فوائد من محاضرة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى بتريم، بعنوان: الحياة الطيبة وطريقة اكتسابها وآثارها ومزايا أهلها
ليلة الجمعة 24 ربيع الثاني 1444هـ
- الحمد لله الذي جعل الحياة الطيبة للذين آمنوا به وعملوا الصالحات، فوهبهم من مواهب حقيقة الحياة وسر الحياة وطِيبة الحياة وخير الحياة وجواهر الحياة وبركة الحياة ما لا يجده غيرهم ولو ملكوا الشرق والغرب، بل لا يزال الذين فقدوا حقائق الايمان والعمل الصالح في كربٍ بعد كرب حتى يأتي الكرب الأكبر يوم القيامة.
- أيها المُجتمعون على هذه الخيرات: يجب أن تتحرك منكم البواطن لشريف الارتقاءات في نيل الحياة الطيِّبة في الدنيا قبل الآخرة، ومن طابت حياته في الدنيا على حق الطِّيبة فحياته في الآخرة أطيب، (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ) وأوسع وأرحب، ومن خَبُثَت حياته في الدنيا فحياته في الآخرة أخبث، وأشد وأضيق وأبعد عن الطمأنينة والسكينة والرِّضا، فيا رب الحياة يا خالق الموت والحياة اجعل حياة كل من الحاضرين والسامعين ومن والانا ووالاهم حياة طيِّبة، حتى تتوفّى كل واحد منا عند حضور أجله ملائكتك وهو طَيِّب، ندخل في (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
- (وقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ).. للذين أحسنوا مع اللهِ في الإيمان به والعمل الصالح من أجله، في نفع عباده والحرصِ على دعوتهم إلى الله.
- (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) لهم حسنة في الدنيا.. ايش الحسنة؟ يتولّاهم، يرعاهم، يُقرِّبهم، يهديهم، يُصلِح شأنهم، يرعى آثارهم، يُصلِح أهلهم وأزواجهم، يُصلح أولادهم، يُعلّمهم، يتعرَّف إليهم، يعرفونه، يذوقون حلاوة قربه.. هذا كله وعادهم في الدنيا! نعيم عجيب لكن عادهم في الدنيا.
- (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ) والحسنى هناك جنات، ورضوان، ونظر إلى وجه الله، ومرافقة لأنبياه.. أنعِم بها من حسنى (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ)، ولا يزال في كل نعيم يزدادون، ورضا ربهم والنظر إليه فوق كل نعيم في الجنة وأعظم من كل نعيم في الجنة.
وأكبر من هذا رضا الرب عنهمُ * ورؤيتهم إياهُ من غير حاجبِ
- يا عقول المؤمنين الذين آمنوا بالله: ما أوحي إلى أذهانكم من وحي الشياطين أن هناك ضمانات لكم أو حُسن استعدادات لمصالحكم وخيركم في الدنيا قبل الآخرة، بشيء مما جاء عبر أولئك من مناهجهم أو دراساتهم أو غيره.. ماذا يساوي أمام ضمانٍ مِن خالقكم وخالقهم ومن بيده ملكوت كل شيء والمُحرِّك لِذرّات الوجود، والذي بأمره قلوبهم وقلوبكم يضمن لكم ويقول: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) فبالله عليكم صدِّقوا ربكم! صدقوا إلهكم واطلبوا طِيبة الحياة من حيث ما عرض هو لكم، أعُروض أعدائه غلبت على عقولكم وظننتم أن فيها المخرج أو المصلحة أو الهدى؟! عرضه هو وهو القدير، عرضه هو وهو القهار، عرضه هو وهو الذي بيده ملكوت كل شيء أوثق.. أوثق وأحق.
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فضلاً من ربكم تعالى.
- طَيِّبوا حياتكم بِصِدقكم مع الله وإقبالكم عليه، وقيامكم بما يُحِبُّ من الأقوال والأفعال والأعمال والنظرات والحركات والسكنات، ولا تستجيبوا لدواعي الشرور والمفاسد والآفات، تحيد بكم عن سبيل خير البريات وعن موجبات السعادات فيما يعرضون علينا، وقد ابتلينا بكثير.. أزياءنا تغيرت بهم وتأثرت بهم، أقوالنا تأثرت وتغيرت بهم، أفعالنا تغيرت وتأثرت بهم، أفكارنا تغيرت وتأثرت بهم.
- يا مُحوِّل الأحوال أنقذ أمة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم وحوِّلهم إلى أحسن حال، شرِّفهم بتاج التبعية لخير البرية وأكرِم به من تاج، كم من رأس نُزِع عنه هذا التاج وجيء له بخباثة ظُلمة تبعيّة لفاسق أو مجرم بدل حبيب الرحمن، مسكين إن مات على حالته هذه يوشك أن لا يرى وجه المصطفى، ومن لم يرى وجهه يوم القيامة لم يدخل الجنة، "الويل لمن لا يراني يوم القيامة"
للاستماع إلى المحاضرة