- ابتدأ الشيخ المؤلف -رحمه الله- بعد أن بيّن لنا أحكام العقل الثلاثة.. يتكلم في الإلهيات؛ وهي المسائل التي يُبحث فيها عن ما يتعلق بالإله -جلَّ جلاله- مما يجب له، ومما يستحيل عليه، ومما يجوز.
- - قد يُطلق على معرفة الله: معرفة صفاته ومعرفة أحكامه، وأما المعرفة الإحاطية فهي مستحيلة في حق الإنس والجن والملائكة وجميع الكائنات والمخلوقات، لا يحيطون بصفات الله ولا بذاته ولا بأسمائه، ولكن يعلمون منها ما فرض عليهم العلم به سبحانه وتعالى كما قال: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ).
- - قال رحمه الله: "يجب على كل مكلَّف أن يعرف الواجب والمستحيل والجائز في حق مولانا تعالى" ثم ذكر شرُوط التكليف الأربعة:
- 1- البلوغ.
- 2- والعقل.
- 3- وسلامة الحواس.
4- وبلوغ الدعوة.
- - تُعرّف المعرفة ويعرّف العلم بأنه: الجزم المطابق للواقع، يعني أن يقطع في اعتقاده بشيء هو مطابق للواقع، ومن هنا قالوا عن العلم أنه: العلم بالشيء على حقيقته، وإدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع.
- وعدم الإدراك للشيء يسمى جهلاً، وهو الجهل الذي يقال له بسيط.
- وتصور الشيء على خلاف ما هو عليه يقال له: جهل مركب، يعتقد ويتصور الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع، وهذا لو لم يتصور كان من السهل أن يعلم أن الواقع كذا.. لكن تصور الأمر على غير ما هو عليه في الواقع، فهذا يحتاج إلى نفي هذا التصور ونقضه أولًا ثم إثبات الصورة الصحيحة.
- - الجهل المركب في أزمِنتكم بعضه سمّوه علم! ونسبوا أنفسهم إلى العلم الذي هو الجهل المركب! تُعطى تصوّرات عن الوجود وعن العالم على غير الواقع، فمثل جميع الإلحاد وجميع إنكار وجود الحق سبحانه وتعالى.. هذا جهل، لكن تصوّره واعتقاده هذا: جهل مركب.
- - هذا العلم الذي يُعرف بالجزم والاعتقاد بوجود الحق تبارك وتعالى واتصافه بكل كمال وتنزهه عن كل نقص، هذا أول الإيمان، وهذه المعرفة إذا رسخت وقويت سُمّيت يقينا، فأول مراتبه: علم اليقين، ثم وراء ذلك عين اليقين، ووراء عين اليقين حق اليقين.
- - فمن علِم بدرسنا هذا وأننا في هذه القاعة فجزَم بذلك، وأخبره واحد واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة، أخبروه بأنه يُعقد الآن درس في هذه القاعة، هذا يكتسب علم اليقين -إذا لم يكن عنده شك، وجزم بذلك تماما فهو صاحب علم اليقين.
- - وإذا طلع إلى المكان وأشرف علينا من عند الباب ورآنا في الدرس.. انتقل من مرحلة علم اليقين إلى عين اليقين، لكن إذا دخل وجلس معنا واستمع الدرس وشاركنا فيه صار من أهل حق اليقين، فهو بالنسبة لقيام هذا الدرس في مرتبة حق اليقين.
- - فمن رأى بعينه ولم يحضر ليس في مرتبة حق اليقين، ومن حضر ولم يحضر قلبه ولم يستوعب أيضا هو في عين اليقين ما جاوزها إلى حق اليقين، ولكن من أصغى وأنصت وفهم وتفاعل باطنه مع الدرس هذا صاحب حق يقين.
- - قال المؤلف رحمه الله: "فيجب علينا معاشر البُلّغ العقلاء، أن نعرف ما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز عليه إجمالا وتفصيلا".
- - فالذي يجب لله إجمالا؛ كل كمال، كل عظمة، كل جلال، كل ما يليق بعلوّه -سبحانه وتعالى- من علم وإحاطة بالعلم، من قدرة، من سمع، من بصر، مُتّصف بكل كمال، مُنزّه عن كل نقص، هذا الواجب إجمالا.
- - كما أن المستحيل إجمالا؛ كل نقص لا يليق بعظمته تعالى فهو مستحيل، مُنزّه عنه سبحانه.
- - والجائز عليه؛ أن يفعل من الممكنات ما شاء ويترك منها ما شاء، ويجب علينا أن نعرف ما يجوز عليه إجمالا، يفعل ما يشاء على ما أراد، لا يجب عليه فعل شيء ولا يمتنع عليه فعل شيء من جميع الممكنات، بل يفعل ما أراد كما أراد.. فهذه جائزات، يُمرِض ويُعافي، يُسعد ويُشقي، يَرفع ويَخفض، يُقرِّب ويُبعد، يُعطي ويَمنع، (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) -جل جلاله-.
- - الواجب له سبحانه بيّنه الكتاب العزيز والسُنة الغرّاء، فذكر الرحمن أوصافا له تعالى في قرآنه وبيّنها لنا رسول الله ﷺ، هذه الأوصاف إذا أمعنّا النّظر فيها نجدها ترجع إلى العشرين الصّفة المذكورة، وكل ما سواها فمتفرّع عنها، ولذا فهي أعدادها محصورة في هذه، لكن متعلَّقاتها متفرِّعة.
- - قال أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية فيما ورثوه عن التابعين وعن الصحابة، عن رسول الله ﷺ، أن هذه العشرين الصفات المذكورة في القرآن يُوجب العقل استحقاق الحق لها، وأنها ثابتة لازمة في حقِّ الله.. وقد جاء بها النقل، ووصف الله بها نفسه.
- - أول الصفات العشرين الواجبة في حقه تعالى: الصفة النفسية الذاتية، التي لا تقوم بقية الصفات إلا بها وهي صفة الوجود؛ أنه تعالى موجود، بل وجوده هو الوجود الحق الواجب، بل وجوده هو الذي ترتب عليه إيجاد كل ما سواه، وذلك من ضرورة العقل كما ذكرنا أن العقل لا يقبل أن يتكون مصنوع ولا مخلوق ولا موجود من دون مكوِّن وخالق وصانع، هذا لا يقبله العقل.
- - هذا الصانع الخالق الموجِد يجب أن يكون وجوده ذاتي؛ لأنه لو كان وجوده طارئ وحادث.. لكان هو واحد من المخلوقات التي تحتاج إلى خالق.. وتسلسل الأمر من غير نهاية مستحيل عقلا، يعني لابد أن تكون هناك قدرة وإرادة موجودة قبل خلق كل شيء وخَلقت الوجود.
- - قال بعض أهل الشكوك والتذبذب لسيدنا جعفر الصادق، قال له: تقولون أن الله قبل هذه الأشياء وخلقها.. فمن كان قبل الله؟ قال له سيدنا جعفر: هل تعرف العدد؟ قال: نعم. قال عد لي من الواحد صعودا.. عدّ، واحد اثنين ثلاثة أربعة إلى العشرة، قال عدَّ لي من الواحد هبوطا، انزل.. قال: ليس قبل الواحد شيء.. قال: هو كذلك؛ ليس قبل الواحد شيء!
- - الله سبحانه وتعالى واجب الوجود، والكائنات وما فيها من تغيير وتلوين وتدبير وتقديم وتأخير.. موجبة بحكم العقل أن يكون لها موجود ليس لوجوده ابتداء، موجود بذاته وهذا هو الله سبحانه وتعالى، خلق الكائنات وقدَّرها وكوَّنها ودعانا إلى النظر فيها، ودعانا إلى التأمل في دلالتها، فإنها تدل على خالقها -جلّ جلاله- بل وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد سبحانه وتعالى.
- - هذا الوجود وما فيه أرسل إلينا موجده أنه الله خالق كل شيء، بعقولنا اهتدينا إلى أن لنا موجِد، بلّغ وأرسل إلينا الرسل، وعندما أرسل إلينا الرسل ليس هناك قوة أخرى بلَّغتْ، ولا أرسلت رسل، هل هناك غيره أرسل رُسله إلى العُقلاء والمكلفين وقال أنا الذي خلقتكم، وخلقت السماء والأرض!
- - الذين يعبدون البقر، فهل البقر أرسلت إليهم رسل؟ الذين يعبدون الشمس، هل الشمس أرسلت إليهم رسل؟ الذين يعبدون الأصنام، هل الأصنام أرسلت إليهم رسل؟ ولا أحد أرسل!
- - إذن.. لو كان مع الله إله غيره.. ما لهُ لا يتكلم؟! لماذا يأتي آخر يأخذ عليه كل شيء! وهو ما يقدر يتكلم؟! إذن.. هذا عاجز ما يصلح يكون رب، فوجود الرسل وصمت الوجودات كلها ولا غير الله قال أنا خالق كل شيء دليل قاطع عقلي أنه لا إله إلا الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.
للاستماع إلى الدرس الثاني والمشاهدة، أو قراءته مكتوباً:
https://omr.to/tanweer2