(536)
(235)
(575)
(311)
من أعظم ما كَتَب وقدَّر ورتَّبَ ودبَّر سبحانه وتعالى: عالم الأرواح وخَلْق الأرواح فيه، وتنقُّلها في الأصلاب والأرحام إلى أن يَلِد كُلٌّ من الإنس والجن من بين أَبٍ وأم، ثم ما يمرُّون به من مرحلة في هذا العمر القصير الخطير؛ أنه فيه استجلاء كل ما كان مِن قبل، وعليه يترتب كل ما يكون من بعد؛ فمَا أعجب هذا العمر! وما أغرب هذا العمر! عُمر التكليف: عمر التَّنَزُّل من الإله اللطيف لعبده؛ بتبيين سبيله، والطريق الموصلة إلى رِضاه وقُربِهِ، وموجبات سعادة الأبد.
- من مَرَّ عليه العمر ولم يعرف الله ورسوله ﷺ فلا مقدار لِمَا عرَف ولا مقدار لِمَا عَلِم، كائناً ما كان من أوله إلى آخره! والله العظيم.. لا مقدار ولا شرف لمعلوماتٍ ومعرفةٍ مع الانقطاع عن معرفة الله ورسوله! مَن لم يعرف الله ورسوله فلا تُفيد معارفه كانت ما كانت، بأي صورة من الصور، وبأي مجالٍ من المجالات!
- تعرُّف الله إلى عباده بوسائل ووسائط من هذه الموجودات وأعظمهم الأنبياء والمرسلون، وخُصِّصنا بأكرمهم وإمامهم ومُقدّمهم محمد بن عبدالله ﷺ، نذكر اسمه ونحن مُمتلئون به، نذكر اسمه ونحن مُفتخرون به، والعرش يَغبُطنا والكرسي يَغبُطنا وسدرة المنتهى تغبطنا على ذكره بهذا الوجه، وعلى ذكره بهذا الأساس والخصوصية!
- إن كان للعرش اهتزاز لمثل سعد بن معاذ؛ فما هو إلا ذرَّة من ذرات زين الوجود ونوره وبركته ﷺ، وإن كان لقوائم العرش اهتزاز بمن يقول "لا إله إلا الله"؛ فما هو إلَّا أثر من آثار نور محمد بن عبد الله ﷺ!
يا فوزنا بهذا النبي! ملأ هذا العالم انتماءات وانتسابات وافتخارات ومَرجعيّات إلى هذا وذاك، وكُلُّ ما انقطع عن هذه المرجعية وهذا الأصل عاد على أهله وأصحابه بالخسران والندامة، في الدنيا ويوم القيامة، وإلى هلاك الأبد! (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)، (إِنَّ ٱلَّذِینَ یُبَایِعُونَكَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ ٱللَّهَ).
في العمر القصير اغنم نصيبك من العلي الكبير، بواسطة البشير النذير والسراج المنير ﷺ! وكل ما يُطرَح في هذا العالم فَدون ما نتحدث عنه؛ لأننا نتحدث عن كلام من الله جاء، وحَمَلَهُ الأنبياء!
ارتبط بقلبك، ارتبط بروحك، وارتبط بسِرّك، فإن موائده هذه عُقِدَت لينال المرتبط ارتباطه، وليُحَقِّق في الدارين اغتباطه؛ بجود الحقِّ تعالى الذي يُفيضه على مَن سبَقَت له سابقة السعادة.
ما تقدر ولا تستطيع قُوى الأرض بمن فيها أن تَعقِد مجلسا فيه هذا الروح، ولا أن تَعقِد مجلساً فيه هذا النور، ولا أن تَعقِد مجلساً فيه هذا الصفاء! بأحزابهم بحكوماتهم بجيوشهم من أولهم إلى آخرهم! رَبَّ العرش والأرض والسماء خبَأها لنا بواسطة واحد اسمه محمد بن عبد الله ﷺ!
حبيب القلوب ودواؤها وطبيبها ﷺ ينتظر من أمته في كُلِّ زمان مَن يُسرِع وروده إلى حوضه، ومن يَقرُب منه تحت لواء الحمد، وإلى الرحمن نتوجَّه به: أن ينظر إلينا وإلى جمعنا، ومن يسمعنا ويشاهدنا، ويتكرَّم علينا بالقُربِ من هذا الجناب، ويجعلنا من أوائل أهل الورود على حوضه المورود، وأقرب أُمَّتِهِ إليه تحت لواء الحمد المعقود، وترون هذه المطالب تُعرَض على الخالق وتُطلَب في شيء من مجالس هؤلاء؟ لك الحمد يا مُنعِم، لك الحمد يا مُتكَرِّم، فأتمِم لنا النعمة.
يا رب، دواعي الأهواء والشهوات والفساد زَحزِحها عن قلوبنا، زَحزِحها عن قلوب أهلينا، زَحزِحها عن قلوب أولادنا وطُلابنا، وثبِّتنا على ما تحبه وترضى به مِنَّا في أقوالنا وأفعالنا، وحركاتنا وسكناتنا، اجعل هوانا تبَعاً لما جاء به حبيبك ﷺ.
يا الله لا تحرِم قلب مَن حضر معنا ولا من يسمعنا ويُشاهدنا من سِرِّ نور الصدق معك، والإقبال بالكُلِّيّة عليك، وتعرُّفك إليه؛ يا ربنا حتى نَثبُت على قدم الاقتداء والاتِّباع، ونرقى في مراتب الارتفاع، ونغنم فوائد هذا العمر القصير الخطير؛ لنكون في البرازخ مع خَوَاصِّ أهل التنوير، مِمّن قبورهم رياض الجنة وأرواحهم في عِليّين، ونَسعَد في القيامة بالقُربِ مِن المُظَلَّلِ بالغمامة، عند البعث وساعة الوقوف بين يديك، وعند الميزان وعند الحوض وعند الصراط، وفي الجنة في فراديسها، من غير سابقة عذاب ولا عتاب، ولا فتنة ولا حساب.
_____
محاضرة ضمن سلسلة #إرشادات_السلوك، ليلة الجمعة 6 جمادى الأولى 1446هـ
لقراءة المحاضرة كاملة أو الاستماع والمشاهدة:
لتحميل المحاضرة (نسخة إلكترونية pdf):
25 جمادى الأول 1446