فوائد من: تفسير سورة طه (13) ثمرات الذكر وعواقب الإعراض عن الله

العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
___
مخاطر العداوة والبغضاء:
(قال اهْبِطَا مِنْها جميعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو)؛ مِن أشد ما تجدون في المكان الذي أنقلكم إليه وأخرجكم من الجنة؛ أن يحصل بين ذريتكم هذا التعادي والتباغُض على غير وجه الحق؛ للأهواء، للأنفس، للشهوات، للمرادات الفانِيات، يتباغضون ويتعادون ويتحاسدون حتى يتقاتلون والعياذ بالله، وحُكم القضية خطير.
ما أغرب وأشأم وأسقط للمؤمن أن يدخل في العناصر التي يستخدمها الشيطان؛ فيكون سببًا لإثارة البغضاء وإثارة العداوة بين اثنين من المسلمين! وأنت لمَ تدخل في العناصر الموظّفة بإثارة البغضاء وتُثير البغضاء؟ أصلِح، قرِّب، ألِّف، آخِي بين المؤمنين؛ هذا فعلُ النّبيّين، هذا فعل العباد الصالحين، أمّا إثارة البغضاء والشحناء بين الناس فهذه وظيفة إبليس، وهو وظّف فيها، لماذا ترضى لنفسك تتوظّف مع العدو؟
انشُر المحبة، انشُر الأخوَّة، إذا رأيت أو سمعت ما يوجب المحبة والتقرّب فانقله وتحدّث به، وما عدا ذلك لا! اسكتْ ولا تقل: سمعتُه يسبُّك، أو سمعتُه يقول عليك، ولا تنقل شيئًا يُثير قلب هذا على هذا؛ فهذا عدوّ الله شُغْله الإفساد.
اتباع هدى الله:
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فلا يَضِلُّ ولا يَشقى)؛ معنى اتَّبَع: ترك هواه ومُشتهاه، تتبُّعاً لِما أوحى مولاه، ينظر أين موضع رِضاه.
- يُحاط بالتوفيق؛ فلا يضل في نظراته ولا مسموعاته، ولا كلماته ولا حركاته ولا سكناته؛ وفي هذا إفاضة الحفظ من الله للصادقين من الأتباع، غير العصمة للأنبياء.
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فلا يَضِلُّ ولا يَشقى)؛ سعادة الواحد من عباد الله أن يكون مُتّبعًا لهدى الله.
- معنى مُتّبِعًا لِهُدى الله: مستسلمًا لأمر الله، باذلًا وجهته في الاجتهاد في طلب ما يُرضي الله، والابتعاد عما يُسخطه وعما لا يرضاه؛ من النيات والأفعال والأقوال والمعاملات، والأخذ والعطاء، والمحبة والبُغض.

الحماية من الضلال والشقاء:
(فلا يَضِلُّ ولا يَشقى)
- - في الدنيا: لا يصيبه النّكد والسوء الذي يتّصل بنكد الآخرة وسوئها، بل له من عناية الله إبعادٌ لأنواع من الشقاء.
- - في الآخرة: لا يسقط في النار، ولا يتلعثم لسانه عند سؤال الجبّار، ولا يُعرَّض لأخذ الكتاب بالشمال، ولا لِرُجحان السيئات وخِفّة الحسنات، ولا لظهور الفضيحة والعيب في القيامة.

المفهوم الحقيقي للذكر:
(وَمَنْ أَعْرضَ عن ذِكري..) ذِكر الحقيقة، ذِكر أنّي ربه، وأنّي خلقته وخلقت الوجود، وأرسلت الرُّسل وأنزلت الكتاب.
(أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي)؛ فتناسى خلقي له وإيجادي له، وتكويني له وصُنعي له وإنعامي عليه، وإمدادي له بالسّمع وبالبصر وبالأجهزة وبالقوّة، وتسييري الأرض له وتسخيرها له، وتسييري له الأكسجين والهواء الذي يستنشقه! تناسى هذا كله!
- - الخير كله في ذكر الله، ليس مُجرَّد أن تشغل لسانك بشيء من التسبيحات..
- - الذِّكر: أن تستشعر ويحضر في قلبك عظمة الإله الذي خلقك ويُحيط بك، وأنَّه أنعم عليك بإنزال الكتب وإرسال الرُّسل، وأنّ خيرك وسعادتك أن تُطيعه وتقوم بأمره، وأنَّك بمرأى منه ومَشهد، لا يخفى عليه من أمرك شيء، وأنَّ مرجعك إليه.
هذا الذّكر إذا استولى على قلبك هكذا فأمامك رياض الجنَّة ادخلها، وأمامك المعرفة به، وأمامك القُرب من حضرته، وأمامك أن يذكُرك في الملأ الأعلى هو بنفسه.

- مِن الأبواب المُوصلة إليه: كثرة تلاوتنا لكتابه مع التَّأمُّل، وترديد الأذكار الواردة على السُنَّة، وخصوصاً ما ورد عنه ﷺ.
من أنفع الأذكار لعموم المؤمنين ولكلّ المُقبلين على الله: "لا إله إلا الله"، اللهم ثبِّتنا عليها واجعلنا من خواصّ أهلها.

المعيشة الضنك:
(وَمَنْ أَعْرضَ عن ذِكري فإنَّ له مَعِيشَةً ضَنكًا) معيشة الضَّنك: كل ما أدّى إلى السُّوء وإلى الألم وإلى العذاب والتَّعب؛ فهو معيشةٌ ضنكٌ، كل شيء مآله الأتعاب والمقاساة للآلام والشَّدائد فهو معيشةٌ ضنكٌ.. فلا يَنْعمون بطمأنينة القلوب والنُّفوس طول حياتهم.
- كل الذين رضوا بالإغواءات وعصوا الله بترك الفرائض، أو فعل المحرمات، أو إيذاء الناس؛ استجابة لدعوة ما آتَوهم من وظائف أو أموال؛ والله ما عاشوا في الدنيا قبل الآخرة إلا عيشة الضّنك، وماذا يجدون في الآخرة إذا ماتوا على هذا الحال؟ لن يهنأوا في الدنيا به ولن تطيب لهم الحياة، وإنما هذا التخيُّل والتصوُّر للملذات الباطلة الوهمية!

اللهم اجعلنا ممن اتبع هداك فلا نضل ولا نشقى، يا ربِّ ولا نُفضحَ ولا نُخزى في الدنيا ولا في الآخرة، يا ربَّ الدنيا والآخرة، والقواطع التي تعترضنا في الزّيغ عن هذا السبيل، اقطعها عنا وأبعدها منَّا؛ حتى نستقيم على الهدى فيما خفي وفيما بدا، يا حيّ يا قيوم، فنسعد مع خواص السُّعداء سعادة لا غاية لها ولا مُنتهى تزداد أبدًا وسرمدًا.

لقراءة الدرس كاملاً أو المشاهدة:
#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #تفسير #فوائد #القرآن #سورة_طه #معاني_ودلالات #جلسة_الإثنين #درس_التفسير #تفسير_القرآن #habibumar #habibumarbinhafidz #tarim #quran
21 ذو القِعدة 1446