(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع منطقة شريوف، بوادي حضرموت، 19 ربيع الثاني 1445هـ بعنوان:
التقوى ومجالاتها في سير الحياة ونواحي العمل والمساعي
الحمد لله .. خالِقِنا وخالقِ السماوات والأرض وما بينهما، وخالق كل شيء وخصَّنا بأسماعٍ وأبصار وعقول وأرواح بها نعقل عنه سبحانه وتعالى خطابه، لنقوم بأمره في حياتنا هذه القصيرة استعدادًا لحياة الأبد والبقاء والدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، كل شيء هالكٌ إلا وجهه له الحكم وإليه تُرجعون، يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا، ويعلم ضمائرنا وخواطرنا وما في قلوبنا ويعلم السرّ وأخفى وهو بكلِّ شيء عليم، يوفِّق من يشاء فيهديه ويثبِّته على الصراط المستقيم، ويا ويل من خُذِل إلى فعل المعاصي وترْك الواجبات فيكون مآله العذاب في نار الجحيم.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرَّة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فهو الأمين المأمون خاتم النبيين وسيد المرسلين، دلَّنا على الله، وهدانا إلى الله وبيّن لنا أحكام الله، ووضَّح لنا شرع المولى تعالى في علاه، وكان لنا القدوة العظمى والأسوة الكبرى، من اتَّبعه أحبه الله وأدخله جنته وغفر ذنوبه وخطيئته.
قال تعالى لنبيه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آلعمران: 32]
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك الأمين المصطفى سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه الغرِّ الميامين وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقرَّبين وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد ،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإيَّاي بتقوى الله، فاتقوا الله تعالى وأحسنوا يرحمكم الله (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56]
عباد الله، تقوى الله يقوم نورها في قلب كل مؤمن، على قدر تعظيمهِ لله وتعظيمهِ لأمر الله، وتعظيمه لشريعة الله، وتعظيمه لرسول الله محمد بن عبد الله، و تعظيمهِ للقرآن العظيم، وتعظيمهِ لشرعهِ المصُون.
على قدر الإيمان يكون التعظيم، وعلى قدر الإيمان والتعظيم تكون التقوى. والتقوى أن يبتعد عن كل ما يوجب غضب الله، عن كل ما يوجب سخط الله، عن كل ما يوجب البعد عن الله؛ من النظر الحرام والقول الحرام، والحركة في فعْل معصيةٍ أو ترك واجبٍ، أوجبه الله تعالى علينا جلّ جلاله، أو أخذ حق الغير أو قطيعة الرحم أو عقوق والدَين، أو إهمال أبناء وبنات عن التربية الواجب علينا أن نربيَهم عليها، توقِّي هذه الأشياء والابتعاد عنها خوفاً من الله ورجاءً في ثواب الله؛ هي التقوى التي وعد أصحابها جنات الله والخلود فيها (وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ*وبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ) [الشعراء:90،91]
ألا فاسلكوا سبيل المتقين، وأحبُّوا المتقين من أجل الله وإن أفضل المتقين وخير المتقين محمد بن عبد الله رسول الله، وإن الأتقياء الأعظم في أمته من بعده خواص أهله وأصحابه، ثم خواص تابعيهم بإحسان على مدى الأزمان، فهم الأتقياء البررة الذين أُمرنا أن نتبَّعهم؛ قال سبحانه وتعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100]
هؤلاء المتقون من العلماء العاملين الداعين إلى الله على مدى القرون، هم الصادقون الذين أمَرنا الله أن نكون معهم. قال جلّ جلاله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [ التوبة:119]
فوجب ولاء المتقين، ومحبة المتقين، لأن الله يحب المتقين ووجب أن نقتدي بهم وأن نتشبه بهم وأن نعْلم يقينا أنه ليست لنا قدوة في غيرهم، ولا يجوز لمؤمنٍ ولا لمؤمنةٍ أن يقْتدوا في شيء من شؤون حياتهم بكافرٍ ولا فاجرٍ ولا نصراني ولا مجوسي ولا هندوسي ولا يهودي ولا مشركٍ ولا ملحد؛ بل أولئك الذين غوَوا وضلوا فوجب أن نبتعد عنهم، هم الذين بُرِّزت لهم النار (وبُرِّزت الجحيم للغاوين) الذين غووا عن منهج الله تبارك وتعالى فلا قدوة لمؤمن ولا مؤمنة؛ إلَّا أنبياء الله وإلَّا أولياء الله والصادقين مع الله وأهل تقوى الله ـ جلَّ جلاله وتعالى في علاه ـ قال تبارك وتعالى بعد ذِكْر الأنبياء والمرسلين (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90]
أيها المؤمنون، وجبَ علينا أن نسلك سبيل المتقين ونحمل أنفسنا على ذلك ونجاهد أنفسنا حتى نبلغ الغاية، والغاية رضوان الربِّ ودخول الجنة.
قال جلَّ جلاله (فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) وهم هؤلاء الغاوون (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ) (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ) [الشعراء: 91] فأما من طغى: طغى؛ خرج عن سبيل الله؛ تكبَّر أو أخذ الربا أو سرق و مضى في سبيل سرقة أموال الناس أو النَهِب أو التحيُّل على أخذ مالِ الغير أو مالِ وقف أو مال يتيم؛ هؤلاء هم الغاوون، الطاغون.
(فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ظنَّ أن الأموال؛ من نقود وسيارات وديار هي المقصود الأعظم وأنها سبب الراحة وسبب الفوز والسعادة وليست إلا وسائل إن أُخِذت من الحلال وصُرِفت في موطنها أو تُصدِّق بها لوجه الله وأنفِقت في سبيله كانت خيرًا على صاحبها، وإن أُخِذت من حرام أو شُبهات أو أنفِقت في محرمات أو لم تؤدَّ زكاتها فهي وباءٌ وبلاءٌ على صاحبها، وله مع هذا الإثم أن يعيش فيها مشتَّت الشمل، وأن يعيش فيها قلقًا، وأن يعيش فيها مُكدَّر البال.
هذا لازمٌ لكل من طغى، ولكل من أصرَّ على معصية الله تبارك وتعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى) [طه:124]
وهكذا شأن هذا المتاع الفاني الذي يعطيه الله تعالى للبرِّ والفاجر والمؤمن والكافر ولا عبرة به، و إلَّا من أخذهُ من حلال وصرفهُ في خير مجال؛ من نفقة على أهله وصلة لرحمهِ وصدقة على الفقر والمساكين وأدَّى الزكاة، ولم يُلهِه ماله ولا سيارته ولا عمارته ولا تجارته ولا وظيفته، لم تُلهِه عن ذكر الله وإقامِ الصلاة، لا تقطعه عن الجماعة ولا عن نصيب من قراءة القرآن كل يوم وليلة، لا تقطعه عن الخير، لا تقطعه عن صيام ما تيسر بعد أداء فريضة رمضان، لا تقطعه عن بذل المعروف، لا تقطعه عن الذكر للرحمن جلَّ جلاله.
قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الخاسرون)
خاسر من كان من أجل المال أو التجارة قاطع رحم.
خاسر من كان من أجل المال أو التجارة ترك الجمعة.
خاسر من كان من أجل أي مال أو تجارة ترك فريضة من فرائض الله أو أخَّرها عن وقتها (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الخاسرون) (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:، 11،10]
فإنها آجالٌ معيَّنة محدَّدة معدودة، فيها الأيام والليالي والساعات والدقائق واللحظات والأنفاس فلا يزيد نفس ولا لحظة ولا ينقص في عمر أحد نفسٌ ولا لحظة من حين أن يخرج من بطن أمه، كم عدد أنفاسه؟ كم يتنفس إلى وقت وفاته؟ والله لا يزيد نفس ولا ينقص نفس، كلٌّ بعمرهِ الذي قدَّره الله له ربُّ السماوات والأرض جلَّ جلاله، ولكن من مات على حالةٍ جميلة وعلى صدقٍ مع الله وعلى وفاءٍ بعهد الله، فنِعم الموت على الإسلام والإيمان وحسن الخاتمة، والرجوع إلى فضل الله ورحمته من نعيم القبور ورؤية الجنة غدواً وعشيَّا، ومن البشارات ولقاء أرواح الأنبياء والمقربين والصالحين والحشر معهم يوم القيامة إلى دار الكرامة.
أيها المؤمن بالله، ولكن من مات على غير الملَّة، أو مات على معصيةٍ تعرَّض للغضب وللسخط وللعذاب في القبر ولبشارة السوء والعياذ بالله أو لرؤية النار وهو في قبره. كما قال الله عن قوم فرعون الذين كذَّبوا سيدنا موسى، وأبَوا أن يطيعوا رسالة الله فأغرقهم الله في البحر، فهم يُعرضون على النار غدواً وعشياً، يعني كل صباح وكل مساء. قال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46]
فإن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حُفر النار (فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) عظَّم أمر الله جلَّ جلاله وأمْر رسوله وخاف الرجوع إلى الله، وخاف عدم القبول عند الله، وخاف الوقوع في سخط الله فأقام أمر الله كما يحب (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ) التي تهوى الكِبر، والتي تهوى العُجب، والتي تهوى الانتقام من الناس بغير حق، والتي تهوى ترك الصلوات، والتي تهوى إضاعة الأدب مع المساجد ـ بيوت الله ـ وإضاعة حق الجار وإضاعة حق الرحِم؛ هذه النفس الأمارة قال تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فإن الجنة هي المأوى) اللهم اجعلنا من أهل جنتك وأعذنا من النار وموجبات النار.
إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً، فهم بعمل أهل الجنة يعملون؛ يتآخون بينهم ويتوادون ولا يتقاطعون ولا يتسابُّون ولا يتشاتمون، ويتعاونون على صلاح أنفسهم وأولادهم وبلادهم وعلى البرِّ والتقوى وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخلق سبحانه وتعالى النار وخلق لها أهلاً، فهم بعمل أهل النار يعملون؛ يشربون الخمور ويتابعون الصور المحرمة رؤيتها، الخبيثة القبيحة في الجوالات وغيرها فينظرون نظر الحرام كأن الله لم يقُل لنا وأمر نبيِّهُ أن يبلِّغنا (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) - يعني أزواجهن- (أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ)[النور:30،31]
هؤلاء المحارم الذين ذكرهم الله، ومن سواهم لا يجوزُ للمرأة أن تُظهرَ زينتها لأحد منهم، بل إذا تزيَّنت المرأة أو استعطرت ـ استعملت الريح الطيِّب ـ ومرَّت على الرجال الأجانب ليجدوا ريحها، فعليها إثم الزنا والعياذ بالله تبارك وتعالى.
أيها المؤمنون، تقوى الله هي الوسيلة إلى دخول جنتهِ، وإلى سعادة الدنيا والآخرة، فإن خير الدنيا والآخرة في تقوى الله وطاعته وشرَّ الدنيا والآخرة في معصيةِ الله ومخالفته. اللهم ارزقنا تقواك، وهب لنا رضاك، وأجزل لنا عطاك، وتولَّنا فيمن تولِّيت، واهدنا فيمن هديت، وثبتنا على ما تحب منا وترضى به عنا يا رب العالمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204]، وقال -تبارك وتعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف:158]
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا* فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا* وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء : 70]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيهِ وعذابهِ الأليم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم والوالدين ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله المطَّلِع على الظواهر والخفايا، المُشاهد للسرائر والنوايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق جميع البرايا، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، أعظم الناس مزايا، وأشرفهم في السجايا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله المطهرين وأصحابه الأكرمين وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله، اتقوا الله، لا تحضر الجمعة وتخرج منها كما دخلتَ. اتقِ الله ما دعاك إلا لتتذكر، ما دعاك إلا لتتنوَّر، ما فرض عليك الجمعة إلا لتتطهَّر، ما فرض عليك الجمعة إلا لتتوب، ما فرض عليك الجمعة إلا لتراجع حسابك في خلال الأسبوع؛ ماذا تقول؟ وماذا تفعل؟ ومن تجالس؟ وماذا تعمل بأولادك وأهلك؟ وماذا يتفرجون عليه؟ وماذا ينظرون؟ وماذا يسمعون؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
فرض علينا الجمُعة لنتذكَّر ونُدْرك الحقيقة، سارع إلى الجمعة، إترك التأخر، إترك التأخر، احضر قبل الأذان واحذر أن تأتي بعد دخول الخطيب، هذا علامة الإهمال وعدم المبالاة، وقد وقَّت الله لك الوقت وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقد كان المسلمون في القرون الأولى يخرجون إلى الجمعة بالسرج يعني قبل طلوع الفجر أو بعده مباشرة قبل الضوء، بالسرج يمشون إلى المساجد ليحضروا الجمعة، فاحذر التأخرات واحذر عدم المبالاة وإن الحق تعالى شرع الأذان ثم شرع الخطبة ليخطب الخطيب لك، لتسمع كلام ربك وكلام رسولك وتتذكر وتتبصر، فهو لا يخطب للسواري والمراوح والفرش في المسجد، يخطب لك أنت
أيها المؤمن، احضر وأنصت واستمع واعزم على الصدق مع الله في بقية اسبوعك فإنه إذا سلمت الجمعة سلم الأسبوع كلُّه، "وإن الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مُكفِّرات لما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر"، والكبائر كالسحر والكبائر كالزنا واللواط والكبائر كالسرقة والكبائر كشرب الخمر والمسكرات والمخدرات. هذه كبائر الذنوب التي لا تُكفَّر إلا بتوبة صادقة (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء:31] (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) [النجم:32] (وَ الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان : 70]
ومن ساعد على قتل مسلم بغير حق، بشطر كلمة، ببعض كلمة ، ليس بحركة أو فعل أو رصاصة، ببعض كلمة؛ من أعان على قتل مسلم بغير حق ولو بشطر كلمة؛ لقي الله مكتوبٌ بين عينيه: "آيس من رحمة الله" لا يزال المؤمن في فسحة من دين ما لم يصب دما حراما؛ "ولو أن أهل السماوات والأرض تمالوا على سفك دم رجل مسلم واحد بغير حق لأكبَّهم الله في النار" لأكبهم الله في النار (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء:63]
فاجتنبوا الموبقات واجتنبوا الكبائر، واتقوا الله؛ لتخرجوا من الجمعة بالقلوب المنورة، المقبلة المطهرة التي تتقي ربها في بقية عمرها؛ تجتنب ما نهاها، وتعاونوا على البر والتقوى، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وعلِّموا أولادكم شرع الله وأحكام الله ولا تسلِّموهم وتهملوهم للتلفزيونات وللجوالات وللغفلات فإنكم عنهم مسئولون ومخاطَبون عما يكون منهم في يوم وقوفكم بين يدي رب العالمين ـ جلَّ جلاله ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74]
اللهم لا تصرفنا من جمعتنا هذه إلا بقلوب مقبلة عليك صادقة معك تائبة إليك عازمة عزيمة الصدق على تنفيذ أمرك وتطبيق شرعك وتعظيم أمر دينك وعلى التعاون على البر والتقوى، وأصلح أهالينا وأبناءنا وبناتنا وجنِّبنا وإياهم الحرام والشبهة في المأكل والمشرب والمنطق والنظر والقول والفعل والحركة والسكون
يا حي يا قيوم ثبِّتنا على ما تحب واجعلنا فيمن تحب، وبارك في أعمارنا واختم لنا بأكمل حسنى وأنت راضٍ عنا. أكثروا الصلاة والسلام على خير الأنام - نبيكم محمد- فإنه من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بذلك عشر مرات.
أيها المؤمنون، قال نبينا الأمين المأمون "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" وقد أمرنا الله وابتدأ بنفسه وثنَّى بالملائكة ثم أيَّهَ بالمؤمنين فقال مُخبرًا وآمرًا لهم تكريما (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم على الأمين المأمون، عبدك المصطفى سيدنا محمد، نور الأنوار وسرِّ الأسرار، وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حالة السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطق بالصواب حليف المحراب أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وعلى من استحْيت منه ملائكة الرحمن محيي الليالي بتلاوة القرآن أمير المؤمنين ذو النورين، سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه ووليه وباب مدينة علمه إمام أهل المشارق والمغارب أمير من سيدنا علي بن أبي طالب وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة وريحانتي نبيك بنصِّ السُّنة ، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهرة وعلى خديجة الكبرى وعايشة الرضا وعلى الحمزة والعباس وأزواج نبيك، أمهات المؤمنين، وبناته وعمَّيه وآل بيته المُطهرين وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أُحد وأهل بيعة الرضوان وسائر الصحب الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذلَّ الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم إن جور الأديان ظهر في مدَّعِّي الحضارات هذه، وفي دول الكفر والاحتلال والغصب والإيذاء والاعتداء فيما يحصل من الصهاينة ويشايعهم كثير من الكفار والفجار ويقتلون النساء والأطفال ويهدمون البيوت ويخرقون جميع القوانين للأديان وللإنسانية والقوانين الدولية وغيرها لأغراضٍ وأطماعٍ في الاتساع في السلطات والمصالح الدنيوية.
اللهم رُد كيدهم في نحورهم وادفع عن المسلمين جميع شرورهم وارحم اولائك المُعتدى عليهم، اللهم خلِّص وانجِ واحفظ واحرس المسلمين في غزة وعسقلان وفي الضفة الغربية وفي فلسطين وفي جميع بقاع الأرض ورُدَّ اللهم كيد الفجار والكفار المُعتدين الظالمين، رُد كيدهم في نحورهم واكف المسلمين جميع شرورهم، وأنقذ اللهم قلوب المؤمنين المتورطة في محبة الكفار والفجار وفي متابعتهم ومشابهتهم والمضيِّعة لأوامرك وأوامر رسولك وسنة نبيك، ورُدهم إلى خير حال.
اللهم اجمع شمل المسلمين بعد الشتات، وثبِّتهم على الاستقامة والحق والهدى خير الثبات، وارزقهم أداء الواجب في الحياة والاستعداد لحسن الخاتمة عند الممات، اللهم اجمعنا في يوم الميقات، في زمرة خير البريات، ولا تخلِّف منا صغيرا ولا كبيرا ولا ذكر ولا أنثى يا مجيب الدعوات.
اللهم أصلح شؤون المسلمين ورُد كيد الكافرين واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم واقبلنا في جمعتنا هذه واغفر لآبائنا وأمهاتنا والمتقدمين في مساجدنا وديارنا واجمعنا بهم في دار الكرامة وأنت راضٍ عنّا واخلفهم فينا بخلف صالح.
اللهم وثبتنا على الحق فيما نقول، وثبتنا على الحق فيما نفعل، وثبتنا على الحق فيما نعتقد، واجعلنا من خواص الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. اللهم أصلح قلوبنا واغفر ذنوبنا واكشف كروبنا وأحسن خواتيمنا، واجعل آخر كلام كل واحد منا من هذه الحياة الدنيا "لا إله إلا الله" متحققا بحقائقها يا قريب يا مجيب يا رحمن يا رحيم يابرُّ يا كريم، يا ذا الفضل العظيم، ثبتنا على ما تحب، واجعلنا فيمن تحب، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا الذين آمنوه ربنا إنك رؤوفٌ الرحيم.
عباد الله إن الله أمر بثلاث، وانهى عن ثلاث؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعِظكم لعلَّكم تذكَّرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزِدكم ولذكر الله أكبر
20 ربيع الثاني 1445