الإيمان وسنة الرحمن في تدبير الأحوال والأطوار

للاستماع إلى الخطبة

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، في مسجد الحسين بن طلال، في مدينة عمّان، الأردن، 10 جمادى الأولى 1445هـ بعنوان:

الإيمان وسنة الرحمن في تدبير الأحوال والأطوار

نص الخطبة:

 

الخطبة الأولى:

     الحمد لله الملك الحكيم القادر، العلي العظيم العزيز الغافر، الواحد الأحد الحي القيوم الفاطر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بديع السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما وجامع الأولين والآخرين ليوم العرض، فمخلِّدٌ مَن آمنَ به في جناته ومخلِّدٌ من جحد وكفر وأنكر وكابر في نيرانِه الموقدة، وأشهد أن سيدَنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وصفيه وخليله، أرسله رحمةً للعالمين، وهدى للمتقين، وتبصرةً للمتذكرين، وحجةً على المنكرين والجاحدين.

     اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على سيد الصابرين والشاكرين والذاكرين، عبدك المجتبى المصطفى الأمين سيدنا محمد وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآله وآبائه والأخوان من الأنبياء والمرسلين وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،،

    عباد الله فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها، إن الواعظين بها كثير وإن العاملين بها قليل.

   أيها المؤمنون ومن أعظم التقوى ما يتعلق بتقوية الإيمان، وتنزيه الحق الرحمن، في اعتقاد المؤمن فيما يجريه رب الأكوان، ومكونها ويحدثه فيها بحكمته البالغة، التي تسمو وتعلو على المخلوقات من العقول التي اخترعها –جـل جلاله- ووهبها لإنس وجان وملائكة، فكانوا روحَ هذه الكائنات، والمقدَّمين على ما وراءهم من الموجودات؛ من الحيوانات والنباتات والجمادات، ألا إن حكمته البالغة والكل ملكه -جل جلاله- وخلقه وصنعته يفعل فيها ما يشاء (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)[فصلت:46] إنما الظالم مَن تصرَّف في مُلك غيره، وهل مِن ملك لغير الإله الذي له ملك السماوات والأرض جلّ جلاله وتعالى في عُلَاه.

     إن حقائق الإيمان بالله جلّ جلاله تقتضي من المؤمن صدق يقين في عظمة هذا الإله وأنه الفعال لما يريد، وأنه بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله -جل جلاله- وأنه بحكمته وعلمه يقدم ويؤخر ويقرِّب ويبعد ويشقي ويسعد ويرفع ويخفض، بيده ملكوت كل شيء -جل جلاله- وهو أكبر من أن تُحصر حكمته بما يدركه العُقلاء، بل هو أكبر وأجل، وإن للعُقلاء لمجالاً واسعاً في إدراك عظمة هذا الإله وتصريفه للكائنات واختياره أن يجعل هذه الأرض محلاً لآدم وذريته إلى يوم النفخ في الصور، وأن يجعل فيهم من يقوم بحق الخلافة على ظهر الأرض موقناً مؤمناً مستقيماً، فلا يخاف ظلماً ولا هضماً، وكل ما يجري له خير في خير؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له، ولا يزال في الخير والعاقبة له والظفر له.

    في الدنيا معانٍ يُعطاها المؤمن، ما يُعطاها الكافر، ولو مَلك الكافر الأرض من أقصاها إلى أقصاها، فلو قتل الكافر ما قتل، وقد قتل فرعون من الأطفال الألوف المؤلفة ويهدف لأن يقتل النبي الذي يزول ملكه على يده، وشاءت حكمة الحكيم أن يتربى هذا النبي وسط قصر فرعون على رغم أنفه، قدرة القادر -جل جلاله- وحكمة الحكيم الغافر، ولقد استُضعِف أولئك في الأرض، وأُوذوا في الأرض، وذُبِّح أبناؤهم واستُحيى نساؤهم، فكانت حكمة من حكيم، ولا والله ما كان فرعون في نِقمته تلك وفي بطشه ذلك بسعيد ولا برشيد، لا هو ولا من اتبعه، وكانت العاقبة في الدنيا قبل الآخرة أنه عجز ومن معه أن يقاوموا ما جاء به موسى عن الله -تبارك وتعالى- ثم أن كانوا في البحر مغرَقين، فما نفعهم فرعون ولا نفعوا فرعون وهم في العذاب من ذلك الوقت (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[غافر:46].

   هذه نهاية الظالمين التي لم تاتِ في أول سنة.. ولا ثاني سنة.. ولا ثالث سنة.. ولا رابع سنة.. ولا خامس سنة.. ولا سادس سنة.. فيا أيها المستعجلون رفقاً رفقاً بحقائق إيمانكم، تحققوا بحقائق الإيمان، الله أكبر من أن يعْجل لعَجلة أحد، لأنه لا يفوته شيء ومن لا يفوته شيء لا يحتاج أن يستعجل بل يبسط حكمته في أن يُملي للظالم، ويملي للمعتدي الغاصب الفاسق المجرم، حتى إذا أخذه لم يفلته في الوقت الذي عيَّنه والساعة التي قدرها، أكبر من تصور المتصورين وفكر المفكرين، هو الأحكم وهو الأعلم.

    بل جاء أنه بعد قول سيدنا موسى وقد أدى الرسالة وصبر وصابر وأوذي هو وقومه وصبر وذكر وشكر، (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)[يونس:88] كان الداعي موسى ولكن هارون أمَّن فجعل الدعوة للإثنين قال (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا)[يونس:89] ولما قال (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا)[يونس:89] لم يَهلك فرعون في اليوم الأول ولا الثاني ولا الشهر الأول ولا الثاني ولا الثالث ولا الرابع، ولم يزل الأمر حتى قال جماعة من أهل التفسير، بعد أربعين عاماً أُخرجَ إلى البحر وأُغرقَ وهَلَك هناك، وانتهت كل ادعاءاته وانتهت كل ضلالاته (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ*آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:90-91] لا بعجلة أحد، يا عجباً لمن أصابته شدة أو رأى ما ينازل أهل غزة ثم يقول ما للرحمن ما ينصر!! ما للرحمن ما يقدم ويؤخر!! وهل حكمة الرحمن تحت عقلك القاصر؟! وهل حكمة الفاطر -جل جلاله- تحت تصورك المحدود؟!

   الأمر أكبر وأجل، الأمر أعظم وأطول، وإنها لحكمة يُملي فيها للظالم والفاجر، (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[آل عمران:178] ،(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون:55-56] (بَل لَّا يَشْعُرُونَ)، (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)[التوبة:55]

   أيها المؤمنون بالله،، حكمة الحكيم؛ الدنيا مليئة بالاختبارات والامتحانات للمؤمن والكافر والصغير والكبير، ولكن والله كم من فرق بين من آمن وبين من كفر.. والشدائد التي لا تترك مسلماً ولا كافراً ولا صادقاً ولا كاذبا، تُرفع بها درجات الصادقين ويميز بها الله الخبيث من الطيب ويؤوب الآيبون، وينيب المنيبون ويتوب التائبون، بل ويسلم الكافرون من جراء ما يرون من آثار ومن عجائب حكمة الإله الجبار -جل جلاله-،

   ولقد يتحدث الناس أن من أسلم بثبات أهل غزة في أيامهم الماضية، زادهم الله ثباتاً، زادهم الله إيماناً، زادهم الله يقيناً، زادهم الله سكينةً وطمأنينةً، ولطفَ بهم اللطف الكبير إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وكم من حِكم والأمر أكبر من أن يكون في عجلة (وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا)[الإسراء:11].

 ولقد روَى لنا الإمام البخاري والإمام أحمد في مسنده وأبو داود وغيرهم عن سيدنا خباب بن الأرت في اشتداد الأذى الكثير على المسلمين بمكة المكرمة، كاشتداد  الأذى على ياسر وزوجته سمية -أول شهيدة بعد بعثة النبي محمد- وزوجها ياسر، وابنهم عمار عليهم رضوان الله، حيث كان إذا مرَّ بهم ﷺ قال "صَبْرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" يقول سيدنا خباب بن الأرت - عليه رضوان الله تبارك وتعالى- في وقت الشدة تلك والمحنة في مكة المكرمة، أتى إلى النبي ﷺ وهو تحت الكعبة فقال: "يا رسول الله - ألا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألا تَدْعُو لَنا؟" فقالَ: "قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" صحيح البخاري.

   وصبر الحبيب ﷺ وصبر أصحابه الكرام، واختار الله من اختار للشهادة، وهاجر خير الأنام ومرت السنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، وفي السادسة أراد أن يعتمر فرُدَّ من تحت مكة ورُدَّ من الحديبية، ورُدَّ من الدخول إلى مكة، وليس في مكة من يساوي ظفرَه الكريم، وليس في مكة من يساوي شيئاً من قدْره العظيم، ومع ذلك سُلِّطوا على مكة وآذوا المسلمين بمكة وأَرجعوا رسول الله من تحت مكة ﷺ ورجع، وفي رجوعه أنزل الله (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)[الفتح:1] وكان هذا الصبر وهذا الارتقاء لأولئك القوم الذين بايعوا في تلكم الواقعة والحادثة تحت الشجرة بيعة الرضوان، وأنزل الله (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح:18] لو لا هذا الرد ولو لا هذا الصد ما كان هذا الفخر ولا كان هذا المجد، ولا كان هذا الشرف، ولا كان هذا الرضوان لهؤلاء. إن لربك حِكماً فوق عقلك وفوق تصورك، فحسبك أن تعلم أنك عبدٌ مخلوق قاصر مهما مُكِّنت من علم ومعرفة، وفوق كل ذي علم عليم، ولكن الذي أحاط بكل شيء علما واحد هو الله جل جلاله وتعالى في علاه، فتوكل عليه واعتمد عليه وثق به -سبحانه وتعالى- فهو الفعاّل لما يريد جل جلاله وتعالى في علاه.

    ولقد قتل بنو إسرائيل عدداً من الأنبياء، ومُكّنوا من شِقِّ بعض الأنبياء صلوات الله على ساداتنا الأنبياء، (وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء:155] أتستغربون من بعض ذرياتهم في زمانكم أن يتطاولوا على الجبار ودينه ورسوله وأمة رسوله ﷺ، من قتلة الانبياء و ذرية قتلة الأنبياء وذرية من عاث في الأرض فسادا، وإنه ولا يستوون، (لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) [آلعمران:113-114] ، ومنهم الفسقة والمجرمون.

   أيُّها العباد والله لَيتِمَنّ الله هذا الأمر حتى يختبئ اليهودي تحت الشجرة ووراء الشجرة ووراء الحجرة وينادي الشجر والحجر؛ تعال يا مسلم هذا ورائي يهودي فاقتله، يا مسلم، يا من تحققت بالإسلام تناديك الأشجار والأحجار.

     عباد الله،، وفي هذه حِكم لإرجاع الناس إلى طريق الحق والصواب حسن مراجعة حسابهم فيما بينهم وبين رب الأرباب:

  •    كم من بيوت المسلمين تُركت فيها الصلوات.

  •    كم من بيوت المسلمين وأُسرهم مُنعت فيها الزكوات.

  •    كم من بيوت المسلمين وأُسرهم قامت فيها القطيعة للأرحام.

  •    كم من أُسر المسلمين وبيوتهم ارتكبت فيها جرائم الظلم وجرائم الفحشاء وجرائم المنكر.

  أيها المؤمنون بالله،، إنها تذكرة لمن يتذكر (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:43].

 يقول جلَّ جلاله وتعالى في علاه (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:45]، ألا له الحمد على كل حال، املأ قلوبنا بالإيمان واليقين وارزقنا الأدب معك وخير الدنيا وخير الآخرة، وخير المسلمين وشر ما بينهما واكفنا شرَّ الدنيا والآخرة وشرَّ ما بينهما، واجعلنا من عبادك الصادقين المخلصين الموفقين، يا منوِّر قلوب المؤمنين بأنوار الإيمان والرضا واليقين، هب لنا من أنوارك ما نرقى به أعلى مراتب القرب، ونكسب في الحياة القصيرة موجبات الدرجات العلا والملك الكبير في الحياة الباقية يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

   والله يقول وقوله الحق المبين:(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، وقال تبارك وتعالى:(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:93]

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[البقرة:214].

   وقال تعالى:(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران:142-148]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ*بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ*سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)[آل عمران : 151]

   بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات بالذكر الحكيم، وثبّتنا على الصراط المستقيم وأجارنا من خزيهِ وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

     الحمد لله حمدا تنشرح به الصدور بالإيمان، ونرقى به أعلى مراتب الرضوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم المنان، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة عيننا ونور قلوبنا محمدا عبده ورسوله، مَن أنزل عليه القرآن، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله المطهرين عن الأدران، وأصحابه الغر الأعيان، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان، وعلى أنبيائك ورسولك وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 أما بعد عباد الله،، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله وأحسنوا يرحمكم الله إن رحمة الله قريب من المحسنين وإن العاقبة للمتقين.

 أيها المؤمنون بالله،، يموت الكبير والصغير والذكر والأنثى والغني والفقير والأمير والمأمور والصالح والطالح والمؤمن والكافر، ولا والله ليسوا بسواء ولقد نادى أبو سفيان أيام شركهِ وكفرهِ، وقال يوم بيوم بدر فأجابه المسلمون؛ لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال: اعلُ هُبَل. فأجابه المؤمنون الله أعلى وأجل، فقال إن لنا العُزّى ولا عزّى لكم. قال صلى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم، الله مولانا ولا مولى للكافرين ولا للظالمين على ظهر الأرض، وإن الله سبحانه وتعالى يسيِّر الأمور  بحكمته ويفوز القائم بأمر الله والصادق مع الله ومن ارتقى رتبة الرضى فهو أعظم وأجل وأكبر وله الرضى، إن الله إذا أحب قوم ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط.

   ارزقنا الرضى بقضائك وقدرك وارزقنا الأدب معك في شؤوننا كلها وارزقنا الإقبال عليك وارزقنا الرضى عنك والرضى منك يا أكرم الأكرمين، وألحقنا بقوم رضيت عنهم وأرضيتهم، برحمتك ومنتك، اللهم عجل بكشف الشدائد عن إخواننا المسلمين في غزة خاصة يا ربنا يا أكرم الأكرمين وفي عسقلان وفي أكناف بيت المقدس وفي جميع أقطار الأرض طولها والعرض، اجمع شملهم وألِّف ذات بينهم وارزقهم الإخلاص لوجهك وارزقهم نية إعلاء كلمتك وارزقهم الإقبال الكلي عليك، وارزقهم اللطف منك، واجعلهم اللهم مظهر تأييد للحق والهدى ومحل عناية منك تُنقِّي بها الفجار والأشرار الظالمين أعظم الردى، اللهم واهزم حزب الظلم والعناد والاعتداء والمكر والزيغ والضلال وزلزل بهم يا مُنزل الكتاب ياسريع الحساب، يا هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم ياقوي يا متين.

 ألا وأكثروا الصلاة والسلام على النبي الأمين، فإن أولاكم به يوم الدين أكثركم عليه صلاة وتسليما، وإن الله قال مبتدئًا بنفسه ومثنيًا بالملائكة ومؤيهًا بالمؤمنين تعظيما وتفخيما (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]

 أدم اللهم صلواتك على المختار المصطفى سيدنا محمد وعلى الخليفة من بعده صاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حالة السعة والضيق؛ خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطق بالصواب شهيد المحراب الوقاف عند آيات الكتاب ناشر العدل في الآفاق الحليف المنيب الأواب؛ سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلى من استحيت منه ملائكة الرحمن محيي الليالي بتلاوة القرآن؛ أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه ووليه وباب مدينة علمه إمام أهل المشارق والمغارب أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة وريحانتي نبيك بنص السُنة وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضى وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بدر وأهل بيعة العقبة وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان وسائر أصحاب نبيك الكريم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

 اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم أجمع شمل المسلمين، اللهم ألِّف ذات بين المؤمنين، كثر فينا القلوب الخاشعة المنيبة المتضرِّعة المتبتلة لك في الأسحار وآناء الليل وأطراف النهار حتى توجب لنا نصرك وتأييدك وتسديدك وتوفيقك، وتحيينا حياة السعداء؛ حياة من تحب بقاءه وتتوفانا وفاة الشهداء، وفاة من تحب لقاءه، اللهم ومن قُتل من أطفالنا وإخواننا المسلمين صغاراً وكباراً في غزة، اقبلهم في الشهداء عندك، وأدرجهم في أهل الشهادة لديك، وارفع لهم الدرجات عندك، واخلفهم بخير خلف في أهاليهم وذويهم وفينا وفي المسلمين أجمعين، واجعلها من أسباب ظهور الحق والهدى في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم وجرحاهم ومرضاهم تولهم والطف بهم واشفِهم وعافهم.

 اللهم ويسِّر لهم نفقتهم وميرتهم وما يحتاجون من تغذيةٍ وأدويةٍ وما يحتاجون من أمتعةٍ في هذه الحياة، اللهم وزدهم إيماناً ويقيناً وتوفيقاً لما تحبه وترضاه، اللهم وأصلح شؤون المسلمين في المشارق والمغارب، ورد كيد الكافرين وأعداء الدين الظالمين لأنفسهم، المتنكرين للإنسانية والمتنكرين للقيم من أصلها. اللهم رد كيدهم في نحورهم وادفع عن المسلمين جميع شرورهم، اللهم لا تصرفنا من جمعتنا إلا بغفران وصلاحٍ للقلب والجنان وتنقٍ عن الآدران ورقيٍّ إلى أعلى مراتب الإسلام والإيمان والإحسان.

 اللهم وخذ بيد ملك هذه البلاد؛ الملك عبد الله وولي عهده ومن يقوم معهم على الخير والهدى ووفقهم لما تحبه ولما ترضاه ولما يصلح به البلاد والعباد والأمة، اللهم وانظر إلى ولاة المسلمين ورعاياهم وادفع البلايا عنهم في ظواهرهم وخفاياهم، وارزقهم التعاون على مرضاتك والقيام بأمرك كما تحب وعلى ما تحب

 اللهم وأصلح القاصي والدان، وتولَّنا بما توليت به الصالحين أولي العرفان، وبارك في الأعمار وارزقنا صرفها فيما يرضيك عنا واختمها لنا بأكمل الحسنى والإحسان يا كريم يا منان.

 ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا، وَانصرنا على القوم الْكَافِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَاننَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا للَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ

عِبَادُ اللَّه ،،  إنَّ الله أمرَ بثلاثٍ ونَهَى عن ثلاث،  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكُروا الله العظيم يذْكُرْكُم، واشكروه على نِعمه يزِدْكُم ولذكرُ الله أكبر.

 

 

تاريخ النشر الهجري

14 جمادى الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

25 نوفمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام