(229)
(536)
(574)
(311)
خطبة جمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة بعيديد، تريم، 23 محرم الحرام 1442هـ بعنوان: التقوى نتيجة معرفة صحيحة بالحقيقة وبها تفاوت درجات الخليقة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ للهِ جامعِ قلوبِ مَن سَبَقَت لهم السعادةُ على الوِجهةِ إليه، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ما فازَ أحدٌ مِن خلقِه في السماوات ولا في الأرضِ إلا بالتذلُّلِ بين يديه، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، أكرمُ خلقِه عليه، وأحبُّ عبادِه إليه، فكانَ الذي نالَ أشرفَ معاني العِزَّةِ بقوَّةِ التذلُّلِ بين يديه. اللهم أدِم صلواتِك على مَن ختمتَ به الرسالةَ والنبوَّة، وجعلتَه سيِّدَ أهلِ المجدِ والصدقِ والفتوَّة، سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه الأطهار، وأصحابِه الأخيار، ومَن سارَ في سبيلِهم على ممَرِّ الأعصار، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلينَ معادنِ الحقِّ والأنوار، وعلى آلِهم وأصحابِهم وتابعيهم والملائكةِ المقرَّبين وعبادِك الصالحين أجمعين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم وإيَّايَ بتقوى الله، تقوى اللهِ التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا علَيها.
وهي عَزْمٌ وقَصْدٌ وقرارٌ نافذٌ ناتِجٌ عن معرفةٍ بجلالِ الله وعظمةِ اللهِ وتَفَرُّدِهِ بالخلقِ والإيجاد، وأنَّ إليهِ المرجعَ والمَعَاد، ومعرفةٍ بمهمَّة الخلقِ والوجود، والمقصود مِن تكوينِ هذه العوالِم الباديةِ للعينِ في العالمِ المشهود، ومعرفةٍ بالمنهجِ الذي رسمَه خالقُ الكونِ ومُمَيِّزُ الإنسانِ والجانِّ بعد الملائكةِ بنصيبٍ منَ العقلِ تنفَكُّ عنه بقيَّةُ الكائنات؛ يستعدُّ بذلك النصيبِ لمعرفةٍ خاصَّةٍ بالإلهِ الحقِّ جل جلاله، ووعيٍّ لِمَا يوحيه ولِمَا يُبَيِّنُهُ ويُنزِلُهُ على قلوبِ عبادِه المرسلين المصطفَينَ مِن قِبَلِه {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
وكُلُّ مَن عرف اتَّقَى، وكُلُّ مَن اتَّقى ارتَقى، وكُلُّ مَن ارتقَى فازَ عند اللقاء، ورافقَ النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين.
فيا خيبة مَن لم يعرفْ، وإن ادَّعَى المعارف، ويا خيبةَ مَن لم يُدرِك وإن ادَّعى التميُّزَ في الإدراك، إنهم أهلُ الهلاك، وإنهم أهلُ الخسرانِ في الدنيا والآخرة {ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} -والعياذ بالله جَلَّ جلاله-.
وذلك ثابتٌ لازمٌ لكل مُكَلَّفٍ بلَغَتهُ الدعوةُ فانحرَف، وعن الحقِّ انصرَف، وإلى الفانيات تَشَوَّف، وآثرَها مُشْغَفَاً بها على عالمِ الخُلدِ والبقاء، فما صَدَّقَ ولا صَدَقَ ولا اتَّقى، فلا واللهِ ما ارتقَى إلا رُقِيَّاً كان على شاكلتِه النمرودُ وفرعونُ وعادٌ وثمود؛ رُقِيُّ الحضارات الصُّورِيَّاتِ الحِسِّيَّاتِ الزائلات الفانيات الحقيرات المُنتهيات الباطلات، ليس لهم وراءَ ذلك مِن حقيقةِ مَجْدٍ ولا شرفٍ ولا سعادةٍ ولا نعيمٍ، اغتَرُّوا وافترَوا واجترَوا وهُلِكوا وانتهَوا ونُقِلُوا إلى حيثُ كشفِ الستارة وإدراك الحقيقة {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} " أَشَدَّ الْعَذَابِ"، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} والذي صبَّ عليهم سوطَ العذابِ فأصبحوا جميعاً عِبَراً، وأصبحوا جميعاً تذكرةً لمَن يتبصَّر، هو القائمُ على الكونِ القيومُ على جميعِ الحادثات، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} لم يَغِب الذي أهلكَهم، ولم يَزُل مُلكُ الذي أنهاهم وأفناهم ودمَّرهم -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}. يقول جَلَّ جلاله: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ}
ليس يمكنُ أن يَملِكَ على ظهرِ الأرضِ رُقِيَّاً أحدٌ ممَّن كفرَ باللهِ إلا ما كانَ على شاكلةِ رُقِيِّ هؤلاء القوم، مِن قومِ نوحٍ ومَن بعدَهم مِن القرونِ الكثيرة ومَن بعدَهم ومَن بعدَهم ممَّن ذَكَرنا وممن قُصَّ علينا نَبأُهم وممَّن لم يُقَص {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ۖ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا}.
فَيَا مَن يوقنُ أنه ليسَ على ظهرِ الأرض إلا سنواتٌ محدودة، ومدَّةٌ معلومة معيَّنة قصيرة: لك العِبَر في ألوفِ وملايين السنين التي مرَّت على أمثالِك {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} وهذا الرقيُّ المدَّعى المزعومُ هو الذي به يتبجَّحون ويُغرونَ به ضِعافَ الإيمانِ ممَّن لم يَصدُق في اليقينِ باليومِ الآخر، ولم يتصوَّر معنى الرجوعِ إلى القويِّ القادر، والوقوفِ بين يديِ العزيزِ الغافر، مِن كُلِّ مُغتَرٍّ بالزائلِ الحاضِر والفاني القليل الزائلِ الذي لا بقاءَ له وعمَّا قريبٍ ينتهي.
أيها المؤمنون بالله: هجرةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم تُبَيِّنُ لكم سِرَّ الإدراكِ للمهمَّة، وعظمةَ الواجبِ على العاقلِ على ظهرِ الأرض، وحُسنَ التَّزَوُّدِ والاستعدادِ للمصيرِ الأكبر.
كان على ظهرِ الأرض مظهرُ رُقِيٍّ سُلْطَوي في زعماءِ قريش، وكان على ظهرِ الأرض مظهرُ رُقِيٍّ نُفُوذِيٍّ واستغلاليٍّ واستبداديٍّ مِن كسرى وقيصر، كان على ظهرِ الأرض مُنازعاتٌ وتَطاولاتٌ على حقوقِ بعضِهم البعض، وعلى عُلُوِّ بعضِهم على بعض، كلُّ ذلك محطُّ التأثيرِ على مَن لم يدرك سِرَّ الحياة، ولم يَعِ خطابَ المولى الذي أنشأه وبراه، وجاء المصطفى خاتِماً للمرسلين، حاملاً خطابَ ربِّ العرش؛ أن: (قولوا لا إلهَ إلا الله تفلحوا) مُبَيِّنَاً الحقيقة (والله لتموتُنَّ كما تنامون، ولتُبعَثُنَّ كما تستيقظون..) مبِّينا الغايةَ الكبرى: (وإنها الجنةُ أبداً أو النارُ أبدا)
صدقتَ يا خاتِمَ الرسالة ويا مُحسِنَ الدلالة (إنها الجنة أبدا أو النار أبدا) غايةُ ما ينتهي إليه فِكرُ المفكرين، ورُقيُّ الراقين، وتقدُّمُ المتقدِّمين، وإدراكُ الواعين الفاهمين (إنها الجنةُ أبدا أو النار أبدا).
وكلُّ فكرٍ ونشاطٍ وحركةٍ في الأرض تَقْصُرُ عن الإعدادِ لهذا المصيرِ الأكبرِ فناقصةٌ وقاصرةٌ وحقيرةٌ وزائلة، "إنها الجنة أبدا أو النار أبدا". هذا المرَدُّ الكبير، هذا المستقبلُ الخطير، هذه النهايةُ وهذا المصير.
أيها المؤمنون بالله: هاجرَ نبيُّكم المصطفى مبيِّنَاً عن اللهِ أنَّ البقاءَ على ظهرِ الأرض ومدَّةَ العمرِ للمُكَلَّفِ مَحلُّ الاختبار؛ ليظهرَ الصادقُ من الكاذب، وليظهرَ المؤمنُ مِن المنافقِ المُكَذِّب، ويَتَميَّزَ هذا عن هذا، فيُختَبَرُ الناس بسُلُطات، ويُختبرون بنفوذٍ لذوي قوَّاتٍ جسديَّاتٍ وعسكرياتٍ ومادِّيَّاتٍ، ويُختَبَرُون بأفكارٍ تدورُ وتصوُّرات تَنتَشرُ بين أوساط المجتمعات؛ ليُعلَمَ مَن أدركَ الحقيقة، ومَن تمسَّكَ بالعروةِ الوثيقة، ومَن صَدَقَ في الإيمان، ومن تمسَّك بحبل التُّقى نتيجةَ المعرفة.
ومن ضيَّع التقوى ومَن أهملَ أمرها فلا والله ليس لهم في الدنيا قبل الآخرة إلا وحشاتُ الخسرانِ والندامة، ثم بئستِ الندامةُ ندامةُ يومِ القيامة..
وكلُّهم تحت دائرةٍ لا يستطيعون الانفكاكَ عنها؛ هي دائرة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}. إنها بياناتٌ ربَّانيَّاتٌ إلهياتٌ لا أصدقَ منها ولا أوثقَ منها {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} وقال تعالى {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ}
والعرضُ في كتابِ الله لأهل القُرى: أن يُحسِنوا النظرَ إلى شؤونِ الحياة، وألا يُخدَعُوا ولا يغترُّوا مع المغترِّين، وأن يُؤثِروا أن يُحسِنُوا الإعدادَ للقاء بحسبِ الظروفِ التي هم فيها، مخلِصين لوجهِ عالمِ طَوَيِّاتهم والمُطَّلِعِ على مقاصدِهم ونيَّاتِهم، والقائل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}.
أيها المؤمنون بالله: نتيجةُ المعرفةِ تقوى عالمِ الغيب والشهادة، وثمرةُ التقوى الظَّفَرُ بأعلى السعادة.
أيها المؤمنون بالله جل جلاله: {فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. تحرَّرنا مِن التقيُّدِ لكم والانقيادِ لأهوائكم وأفكارِكم، وخضَعنا لمولانا ومولاكم، خالقِ كلِّ شيء، مَن إليه المرجعُ والمآب.
هكذا الشأن.. فما قرارُك في عامِك الذي استقبلك؟ ومضى عليكَ أكثرُ الشهرِ الأول منه، وسيمضِي الثاني والثالث؛ فإن لم تكُن منيَّتُك في أشهرِ العام، فإنَّ العامَ راحلٌ عنك لكنه مثبوتٌ فيه ما كان لكَ من نِيَّاتٍ ومقاصد، وأقوالٍ وأفعالٍ، وحركاتٍ وسكناتٍ وتصوَّرات. وما غنيمةُ العمرِ إلا أن تزدادَ معرفة، فتزداد تقوى، فتزداد رُقِيَّا، فتُرفَع لك الدرجات {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
أيها المؤمنون بالله: هكذا يجبُ أن تنظروا، وأن تتبصَّروا وأن تُبصِرُوا، وأن تتدبَّروا وأن تُفَكِّروا، وأن تتطهَّروا وأن تتحرُّروا، وأن تُحسِنوا الاستعدادَ للقاءِ مالكِ الملكِ الذي بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء.
اللهم يا ربَّ كل شيء بقدرتِكَ على كلِّ شيء أصلِح لنا كلَّ شيء، واغفر لنا كلَّ شيء، ولا تسألْنا عن شيء، ولا تعذِّبْنا على شيء، يا حيُّ يا قيُّوم يا أرحمَ الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
{مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
واللهُ يقولُ وقولهُ الحقُّ المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
وقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ* سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}
باركَ اللهُ لي ولَكُم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيهِ مِن الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، وثبَّتنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خزيِهِ وعذابه الأليم.
اللهم اجعلنا مِن أوعى مَن وعَى عنك النَّبأ، وما أنزلته على قلبِ مَن ختمتَ به النبوة، اللهم ارزقنا الادِّكَارَ والاعتبارَ والاستنارةَ بنورِك والهدى الذي أرسلتَ به خاتم رسلِكَ يا ربَّ العالمين، ثبِّتنا على الصراطِ المستقيم، وأجِرنا مِن خزيِك وعذابك الأليم.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ فاستَغفِروهُ، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد للهِ عالمِ السرِّ والنجوى، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له منه المخافةُ وفيه الرَّجوى، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسوله، سيدُ وإمامِ أهلِ التقوى. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك الأتقى المنتقَى، الأرقى المجتبى محمدِ بن عبدِ الله، وعلى آلِه وصحبِه ومَن اهتدى بهداه، وعلى آبائه وإخوانِه مِن أنبيائك ورسلِك وآلِهم وصحبِهم وتابعيهم وملائكتِك وعبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله..
وكلُّ مَن عرفَ الحقيقة اتقَى رَبَّ الخليقة، وأيقنَ أنه أهمُّ ما يتَّقيه، وأعظم ما يتَّقيه، وأحقُّ ما يتقيه. وأنَّ الذين حُجِبُوا عن اللهِ فاتقَوا أمراضاً ووقعُوا في أشدِّ الأمراضِ في الدنيا، واتَّقوا هلاكاً ووقعُوا في الهلاكِ الأكبر، واتَّقوا حكوماتٍ واتقوا قبائلَ واتَّقوا قُوَىً ماديَّة عسكرية وهلكوُا وهلكتِ القُوى معَهم لم يستعدُّوا للعُقبى ولم يفكِّروا في الرُّجعَى ولم يُعِدُّوا للمستقبل عُدَّة، أولئك الغافلون، أولئك الفاسقون، أولئك الذين لم يعُوا ولم يدركُوا ولم يعرفُوا على الحقيقة، وينادُون يومَ البعث: { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
أهلُ الإيمانِ هم أهلُ المعرفة؛ آمنوا بالحقِّ الذي خلَق، وقدَّرَ ورزَق، وقضى كُلَّ شيءٍ بحقٍّ جَلَّ جلاله، وهو الذي للعبادةِ وحدَه استَحق، وإليه مرجعُ كُلُّ مَن آمن ومَن نافق، مِن الأولين والآخِرين، ولا ينفذُ فيهم إلا حكمُه ولا مُعَقِّبَ لحُكمِه، وبَطَلَ ما كانوا يؤلِّهونَ وما كانوا يُعَظِّمون وما كانوا يُحِبُّون وما كانوا يختارونَ وما كانوا ينطلقون فيه ويُؤثِرُون {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}.
هاجَرَ نبيُّك ليُبَيِّنَ لك أنَّ الصادقَ في الحياة مَن يتعرَّضُ لكثيرٍ مِن شؤونِ الابتلاءاتِ فيها فيَصدُق ويَثبُت ويَبذُل الوسعَ ويجتهد ويُثابِر، ويُكابِد ويستعدّ للقاء.
ولقد أسرى به ربُّه مِن المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى، ثم في الهجرةِ لم يُرسِل إليه بُرَاقاً، ولم يأمرْ جبريلَ أن يحملَه، ولم يأمرِ الرياحَ أن تحملَه -وكانت تحمل بُسُطَ سليمانَ ومَن عليها مِن الإنسِ والمتاعِ، غدوُّها شهر ورواحُها شهر-؛ ولكن قال له استكنَّ وسط الغار، وتوقَّ وابذل غايةَ ما في وسعِك مِن الاستطاعةِ والاقتدار، واصبِر وأنت سيدُ أهل الاصطبار، وليكن معك خليفتُك المختار، وامكثوا الأيامَ والليالي الثلاث مُستَخفِين، ثم امضوا مُستخفِين عن أعينِ الناس قائمين بما يلزمُكم، وأنا الذي أحيطُكم بجُودي وإحساني وحفظِي وكلاءتي، واستظلوا تحت شجرة أحيانا، وتحت حجرةٍ أحيانا، وآوُوا إلى كهفٍ أحيانا، وإلى جبالٍ أحيانا، وبيتوا هنا ثم بيتوا هنا، ثم اطلبوا شيئا تطعمونَه وتقطعونَ به الجوعَ عن أنفسِكم، إن وجدتم لبَنَاً وإن وجدتم شيئا مما أرزقُ به العبادَ على يَدِ هذا أو على يَدِ هذا حتى تصلوا إلى حيث جعلتُ لكم الهجرة، وقضيتُ بتمكينِكَ في إقامةِ أمرِ وحُسنِ بلاغِه إلى جميعِ الأمة في سنواتٍ يسيرةٍ وفترةٍ قصيرةٍ، وجاء إلى المدينة واهتزَّت بمن فيها:
طلع البدر علينا من ثنيَّاتِ الوداع ** وجبَ الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوثُ فينا جئتَ بالأمرِ المُطَاعِ
قال أنسٌ: "فلمَّا كان اليوم الذي قَدِمَ فيه رسولُ الله المدينة أضاءَ منها كل شيء".
أيها المؤمن: قلبُك مدينةٌ يَحِلُّ فيها ما يحلُّ من خيرٍ أو شرٍّ وإيمانٍ أو كفرٍ، وصدقٍ أو كذبٍ، وأدبٍ أو إساءةٍ، كلُّه يحلُّ في مدينةِ قلبِك؛ فاستقبل نورَ محمدٍ وهداه، ولتطرَب مدينةُ قلبِك بِكُلِّ ما فيها:
"طلع البدر علينا من ثنيِّاتِ الوداعِ"
وودِّع كلَّ غفلة وكلَّ مَيْلٍ إلى سوى الرَّبِّ. واغنمِ العمرَ واستعِدَّ للقاء حتى يُضيئَ مِن مدينتِك كل شيء، ويُضيءَ مِن قلبِك كلُّ شيء {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}. إنَّ الإيمان إذا دخل القلبَ انشرحَ له الصدرُ وانفسح..
أيها المؤمنون بالله: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}.
نوِّر يا ربَّنا قلوبنا، وهيء لنا لُقِيَّ محبوبِنا، واحشرنا يومَ القيامة مع داعينا إليك ودالِّنا عليك، وجنِّبنا كُلَّ ما يقطعُنا عن ذلك مِن إيثارِ الملذَّات الفانيات وتبعيَّات الفساقِ والكفارِ في المقاصدِ أو النيات أو الأقوالِ أو الأفعالِ أو المظاهرِ أو الجواهر، حرِّرنا وطهِّرنا واجعلنا مطهَّرين تبعيَّتُنا لك ولرسولك واقتداءنا به ولنا الشرفُ والفخر بذلك، سالكين أشرفَ المسالك، سالمين مِن المهالك حتى تتوفَّانا مؤمنين وتُلحقِنا بالصالحين صالحين يا ربَّ العالمين.
هذه فائدة الجمعة؛ جمعيَّتُك على المقصودِ والإله المعبود، وإصدارُ قرارِك ألا تكونَ إلا في تبعيَّةِ زينِ الوجود، في الغيبِ وفي الشهود، وأن تكون مُحَرَّراً عمَّا أسَرَ عقلَ وقلبَ كثيرٍ مِن خلقِ اللهِ على ظهرِ الأرض فضلُّوا عن سواءِ السبيل.
اللهم ثباتاً على ما تحب، ودخولاً فيمن تحب، وعملاً بعملِ مَن تُحِب، واجعلنا فيمَن تحب، برحمتِك يا أرحم الراحمين في قومٍ تحبُّهم ويحبونك {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وأكثِروا الصلاةَ والسلامَ على مفتاحِ بابِ الرحمة، ومبيِّن الهدى والدالِّ على الخير والتقوى أتقى الخلقِ محمدِ بنِ عبدِ الله؛ فإنَّ أولاكم به يومَ القيامةِ أكثرُكم عليه صلاة، ومَن صلَّى عليه واحدةً صلى اللهُ عليه بها عشرا، ولقد خاطبَنا ربُّه فقال مُخبِراً وآمِرَاً بعد أن بدأ بنفسِه وثنَّى بالملائكةِ تشريفاً وتعظيماً: {إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
صلِّ وسلِّم على النورِ المبينِ والسراجِ المنيرِ عبدِكَ المصطفى محمدٍ، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار، وصاحبِه وأنيسهِ في الغار، مُؤازرِه في حالَيِ السَّعَةِ والضِّيق؛ خليفةِ رسولِ الله سيِّدِنا أبي بكرٍ الصِّديق. وعلى ناشرِ العدلِ في الآفاق، المُتَخَلِّقِ بحَميدِ الأخلاق، حليفِ المحرابِ، المُنيبِ الأوَّاب؛ أميرِ المؤمنين سيِّدِنا عمر بن الخطاب. وعلى مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، وباذلِ الأموالِ الكثيرةِ في طلبِ الرضوان؛ ذي النورين مَن استحيَت منه ملائكتُك أميرُ المؤمنين سيِّدنا عثمانَ بن عفان. وعلى أخِي النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمِه؛ ليث بني غالب أميرِ المؤمنين أبي الحسنين سيدِنا عليِّ بنِ أبي طالب. وعلى الحسَنِ والحُسينِ سيِّدَيْ شبابِ أهلِ الجنةِ في الجنةِ ورَيحَانَتي نبيِّك بِنصِّ السُّنَّة، وعلى أمِّهِما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرِّضى، وعلى الحمزةَ والعَبَّاس وسائر أهل بيتِ نبيِّك الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنَسِ والأرجاس، وأهل بدرٍ وأهلِ أحدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى جميعِ أصحابِ نبيِّك الكريم وآل بيتِه الطاهرين، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين وآلِهم وأصحابِهم وتابعيهم والملائكةِ المقرَّبين وعبادِك الصالحين، وعلينا مَعهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أيقِظ قلوبَ المسلمين، ونوِّر قلوبَ المسلمين، واهدِ قلوبَ المسلمين، واملأها بالإيمانِ واليقين، وحرِّرها مِن تبعيَّةِ الفاسقين والكافرين والفاجرين عُبَّادِ الأطماعِ والمَغرورين بالشهواتِ والسلطةِ على ظهرِ الأرض، ادفع شرَّهم عنَّا وعن أهلِ "لا إله إلا الله" ولا تبلِّغهم مراداً فينا ولا في أحدٍ مِن أهلِ "لا إله إلا الله".
اللهم إنَّ أهلَ "لا إله إلا الله" لِمَا قصَّروا فيها والقيام بحقِّها سُلِّط عليهم ممَّن لا يقولها مَن يلعبُ بفكرِهم ويلعبُ بأمرِهم ويلعبُ بسرِّهم وجهرهم، اللهم فارفع هذا البلاءَ عن أمَّةِ حبيبِكَ المصطفى. وبالقلوبِ التي فقِهَت "لا إله إلا الله" ارحم بقيَّةَ قلوبِ مَن يقول "لا إله إلا الله" وطهِّرهم وخلِّصهم مِن العبوديةِ لمَن سِواك، والاغترارِ بشيءٍ مِن الإفكِ الذي ينشره أعداك، اللهم رُدَّ كيدِ أعدائك أعداءِ الدين في نُحورِهم، واكفِ المسلمين جميعَ شرورِهم، واجمع شملَ الأمةِ بعدَ شتاتِها، ولُمَّ شعثَها، وأذَن بثباتِها.
اللهم يا محوِّلَ الأحوالِ حوِّل حالَنا والمسلمين إلى أحسنِ حال، وعافِنا مِن أحوالِ أهلِ الضلال وفعلِ الجُهَّال.
اللهم اجعله عامَ فرجٍ للمسلمين، وغياثاً للمؤمنين، وجمعاً لشملِ أهلِ الدين، وردَّاً لكيدِ المُعتدين والظالمين والغاصبين والمفترين والفاجرين والكاذبين يا قويُّ يا متين، يا رحمن يا رحيم.
يا حيُّ يا قيُّوم يا الله اصرِفنا من جمعتِنا بقلوبٍ مجموعةٍ عليك متذلِّلةٍ بين يدَيك، ودعواتٍ مسموعة من قِبَلِك مستجابةً مِن حضرتِك، اللهم وأصلِح شؤونَنا بما أصلحتَ به شؤونَ الصالحين.
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
يا ربَّ الدنيا والآخرةِ أصلِح شؤونَنا الباطنةَ والظاهرة، وهَبْ لنا خيرَ الدنيا والآخرة، واكفِنا شرَّ الدنيا والآخرة، واجعلنا مِن خواصِّ السُّعداء في الدنيا والآخرة، يا مالكَ الدنيا ولآخرة، يا منشئَ الدنيا والآخرة، يا مُوجدَ الدنيا والآخرة، يا حاكمَ الدنيا والآخرة، يا مَلِكَ الدنيا والآخرة، يا مَن بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، يا حيُّ يا قيُّوم يا الله.
اغفِر لنا ووالدِينا ومشائخِنا وذوي الحقوق علينا، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات موتاهم وأحياهم إلى يوم الميقات، يا مجيبَ الدعواتِ يا قاضي الحاجات يا عالمَ الظواهرِ والخفيَّات يا الله.
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاثٍ ونهَى عن ثلاث:
{إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذْكُركُم، واشكروهُ على نِعَمهِ يَزِدكُم، ولَذِكْرُ اللهِ أكبر.
27 مُحرَّم 1442