(575)
(536)
(235)
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)) صِدِّيقيّة الأنبياء أعلى مراتب الصّدق مع الحق في الظاهر والباطن والحِسّ والمعنى؛ في الأقوال والأفعال والأحوال والنِّيّات، والأخذ والعطاء؛ في جميع الشؤون، هم أهل الصِّدق التّامّ.
(قَالَ اللهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)؛ فليس لنا من الأنبياء قُربٌ ولا مُرافقة لهم إلا على قدر صدقنا في إسلامنا وإيماننا وإحسانِنا، وأقوالنا وأفعالنا ومَقاصدنا ونيّاتنا وأحوالنا، فالصّدق يشمل هذا كلّه.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ): مسالك الصّلاح والهداية في البشر؛ أن يذكُروا الأنبياء والأصفياء ذِكر المحبّة والولاء ورغبة الاقتداء والاهتداء؛ هذا أساس من أساسيّات صلاح العباد فِكرًا وسلوكًا واجتماعًا ومعاملةً؛ أن يُذكر فيهم القُدوات التي اختارها الخالق مُنشئ الكون ومُكوّنه ومبدئه سبحانه، اختار للمِكلَّفين من الإنس والجن، اختار القُدوة:
"وما يزالُ الرَّجلُ يَتَحرَّى الصِّدق" يبذل وِسعهُ كلّه في أن يكون صادقًا: في أقواله، في أفعاله، في نظراته، في حركاته، في سكناته، في مواعيده؛ صادق في إسلامه، في إيمانه، في محبته، في صلاته، في معاملاته.
"يتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عندَ اللهِ صدِّيقًا" يعني يبلغ أعلى رُتبةً في القرب من الله بعد رتبة النبيّين وهي رتبة الصِّدّيقين؛ والصِّدّيقُون على مراتب كما أنَّ الرُّسل فُضِّل بعضهم على بعض، وهناك الصّدّيقيّة الكبرى وأهلها على مراتب فيها (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ)، فطريقُنا إلى ارتقاء المراتب ونيل المواهب: الصِّدق وتحرّي الصّدق.
(إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ..) خاطب أباه وهو الذي يترجَّح من خلال الأدلّة أنه عمّه أخو أبيه، وأنَّ أباه تارخ غير آزر قد مات على التوحيد وإبراهيم صغير، وبقي هذا عمّه آزر.
(يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) وفي هذا غاية الأدب من سيدنا الخليل إبراهيم ويُخاطب العم بالأبوة ولا يقول يا فلان، يقول: يا آزر، يا أبَتِ، إذا كان هذا الأدب مع عمٍّ كافر، فكيف عمك المسلم؟! فكيف أبوك المسلم؟! كيف تخاطبه؟ اضبط لسانك، اضبط كلامك تأدّب، خاطبه بأحسن الكلمات: يا أبتاه، يا أبتي، يا أبي، يا سيدي.
(سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) يُكرِمني، يُقرّبني، يرحمني، يجيب دعوتي؛ هذه صفات ربي الذي أدعوك إليه، لو أَجَبْت يَنالك من حفاوَتِه هذه، مِن لطفه، من رأفته، من رحمته، من إكرامه نصيب.
قال: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ (48))، واعتزالُ أهل الشر ودعواتهم وفِعلُهُم الشرير أساسٌ من أساسِ صحة الإيمان وسلامة الإنسان وحفظ الدين، وأمَّا الاختلاطات هذه والاختباطات والحضور في أماكن تُنتَهَك فيها الحُرُمات؛ يَهدِم الدين ويُضعف الإيمان، فلابد مِن اعتزال الشر وأهل الشر.
رزقنا الله كمال الإيمان واليقين ومُرافقة النبيّين؛ نسألك الصّبر عند القضاء، والفوز عند اللقاء، ومنازل الشّهداء، وعيش السّعداء، والنّصر على الأعداء، ومُرافقة الأنبياء.
لقراءة الدرس كاملاً:
https://omr.to/q-mariam5
14 ربيع الثاني 1446