(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة لفضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ في جامع حسين مولى خيلة، بحارة خيلة - مدينة تريم، 30 جمادى الآخرة 1442هـ، بعنوان:
استقبال رجب وعبرة مرور الأوقات واختلاف النظر والاكتسابات
الحمدُ لله.. ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا )، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، يُثيبُ العاملينَ بطاعتهِ والصَّادقين في الإقبالِ عليه ويُنيلُهُم أجراً كبيراً، ويُهينُ ويُحِلُّ الخِزيَ بِمَن أعرَضَ عنهُ وارتضَى معصيتَهُ ومَن كان ظلوماً كفوراً.
وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيُننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُهُ ورسولُه، بعثهُ اللهُ بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِكَ المصطفى سيِّدنا محمدٍ وعلى آلِهِ الأطهارِ وأصحابِهِ الأخيارِ ومَن سارَ في منهجهِ الأرشد، وعلى آبائهِ وإخوانهِ مِن النبيِّين والمرسلين مِن كلِّ مُعظَّمٍ مُمَجَّد، وعلى آلهِم وصحبِهِم وتابعيهِم وعلى ملائكتِكَ المُقَرَّبين وعلى جميعِ عبادِك الصَّالحين، وعلينا معَهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
أمّا بعدُ عِبادَ الله: فإنِّي أوصيكُم ونفسيَ بِتقوى الله..
تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يُثيبُ إلا عليها، فاتَّقوا اللهَ في مرورِ الأزمان مِن ساعاتٍ وأيامٍ وليالٍ وأسابيعَ وأشهر تمرُّ بكم، فقد جعلها اللهُ يخلُفُ بعضُها بعضاً، كما قال: ( خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) فَمُهِمَّةُ الأزمان فينا أن تبعثَ فينا التذكُّر، فنتبصَّر ونتنوَّر ونهتدي إلى سواءِ السبيل وإلى ما يُرضي عنَّا إلهَنا في ما بطنَ وفي ما ظهَر، ونقومَ في محاريبِ الشُّكرِ للحقِّ جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، وهو الأحقُّ بالشُّكرِ مِن كلِّ مَن خلق ومِن هذا الإنسانِ الذي خَصَّصَهُ بالمزايا وأتمَمَ عليه النِّعمةَ بِبِعثةِ خيرِ البرايا، وهَداهُ بهِ إلى السَّبيلِ الأقوم والطَّريقِ المُستقيم الأعظم، حقٌّ عليهِ أن يؤدِّيَ الشُّكرَ لِهذا الإله، ألا وإنَّ الغفلةَ طغَت على قلوبِ كثيرٍ مِن الرِّجالِ والنِّساء حتَّى لا يَدرُوا بالأيامِ ومرورها، والسَّاعاتِ والأشهرِ وعبورها، وتوالي السِّنينِ بعد سنين حتَّى تأتيَ ساعةُ أحدِهم للخروج من الدُّنيا إلى قبورِها وهُم في غفلتهِم وغفلاتِ قلوبهِم وغرورِها.
أيُّها المؤمنون باللهِ تعالى في علاه.. مِنَ العقول مَن لا تُفكِّرُ في مرورِ الأيّام والأزمنةِ إلا لأجلِ قضاءِ مآربَ في الدُّنيا أو مناسباتٍ تأتي عندهم مِن سفرٍ أو إقامةٍ أو زواجٍ أو ولادةٍ أو نحو ذلك، ومِنهُم مَن يُحصِي الأيَّامَ والأشهُرَ لأجلِ ألعابٍ ومُبارياتٍ تحصُلُ في هذا الوقت وفي ذاكَ الآخَر، ومِنهُم مَن لا يحسُّ بشيءٍ من ذلك، ولقد كانت قلوبُ عوامِّنا فضلاً عن خواصِّنا، مِن صِغارنا وكِبارنا بِحُكمِ الإيمانِ والتربية على علمِ الإسلامِ والإيمانِ والإحسان تتعلَّقُ بالأيامِ والأشهرِ بَلِ بالسَّاعاتِ في اليومِ مِن أجلِ تعظيمِ الصَّلواتِ وأوقاتِها وجماعاتِها، ومِن أجلِ زيادةِ البِّرِ في زياراتٍ في الله، وفي أعمالٍ يُواصَلُ بها الأرحامُ، أو يُساعَد بها أهلُ الحاجةِ والفقرِ والمسكنَة، ومِن أجلِ الصِّيام ومِن أجلِ القِيام ومِن أجل تِلاوةِ القُرآن، وبذلك يُعَظِّمونَ ما عَظَّمَ اللهُ مِنَ الأشهُرِ الحُرُم، ويزدادونَ فيها إيماناً، ويزدادون فيها عبادةً للمَعبود، يفتحُ لهم بِها أبوابَ الكرمِ والجود مِن غيرِ حدٍّ محدود، كان هكذا يسري ذلكَ إلى أطفالهم وصِغارهم، ويقولون رجب داخل، ويقولونَ شعبان داخل، ويقولونَ رمضان أقبل، ويعمُّ السُّرورُ صغيرَهم وكبيرَهم، لا بألعابٍ ولا بِمُتَعٍ فانيةٍ ولكن احتفاءً بالفريضةِ والنافلة، بفريضةِ الصِّيام ونافلةِ القِيام وكَثرةِ تِلاوة القرآن، إلى غير ذلك مما يصدُرُ لهم في أيَّامهم ولياليهم، فانظُر مِن أيِّ فريقٍ أنتَ وكيف تحسب أيَّامَكَ وساعاتِك.
ألا وإنَّ صاحبَ الرِّسالة يُعلِّمُنا على وجهِ دعاءٍ يدعو بهِ ربَّهُ ذا الجلالة، إذا جاءت مِثلُ هذهِ اللَّيلة في أوَّل ليلةٍ مِن شهرِ رجب قال: "اللهمَّ بارِك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان"، دعاءٌ خاصٌّ بالبركةِ في رجب.. فَلِمَن تكونُ البركة في رجب؟ لِمَن يدخلُ عليه رجب وهو مُتقاطعٌ مع رحمٍ لا يرضى ولا تطاوعهُ نفسُه أن يصطلحَ معه؟! أهذا صاحبُ بركة في رجب؟ كلا وعزَّة ربي! هذا صاحبُ حرمانٍ في رجب، هذا صاحبُ بُعدٍ عن الرب، هذا صاحبُ غفلةٍ تقتضي حجبَهُ عن ارتقاءِ الرُّتَب.. المُصِرُّ على قطيعةِ الرَّحِم، مِن أجل ماذا؟ ولو جمَعنا الدنيا بأسرِها ما ساوت قطيعةَ ساعةٍ فكيفَ لأجلِ كلمة أو لأجلِ ذراعٍ من الأرض أو بقعةٍ تكتسبُ القطيعةَ شهراً بعد شهر وزمناً بعد زمنٍ، وقاطعُ الرَّحِم ملعون بنصِّ الكتابِ والعياذ بالله تبارك وتعالى، أو مُصِرٌّ على عقوقِ الوالدين.
ومِن الناس مَن يستقبل رجب وعِندهُ مناسبةُ زواجٍ يُعِدُّ فيها الأغاني الماجنة، ويُعِدُّ أنَّ السرورَ والابتهاجَ والفرحَ لا تكونُ إلا في الألفاظِ النابِية المُخزِيَة، وفي الكلماتِ السَّاقطة الهابطة، وهو يُعِدُّ تلك العُدَّة في اختلالٍ في ميزانِ وعيِه وفهمِه وحسِّه وإدراكِه، اختلَّ له الميزانُ، يظنُّ أنَّ خيراً أو شرفاً أو فرحاً أو سروراً إنما يتِمُّ بالكلماتِ الماجِنة الهابِطة الساقطة، أو الحركات المُثيرة للشهوات، وما فعلُ ذلك إلا مجلبةٌ للحزنِ في الدُّنيا قبل الآخرة، وأسبابٌ لفسادِ الأسر، وأن لا يستقرَّ الأمرُ بين زوجٍ وزوجتِه في قريبٍ مِن مستقبلِ الأيام، هذا الذي يحصلُ لِمَن عَقَل فإنَّ ما ليسَ بِحَسَنٍ استِحسانه استِحسانه قبيح، واستِحسانُه خللٌ في ميزانِ العَبدِ مع ربِّهِ جلَّ جلاله وتعالى في علاه، أيُبارَك في رجب لِمَن كان في رجب يعدُّ السَّمَّاعات والمكرفون والمُكِّبرات للصوت لنساءٍ يُغنِّينَ في مناسبةِ زواجٍ في بيتِه؟! مَن حبَبَّ إليكَ هذا؟! ألأجلِ أن تُرضيَ امرأةً أم لأجل أن تُرضي شاباًّ مِن شُبَّانك؟ ماذا تعمل! تفسحُ مجالاً للهبوط وللسقوط! تفسحُ مجالاً للتَّشَبُّهِ بالهابِطين الساقطين بل الفاسقين، بل شرارِ الكافرين على ظهرِ الأرض الذينَ يُحِبُّون الاختلاط ويُحِبُّون إثارة الشهوات!
( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) مَن قال لك أنَّ في ذلكَ خيراً فكذبَ عليكَ فصدَّقتَه؟ مَن خَدَعكَ أنَّ في ذلك تَقَدُّماً أو تَطوّراً أو ثقافةً فَهِنتَ عليه فاستهانَكَ فصدَّقتَ مَن خدعكَ ومَن كذَّبك! لا وعِزَّةِ الله ليسَ في ذلك كرامةٌ ولا شرفٌ ولا ثقافة، الثقافةُ إن عرفتَها مِن القرآن وإن عرفتَها مِن كلامِ سيِّد عبادِ الرَّحمن، وإن عرفتَها ذات الشَّرف في يومِ وضعِ الميزان في سترِ أهلِك، في حشمةِ بناتِك، هذه الثّقافةُ القُرآنيةُ النبويَّة الفائزُ صاحبُها عندَ الغَرغَرَة وعِندَ القَبر ويومَ الحشر، أمّا ثقافةٌ تُوردُك موارِدَ الخِزي وتُسخطَ عليك الرَّبَّ لا ينفعُك أنَّه سمَّاها ثقافة أنتَ أو أصحابك أو فِرقة مِن فِرقِ الكُفر والشَّر، سمَّوها ثقافة.. لا والله! لا والله! إنّما الفهمُ والثقافة أن تَعِيَ خطابَ مَن خلقَكَ ومَن إليكَ مرجعُه، فواللهِ لن ترجعَ إلى حزبٍ ولا إلى حكومة ولا إلى وزارة ولا إلى هيئة ولا إلى دولة، لن ترجعَ إلا إلى الذي خلقكَ مِن العَدَم ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )
( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ) تلعبونَ بأنفسكم وأهوائكم وتلعب عليكم أنفُس وأهواءُ فُسَّاق على ظهر الأرضِ يُزيِّنونَ لكُمُ المفاسدَ فَتُحِبُّونها وتمشونَ وراءهم؟ ( أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَٰكُم عَبَثا وَأَنَّكُم إِلَينَا لَا تُرجَعُونَ * فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلمَلِكُ ٱلحَقُّ )
ألا كُن مِمَّن يُبارَك لهم في رجب وفي شعبان، إنَّما يُبارك لأهلِ الإيمان الذينَ يعملون بِمُقتضى الإيمان، فِكراً وسلوكاً في هذهِ الحياة، لا يُستَتبَعون لِلأراذل ولا يُضيِّعونَ الفضائلَ ولا يَبيعونَ حَميدَ الشَّمائل ولا تَغرُّهم أقاويلُ المُبطلينَ على ظهرِ الأرض ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )
ألا إنَّ البركةَ في رَجب لِمَن ضَبَطَ نَفسَهُ على منهاجِ الرَّب واستَعَدَّ وطلبَ الرَّاحةَ وطَلبَ الأنسَ والسرورَ مِن حيثُ أباحَ الله، وبالآلاتِ التي أحلَّ الله، وبالحركاتِ الَّتي لا تُخِلُّ بِمروءَةِ العبدِ في شرعِ الله، ولا ُتخرِجهُ إلى التَّشَبُّهِ بالفُسَّاقِ والفُجَّارِ على ظهرِ هذه الأرض.
أيها المؤمنُ بالله جلَّ جلاله: سرورُ قلبِكَ في الدُنيا والآخرة بطاعةِ ربِّكَ إن عقلتَ، ولقد نَظَّمَ لَكَ نِظاماً وبَسَطَ لَكَ شريعةً غرَّاءَ لن تجدَ خيراً مِنها ولا أجملَ ولا أفضلَ ولا أكملَ في أحوالكَ وشؤونِكَ كُلِّها، ألا فتَهيّأ لِرجبِ المُبارك الَّذي تَحملُ لك فيه ذُكريات.. ذُكريات حَملِكَ في سفينة نوح عليه السلام، وكان عاقبة الذين أصرُّوا واستكبَروا على العِنادِ والكُفر أن غَرِقوا ولم يبقَ منهم أحد، وبنو آدم على ظهرِ الأرض كلُّهم كانوا مؤمنين، كان آباء مؤمنون ركبُوا في سفينةِ نوح عليه السلام وجاءَ مِنهم مَن توالدَ مِن بني آدم قرون كثيرة، ولم يبقَ مِمَّن كفرَ أيامَ سيِّدنا نوح واحد، ولا ولدهُ الذي أصرَّ على الكُفر، ولمَّا قال ( رَبِّ إِنَّ ابنِي مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) كيفَ ولدُه وليسَ من أهلِه؟ ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ).
وأصحابُ العملِ غيِر الصَّالح هم الذين غرِقوا أتريدُ أن تَتَشَبَّه بهم؟! إنَّما نجوتَ أنتَ وأجدادُك لمَّا آمنوا واتَّقَوا واتَّبعوا أمرَ الله واتَّبعوا نوحاً نبيَّ الله عليه السلام، مَن ركبَ سفينتَه نجا ومَن تخلَّفَ عنها غرِق، فلم تبقَ الذُريَّة بمَن فينا مَن ينتحِي الإلحادَ وجميعَ أصنافِ أهلِ الكُفر على ظهرِ الأرض كان آباؤهم مُوحِّدين وكان آباؤهم مؤمنين، وكان أجدادُهم على لا إله إلا الله والإيمانِ باللهِ وملائكته وكُتبهِ ورُسُلِه لكنَّهم غَيَّروا وبدَّلوا ونَسوا الوعودَ والعهود، وأوّلُ مَن جاء مِن الأمم بعد ذلك الطوفان وهلاك قومِ نوحِ فبدَّلوا وغيَّروا قومُ سيِّدنا النبيِّ هود على نبيِّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، وقال لهم كما ذكرَ الله عنهُ في القرآن: ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) هو الذي أبقاكم على ظهرِ الأرض من بعد قوم نوح لتعبُدوا، لا لتكفروا ولا لتعملوا الشّر، ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم ).
في ماذا يُجادلُ دُعاةُ الفسادِ على ظهرِ الأرض؟ في ما سمَّوها هم وشهواتُهم وأنفسُهم يريدونَ أن يُقابِلوا بها منهج ربٍّ خرجَ من السّماء! وبلاغ رسولٍ اختارهُ الله مِن بين الخلائق، ماذا يقولون وإلى ماذا يدعونَنا وبماذا وما مُحتوى ثقافاتِهِم وما عِندَهم؟ إنّهم الذينَ سَيَّروا الشرَّ في العِباد ولعبوا على أفكار العِباد وحالَهم كحالِ فرعونَ معَ قَومِه ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ) فَفَرَّقوا البِلادَ والعِباد، ولعبوا بثرواتِ الناس وأديانِهم وبأفكارهم فيا ويلَ مَن اتَّبعهم وصدَّقَهُم، إنَّ الذي خلقَنا لم يترُكْنا بلا بيانٍ، وأنزلَ إلينا القرآنَ وبعثَ إلينا خاتمَ الرُّسل بالحقِّ والهُدى وأحسنِ التِّبيان.
اللهم املأ قلوبَنا بالاستجابةِ لداعِيك والتَّلبيةِ لِمُناديك، واحفظنا اللهم مِن تَبَعيَّةِ مَن يُعاديكَ مِنَ الذينَ هيَّأتَ لَهُم جَهنَّم وبِئسَ المَصير، أعِذنا اللهمَّ مِن كلِّ سوءٍ في الدُّنيا والآخرة واجعلنا مِن أهلِ الوجوهِ الناضرةِ الَّتي هيَ إلى ربِّها ناظرة، بارِك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان وأعِنَّا على الصِّيام والقِيام واحفظنا مِن الآثام فذاكَ زادُنا إلى دارِ البقاءِ والدَّوام يا ذا الجلال والإكرام.
والله يقولُ وقولُه الحقُّ المبين: ( وَإِذَا قُرِئَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
وقال تبارك وتعالى: ( فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ ٱلرَّجِيم )
أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ * فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ )
باركَ الله لي ولكم في القُرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه منَ الآياتِ والذكرِ الحكيم، ثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا من خِزيهِ وعذابِه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدينا ولجميعِ المسلمين فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الحمد لله حمداً يوقظُ اللهُ به القلوبَ، ويكشفُ به عنَّا وعنِ الأمَّة الكروب، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له علَّام الغيوب، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقرَّة أعيُننا محمداً عبدُه ورسوله، ونبيُّهُ وصفيُّهُ وخليلهُ وحبيبهُ المحبوب، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك الهادي إلى خيرِ الطرق وأقومِ الدُّروب، سيِّدنا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ ومَن سار في دربهِ إلى يومٍ تُقلَّبُ فيه القلوب، وعلى آبائهِ وإخوانهِ مِن الأنبياءِ والمرسلينَ خيرِ الفئاتِ وأكرمِ الحزوب، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم والملائكةِ المُقرَّبينَ وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم ونفسيَ بِتقوى الله..
فاتّقوا اللهَ في استقبالِ الشَّهر الحرامِ الفردِ مِن بينِ الأشهرِ الحُرُم، واعلموا أنَّ نبيَّكم صلى الله عليه وسلم كان يُشرِّف الشهرَ فشرِّفوه، ولقد صحَّ وسُئلَ ابنُ عمر رضي الله عنهما: "أكان رسولُ الله يصومُ مِن رجب؟ قال: نعم ويُشرِّفه" يُشرِّف الشهرَ الكريمَ فكيف نُشرِّف شهرَنا وبأيِّ شيء؟ لقد كان في الجاهلية لا يُسمع فيهِ قعقعةُ السِّلاح احتراماً لِهذا الشَّهرِ ويعُدُّون أنَّ انتهاكَ الحُرمة لِمَن بينهم عداواتٌ وحروبٌ ومُقاتَلات في هذا الشَّهر من الكبائِر، ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) وأرادوا بهِ رَجَب، ( قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) قال الله أيضاً هذا شيءٌ مِن الكبائر ( قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّه )
أيّها المؤمنون: فصارَ تاريخُ البشر في تقدُّمهِم أن لم يعرفوا قدرَ هذا الشهر حتى ولا ما كان أيّام الجاهلية، ولا يُبالونَ بقتالٍ ولا غير قتال في رجب ولا في رمضان ولا في شهرٍ حرام ولا في غير شهرٍ حرام، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
أيّها المؤمنون بالله: مسؤوليةٌ كبيرة، تمرُّ بنا الأيام والليالي والشابُّ مُعرَّضٌ لأن تتقاضَى وتتناهَى أيام شبابِه، وهو مسؤولٌ عن فترةِ الشباب غير السُّؤال عن بقيَّةِ العُمر، أما أيَّام الطفولة فقد رفعَ اللهُ المسؤوليةَ عنها، وأمَّا مِن حين البلوغ فسؤالٌ خاصٌّ عن أيامِ الشباب إذا سُئل عن عُمرِه فيما أفناه سُئِل عن شبابه فيما أبلاه، هذه القطعةُ مِن العمر.. القطعة التي يغترُّ بها الأكثرُ وهي عرضةٌ أصحابها لأن يفنُوا أيامَ شبابِهم وأن يموتوا أيامَ شبابهم بأيِّ سبب، ومَن بقي منهم لم تمضِ الأيامُ حتى انتهى شبابهُ وانتهت قوّتُه بغيرِ استئذانٍ منه، وبغيرِ الموتِ هُم عُرضةٌ في الشباب وكم مِن الشباب متكسِّرٌ وكم مِن الشَّبابِ ذو شَلَلٍ وكم مِنَ الشَّبابِ ذو عاهةٍ لا يقوى على أن يخطوَ الخطوات أو على أن يُحقِّقَ شيئاً مِن المكاسب التي ينطلق فيها الشباب، فلا مجال عند العاقلِ للاغترارِ بشبابٍ ولا بقوةٍ ولا بمالٍ ولقد أصبحَ كلُّ هذه الأصناف عِبرة على مَمَرِّ القرون لِمَن اعتبر، كلُّ مَن لم يقُم بِحَقِّ الله في المال، كلُّ من لم يقُم بحقِّ الله في الجاه، كل مَن لم يقم بِحَقِّ الله في السلطةِ ونفوذِ الكلمة، كل مَن لم يقُم بِحَقِّ اللهِ في الشَّباب صاروا عِبراً لِمَنِ اعتبرَ وذكرى لِمَنِ ادَّكَر ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) ، ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ )
أيّها المؤمنونَ بالله: يجبُ أن نُدرِكَ مِن سرِّ خِطابِ الربِّ ما بهِ نتحرَّر، مِن قبضةِ مَن كفر، ومَن اغترَّ، ومن فسقَ ومن اجتَرأ على العليِّ الأكبر، ونكون أحراراً بمعنى الكلمة نتحرَّرُ مِن رقِّ النفوس والأهواء إلى شرفِ وديانةِ العبوديَّة للحقِّ الأعلى استعداداً للقائهِ وعِمارةً لأرضهِ بما أحبَّ وما شرعَ وتنعُّماً بما أباحَ لنا مِن دينِهِ في العُمرِ القصير استعداداً للنعيمِ الكبير والملكِ الكبير في دارِ الاستقرار والمَصير، اللهم اجعلنا مِن أهل جنّتِكَ يا عليُّ يا كبير.
خذوا حقَّ رجب المبارك بكثرةِ الاستغفار فإنَّ لربِّكم فيهِ عُتقاءَ، وفي مثله يُذكرُ الإسراءُ والمعراجُ لنبيِّكم خيرِ الورى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وما شاهدَ فيه من نتائجِ أعمالِ الناسِ أهلِ الأمانة والمتثاقِلة رؤوسُهم عن الصلاةِ والنَّادمينَ على الكلماتِ التي خرجت ولا يملكونَ أن يُعيدوها، وثواب المجاهدين في سبيل الله رأى كلَّ ذلكَ صلى الله عليه وسلم وعُرِضَ له من قِبَلِ العليِّ الأعلى في المآلِ والمصيرِ الذي تصيرُ إليه أمَّتُه صلوات ربي وسلامه عليه، وبلَّغَ وجاءنا بهذه الصَّلاة العظيمة الخمسة الفرائض التي يجبُ أن تُعظَّمَ ويُحرصَ على الجماعة فيها، ومَن حافظَ عليها كانت له برهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يُحافِظ عليها لم يكن له نورٌ وبرهانٌ ولا نجاةٌ يومَ القيامة.
ألا إنَّ استقبالَنا للشهرِ بتحقيقِ الاستغفارِ بإدراكِ عظمةِ الذنبِ مِن حيث أنَّ الذي يؤاخِذُ عليه إذا لم يعفُ العظيمُ الأكبر جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، والاحتراز مِن قطيعةِ رَحِمٍ وعقوقِ والدٍ وشحناء لمسلمٍ، وأخذِ مُخدَّراتٍ ومُسكِراتٍ وشيء مِن هذه الحبوب التي يعتني مُفسدُو الأرضِ بنشرِها خصوصاً في بلادِ المسلمين الطيِّبين، في بلادِ الالتزام في بلادِ بقايا العلمِ لهم حِرصٌ قويٌّ على نشرِها بينهم، وعلى بَثِّها بِمختلفِ الوسائط ويَجِدونَ مِن ضَعفةِ النُّفوس ويجدونَ مِمَّن فقدوا الضَّمائر، ويجدونَ مِمَّن غلبَت عليهم الشَّهوات جنوداً يتجنَّدون لهدمِ بلاد المسلمين، ولِهَدمِ قِيَم المسلمين ولِهدمِ أخلاقِ المسلمين.
ألا إنَّ ما هم عليه مِن تسلُّطٍ على الثَّروات المادِّيّة جاءَ نتيجةً لتسلُّطِهم على القِيمِ الدينيَّة، على الأخلاقِ الرضيَّة، لما تسلَّطوا على ذلك سُلِّطوا على هذا ولو لم نتَّبِعهم في أخلاقِنا ما قدروا على اللَّعب بثرواتِنا، ولا قدروا على اللَّعِب بمادِّياتنا لكن رضيناهم يلعبون على روحانيَّاتنا وعلى قِيَمِنا وعلى قلوبِنا فسُخِّرت لهم القوالِب والمادِّيات يلعبونَ بها كما شاؤوا ويضربونَ بها المسلمين بعضُهم ببعض، هذا الحال الذي نحياهُ ونعيشُه فافقَه! اِفقَه خطاب ربِّك وأحسِن تقضيةَ عمرِك فيما ينبغي ويجبُ عليك إصلاحاً لنفسِك وأسرتِك ومَن حواليك وكن مفتاحَ خير ومغلاقَ شر، تفُزْ بالخيرِ مِن العليِّ الأكبر في الدنيا ودارِ المُستقَر.
اللهم بارِك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان، اجعلنا مِن خواصِّ أهله وأعِنَّا على الصِّيام والقيام واحفَظنا مِن الآثام ومِن موجباتِ الندامة في الدنيا والبرزخِ ويومَ القيام، حتى تجمعَنا في دارِ الكرامةِ دارِ السلام مِن غيرِ سابقةِ عذابٍ ولا عتابٍ ولا فتنةٍ ولا حسابٍ، يا ربَّ العالمين.
وأكثروا الصلاةَ والسلامَ على نبيِّكمُ المصطفى فإنَّ مَن صلى عليه واحدةً صلى عليه ربُّ الأرض والسماء ربُّ العرشِ العظيمِ عليه عشرَ صلوات، وإنَّ أولاكم به يومَ القيامة أكثركُم عليه صلاة، وإنَّ ربَّ العرشِ وجّهَ الخطابَ إليكم بعدَ أن بدأ بنفسِه وثنَّى بالملائكةِ فقال مُخبِراً وآمراً تعظيماً وتكريماً: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
اللهم صَلِّ وَسَلِّم على الرَّحمة المُهداةِ والنِّعمةِ المُسداة سيِّدنا محمدٍ نورِ الأنوار وسرِّ الأسرار وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار، وصاحبه وأنيسِه في الغار، مُؤازرِ رسولِ الله في حالَييِ السَّعَةِ والضيق، خليفةِ رسول الله سيدِنا أبي بكرٍ الصدِّيق، وعلى الناطقِ بالصواب حليفِ المحراب، أميرِ المؤمنين سيّدنا عمر بن الخطاب، وعلى مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، أميرِ المؤمنين ذي النورين سيدِنا عثمان بن عفان، وعلى أخِ النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغاربِ أمير المؤمنين سيّدِنا علي بن أبي طالب، وعلى الحسنِ والحسينِ سيِّدَي شبابِ أهلِ الجنَّة في الجنة وريحانتَي نبيِّكَ بنصِّ السُّنَّة، وعلى أُمِّهما الحَوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرضا، وعلى الحمزةَ والعباس وأمهاتِ المؤمنين وبناتِ سيد المرسلين وعلى أهلِ بيعةِ العقبة وأهلِ بدرٍ وأهلِ أحدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ الصحبِ الأكرمين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ وانصُرِ المسلمين، اللهم أذِلَّ الشركَ والمشركين، اللهم أعلِ كلمةَ المؤمنين، اللهمَّ دمِّر أعداءَ الدين، اللهم اجمع شملَ المسلمين، ارحَمهم بعد الشَّتات فاجمَعهم، اللهم فارحَمهم بعد الفُرقة فألِّف بين قلوبِهم، غرَّهم عدوُّك وجنودُ عدوِّك مِن الإنسِ والجنِّ بالبغضاءِ والشحناءِ واتِّباع الشهوات والاستهانةِ بدينِك فوقعَ في الشبكةِ مَن وقعَ فخلِّصهم يا مَن يُخلِّص أهلَ الشدائد، يا مَن يُنقِذُ مِن المهالكِ يا مَلكَ الممالك، أنقِذ قلوبَ المسلمين مِن هذه الورطات وحرِّرهم مِن رِقِّ الكُفّار والفُجَّار والفاجرات، اللهم حوِّل أحوالَهم إلى أحسنِ الحالات، اللهم اشفِ مرضاهم وعافِ مُبتلاهم، اللهم ورُدَّ عنا كيدَ الكائدين وكيدَ أعدائك أعداءِ الدين، اللهم واصرِف عنا شرَّ الأمراض والأسقام والعِلَل والأوبئة الفتَّاكة التي تُبرزُها تذكرةً لعبادِك وآيةً مِن آياتك، اللهم احفظنا واحرُسنا واشفِ مرضانا وعافِ مبتلانا واحفظِ اللهمَّ البقاعَ التي صُنتَها مِن انتشارِ هذا الوباء ولا تَبتلِيها ولا أصحابها.
اللهم والطف بالمسلمين حيثما كانوا في جميعِ البقاع، وارفع هذا الوباءَ الوخيمَ عن هذه الأمة وسوء استخدامِه من قِبل اللُّؤماء بالسوء والشرِّ الواقع بالأمة، اللهم يا كاشفَ الغُمَّة اكشفِ الغُمَم واجلِ عنا الظُّلم، وادفع عنا النِّقم، وعامِل بمحضِ الجودِ والكرم، ارحم موتانا وأحيانا وأصلِح أمرَ دينِنا ودنيانا وأخرانا، وثبِّتنا على ما تُحِبُّه منا وترضَى به عنا، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهمَّ اغفِر لنا والمُتقدِّمين في هذه المساجدِ وهذه المواطن والمؤسِّسين لهذه المساجد والعامِرِين لها، اللهم وزِد قلوبَنا ومساجدَنا عِمارةً، واعمُر ديارَنا بما تعمرُ به ديارَ الصالحين والصَّادقينَ والموَفَّقينَ الذين تعمُر قبورَهم والذين تعمُر حالَهم يومَ تُقَّلبُ القلوب، اللهم أعِذنا مِن موجبات الندامة وتولَّنا بما أنتَ أهله يا ذا الكرامة، وأصلِح شؤونَنا في الدُّنيا والبرزخ والقيامة، واربُطنا بنبيِّكَ المُظلَّلِ بالغمامة، اللهم ثبِّتنا على دربِهِ وارزقنا حُسنَ المتابعةِ له وارزُقنا حُسنَ الاقتداء به، وادفع به عنا الأسواءَ وعن أمَّته أجمعين يا ربَّ العالمين، واغفر للماضينَ والمُتَقدِّمين في هذه المواطن واجمَعنا بهم في دارِ الكرامة وأنتَ راضٍ عنَّا، واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، واسقِنا الغيثَ والرَّحمةَ مع اللُّطفِ والعافيةِ والبركة، ولا تجعلنا مِن القاطنينَ ولا تجعلنا مِن الآيسين، ولا تجعَلنا مِن المحرومين ولا تأخُذْنا بالسِّنين بقدرتِكَ يا أقدرَ القادرين ورحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
نسألكَ لنا وللأمَّة مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُكَ ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بكَ ممَّا استعاذكَ منه عبدُكَ ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنت المستعان، وعليك البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم )
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهى عن ثلاث:
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكُم، واشكروه على نعمِه يَزِدْكُم، ولذَكرُ الله أكبر.
01 رَجب 1442