(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان بحارة عيديد، مدينة تريم، 21 ربيع الثاني 1443هـ بعنوان:
الأقدام ومكانتها في السعي وأثرها على الصراط المستقيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله.. الحمد للهِ القويِّ القادرِ المتين، المَانِحِ الوهَّاب المُكرِمِ المُعِين، وأشهد أن لَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له جامعُ الأولين والآخِرِين ليومِ الدين، يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، فيفصلُ بينهم، و{لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}، فهنيئاً لمَن فاز ورضيَ عنه الرحمنُ وأدخلَه الجنة، وويلٌ لمَن خابَ في ذلك اليومِ وخرجَ عليه الحكمُ بدخول النيران.
وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقرة أعيُنِنا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وحبيبُه وصفيُّه وخليلُه، أرسلَه {بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فبلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمَّة، وكشف الغُمَّة، وجلَا الظلمة، وجاهدَ في الله حقَّ جهادِه حتى أتاه اليقين، فهو صاحب السَّعيِ الأَشْكَر، والعمل الأطهَر، والمسلَكُ الأنور.
صلِّ وسلِّم يا ربَّنا على عبدِك المصطفى سيدِنا محمد، وعلى آلهِ الأطهار وصحبهِ الغُرَر، وعلى مَن والاهم فيك واتبعهم واقتفَى الأثر، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين مَن منحتَهم فضلَك الأكبر، وعلى آلِهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
أمَّا بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسِيَ بتقوى الله.. فاتقوا اللهَ عبادَ الله وأحسِنُوا يرحمْكُم الله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
ألا: وإنَّ من مظاهرِ الإحسانِ تَفَقُّدَ الإنسان لقدميه ومشيهما وسعيهما، وخطواتهما وحركاتهما في ليله ونهاره؛ فإنَّ السعي منسوبٌ إليهما، وإنَّ كثيرا من حركة الحياة قائمة عليهما، وإنَّ القدمين نعمتان من نِعَمِ الرحمن على عباده جعلهما لهذا الإنسان من بين جملة الدَّوابِّ التي قال الله عنها وهي تمشي وتَدُبُّ على ظهر الأرض: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}
تقدير مَن؟ تصوير مَن؟ خَلْقُ مَن؟ إيجاد مَن؟ تكوين مَن؟ إنه اللهُ العزيزُ الحكيم.
خلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويم، وجعل مشيَه وسعيَه على رجلين معتدلتَين يُوالِي بهما الحركات، فيذهب إلى الخيرات أو إلى السيئات، إلى الطاعات أو إلى المخالفات، إلى المباحات أو إلى المكروهات أو إلى المحرمات أو إلى الواجبات، كالسَّعي في يوم الجمعة {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
والسَّعي مِن قبلِ الأذان هو المندوب والمسنون، وهو أفضلُ مِن السَّعي بعدَ الأذان وهو المفروض الواجب. وهذا مما يَفْضُلُ فيه السُّنَّةُ على الفرض، وإلا فعامَّةُ الفرائضِ أفضلُ مِن السُّنَن، وإنَّ الفرضَ يُضاعَف أجرُه على سبعين نافلة، إلا مستثنياتٍ في شريعةِ ربِّكم صارت السُّنَّة فيها أفضلَ مِن الفرض، كمسألةِ إنظارِ المُعسِرِ الذي عليه الدينُ أو إبراؤه من الدين.. فإنظارُه واجب {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} أمَّا إبراؤه فسُّنَّة، ولكنَّ الإبراءَ هنا أفضلُ من الإنظار، فزادَ فضلُ السنَّةِ على الفرض.
كما أنَّ الابتداءَ بالسلامِ سنة مِن السننِ الكريمة، بل شعارٌ مِن شعارات المسلمين، ولكنَّ ردَّ السلام واجب، إلا أنَّ الابتداءَ به أفضلُ مِن ردِّه، وكان ذلكم سنةَ نبيِّكم المصطفى، يبدأ مَن لقيَه بالسلام. لا يسبقه أحدٌ من المسلمين إلى السلامِ عليه، بل رسولُ الله يسبق ويُسَلِّم على كُلِّ مَن لقيه من صغير وكبير وأبيض وأسود وأحمر -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا مرَّ على الصبيان سلَّم عليهم -صلوات ربي وسلامه عليه-.
كذلك السَّعيُ إلى الجمعة هي على مَن فُرضِت عليه بعد الأذان فرضٌ واجب، ولكنَّ السعيَ قبلَها مِن الفجر إلى وقتِ دخولِ الخطيب سنَّةٌ مِن السنن، وهي أفضلُ من الواجب. كذلك التبكيرُ إلى الجمعة الذي يُقالُ فيه: "إنَّ منازلَ الناس في ساحة النَّظَرِ إلى وجهِ اللهِ الكريم على قدرِ تبكيرِهم إلى الجمعةِ في الدنيا"؛ إذ يجتمعون لِلقاءِ ربِّهم جَمْعَاً مؤكَّداً عامَّاً في الأسبوع غير جَمعِ الصلوات الخمس، وفي القيامة يُدعَون إلى النظر إلى وجهِ الله جَمْعَاً عامَّاً لأهلِ الجنة غير مَن يَتميَّزُ بالنَّظَرِ إلى وجه الله أكثر من ذلك في أيام الأسبوع، وأعلاهم مَن يُمَكَّنُ مِن النَّظرِ في كُلِّ بكرةٍ وعشيَّة.. مقدار كُلِّ بُكرَةٍ وعشيَّة، ولكن في مقدار يوم الجمعة الذي تسمِّيه الملائكة (يوم المزيد) في الجنة يُدعَى الجميع للنظرِ إلى وجهِ الله الكريم؛ فمنازلُهم هناك على قدرِ تبكيرِهم إلى الجمعة في الدنيا؛ حيث يُدعَون إلى لقاءِ الرَّبِّ الكريم مِن وراء الحُجُبِ وهم في عالم الدنيا لأداءِ هذه الفريضةِ العظيمة المشرَّفة.
أيها المؤمنون بالله: ذلكم السَّعيُ بالأقدام منه ما هو واجبٌ كما ذكرنا، كالسَّعيِ في طلبِ العلمِ الواجبِ معرفتُه مِن علومِ الشرعِ المُطَهَّر، وكالسَّعيِ والمشيِ في خدمةِ الوالدين لبِرِّهما، وكالسَّعيِ لأداءِ فريضةِ الحَجِّ لمَن وجبَت عليه، والعمرة كذلك.
فهذه المساعي المشكورة، وهذه المساعي المحمودة، فريضتُها أولًا، وسُنَّتها في السعي إلى أنواع الخيرات والإصلاح بين الناس وأنواع المساعي الحميدة، قال جلَّ جلاله-: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}.
وقد يُشارِك في السعي غيرُ المؤمن كما يشاركُ المُرائي ويشاركُ المنافق في سعيٍ واحد، ولكن يُشكَرُ لهذا ولا يُشكَرُ للآخرين {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ..} موقِنٌ بعظمةِ الله ووجودِه وإحاطتِه به قاصداً وجهَه الكريم {..فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}.
ومشكورًا مِن قِبَل مَن أيُّها المؤمنُ بهذا الإله!؟ يشكرُهم ربُّ السماوات والأرض ورَبُّ العرش العظيم!
فنعمَ ما كسَبوه، ونعم ما أدركوه، ونعم ما نالوا ونعم ما حازوا مِن الشَّرف؛ أن يكونوا مشكورين لِرَبِّ العرش العظيم. فما أعظمَ ما نالوه، وما أكبر ما حصَّلوه {فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}.
أيها المؤمنون بالله: فانظروا إلى الأقدامِ أين تسعى وإلى أين تمشي؛ فإنَّ لها شهادةً خاصَّةً في يومِ القيامة، كما تشهدُ الأعضاء فتشهدُ هذه الأرجل على وجه الخصوص، قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وبذلك جاءتِ الخطوات إلى محلَّات القُرُبات أنَّ للمؤمنِ بكلِّ خطوة يخطوها حسنةً وتكفيرَ سيئةٍ ورفعَ درجة..
ألا: وإنَّ كثرةَ الخُطَى إلى المساجد مِن موجباتِ الرحمة، ألا وإنها كالجهادِ في سبيلِ الله، ألا وإنها بابٌ من أبواب الفضلِ الرَّبَّاني (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ). أي: فاعل ذلك، المعتنِي به له أجرُ المُرَابِطِ في سبيل الله، والمرابطُ الذي يَحبِسُ نفسَه في ثَغْرٍ من الثُّغُور يَسُدُّ به عن المسلمين اعتداءَ المُعتدِين من الكافرين والمنافقين والفاجرين الذين يريدون أذى المسلمين فيَحبِس نفسَه في هذا الثَّغرِ مُرَابِطَاً في سبيل الله -جلَّ جلاله-، ولمُقَامُه ليلة خيرٌ مِن عبادةِ ستين سنة وسبعين سنة في مُقَامِ ليلة في رباطٍ في سبيل الله.. (وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ) مع إسباغ الوضوء -أي إحسانه- (وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ) هي الرباط هي الرباط هي الرباط، فاعل ذلك مرابطٌ في سبيل الله.
فهل تُسبِغُ الوضوءَ وتُحسِنُه؟ وهل مَن في بيتِك مِن زوجة وولد هل يسبغونَ الوضوء؟ أو تنتظر ملائكةً تنزلُ عليهم يعلِّمونهم إسباغَ الوضوء؟!
علَّمَك النبيُّ "محمد" وأمرَك أن تُعَلِّمَ أهلَك وولدَك.. أمَا تُعَلِّمهم ذلك؟! أمَا تنشرُ إسباغَ الوضوء بين زوجتك وأبنائك وبناتك؟ ليُسبِغَ الجميعُ الوضوءَ كلما توضأوا ويُحسنِون الوضوء؛ فإنَّ إحسانَ الوضوء إحسانٌ للصلاة وقُربَةٌ إلى الرحمن -جَلَّ جلاله-.
وهل تسمع كثرةَ الخطى إلى المساجد؟ يا مَن جئتَ المسجدِ اليومَ في يومِ الجمعة وقد فقدَتكَ مساجدُ بلدتِك المساجد القريبة ومساجد الله على الأرض في صلاة الصبح فلم تحضُرها ولم تخطُ إلى المسجد، وفي صلاة العشاءِ البارحة فلم تخطُ إلى المسجد، وفي صلاة المغرب البارحة فلم تخطُ المسجد: ذَكِّر نفسَك بهذا الكلام والرباطِ والارتباط ونصيحةِ الهادي إلى سواء الصراط (كَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ).
أكثِر خطواتِك في صباحِك ومَسائك؛ فإن تعلَّقَ قلبُك بالمسجد وصرتَ تَحِرصُ على كلِّ صلاة فيه فأنت ممَّن يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّ عرشِه يومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّه.
(وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ)
هل عندك نصيبٌ من هذا الفضل؟ وهل شاركتَ في هذه الشركة الغنيَّة الشركة المُربِحَة؟ شركة الرِّبَاط في سبيل الله.. بأن تنتظر صلاةً بعد صلاة؟
تنتظرُ صلاةً بعد صلاة.. تصلي المغرب فتجلس منتظرًا لصلاة العشاء، تصلي الظهر فتجلس منتظراً لصلاة العصر أو نحو ذلك من الصلوات الخمس، وأقربهنَّ انتظاراً العشاء بعد المغرب.. هل عندك نصيبٌ من هذا؟
ما عرفت قدرَ هذه الشركة المُساهِمَة!
ولو ذكروا لك مساهمة مُربِحَة ولو بالكذب بالدعاية -كما يفعلون- لأخرجتَ مِن مالِك أو استدنتَ أخرجتَ المخبَّأ الذي لا يخرجُ واستدنتَ ديْنَاً لأجلِ أن تربحَ في تلك الشركة ثم لا تجدُ ربحًا في الغالب، أو في البداية ثم يضحكون عليك في النهاية..!
لكن هذه شركة دلَّالُها "محمدُ" الربح فيها مؤكَّد، ومضمون، ومتواتر، ومُتَكَاثِر، ومُتَزايد، وفيها عطاء مَن يُعطي بغير حساب -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
خذ لك نصيباً مِن انتظارِ الصلاة بعد الصلاة، وانظر إلى قدمِك كيف تسعى بها، وأين تخرجُ بها، وزيِّنها بزينةِ وحَلِّها بحليَّةِ أن لا تدخلَ المسجدَ إلا مُقَدِّمًا اليمنى على اليسرى، ولا تدخلِ البيتَ إلا مُقَدِّما اليمنى على اليسرى، ولا تخرج منهما ومِن أمثالهِما مِن الأماكنِ الشريفة إلا وأنت في الخروج مقدِّمًا اليسرى على اليمنى، وإذا أردت دخولَ الخلاء ومحلَّ القاذورات فَقَدِّمِ اليُسرى دخولاً وعند الخروج قَدِّم اليمنى. حَلِّها بهذه الزينة، هذه زينةٌ مِن زينةِ نبيِّك محمد تُزَيَّن بها الأرجلُ عَمَلَاً بها في الدنيا ونوراً يومَ القيامة.
ألا: و (إنَّ حِلْيَةَ الجنَّة تبلغُ مبلغَ الوضوء) فمَن أحسنَ الوضوءَ وصار يغسلُ قدمَيه إلى فوقِ الكعبين إلى نصفِ الساقين أو أكثرَ مِن ذلك فله حِلْيَةٌ في الجنة تبلغُ مبلغَ الوضوء الذي كان يَصِلُ إليه الماءُ مِن العضو، ما يصل إليه الماءُ مِن ماءِ الوضوء هو الذي يُزَيِّن في داِر الكرامة؛ تَكْرِمَةً على العملِ بأمرِ اللهِ ورسولِه وسُنَّةِ عبدِه المصطفى محمد، فلا تَكرِمَةَ إلا على العملِ بذلك.
ونِعمَ التكريمُ تكريمُ الإلهِ العظيمِ لمَن عَمِلَ بطاعتِه في هذه الدارِ الفانيةِ المنقَضية.
ألا: أَحكِم مسعاك، وانظر إلى أينَ تسعى، وإلى أين تخطو، وأين تضعُ قدمَك. وإنها آثارٌ لك، مكتوبة لك أو عليك، يقول -جَلَّ جلاله-: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ}، فالخطوات من آثارهم، وما يُخَلَّفُ بعد الموت مِن المنسوب إليهم مِن آثارهم، والكُلُّ يُكتَب فلا يؤثَرُ عنك إلا الخير.. يا أيها العاقل المؤمنُ بلقاءِ رَبِّ العالمين -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-.
املأ قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، ولا تجعل لنا فيما بقيَ مِن حياتنا إلا خطواتٍ بها نَسعَد ونشكر عليها يوم القيامة، وأعِذنا مِن كلِّ خطوة تُوجِبُ حسرةً وندامةً أو عذابًا في الدنيا أو يوم القيامة.
يا حافظَ الأرجل احفَظ أرجلَنا أن نسعَى بها إلى ما حرَّمتَ أو ما كَرِهتَ أو إلى الشبهات، واجعل مساعيَنا في الحلالِ والمندوباتِ والواجباتِ ونَفعِ العبادِ والبلاد، يا مُنعِمَاً علينا بهذه الأقدامِ وحافظًا لها مِن أنواعِ الآلام والأسقامِ ارزقنا شكرَ هذه النعمَة فيما حَفِظتَ علينا وفيما أقدرتَنا عليه مِن حركةٍ عليها ومشيًا بها إلى المواطن، ِفلا نمشي إلا إلى ما تُحِبُّ مِن المواطن يا حيُّ يا قيُّوم.
والله يقولُ وقولُه الحقُّ المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
وقال تباركَ وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}
(بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ) {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
(بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ) {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ}
{وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِى ٱلْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُواْ يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة:81-82].
{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:42-52].
باركَ الله لي ولكم في القُرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه مِنَ الآياتِ والذكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزيهِ وعذابِه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدينا ولجميعِ المسلمين فاستَغفِروه، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الحمد للهِ القويِّ المتين، جامعِ الخلائقِ فحاكمٌ بينهم يوم الدين، وأشهد أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يَرقُبُ النِّيَّاتِ والحركاتِ والسَّكنَاتِ في كُلِّ حالٍ وفي كلِّ حين، ونشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه وحبيبُه الصادقُ الأمين، اِغبرَّت قدماه في سبيلِ الله، ورُمِي بالحجارة حتى سال الدمُ مِن قدمَيه وعقبَيه الشريفتين، وهاجر بهما، ووَرِمَت مِن قيامِه في لياليه في مناجاتِه لمولاه، فلا واللهِ ما خَلَقَ اللهُ في الأكوانِ قدمَين أكرمَ عليه مِن قدمَي محمد، ولا أكرمَ في أمَّته مِن قدمَين اتَّبعَت قدَمَيَّ محمد.
اللهم أدم صلواتِك على عبدِك الحامدِ المحمودِ الأحمد سيدِنا محمد، وعلى آلِه وصحبِه وأهل محبَّته وقربِه مِن كلِّ مَن والاه وأحبَّه واقتدَى به، وعلى آبائه وإخوانِه مِن أنبيائك ورسلِك المبشِّرين به، وآلِهم وصحبِهم وتابعيهم، وملائكتِكَ المقرَّبين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله.
فاتقوا اللهَ في أرجلِكم وما تمشي به، وإلى أين وبأيِّ قصدٍ تمشي وسطَ الدار وخارج الدار، حيثما كنتم وأينما كنتم؛ فإنها خطواتٌ محسوبةٌ، أنت محاسَبٌ عليها. فهنيئا لمن خطَا خطوات الخير.
أيها المؤمنون: وإنَّ سعيَ الإنسانِ مركزُه وأصلُه القلب ثم بعد ذلك يشتركُ فيه النظرُ والسمعُ والفكرُ ومختلفُ الأعضاء، ولكن المجلَى والمظهر للسَّعي القدمان، ونُسِبَ السَّعي إليهما.
وكان ما كان مِن شأنهما أنَّ العبورَ في موقفِ القيامة إلى دارِ الكرامة والجنة لا يكون إلا عبرَ القدمَين، ومن مُثَبَّتٍ ومِن ساقط. وإنما الثباتُ هناك بالثباتِ هنا، فمَن ثبتتَ أقدامُه في الدنيا على الصراطِ المستقيمِ فبشِّره عند المرورِ على الصراطِ أن يُثَبِّت اللهُ قدميه. وويلٌ لمَن لم يرحَمْه في ذلك الموطنِ وفي تلك الساعةِ التي لا يعرفُ القريبُ فيها قريبَه، ولا الأبُ ابنَه ولو كان بجنبِه، ولا بنتَه ولا زوجتَه مِن هولِ ما يشاهدون إذا ضُرِبَ الصراطِ على مَتنِ جهنم وأُمِروا بالعبورِ عليه.
ولقد علَّمنا ربُّنا أن ندعوَ في كلِّ صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وصراطُهم: خشيةُ الله، وتقديمُ رضاه على كلِّ غرضٍ للنفسِ وللخلقِ في الدنيا مِن طرفِها إلى طرفِها، لا يُقَدِّمون إلا ما يرضِي اللهَ -جَلَّ جلاله-
فهل تخطُو خطواتِهم؟ وهل تمشي وراءَهم؟ وهل تقتدِي بهم؟
أم اتخذتَ لكَ قدواتٍ مِن الفُجَّارِ والأشرارِ نصبتَهم بين يديكَ وكأنهم أساتذة! وليسوا إلا فسَّاقا سَقَطوا مِن عين مَلكِ السماواتِ والأرض ويُخزيهم يومَ العرض! فهل تريدُ أن تشاركَهم في الخزيِ يومَ القيامة!؟
{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
أقِم خطواتِك على متابعةِ النبيِّ "محمد" تمضِي {معه} على الصراطِ أسرعَ مِن لَمحِ البصر، في يومِ الهولِ الأكبر، ثَبِّت القدمَ ما دُمتَ في الدنيا ولا تَزِغ يمنةً ولا يسرًة؛ فإنَّ الأقدامَ الزائغةَ على الصراطِ كثيرةٌ وكثيرةٌ وكثيرة، تنجُو الطوائفُ المباركةُ الأولى ويسقطُ في النار مَن عدَا ذلك، فمنهم مَن يمشي أسرعَ مِن لمحِ البصر، ومنهم مَن يمشي بقدرةِ اللهِ على الصراطِ كالريحِ المُرسَلة، ومنهم كالبرقِ الخاطف، ومنهم كالجوادِ السريع، ومنهم مَن يجري، ومنهم مَن يمشي، ومنهم مَن يحبُو حبواً ليس معه من الإيمان والعمل الصالح ما يرفعه ويُقيمُه فيحبو حبوًا فيسقط في نارِ جهنم -والعياذ بالله- (وله كلاليب كشوك السعدان لا يَعلمُ عِظَمَها إلا الله، يهوي الكِلَّاب في الخطفة أربعين ألفا إلى جهنم) -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على ما تُحِب، وثبِّت أقدامَ أهلينا وأولادِنا، ولا تَزِغ بنا في الدنيا ولا يومَ القيامة، ومُرَّ بنا مع الحبيبِ الأعظمِ على الصراط، برحمتِك يا أرحم الراحمين وجودِك يا أجودَ الأجودين.
ألا: وأكثِروا الصلاةَ والسلامَ على أصدقِ مَاشٍ على الصراطِ المستقيم، إمامِ جميعِ أهلِ الصراطِ المستقيم بلا استثناء "محمد بن عبدالله" وراءَه النبيُّون، ووراءَه المرسلون، ووراءَه الصدِّيقون، ووراءَه المقرَّبون، وهو أكرم الأولين والآخرين على ربِّكم. أكثروا الصلاةَ والسلام عليه فإنه القائل: (إنَّ أولى الناس بي يومَ القيامة أكثرَكُم عليَّ صلاة)، أكثِروا الصلاةَ والسلامَ عليه ليلاً ونهارا سِرَّا وإجهارا؛ عسى أن تُرافقُوه وقتَ المرور على الصراط وتمضُوا معه بالنجاة إلى دارِ الكرامة والخيرات، وإنَّ الله يُصلي على كُلِّ مَن صلَّى على نبيِّه محمدٍ بكلِّ صلاة عشرَ صلوات، ولقد أَمِرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنَّى بملائكته وأيَّه بالمؤمنين؛ فقال مُخبِرَاً وآمِرَاً لهم تكريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك المختار سيدِنا محمدٍ نورِ الأنوار وسِرِّ الأسرار، وعلى الخليفةِ مِن بعدهِ المُختار، وصاحبهِ وأنيسهِ في الغار، مُؤازرِه في حالَيِ السَّعةِ والضِّيق، خليفةِ رسولِ الله سيِّدِنا أبي بكر الصديق، وعلى ناشرِ العدلِ في الآفاق، المتأدِّبِ بأدبِ نبيِّك المصطفى والمُتَخَلِّق بكريمِ الأخلاق، حليفِ المحراب، أميرِ المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وعلى النَّاصِحِ لله في السِّرِّ والإعلان، مَنِ استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، أمير المؤمنين ذي النُّورَين سيدِنا عُثمانَ بنِ عفَّان، وعلى أخِ النَّبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمِه، إمام أهلِ المشارق والمغارب، لَيْثِ بني غالب، أمير المؤمنين سيِّدِنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسَنِ والحُسينِ سيِّدَي شبابِ أهلِ الجنَّة في الجنَّة وريحانتَي نبيِّك بِنَصِّ السُّنة، وعلى أمِّهِما الحَوراءِ فاطمةَ البَتولِ الزَّهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرضا، وعلى الحمزةَ والعبَّاس، وسائر أهل بيتِ نبيِّكَ الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنسِ والأرجاس، وأمهاتِ المؤمنين، وعلى أهلِ بيعةِ العقبة وأهل بدرٍ وأهلِ أُحدٍ وأهلِ بيعةِ الرِّضوان، وسائرِ الصَّحبِ الأكرمين وأهل البيتِ الطاهرين، وعلى جميعِ أنبيائك ورسلِك وآلِهم وصحبِهم وتابعيهم، وعبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام وانصُرِ المسلمين، اللهم أَذِلَّ الشركَ والمشركين، اللهم أَعلِ كلمةَ المؤمنين، اللهم دَمِّر أعداءَ الدين، اللهم اجمع شملَ المسلمين، اللهم وفِّقهم للسَّعيِ المشكور والعملِ المبرور، اللهم أعِذنا وإيَّاهم مِن كلِّ حركةٍ وسكونٍ يعقبُها حسرةٌ أو ندامةٌ في الدنيا ويومَ القيامة، يا حيُّ يا قيوم ثبِّتنا على السَّعيِ المبرورِ المشكورِ والعملِ الصالحِ المقبولِ عندكَ يا عزيزُ يا غفور.
اللهم لا تصرفنا من الجمعة إلا وقد استجمَعَت قلوبنا على ألا تخطو إلا في مرضاتك، ولا تسلك إلا سبيل طاعاتك، ولا تكلنا يا ربّنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين فنهوي في مهاوي الضلالة ونقع مواقع أهل الجهالة، اللهم إنَّا نعوذ بك من أفعال أهل النار وفعل الجُّهَّال وأحوال الغافلين البعيدين الضُّلَّال، اللهم املأ قلوبنا بالإيمان واليقين، وأدخلنا في حزبك المفلحين وعبادك المتقين، وأصلح يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا، يا مكفر السيئات، يا غافر الذنوب والخطيئات، يا دافع البلايا والآفات، يا من بيده أمر الأرضين والسماوات، عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإيَّاك سألنا، وعليك عوَّلنا، ولما عندك طلبنا، اكشف عنَّا الشدة والبلايا والأمراض والمحن والفتنِ الظاهرةِ والباطنة، وعن أمَّةِ نبيِّك محمدٍ في شرقِ الأرض وغربِها.
يا كاشفَ البلايا، يا دافعَ الرَّزايا، يا ربَّ البرايا، يا عالمَ الظَّواهر والخفايا، هَبنا أعلى المزايا، وأدخِلنا في خيارِ البرايا، وتولَّنا بما تولَّيت به مَن طهَّرتَ لهم السَّرائرَ والقلوبَ والطَّوايا، يا حيُّ يا قيُّوم يا رحمن.
اِغفِر لنا ولوالدينا ومشائخِنا وذوي الحقوق علينا، ولمَن أحبَّنا فيك ولمَن أحسنَ إلينا، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات مغفرةً واسعة، أحياهم وموتَاهم إلى يومِ الميقات، يا مجيبَ الدعواتِ يا ربَّ العالمين.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
{رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
نسألكَ لنا وللأمة مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذَكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعان وعليك البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهَى عن ثلاث:
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكُم، واشكروه على نعمِه يَزِدْكُم، ولذِكرُ اللهِ أكبر.
21 ربيع الثاني 1443