفَع، وما عدا ذلك لا ينفَع، وما عدا ذلك لا يرفَع، وما عدا ذلك لا يُدخِلُ على مَلِكِ الملوك جَلَّ جلاله وتعالى في علاه.
فأحضِروا الفكرَ وأنتم تُوَدِّعُونَ هذا العامَ الذي سيرحلُ عنكم وقد امتلأ بالعِبَر، وأيُّ عامٍ لم يمتلئ بالعِبَر؟ بل أيُّ شهر؟ بل أيُّ أسبوع لمن عَقَل وتفَكَّر ليس فيه عجائب العِبَر في عظَمَةِ مَن قدَّرَ ودبَّرَ، وقدَّمَ وأخَّر، ورفَعَ وخفَضَ، وأشقَى وأَسْعَد، وقرَّبَ وأبعَد، وهدَى وأضلَّ، لا إلهَ إلا هو، فاز الخاضعونَ لجلالِه والمُطَبِّقُونَ لمنهاجِه، والعاملون بشريعتِه والمقتدُون بحبيبِه وصفوتِه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
أيها المؤمنون بالله: يجب أن تعلمُوا واجبَكم الكبيرَ فيما آتاكم الخالقُ الصانعُ القدير، من سَمْعٍ وبصَرٍ وعقلٍ وإدراكٍ وأرسلَ إليكم الرسلَ وأنزل الكتبَ وقد خَتَمَ الكتبَ بالقرآن والرسلَ بمحمدِ بن عبد الله بن عبد المطلب سيدِ الأكوان، صلى الله عليه وآله وصحبِه وسلَّم لإصلاحِ المَعاشِ والمَعَاد، فلا تُسَلِّموا الأَزِمَّةَ في مَعَاشٍ ولا مَعَادٍ لمُفسدينَ على ظَهرِ الأرض، وفُجَّارٍ على ظهر الأرض، وكفارٍ على ظهر الأرض عُبَّادُ الشهوات، عبيدُ الأهواء والمَلَذَّات، مَن لم يُدركْ معنى الحياة ولا معنَى المَمَات، مَن غَرَّه زخرفُ الحياة، وغرَّتهُ المُتَعُ المنقضيَةُ القصيرةُ الحقيرة الزائلةُ الفانية.. أولئك الذين ليسَ لهم في الآخرةِ مِن خَلاق {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}.
أيها المؤمنون بآيات الله: أَحسِنوا وداعَ عامِكم بـحُسنِ التفقُّدِ لإقامةِ أمرِ إلهِكم في شؤونِكم وأحوالِكم، وتدارُكِكم بالتوبةِ الصادقة لِكُلِّ ما حصلَ مِن خلَل، والعزيمةِ الصادقة فيما تستقبلونَ من أيامٍ في عمرٍ قد قُدِّرَ لا تدري أَبَقِيَ منه سنواتٌ أم أَشهُرٌ أم أسابيعُ أم أيامٌ أم ليالي أم ساعاتٍ أم لحظات {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}.
هَيِّئنا اللهمَّ لحُسنِ المصير، بحُسنِ المَشيِ والمَسير، فيما أنبأتَنا يا عليمُ يا خبيرُ، وأوصلتَ إلينا مِن البلاغِ على لسانِ البشيرِ النذيرِ السراجِ المنير، ثَبِّتنا على دَربِه، وأدخِلنا في حزبِه، واحشُرنا يومَ القيامة في زمرتِه، واملأ قلوبَنا بمحبَّتِك ومحبته، وأحيِنا على ذلك وتَوَفَّنا على ذلك مُتَمَسِّكِينَ بسُنَّتِه وطاعتِه. برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
واللهُ يقولُ وقولهُ الحقُّ المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
وقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيم: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ * ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ * وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ * وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ ۗ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
باركَ اللهُ لي ولَكُم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيهِ مِن الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، وثبَّتنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خزيِهِ وعذابه الأليم.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ فاستَغفِروهُ إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.
الحمد للهِ القويِّ القَادِرِ، وأشهد أن لَّا إله إلا اللهُ العَزِيزِ الفَاطِرِ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه وحبيبُه وصَفِيُّه الطاهر، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك المصطفى سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه ومَن في طريقِه سائر، وعلى آبائه وإخوانِه مِن أنبيائك ورُسلِكَ وآلِهم وأصحابِهم وتابعيهم والملائكةِ المقرَّبين وعبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله..
فاتقوا اللهَ وتأمَّلوا مِن أجل أيِّ شيءٍ يَحِقُّ للإنسانِ العاقلِ أن يتركَ ما يتركُ وأن يأتيَ ما يأتي.. وربَّما كان ما يأتيهِ يحتاجُ منه صبرٌ ومشقَّة، وربما كان ما يتركُه لنفسِه له رغبة وإليه طُمُوحٌ وجُنُوحٌ.. من أجل أيِّ شيء يحقُّ أن يتركَ ويفعل؟ مِن أجل أيِّ شيء يَحِقُّ أن يَرُدَّ ويقبل؟ مِن أجلِ أيِّ شيء!؟ أمِن أجلِ الأنفسِ والأهواءِ والشهوات؟ أم مِن أجلِ الناسِ بعضهم لبعض؟ أم مِن أجلِ الدولِ والحكومات؟ مِن شيءٍ يَحِقُّ لك بِعزَّتِك وشرفِك أن تختارَ تركَ هذا وفِعلَ هذا؟!
لو عقلتَ ما كان ينبغي لكَ أن تُقَرِّرَ بما آتاكَ اللهُ مِن اختيارٍ فعلَ الشَّيء ولا تركَه إلا امتثالاً لأمرِه الذي جاءكَ مِن فوق، إلا خضوعاً لجلالِه وعظمتِه، ولك العزُّ والشَّرف. أمَّا أن تبنيَ حياتَك على أن تفعلَ وتتركَ لأجلِ حزبٍ ولأجلِ هيئةٍ ولأجلِ حكومةٍ ولأجلِ نفسٍ ولأجل هوى فبئسَ ما بِعتَ به نفسَك وبئسَ ما بِعتَ به عقلَك وبئسَ ما بِعتَ به دينَك (كلُّ الناسِ يغدُو، فبائعٌ نفسَه فمُعتِقها أو مُوبِقُها). مُعتِقُهَا: مَن لم يجعلْ ميزانَه فيما يأتي ويدَع لأجلِ هوًى ولا نفسٍ ولا شيطان ولا شَعبٍ ولا حكومة؛ ولكن مِن أجلِ رَبِّ الكل {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}.
وإنَّ مَن كان يأتي ويترك مِن أجلِ هوىً أو نفسٍ أو شهوةٍ أو لأجلِ كلامِ مُجَرِّبٍ أو مُفَكِّرٍ أو مِن أجلِ صحَّةِ جسدٍ مُجَرَّد -ما عَلِمَ أنَّ صانعَ الجسدِ أعلمُ بما يُصَحِّحُ الجسدَ وبما يُفسِدُه- فإنَّه بَاعَ نفسَه فأوبقَها، باع نفسَه لغيرِ مالكِها لغير خالقِها وبارئها، فهو مُهْلِكٌ نفسه. ولكن مَن كان ميزانُه في ارتضاءِ هذا، وفي كراهةِ هذا، وفي محبَّةِ هذا، وفي بُغضِ هذا، وفي الفعلِ وفي التَّركِ أمرَ الله وأمرَ رسولِه فهو المُعتِقُ لنفسه؛ أعتقَ نفسَه من رِقِّ السِّوَى والأغيار،ِ وأن يُبَاعَ لِفَردٍ أو جماعةٍ من البشرِ مثلِه وصار عبداً لواحدٍ أحدٍ فردٍ صمدٍ، فلهُ العِزَّة وله الشرف والكرامة {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى يكونَ هواه تَبَعاً لِمَا جئتُ به).
أيها المؤمنون: مِن أجلِ المَعَادِ لا سَبِيلَ لتسليمِ زمامِ شيءٍ مِن أمرِ الدينِ لفِكرِكَ وعقلِكَ المجرَّد فضلاً عن فكرِ غيرِكَ وعقلِهِ مِن أفرادٍ ولا جماعات- لا والله لا يُعرَفُ دينُ اللهِ إلا مِن الله، ولا يُعرَفُ مِن اللهِ إلا بواسطةِ رسولِه، ولا يُعرَفُ مِن رسولِه إلا بواسطةِ آلِه وأصحابِه، وورَثتِه وحَمَلَةِ دينه؛ السَّندُ إلى محمدٍ هو البابُ لفهمِ الدينِ لا غير، لا أفراد ولا جماعات ولا دول ولا تجربة أحد ولا دول ولا حكومات؛ ليس مِن حقِّ أحدٍ أن يقولَ لنا دينُ الله كذا.. أأنتَ الرسول!؟ ألَكَ سندٌ إلى الرسول؟ فاسكُت يا مقطوعاً عنِ الحقِّ كيف تُفَسِّرُ لنا دينَنا وأنت الذي لم يُرسلْكَ اللهُ، ولا صِلةَ لك بسندٍ إلى رسولِه فاسكُت، فما لكَ أن تتكلمَ بهذا، ولقد حذَّرَ اللهُ عامَّة المؤمنين أن يتجرَّأُوا على أحكامِه بغيرِ علم وقال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
أيها المؤمنونَ بالله جَلَّ جلاله: وإذا أقمتُم هذا الميزانَ، فمعاشُكم أيضا جاءت شريعةُ اللهِ بإقامةِ الاجتهادِ فيه والنظرِ والتجربةِ وأخذِها ممَّن كان على أَصلٍ مِن ضوابط الحلالِ والحرامِ والأمرِ والنهي. وإنَّنا في هذا الأمرِ أيضا لمَّا اتخَذنا بعضَ المُفسدينَ في الأرضِ أئمةً لنا قادُوا زِمَامَنا صارَ أكثرُ بلادِ العالم وأكثرُ بلادِ المسلمين قِوَامُ ما يحتاجونَه في الحياةِ مُرَتَّبٌ على اتصالاتٍ بقنواتٍ تتَّصل بهنا وهناك، نهايةُ التحكُّم فيها لأربابِ سياساتٍ ليلعبُوا على الناسِ في مَعاشِهم ويتحكَّموا عليهِم مِن احتياجاتِهم في المَعاش!
ولو كُنَّا سلَّمنا الزِّمامَ لصاحبِ الرسالة لَعَلِمنَا كيف نَدَبَنَا إلى الحِرفَةِ والمِهنةِ والزِّراعة والتجارةِ وقال عند هُبوبِ رياح الفِتَنِ القاتمةِ الغاشمةِ في آخرِ الزمان: (فمَن كان له زَرْعٌ فليَلحق بِزَرعِهِ، ومن كان له ضَرْعٌ وماشية وغنمٌ فليرجِع إلى ماشيته وغنمه). أي ليقيمُوا احتياجاتِ الحياةِ عندَهم مِن بينِهم في أراضِيهم ولا يَدَعُوا التَّحكُّم لآلِ السياساتِ والكفارِ في أكلِهِم وشربِهِم وما يحتاجونَه في لَيلِهِم ونَهارِهِم، فإنَّ الرسالاتِ جاءت لإصلاحِ المَعاشِ والمعاد، فخاب مَن سَلَّمَ زمامَه في مَعاشٍ أو معَادٍ لغيرِ ربِّهِ ولغيرِ رُسُلِهِ.
ألا يا مَن أغناكم اللهُ بالمنهجِ الأعظمِ الذي ليس وَلِيدَ فِكْرٍ ولا تجربة: لا تُذِلُّوا أنفسَكم بالتبعيَّة للمفسدينَ على ظهرِ الأرض {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.
يا مؤمناً بهجرةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ولِمَ هاجرَ وتركَ مكة وهي أحبُّ البلادِ إليه؟ وتركَ جوارَ الكعبةِ المشرفةِ، ثم فرضَ على مَن هاجَرَ مِن أجلِ اللهِ مِن جِوارِ الكعبةِ أن لا يقعدَ في مكَّةَ بعد أن تَمَكَّنَ منها وفتحَها أكثرَ مِن ثلاثةِ أيام (تركتُموها مِن أجل اللهِ فلا تجلسوا فيها). فكان بعضُ المهاجرين يَمُرُّ تحتَ دارِه وهو ماشٍ في الطريق بمكة فيلوي رأسَه إلى الجهةِ الأخرى، لا يحبُّ أن ينظرَ إلى دارٍ تركَه مِن أجلِ الله، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى في علاه.
فانظروا كيف يقومُ الإيمانُ وأهلُ هذه الهجرة مِن أجل اللهِ ضربوا الأمثالَ في ذاكم العلُو.. وهذا لا يريدُ أن يهجرَ الصورَ الفاحشةَ الحرامَ المُنتنَةَ الخبيثةَ في جوَّالِه! ياهذا؟ يا هذا! أَمَا يَحِقُّ لك أن تتركَ هذا لربٍّ خلقَكَ وخلقَ بصرَك وسمعَك ثم قال: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} لا حقَّ له أن تتركَ هذا مِن أجله!؟ فلِمَن تترك ولمَن تأتي إذن؟! أبعِد عن النظرِ الحرام، أبعِد عن برامجِ مفسدينَ على ظهرِ الأرض {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
واصدُق مع الله، وأَحسِن خاتمةَ العام، واستقبلِ العامَ المقبلَ ولا قيادةَ فيه لمُشركٍ ولا كافرٍ ولا فاجرٍ ولا منافقٍ في بيتِك، ولا في أسرتِك، ولا في عاداتِك، ولا في لباسِك ولا لباسِ بنتِك وزوجتِك، لا قدوةَ لفاجرٍ ولا كافرٍ ولا مُنحرفٍ ولا ضَالٍّ ولا فاسق؛ القدوةُ لـ"محمد" والقدوةُ لآلِه وأصحابِه وآلِ مَن تَلَقَّى عنه ولمَن أسنَدَ إليهِ في كُلِّ شؤونِنا وأحوالِنا {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
فلا يُختَمُ العامُ وفي بيتِك قاطعٌ لرحم، ولا عاقٌّ لوالدين، ولا مصرٌّ على النظرِ الحرام، ولا متكلمٌ بالغيبةِ كلَّ يوم، ولا مؤخِّرٌّ لصلاةِ الصبحِ أو غيرِها مِن الفرائض عن وقتِها.. أحسِن خاتمةَ العام، أَدرِك أنَّه أخَّرَك إلى آخرِ العامِ وقد قَبَضَ أرواحاً في أولِ العامِ ووسطَه وآخرَه دونَك.. فلِمَ أخَّرَك؟ {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} فَتَذَكَّر واشكُر، وأقِم أمرَه في دارِك وأسرتِك وبَيتِك، واستقبلِ العامَ وتذكَّر هجرةَ خيرِ الأنامِ صلى الله عليه وسلم.
اللهم املأ قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به خيرُ المرسلين، اختِم عامَنا بخيرٍ، وأقبِل علينا العامَ الهجريَّ المقبلَ بصلاحِ أحوالِنا وأحوالِ أهلِ "لا إله إلا الله" ونشرِ الهدى في براياكَ ظاهراً وباطناً يا الله.
وأكثِرُوا الصلاةَ والسلامَ على هادِيكم إلى المَلِكِ العَلَّام، وداعيكم إلى خالقِكم بالصِّدقِ والإخلاصِ والإيمانِ واليقينِ وحُسنِ البَيَانِ والبلاغِ وحُسنِ التصرُّفِ في كُلِّ فعلٍ وكلامٍ وإقدامٍ وإحجامٍ، صلوا عليه ليلاً ونهاراً سِرَّاً وإجهاراً فإنَّ رَبَّ العرش يُصَلِّي على مَن صلَّى عليه واحدةً عشرَ صلوات، وإنَّ أولى الناسِ به يومَ المِيقات أكثرُهم عليهِ مِن الصلوات، وإنَّ اللهَ أمركَم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه وثَنَّى بملائكتِهِ وأَيَّهَ بالمؤمنينَ مِن عباده تعميماً فقال مُخبِراً وآمِرَاً لهم تكريماً: {إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
اللهم صَلِّ وسلِّم على الرَّحمَةِ المُهدَاةِ والنِّعمَةِ المُسْداةِ خَيْرِ بريَّاتِكَ المخصوصِ بأعلى خطاباتِك وأعظمِ آياتِك سيِّدِنا محمدٍ، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار، وصاحبِه وأنيسهِ في الغار، مُؤازرِ رسولِك في حالَيِ السَّعَةِ والضِّيق؛ خليفةِ رسولِكَ سيِّدِنا أبي بكرٍ الصِّديق.
وعلى النَّاطِقِ بالصَّوَابِ شَهيدِ المحراب، أميرِ المؤمنين سيِّدِنا عمر بن الخطاب.
وعلى مَن استَحيَت منه ملائكةُ الرحمن، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، أمير المؤمنين المُنفقِ الأموالَ في رضاكَ ورِضا رسولك؛ ذي النُّورَينِ سيِّدِنا عثمانَ بن عفان.
وعلى أخِي النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمِه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب؛ ليثِ بني غالب أميرِ المؤمنين سيدِنا عليِّ بنِ أبي طالب.
وعلى الحسَنِ والحُسينِ سيِّدَيْ شبابِ أهلِ الجنةِ في الجنةِ ورَيحَانَتي نبيِّك بِنصِّ السُّنَّة، وعلى أمِّهِما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرضى، وعلى الحمزةَ والعَبَّاس وسائرِ أهل بيتِ نبيِّك الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنَسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبةِ وأهل بدرٍ وأهلِ أحدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ الصَّحبِ الأكرمين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا مَعهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ وانصُرِ المسلمين، اللهم أذِلّ الشركَ والمشركين، اللهم اجعل العامَ الراحلَ مِن بين أيدينا شاهِداً لنا لا شاهِداً علينا وحُجَّةً لنا لا حُجَّةً علينا، اللهم أحسِن لنا خاتمتَه وبَقِيَّةَ أيامِه ولياليهِ واجعلنا ممَّن تَرتضيه وتَجتبيه وتُقَرِّبُه وتُدنِيه وتَصطفيه، اللهمَّ لا انصرمَ عامُنا إلا ونحنُ في المَحبوبين لك مُتَرَقِّينَ في مراقِي المحبةِ لك ومنكَ يا ربَّ العالمين، اللهم واجعل في العامِ المقبلِ فرجاً للمسلمين، وغِياثاً للمسلمين، وصَلاحاً للمسلمين، وجَمْعَاً لشملِ المسلمين، ودفعاً للبلايا عن المسلمين، اللهم ارزُقهم حسنَ تسليمِ أمرِهم لكَ ولرسولِك في مَعَاشِهِم ومَعَادِهِم لتُصلِحَ معاشَهم ومَعادَهم وتُسعِدَهم في معاشِهم ومعادِهم.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}
يا مُقَلِّبَ القلوبِ والأبصارِ ثَبِّت قلوبَنا على دينِكَ.
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
اغفِر لنا ولوالدينا ومشائخِنا وذوِي الحقوقِ علينا وجميعِ مَن له حَقٌّ علينا، والمؤمنينَ والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات أحياهم وموتاهم إلى يومِ الميقات، برَحمتِك يا أرحمَ الراحمين يا خيرَ الغافرين.
اللهم إنَّا نسألكَ لنا وللأمَّة مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعان وعليكَ البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاثٍ ونهَى عن ثلاث:
{إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذْكُركُم، واشكروهُ على نِعَمهِ يَزِدكُم، ولَذِكْرُ اللهِ أكبر.
25 ذو الحِجّة 1441