فوائد من: تفسير سورة مريم (12) الود الإلهي وثمرات المحبة في الله
العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
فرصتنا ما دمْنا في هذه الحياة وغنيمتنا:
- - يزداد إيماننا ونزداد عملًا صالحًا في كل ليلة وفي كل يوم، فيكون الليلة عليك مباركة واليوم عليك مبارك؛ إذا ازددتَ فيها إيمانًا وعملًا صالحًا، فأنت رابح!
كل ما يجري في هذا الوجود والكون ما يضرّك شيء ولا يحجزك عن ربحك هذا، ومشاكلهم وحروبهم وآفاتهم وسياساتهم لا تقدر تمنعك عن ربحك هذا، تقدر تزداد إيمانًا، تزداد عملًا صالحًا، وارقَ واكسب، وخُذ من المواهب والعطاء، وخُذ لك من الزاد الشريف وارتقِ.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96))، ولم يزل الحق يُذكِّرنا بما يكْسب وينال ويُحَصِّل أرباب الإيمان والعمل الصالح، أرباب التصديق، بما أوحى إلى أنبيائه؛ مِن خيراتٍ ومَبَرّاتٍ عظيماتٍ جليلاتٍ كبيراتٍ دائمات، وهي فائتةٌ على كل مَن لم يؤمن، ويُسيِّبها ويُحْرَمها كل مَن لم يُصدِّق ولم يعمل الصالحات.
فما الذي يُحصِّلون مقابل هذه العطايا؟ وما الذي يكْسبون بدل هذه المزايا؟!
أكل أم شرب أم طعام، أم نكاح أم رئاسة، أم ثياب أم منازل أم طائرات؟ مُنْتهٍ مُنْقضٍ، زائلٍ مُتبدِّلٍ مُفارَق! فماذا حصَّلوا إذا فقدوا هذه الخيرات؟! ما أخسرهم!
(سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا):
- - (وُدًّا): غاية المحبة والرضا والملاطفة.
- - يفتح لهم وهم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة معاني مِن وداده، تذوق فيها أرواحهم لذائذ لا تُوصَف ولا تُحَد.
- - يكسبون ود الملائكة، وود الأنبياء ومحبتهم، وود الصالحين.
- - بل الكثير منهم يمتد آثار محبته وموَدَّته عند مختلف الطوائف، ومختلف الكائنات والمخلوقات؛ تُحِبّهم السماوات، تُحِبّهم الأرض، تُحِبّهم الحيوانات، تُحِبّهم الجمادات.
- - حتى كثير مِمّن يُعاديهم يجد وسط قلبه تقدير لهم وإعزاز ومحبة، ويود أنه تغلَّب على هواه أو على القوم الذين دخل معهم في دائرة الصدام لهؤلاء.
- - ويجد الكثير منهم امتداد محبة في قلوب الناس مِن دون شيء سابق، لا قرابة ولا معروف ولا إحسان، بِمُجرد ما يرونهم يحبونهم، بمجرد ما يسمعون عنهم مِن دون ما يرونهم يجدون في قلوبهم محبة لهم!
كل الذين تحابُّوا في غير الله يتباغضون؛ أكثرهم في الدنيا قبل الآخرة، والكثير منهم في الآخرة؛ مِن عند الموت وهو يكره كل أصحابه الذين ساعدوه على المناكر وعلى الكبائر، وعلى الخروج عن أمر الله الخالق الفاطر.. يكرههم، يقول: هم السبب، وإذا تلاقوا في القيامة يسب بعضهم بعضا، ما هي العبرة لهذه المحبة؟!
المتحابون في الله محبتهم دائمة؛ لأنها مِن أجل الدائم، يموت ويزداد محبةً للذين أحبَّهم في الله، ويتفرّغ بعد الموت للدعاء لهم أكثر ويذكرهم أكثر؛ لأنه أحبهم مِن أجل الواحد الباقي جل جلاله، وبعد ذلك في القيامة على منابر مِن نور، وفي ظل العرش؛ هذه المودَّة المعتبرة، هذه المودة الطيبة المحسوبة.
- - إن صادفَتْ محبتك لِمن يُحبه الله ويُحِب الله؛ فأنت الناجح المفلح، أنت الفائز الرابح.
- - وإذا انحرف قلبك وصرتَ تُحِب مَن يبغضه الله والعياذ بالله، وتُبغض مَن يحبه الله؛ فأنت على الخطر، وأنت مُعرَّض لسوء المستقر، انتبه لنفسك!
"نسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وحُب عمل يقربنا إلى حُبك،" يا رب العالمين.
لما أسلم بعض الروسيين سألوه عن سبب إسلامه قال: تأمّلت التاريخ؛ أنَّ كل العظماء وأهل النظريات والأنظمة؛ يبدأون بقوة، وما تمر الأيام إلّا ويَنقُص أتبَاعهُم، ويَنقُص الثناء عليهم، وينقص المُحِبون لهم؛ إلّا محمد ﷺ، ألف وأربعمائة سنة يُحبونه ويُكرِّمونه، ومُعظَّم كلامه، ومُحترم أقواله وأفعاله، وذلك يزيد، وذِكرُه في كل محل!
17 جمادى الآخر 1446