فوائد من محاضرة: عجائب أحوال أهل السعادة والشقاء في الدارين وما يجب أن يتبيَّنه المؤمن من ذلك

العلامة الحبيب عمر بن حفيظ

 اتصلوا بسر القرآن ونور القرآن ومن أُنزِل عليه القرآن؛ لتأخذوا من الحياة الطيبة التي لا تستطيع أن تُمدّكم بها أمريكا ولا روسيا ولا الصين ولا أوروبا ولا الشرق ولا الغرب، والله العظيم لن يستطيعوا أن يُمدّوا فردًا بهذه السعادة ولا بهذه الأذواق الباقي نعيمها بإبقاء الخلاق لها، بل من نتائجها رضوانه الباقي ببقائه، بل ومن نتائجها المُعجّلة: طمأنينة في القلوب، وذوق للقرب من علام الغيوب، دونه لذة المُلك ولذة النكاح ولذة الأموال ولذة الجاه؛ هذا يُعطونهُ في الدنيا يُعجَّل لهم.

كان أبو الدرداء يقول: "من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله"، بل رأيه ناقص وعقله ناقص، وهذا العلم الذي استُفيد من وحي الله وبلاغ رسوله؛ يزيدنا خشية وأدبًا وتواضعًا ورحمة وتنقية للقلوب.

أمامنا جهاد تصفية القلوب وتنقيتها، وجهاد تربية الأسر وتقويمها، وسد ثغرات إفساد المفسدين لأبنائنا وبناتنا وصغارنا وكبارنا بمختلف الأجهزة، وجهاد التعاون على مرضاة الله وطاعته، وجهاد أن يرحم بعضنا البعض ويعطف بعضنا على بعض؛ جهاد لا غبار فيه.

"من مات ولم يغزُ ولم يحدِّث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق" والعياذ بالله، أسُسُه: العلم والعمل به، وهذه الأخلاق، وسد ثغرات الإفساد من قبل أعداء الله، فهذا هو التحدُّث بالغزو، وهذا هو الإعداد لنصرة الله، وهذا هو الوفاء بعهد الله جلَّ جلاله، الله يُنهض عزائمنا ويُوَجِّه قلوبنا إليه.

(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، يخرج من هذا الغرور من لم يدع طريقًا للنفس ولا للهوى ولا لشياطين الإنس والجن أن يلعبوا بفكره وعقله، ولا أن يلعبوا بتصرُّفه ومساره في الحياة، وسلَّم الزمام لخير الأنام، في حقيقة: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به" ﷺ

علَّمنا ﷺ مهما التفتت النفس إلى شيء يعجب في الدنيا قال: "قل: لبيك إن العيش عيش الآخرة"، وكلما رأيت أيضًا ما تُسَرُّ به فقل: "الحمد لله الذي بنعمتهِ تتم الصالحات"

وما مضى حتى أقام الدين ** وصار سهلًا واضحًا مبينًا

فلم تخف أمته فتونًا ** بل عُصِموا في الجمع عن ضلالِ

وعدهُ الله أن يبقى في الأمة مُتَّبعون ومُقتدون واعون، ينالون من سرِّ المعرفة ما تنزاحُ به عنهم الأوهام والظنون، وما لا يستطيع به عدو الله وجنده أن يحرِفوهم عن المنهج القويم والصراط المستقيم، بالقلوب التي نقَّاها الله واصطفاها، مع ما يطرأ على الأمة من عرض الفِتن على القلوب. 

لم يزل بحكمة الله وجود أذًى لأرباب الإيمان والخير، كما لا يسلَم أنواع أرباب الشر من أتعابٍ وبلايا في هذه الحياة، ولكن جميع ذلك بالنسبة لأهل الإيمان والصادقين يتحوَّل إلى سلالم عليها يرتقون، ودرجات إليها يرتفعون، ومَثوبات لها يُحصِّلون، وزيادات بها يُوهبون من حضرة الرحمن!

جميع ما يتكلَّفه ويتصوَّره أرباب العصيان والكفر على ظهر الأرض من فرح بصورة نصر، أو بصورة مواتاة للأسباب إلى غير ذلك، وهو بعيدٌ عن طمأنينة القلوب وعن اللذات التي تُنازل أرباب الصدق مع الله، ولكن كل هذا يكون إملاءً لهم وزيادة إثم وتكثيف حجاب، (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).

لا قيمة لأتعاب الدنيا ولا قيمة للفرح في الدنيا إلا ما اتصل بفرح العُقبى، ما اتصل برضوان الحق، ما اتصل بأسرار الإقبال على الإله والوجهة إليه؛ هذا هو الخير، وما عدا ذلك أي خير فيه؟!

(هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ): يوم إكرامكم ويوم فرحكم، ويوم نيلكم للخير والثواب الجزيل، يوم إعطائكم الكتب بالأيمان، يوم رجحان الميزان، يوم رِضوان الرحمن، يوم مُرافقة سيد الأكوان ﷺ، يوم الورود على الحوض المورود، يوم الاستظلال بظلِّ اللواء المعقود، يوم الجلوس تحت ظل العرش.

ربنا نعتذر مما كان منا ونستغفرك لما كان فاغفرهُ لنا، ونسألك التوفيق والثبات فيما بقي من أعمارنا، باعِد بيننا وبين الذنوب والسيئات ظاهرها وباطنها، قليلها وكثيرها، صغيرها وكبيرها، قلبيها وعضويها يا الله.

 

اقرأ: محاضرة مكتوبة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مجلس اختتام مجامع الشمائل المحمدية في مدينة الشحر بساحل حضرموت، 16 ربيع الثاني 1446هـ

 لقراءة المحاضرة كاملة أو المشاهدة:

https://omr.to/M160446

 (نسخة إلكترونية pdf):

https://omr.to/M160446-pdf

مقطع قصير (اقصدوا الرب الخالق):

https://youtube.com/shorts/H_ddtHIvk1Q

مقطع قصير (ما لنا غيرك):

https://youtube.com/shorts/zqBszUoaMU0

 

تاريخ النشر الهجري

30 جمادى الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

01 ديسمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية