قصد الأماكن الطيبة وزيارة القبور منطلق رحلة الإسراء والمعراج
في الإسراءِ والمعراجِ الذي تذكرُه الأمةُ في شهرِ رجب، رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عواقبَ ونتائجَ أعمالِ أمَّتِه، وعمِلَ هو أعمالاً في تلك الليلة؛ فمنها أن قصدَ الأماكنَ الطيبةَ بأمرِ جبريل، بأمرِ الله ليصليَ فيها، ومنها المدينة المنورة، مرَّ به على البراق وقال: صلِّ هنا، ثم قاله له جبريل: أتدري أينَ صليت؟ بيثرب، طيبة حيث الـمُهَاجَر هجرتُك هنا، ومكانتك هنا، فهو مكانٌ معظَّمٌ، قصده جبريلُ والنبيُّ وصلى فيه، ثم مشى بالبراقِ، وقال: اِنزل فصلِّ هنا.. نزلَ فصلى، أتدري أينَ صليتَ؟ عند الشجرة حيث كلمَ اللهُ موسى، ثم مشَى بالبراق، اِنزِل فصلِّ هنا .. ونزلَ فصلى، النبي صلى الله عليه وسلم –هذا عمل النبي ومع جبريل- أتدري أين صليت؟ قال لا قال: ببيت لحم حيث وُلِد عيسى، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم قال: {مررتُ ليلة أسري بي على موسى وهو قائمٌ يصلي في قبرِه}، يزور قبر النبي موسى ويمر على موسى ويقصد قبر موسى وموسى قائم يصلي في قبره، يقول صلى الله عليه وسلم عند الكثيب الأحمر:{ .. لو كنت هناك لأريتكم قبره}.
فليست عقيدة المسلمين أن القبور تراب وحجرت وانتهت ؛ الكفار يئسوا من أصحاب القبور (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) أما عند المؤمن لا ؛ القبرُ إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار؛ القبرُ علامة لأمرٍ غيبيٍّ حدَّثنا عنه اللهُ ورسولُه، إما تنزِل عليه الرحمة، وإما ينزل عليه العذاب، جعلَ الله قبورَنا وقبور آبائنا وأمهاتنا رياضاً مِن رياضِ الجنة.
تذَّكر أيها المؤمن واغنمِ الشهرَ الكريم، وأحسِن إلى مولاك واتَّبع النبيَّ العظيمَ محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقالت السيدة عائشة : "ما بات عندي رسول الله ليلة إلا وهو يأتي فيها قبورَ المسلمين في بقيع الغرقد فيسلِّم عليهم"، كل ليلة يزور الأموات ويسلم عليهم، معك أبوك وأمك ماتت لك منهم شهر شهرين ما تزورهم! لأنك مقصِّر، لأنك غافل، لأنك في العمر ذاهل عن مهماتك وأدبك وواجبك وبِرِّك، لأنك مشغولٌ بالصور وفي الفلوس والقروش لا تحسب حساباً للمصير ولا تزور القبور فتتذكر الآخرة!.
أيها المؤمن: سُنَّة محمد غير هذا، طريقة محمد غير هذا؛ طريقة محمد أنه يعتني بالزيارة؛ طريقة محمد ليلة الإسراء والمعراج يمر إلى قبور الأنبياء، طريقة محمد كل ليلة يذهب إلى بقيع الغرقد ليزور المقابر؛ طريقة محمد يقول : {كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكِّرُكم الآخرة} ، طريقة محمد مضت عليها عائشة أم المؤمنين قالت: { كنت أزور قبر رسول الله غير مُنْتَقِبة، ودُفن أبي فكنتُ أزورُهم غير مُنْتقبة فلما قُبر عمر لم أدخل إلا وثيابي مشدودةٌ عليَّ، حياءً مِن عمر}، ليس في عقيدة عائشةِ أنها تراب وحصاة وانتهى! ، استحيَت مِن عمر وشدَّت ثيابَها وتحجَّبت حتى لا يراها عمرُ في قبرِه؛ هذه عقيدة عائشة أم المؤمنين، مِن أين جاءت بها، مَن شيخُها؟ درست عند محمد، أخذت علمَها مِن محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهي تعتقد أنَّ أهلَ القبور يرونَها، وهي تعتقد أنه يجبُ أن تستحيَ منهم . هذا الذي علَّمه رسولُ الله أمتَه، هذا الذي تركه رسولُ الله لأتباعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وفي ذلك مشَت على سنتِه فاطمة الزهراء ابنته؛ وكانت في كل خميس تذهبُ إلى أُحدٍ فتزور عمَّ أبيها حمزة بن عبد المطلب سيِّد الشهداء في أُحُد وترجع عليها رضوان الله تبارك وتعالى.
فليتذكر رجالُنا ونساؤُنا واجبَ الصِّلةِ بالله، والإقامة لأمر الله، وحضور القلوب في معنى الرجوع إلى الله تعالى والمصيرِ إليه.
28 رَجب 1446