(228)
(536)
(574)
(311)
العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
(يَا أُخْتَ هَارُونَ (28)) شبّهوها ببعض العُبّاد الزهّاد الصالحين في زمنها ويسمى هارون، وكانوا يحبون التسمية بأسماء الأنبياء والصُّلحاء، وكذلك ينبغي لكل عاقل في الأمة أن لا يختار لابنه ولا لابنته اسم، إلا ما كان من أسماء الأنبياء والصلحاء والمقربين والعباد الصالحين.
(قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) وبذلك يَتَبَيَّنُ أنَّه بِحُكمِ الطبيعة والشريعة والفطرة والأعراف، من عهد آدم عليه السلام إلى كل ذي فطرة سليمة في زمننا، يجعلون أمر الزنا واللواط: فَرِي، أمرًا شنيع، كبير، شديد!
فهذا الذي لا تصلح البشرية إلا به، وأما عبيد الشهوات الذين يبيحون الفواحش ولا يشترطون لها إلا التراضي، فأولئك الذين سقطوا عن رتبة الإنسانية إلى البهيمية وجاوزوا ذلك بحدودٍ: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا).
ورأيتم كيف وصل بهم الحال في أزمِنتكم وأوقاتكم إلى تجاوز الحدود، حتى أعادوا ذكريات قوم لوطٍ، ثم جاوزوها بتحويل الذكر إلى أنثى والأنثى إلى ذكر، وجاوزوها بالتقنين لذلك والسَّنِّ له والتنظيم له -والعياذ بالله- فما أتفههم وما أسفههم وما أسفه ما يأتونه!
(كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)) وأخذ يخطب سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام، فكانت آية مُبهرة، دلَّتهم على طهارة مريم -بيقين- وعِفتها ونزاهتها، وأنه لم يأتِ من بشر، وإنَّما كوّنه الرب الأقدر جلَّ جلاله.
(وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ (31))
- تتبعني البركات من الخيرات والتيسير والتنوير، والتعليم والهداية والإرشاد، والسكينة والطمأنينة، مبارك!
فلله بركات يجعلها في الأشخاص، يجعلها في الأماكن، يجعلها في الأوقات، اللهم بارك لنا أوسع البركات، في أعمارنا وأوقاتنا، وبارك لنا في ديننا، وضاعف اللهم تنّورنا بالدين وتحققنا بحقائقه، ورقيّنا في مقاماته، وبارك لنا في المقاصد والنيات، وبارك لنا في الأهل والأولاد، وبارك لنا في ذكر الأنبياء وولادتهم، وولادة سيد الأنبياء عبدك محمد ﷺ بركات تامات، بها تبعث فينا الخيرات، وتدفع عنا بها الآفات والمضرات والعاهات، وتأذن بظهور راية خير البريات محمد ﷺ، ونُصرة الحق وأهله في جميع الأقطار.
يقول الله: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)) أي أنّ قيمة الحياة وفائدتها وغنيمتها وثمرتها: أن نقوم بهذه الأعمال الصالحة؛ فنكسب الرُّقيّ في الدرجات وزيادة الإيمان، ونيل المراتب في الدار الآخرة، ما دمت حي فهذا شغلي وهذا عملي.
(وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) أن أكون مُطَهَّر الباطن، نقي القلب والفؤاد، لا يعلق بي سوءٌ، ولا ينازلني شيء من غُبرة الأكدار والظلمات.
قال: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي (32)) فالبر بالآباء والأمهات، مظهر كمال وشرف وكرامة ورِفعة، وهنيئًا لمن أدرك أبويه أو أحدهما فَبَرَّهُما وأحسن إليهما، وخصوصًا عند الكِبر.
(وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32))
الصالحون لا يتجبرون ولا يَبسطون أيديهم بالسوء لأحد، ولا يَتعالون على أحد من الخلق، يقول أشرفهم وأعظمهم درجة عند الرحمن: "إنما أنا عبدٌ أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد".
(وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ (33)): في يوم مولدي، إذًا من كان مُعَظَّم فيوم ولادته مُعَظَّم.
الشأن في يوم البعث للأنبياء، فهم أعظم المُقَرَّبين عند حاكم يوم القيامة، وإذا كانت الملائكة تقول لأتباع الأنبياء: (هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) فكيف بحال الأنبياء؟
فلهم الشرف والعلو:
- أيام ولاداتهم أيام مُشَرّفة
- وأيام وفياتهم كذلك أيام ذكرى
- ووقت بعثهم ونشورهم لهم البشرى ولهم الكرامة والشرف عليهم صلوات الله وتسليماته.
جاء في السيرة أنه أول ما بدأ ﷺ يَنطق ونطق وهو ابن ثمانية أشهر، فأول كلمة نطق بها قال: "جل جلال ربي الرفيع؛ الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا"، بدل من أن ينطق الصبي أول كلمة؛ -با، با، ما، ما.. نطق بهذه الكلمة.
أنذرهم يا حبيبنا (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (39)) سيتحسّرون على أعمارهم وعلى أفكارهم هذه، وعلى جحودهم وعلى عدم استجابتهم لدعوة الله ورسوله.
اللهم املأ قلوبنا بمحبتك ومحبته، حتى نحيا ونموت وأنت ورسولك أحب إلينا مما سواكما، واجعل اللهم حبك وحب رسولك وحب الجهاد في سبيلك أحب لنا من أنفسنا وأهلنا وأموالنا ومن الماء البارد على الظمأ، ومن كل شيء يا حي يا قيوم.
لقراءة الدرس كاملاً:
___
T.me/HabibOmar
23 ربيع الأول 1446