(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة بعيديد، مدينة تريم، 26 شوال 1443هـ بعنوان:
اغتنام مراحل الرحلة إلى الله وتفقُّد أحوال الأسرة ومكانة ذلك في دين الله
السلامُ عليكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه،
الحَمْدُ لله. الحَمْدُ للهِ القويِّ القادر العزيزِ الفاطر. وأَشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وَحْدهُ لا شريكَ له، جامعُ الأوَّلِين والآخرين لِفَصلِ القضاءِ في اليومِ الآخِر. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيُننِا ونورَ قلوبِنا مُحَمَّداً عبدُهُ ورسولُه، ونبيُّه وحبيبُهُ المُنيبُ الطاهر، أكرمُ كلِّ ذاكرٍ وشاكر. اللهُمَّ أدِم صلواتِك في كلِّ باطنٍ وظاهِر، على جامِع جميعِ البواطنِ والمَظاهر، عبدِك المصطفى محمدٍ سيدِ الأوائلِ والأواخر، وعلى آلِه الأطهارِ وأصحابِه الأخيار، ومَن والاهُم فيك واقتفَى ما لهُم مِنْ آثار، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين معادنِ الحقِّ والهُدى والأنوار، وعلى آلِهم وصحبِهم وأتباعِهم والملائكةِ المقرَّبين، وعلى جميعِ عبادِك الصالحين. وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعدُ عبادَ الله: فإني أُوْصيكُم وإيايَ بِتَقْوى الله.
فاتَّقوا اللهَ في مراحلِ الرِّحلةِ إليه، وهي الأشهرُ التي تمرُّ بكم على ظهرِ هذه الأرض، وخصوصاً مِن بعدِ أيام التكليف، إلى ساعةِ نَزعِ الرُّوح مِن هذا الجسدِ والخروجِ إلى مقابلةِ البَرِّ اللطيف.
أيها المؤمنون بالله: تُودِّعون شهراً مِن أشهرِ الحج، وتستقبلون بعدَه ما بقي مِن أشهُرِ الحج وهي مِن الأشهرِ الحُرم، مُذَكِّرَاتٌ لكُم ومُنَبّهات، هي مراحلُ الرحلةِ، ومراحلُ الوصولِ إلى الحقِّ جلَّ جلالُه، وانتهاءِ هذا السَّفَرِ وفناءِ أيامِ النُّقلة.
أيها المؤمنون بالله: وَجبَ على كلِّ مَن آمنَ بهذا الإله ورسولِه، أن يستشعرَ عبورَ هذه المراحل ومرورَها، وأنهُ يجب أن يَتِمَّ بِحُسْنِ استِعدادٍ لمقابَلةِ الذي إليه نسافر، وإليه نرجع، وهو الأعلمُ مِنَّا بِنَا وبما فينا من باطنٍ وظاهر، علامُ الغيوبِ وما في السرائر.
أيها المؤمنون بالله: ومع هذا الاستشعارِ الذي يجبُ أن يَثْبُتَ في قلبِ كلِّ مَنْ آمن. فلنَنتبِه إلى مهمَّةٍ مِن أعظمِ المهمَّات، وهو تَفَقُّد الأهلِ والأُسَرِ والبيوت وما يجري فيها وما يجري لأهليها، وما يُنازلُهم مِن فِكْرٍ ونَظَرٍ وتَصَوُّر، وما يعقُبُ ذلك ويصحَبُهُ وينتجُ عنه مِن قولٍ وفعلٍ ومعامَلة فيما يخفَى وفيما يظهَر.
أيها المؤمنُ بالله جل جلاله: تَفَقُّدُ الأسرةِ، مِن حيثُ ما يطرأ عليها أو ينازِلُها مِن الفكرِ والاعتقادِ، ومِن السلوك والمعاملةِ في الخافِي والباد، سدادُ ثغْرٍ مِن الثغورِ في أمةِ الإسلام. تَفَقُّدُ الأسرةِ أداءُ أمانة عظيمةٍ ائتَمنكَ عليها الملكُ العلام. تَفَقُّدُ الأسرة محافظةٌ على الشرعِ المصون، وتَفَقُّدُ الأسرةِ رابطةٌ بالأمينِ المأمون، وتَفَقُّدُ الأسرةِ تنفيذٌ لأمرِ عالِم الظهورِ والبُطون. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فلا يُقْبَلُ عُذْرُ مَن بَلَغَتْهُ الدعوة، ثم أبَى وأصرَّ واستكبَر، مِن جميعِ أصنافِ الكفار على ظهرِ الأرض. وقد شُرِّفْتُم بالإيمانِ والتصديقِ بما أوحى اللهُ وبعث به خاتمَ أنبياه، صلى الله عليه وسلم، فاعلموا قَدْرَ هذا التشريف، مِنَ الإلهِ البَرِّ اللطيف. وقومُوا بواجبِكم في حقِّ التكليف، وتفقَّدوا الأُسَرَ التي صارت عرضةً لكثيرٍ مما يُعْرَض، وكثيرٍ مما يُدارُ على الفكر ويُدعَى به في السلوك والمعاملة والتصوُّرات المختلفة، بالوسائلِ الكثيرةِ المتنوِّعةِ المتطوِّرة. تُنادَى نساؤُكُم ويُنادَى أبناؤكم، مِن أيام الطفولة، ويشتدُّ النداءُ أيامَ المراهَقةِ والبلوغ، وفي مرحلةِ الشباب، بل ولا يُقَصِّرُ النداءُ الخبيثُ في محاولةِ الوصولِ إلى كهلٍ ولا شائب، لينحرفَ في نية، أو ينحرفَ في فكر، أو ينحرفَ في عقيدة، أو ينحرفَ في أدبٍ مِن آدابِ الشرعِ المصُون، أو يقعَ في مَن للأمانةِ يخُون، والعياذ بالله تبارك وتعالى. ودواعي الحقِّ وداعي رسولِه وما خلَّف فينا، مِن قرآنٍ وسنَّة، ومِن آلِ بيتٍ وأصحاب، ومِن خلافةٍ للعِلْم، وإرثٍ للنبوَّةِ في الأصفياء مِنَ العلماءِ الأوفياءِ الصادقين مع عالِمِ السرِّ وأخفى، الذين لم تغلبْ عليهم شهوةُ ظهورٍ ولا بروزٍ ولا سلطةٍ ولا إرادةُ جمعِ مالٍ على ظهرِ الأرض، فَصَدَقوا وأخلصُوا وزهِدُوا وتورَّعُوا ولم يرضَوا بمالٍ إلا مِنْ حِلِّه، ولم يرضوا بإنفاقٍ له إلا في مَحَلِّه حيث يرضَى الله، ولم يُعَوِّلُوا على سُلْطَةٍ ولا جاه. هؤلاء مِن مُخَلَّفَاتِ المصطفى في الأُمَّةِ والبريَّة. قال عنهم "اللهم ارحَم خلفائي." قالوا "ومَن خلفاؤكَ يا رسولَ الله؟" قال: "قومٌ يأتون مِن بعدي يَرْوُون أحاديثي ويُعَلِّمونَها عبادَ الله." يروُون أحاديثي أي: بَلاغي للرسالة وأدائي للأمانة وتعليماتي التي أخذتُها مِن نورِ ربِّي ووَحيِ ربِّي جل جلاله. فَيُذَكِّرُوْن الناسَ بها أمامَ نَشرِ الشيطانِ وجُندِه لأفكارِ تعظيمِ أنظمةِ وفكرِ ونظريةِ الفُجّارِ والأشرار والكفار على ظهرِ الأرض لتُنازِعَ شرعَ الله ووحيَ الله ودينَ الله ومنهجَ الله وسنَّةَ رسولِه ومُصطفاه. وما حَقَّ لها أن تُنازِع، ولا حقَّ لها أن تُطَاوِلَ المنهجَ الرباني وسنَّةَ صاحبِ الشرفِ العدناني، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولكن إضاعة الأمانة عندَ كثيرٍ مِنْ رجالِ المسلمين ونساءِ المسلمين مَكَّنَهُم أن يُنَافسُوا منهجَ الله، وأن ينافسُوا شرعَ الله، واستُبْدِلَ شرعُ الله في كثيرٍ من عُيونِ الذكورِ والإناث عندنا، استُبْدِل شرعُ الله في عيونِهم بأُطروحات وبأنظمةِ وببرامجِ أعداءِ الله ومَسْلَكِ ومنشورِ إبليس ومَنْ دخل في دوائرِ إبليسَ ووالاه. استبدلوا الشرعَ المصون. استبدلُوا قولَ عالمِ الظُّهُورِ والبطون آمراً الأمينَ المأمون: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...﴾ استَبْدَلُوا هذه الدعوة، استبدَلوا هذا الشرع، واستبدَلوا هذا الحُكمَ بما يتحدثُ إليهم أعداءُ الله وأعداؤهم وإبليسُ وجُندُه، أن فَتِّحُوا عيونَكُم على كلِّ مُحَرَّم، واتَّخذُوها في الأجهزةِ مِن جوّالٍ وسِواه. وقَضُّوا بها أعمارَكم الغالية، ومراحلَ الرحلة إلى عالِمِ الظاهرةِ والخافية. وَسِّخُوها بهذا وقذِّرُوها بهذا. أتَستَبدلُ مناهجَهم هذه وأنظمتَهم هذه وطرحَهُم هذا بمنهجِ الرحمن وما أنزل؟ وبلاغِ المُرْسَل بقولِه "النظرة سهمٌ مسمومٌ مِن سهامِ إبليس. قال الله: مَن تركَها مِن مخافتي أبدلتُه إيماناً يجدُ حلاوتَه في قلبه." فانظر ماذا يجري لعينَيك وأعيُنِ أهلِك وأعيُنِ أبنائك وبناتك فكثيرٌ منها ضَيَّعَتْ شرعَ الله وأوامرَه واتخذَت دعوةَ إبليسَ وجندِه بدلَها ومكانَها، وسمحُوا لآذانهم كذلك، ولألسنتهم كذلك، ولبطونِهِم وفروجهم وأيديهم وأرجلِهم أن يُبَدِّلُوا أمرَ الله وشرعَه بما يُملِي عليهم إبليسُ وجندُه على ظهرِ هذه الأرض ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا. ﴾
فاستيقِظ مِن غفلتِك، وأنِبْ إلى عالِمِ سرِّكَ وعَلَنِك، واصدُقْ في الإنابةِ إليه وانظُر كيف تقطعُ مراحلَ الرحلة ومراحلَ النُّقلة إليه جل جلاله والوصول إليه. اللهم املأ قلوبَنا بإيمانٍ نُحْسِنُ به اغتنامَ الأعمار، ونتهيأ به للقائك يا عالمَ الجهرِّ والإسرار. يا كريمُ يا غفار.
والله يقولُ وقولُهُ الحقُّ المُبِيْن ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
وقال تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾
أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ. اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.﴾
﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.﴾
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا. أُولَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾
بَارَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ في القُرْآنِ العَظيم، ونَفعَنا بِمَا فيهِ مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم، وثبّتَنَا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِنْ خِزْيِهِ وعذابِهِ الأليم. أقولُ قَولي هذا وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدِينا ولجميعِ المسلمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيم.
الحمدُ للهِ مُحْيي قلوبِ من يشاء، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له عالمُ السرِّ وأخفى. وأشهدُ أن سيّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيننا ونورَ قُلوبِنا مُحَمّداً عَبدُهُ ورَسُولُه وحبيبُه المصطفى. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك المجتبَى المختار سيدِنا محمد، وعلى آلِه الأطهار وصحبِه الشرفاء، ومَن والاهم فيك ولمنهاجِهم اقتفى، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين أئمةِ الهُداة الحنفاء، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم والملائكةِ المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعدُ، عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله. فاتَّقوا اللهَ في مُرورِ مَراحلِ العمرِ القصيرِ الراحلِ الفاني. وتهيأوا للقاءِ مَنْ أنزلَ المثاني، العالمِ بكلِّ قاصٍ وداني، جلَّ جلالُه، وتفقَّدوا الأسرَ والبيوتَ وما يجري فيها، فهي ثغورٌ للأمة، بِصلاحِها تَصْلُحُ المجتمعات. ونُكْفَى شرورَ المفسدين والمفسدات، والفاجرين والفاجرات، والداعين إلى السوءِ والكفرِ والضلالات.
أيها المؤمنون بالله: في المناسبات خاصَّة وفي الليالي والأيامِ عامَّة، يجبُ أن تُتَفَقَّدَ الأفكارُ والتصوُّرات. فهناك تسريباتٌ لفِكرِ الكُفرِ ولفِكرِ الفسوقِ ولفِكرِ العصيان إلى أذهانِ كثيرٍ مِن شبابِنا وناشِئَتِنا، يُغَشُّون ويُخْدَعُون ويُضَرُّون ويُسْتَجَرُّون إلى المفاسد والأسواء. إنها الأمانة، يا أيها المؤمن بالحق تعالى في عُلاه، قُم بحقِّها، وتفقَّد ما يجري مِن صورٍ ومِن ملابسَ ومِن كيفيةِ استعمالٍ للأجهزة. ومِن حالِ مواصلةٍ بين الأرحام وبرٍّ للوالدين ومِن مُصَادَقةٍ ومِن مُصاحَبة. اُنظُرْ ما يجري في بيتِك، وهل عُمِرَ بيتُكَ؟ وقد مرَّ عليه رمضان وتختم بعدهُ شوال. هل يُعمَرُ بيتُك بالقرآن؟ هل يُعمَر بمَن يتدارسُ القرآن؟ هل يُعْمَر بذاكِرِي الرحمن في ليلِهم ونهارهم؟ أصلِحْ بيتك. نَوِّرْ بيتك. طهِّرْ بيتَك. أقِمْ بيتاً وأسرةً مسلمةً مؤمنة، وبيتاً مُنَوَّراً بنورِ الوحي واتِّباعِ من أُنزِلَ الوحيُ عليه. اُصدُق مع الإله. اُعْمُرْ مراحلَ العمرِ القصيرة المتتالية واستعدَّ للقاءِ عالمِ الظاهرةِ والخافية. أقِمْ أمرَ الله ونفِّذْ شرعَ الله في محيطِ الأسرة وما يجري بينكم. لا تُدخلِ الشبهاتِ إلى بيتِك. لا في المَطعومات ولا في الملبوسات ولا في المنظورات ولا في المسموعات. تجنَّبِ الشبهات. فمَنِ اتَّقَى الشبهاتِ فقد استبرأ لدينِه وعِرضِه، ومَن وقع في الشبهاتِ وقعَ في الحرام. كالراعي يرعَى حولَ الحِمى يوشكَ أن يرتعَ فيه.
أيها المؤمنُ بالله: تفَقَّدْ كيفيةَ مرورِ الوقت وارتباطِ الأسرةِ بأمرِ ربِّها وتحكِيمِه في مناسباتِها المختلفة وفي أقوالِها وأفعالها. لا تُخدَع ولا تُؤتَ مِن حيثُ بيتِك وأسرتِك. فتقعُ في موجبات الخِزيِ والندامةِ يومَ السؤال في القيامة. ألا وكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه. فأقِم أمرَ الله. وأحسِنْ قضاءَ المراحلِ شهراً بعد شهر. والمُذَكِّراتُ أمامَك. ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ ﴾ فلا تظلموا فيهن أنفسكم بإيثارِ ما يضرُّكم، وبفَتحِ البابِ للإفسادِ بينكم، وقبولِ رأيِ وفكرةِ عدوِّكم، وإغفالِكم وإهمالِكم لأمرِ إلهِكم وبلاغِ نبيِّكم. لا تظلموا أنفسَكم بهذا ولا بأنواعِ الظلم، فلا تظلموا فيهنَّ أنفسكم. أما الذين يصدُّون عن سبيلِ الله ويدعُون إلى معصيةِ الله، فشأنُكم معهم واضح: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ وأما مَن كَفَّ شرَّه وأبعدَ ضُرَّه، فشأنكم معهم واضح لن يجدوا خيراً مِن منهجِ الله ولا نظام ِالله: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ فما جعل اللهُ لكم عليهم سبيلا. ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ﴾ حتى قال جل جلالُه ﴿فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ ﴾ أتتعلَّمون مِن أهل السياسات في العالم ما يسمُّونه بالحربِ الباردة، غير الحربِ العسكرية وذات السلاح والعِتاد، وتنسونَ أنواعَ هذا الحرب في ديارِكم ومنازلِكم من قِبَلِ عدوِّكم، يلعب بها بأفكارِكم وأخلاقكم؟ إنها حرب. إنها قتالٌ معنويٌّ غيبيٌّ باطنيٌّ يُؤَثِّرُ ويَضُرّ. فقوموا بحقِّ الجهاد ظاهراً وباطنا، بالأنفسِ والأموالِ والأفكارِ والأوقات.
اللهم نوِّرْ قُلوبَنا وبارِك لنا في أعمارِنا وارزقنا اللهمَّ صَرْفَها فيما يُرْضيكَ واخَتِمها بأكملِ الحُسنى برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
وأَكثِروا الصلاةَ والسلامَ على هاديكم ومُناديكم وداعيكم ومعلمِّكم ومنبِّهِكم وموجِّهِكم ومُذَكِّرِكم، مأمونِ الله في إرشادِكم وإسعادِكم، خيرِ عبادِه محمد. صلُّوا عليه والهَجوا بالصلاةِ عليه. وأُسرُكم وأهليكم في الديارِ والمنازل والطرقات والمساجدِ وحيثما كنتم. فإنَّ أولى الناسِ به يومَ القيامة أكثرُهم عليه صلاة. وإنه لا يصلي عليه واحدٌ مِنْ أمَّتِهِ مرةً إلا صلى اللهُ عليه به عشرَ صلوات.
وإنَ الله أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثَنَّى بالملائكة، وأيَّهَ بالمؤمنين، فقالَ مُخبِراً وآمراً لهم تكريماً ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.
اللهُمَّ صَلّ وسلِّم على الرحمةِ المُهْداة والنِّعمةِ المُسداة، سيدِنا السراج المنير محمد، نورِ الأنوار وسرِّ الأسرار، وعلى الخليفةِ مِن بعدهِ المختار، وصاحبِهِ وأنيسِهِ في الغار، مؤازِرِه في حالَي السَّعَة والضيق، خليفةِ رسولِ الله سيدِنا أبي بكرٍ الصديق. وعلى الناطقِ بالصَّوَاب حليفِ المحراب، ناشرِ العدلِ في الآفاقِ، أميرِ المؤمنين سيدِنا عُمرَ بنِ الخطاب. وعلى مَن استحيَتْ منهُ ملائكةُ الرحمن، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، أميرِ المؤمنينَ ذي النورين سيدِنا عثمانَ بن عفّان. وعلى أخي النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه ووليِّه وبابِ مدينةِ عِلمِه، إِمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب، أميرِ المؤمنين سيدِنا عليّ بنِ أبي طالب. وعلى الحسنِ والحُسين سيدَي شبابِ أهل الجنةِ في الجنة، وريحانَتَي نبيِّك بِنَصِّ السُنَّة، وعلى أمِّهما الحوراء فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكُبرى وعائشةَ الرضى، وأمهاتِ المؤمنين وبناتِ المصطفى الأمين وعلى عَمَّيْه الحمزةَ والعباس وأهلِ بيتِهِ الذين طهّرتَهُم من الدَّنس والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبة، وأهل بدرٍ وأهلِ أُحُد وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ الصحبِ الأكرمين ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا مَعَهُم وفيهم بِرَحْمَتك يا أرحمَ الراحمين.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ وانْصُرِ المسلمين، اللّهُمَّ أذلَّ الشركَ والمشركين، اللّهُمَّ أعْلِ كلمةَ المؤمنين. اللّهُمَّ دَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدين، ولا تُبلِّغهم مُراداً فينا ولا في أحدٍ من المسلمين، يا حيُّ يا قيوم يا قويُّ يا متين. اللهم فرِّجِ الكروب وادفعِ الخطوب وادفع عنا جميعَ البلايا والكُروب، يا مُحَوِّل الأحوال حَوِّل حالَنا والمسلمين إلى أحسنِ حال. ادفع عنا وعن أقطارِنا الوباءَ والغلاءَ والظلمَ والفسادَ ظاهراً وباطنا. حوِّل أحوالَنا والمسلمين إلى خيرِ حال. حوِّل أحوالَنا والمسلمين إلى أحسنِ حال. حوِّل أحوالَنا والمسلمين إلى أسعدِ حال. حوِّل أحوالَنا والمسلمين إلى أنورِ حال. حوِّل أحوالَنا والمسلمين إلى أقومِ حال. حوِّل أحوالَنا والمسلمين إلى أشرفِ حال. وعافِنا مِن أحوالِ أهلِ الضلال وفِعلِ الجُهَّال. اُنْظُر إلى أُسَرِنا فلا يجري فيها إلا ما يُرضيك، ولا تنفتحُ صُدُورُهم ولا بيوتُهم لبرامجَ مَن يُعادِيك. اللهم اجعلها محطَّ رحمة ومنازلَ بَرَكَة، وادفع عنا وعنهم جميعَ السوء والزَّيغ والهلكَة. اللهم انظر إلينا نظرةً نستقيمُ بها على المنهاج، ونرقى بها بخيرِ معراج. اللهم سلِّمنا مِن الزَّيغِ والضلال والاعوجاج، وتولَّنا بما توليتَ به الصالحين المحبوبين أهلَ الصدق معك في كلِّ ظاهرٍ وباطنٍ مِن أتباع صاحبِ الإسراءِ والمعراج. اللهم انظر إلى أمَّتِه واكشِف عنهم الغُمَم، وأجْلِ عنهم الظُلّمْ، وادفَعْ عنهم النِّقم، وعامِلنا وإياهم بمحضِ الفضلِ والكرَم. يا ربَّنا الأكرم، يا مُوْلِي النعم، يا حيُّ يا قيومُ يا الله. اصرِفنا مِن جمعتِنا بقلوبٍ وعَت عنك سرَّ النداءِ والخطاب، وتأدَّبَت باتباعِ حبيبِك سيدِ الأحباب. اللهم وادفعْ عنا موجباتِ السخطِ والغضبِ والنِّقمةِ والخِزيِ يومَ المآب، يا كريمُ يا عزيزُ يا غفارُ يا تواب. يا أرحمَ الراحمين يا الله.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
نسألُك لنا وللأمة مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مِن شرَّ ما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المُستَعان، وعليك البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيم.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أَمَرَ بِثَلاثٍ وَنَهَى عَنْ ثَلاث:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
فاذكُرُوا اللهَ العظيمَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكْرُ اللهِ أكبر.
26 شوّال 1443