فوائد من: تفسير سورة مريم (7) تأملات من قصص الأنبياء: صدق الوعد وعمارة البيوت بالطاعات
العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
(وَنَٰدَيۡنَٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنِ):
- - قيل أنَّ المراد بالأيمن: أنّه المكان الأبرك الصالح المُنوَّر؛ فهو محل اليُمن؛ جبل الطور.
- - وقيل: الجانب الذي هو أيمَن سيدنا موسى عليه السلام، عندما استقبله من الجانب اليمين، أتاه النداء وسمع نداء الملك الأعلى: (يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ).
- (وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا)، إشارة إلى أنَّ النُبوة مُجرد رحمةٍ وتفضُّل من الله تعالى لا يمكن لأحد اكتسابَها، (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ).
(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)؛ مقصداً للمُحتاج والفقير، والمُستهدي والمُتعرِّف والمُتعلِّم.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا)؛ سيدنا إسماعيل عانى في القِيام بصِدق الوَعد:
- (إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ): ولا خَطَر له خاطر أن يُخلِف الوعد، ولا أن يفِرّ ولا أن يجزع؛ صابر مُحتسب.
- - وكان لا يعِد أحدًا بوعدٍ إلا وفى به.
- - وكان لا يتلقّى أمرًا ولا نهيًا إلا وأحسن القيام بامتثال الأمر واجتناب النهي.
الحذر من الإخلاف في الوعد، وأشده ما يكون من تساهل بعض الناس، من حينما يعِد وهو ناوي أنَّه بالوعد هذا: إما مجرد جبر خاطر، وإما يتخلص منه وهو ناوي أن لا يفعل!
- - ومن وعدَ ثم طرأ له نسيان، وطرأ له عجز وعدم قدرة؛ فالمسألة بعذرها، ولكن أن ينوي أن لا يفي بالوعد فهذا خطير.
- - كان بعض أخيار الأمة لما ينوي يشتري شيء من التحف والألعاب لأطفاله لا يقول للطفل سأشتري لك ولا سأحضر لك، يقول: كيف لو احضرت كذا، كيف لو اشتريت لك كذا؛ خوفًا من أنه ما يتمكن، أو ينسى، ويكون وعد وأخلف، لا يَعد طفل صغير وعد إلا ويقوم به.
اجعل معروفك ابتداءً بلا وعد؛ أعطِ بدون أن تتكلم؛ اترك الوعد حتى لا تقع في شيء من إخلاف الوعد.
(وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) جاء في الحديث الدعاء بالرحمة لرجل قام يُصلي بالليل: "رحِم الله رجلاً قام من الليل فصلّى ثم أيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورَحِم الله امرأة قامت من الليل فصلّت ثم أيقظت زوجها، فإن أبى نَضَحت في وجهه الماء" أي لِيذهب عنه النوم؛
- - المراد بالحديث: أنَّ الزوجين مُتعاونين على طاعة الله مُتفاهمين، قرَّرا أن يأخذ كل منهما بِيد الآخر ليُقيما وسط المنازل والديار أنوار الفرائض والسُّنن، وعبادة الحقِّ في السرِّ والعلن، ومنه أن يترك النوم من أجله.
- جاء في الخبر أن الله تعالى يباهي ملائكته برجلٍ قام من فراشه وأهله وصلّى، يقول: انظروا إلى عبدي ترك نومه وأهله وقام يناجيني، فيرفعُ له ذكرًا في الملأ الأعلى ويُباهي به ملائكته؛
-
- هذا عمل من الأعمال الصالحات الذي كان مُنتشرًا بين المسلمين وفي بيوتِهم وأُسَرِهم ومنازلهم، حتى مرَّت أوقات بل سنين بل قرون على كثير من بلدان المسلمين لا تكاد تجد فيها مَن لا يستيقظ في الليل، ومن لا يستغفِر في السحر؛ الكل صغار كبار رجال نساء؛ حتى جاءت البرمجة للأوقات من أيادي خائنات وغير ناصحات وتحوَّلت الأحوال، يا مُحوِّل الأحوال حَوِّل حالنا والمسلمين الى أحسن حال.
الصورة
قال تعالى: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)؛ ذَكر الله البكاء لهؤلاء الأخيار فكيف لا نبكيه! نحن أحقّ بالبكاء منهم من حيث تقصيرنا وذنوبنا وزلّاتنا، وإن كانوا هم أولى وأحق بالبكاء من حيث معرفتهم بجلال الله وعظمتِه وشِدّة قُربهم منه مما لا نبلغه، ولكن نحن من حيث الحاجة ومن حيث كثرة الذنوب أولى بالبكاء.
ينبغي أن يكون لنا نصيب من البكاء خصوصًا في الخلوة:
- - فإنَّ قطرة دمع من عين مثل رأس الذبابة تخرج من خشية الله تُطفئُ جبالًا من النار،
- - وإنَّها خير من جبل ذهب يُتَصدَّق به؛
أن تخرج الدمعة من خشية الله أو من مَعرِفة الله ومن مَحبة الله.
اللهم اجعلنا ممّن يَخلُف النبيين طاعةً وبِرا وإيمانًا وتقوىً وإخلاصًا وصدقًا، ورَقِّنا بذلك أعلى مُرتقى، وأعِذنا من كل مُوجِب حسرة وندامة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة.
لقراءة الدرس كاملاً أو المشاهدة:
01 جمادى الأول 1446