فوائد مكتوبة من خطبة جمعة: خطر الهوى في مسالك الأفراد والأمم
خَلق الله لنا الشهوات والأهواء ليختبرَنا وليعلمَ من يخافه بالغيب، ويعلم من ينصُرَ الله ورُسله، ومن ينتصِر لنفسه وهواه أو لِهوى غيره من البعيدين عن الله -والعياذ بالله ﷻ-
قال لنا ﷺ: "لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتَّى يكونَ هواهُ تَبَعًا لما جئتُ بهِ":
أي حتى يكون قاصماً لِهواه، حتى يكون مجاهداً مجاهدة مَن تحوَّل الهوى مِن غالبٍ عليه وسُلطان إلى تابعٍ مُقتدٍ بسيد الأكوان، مَن بلغت به المجاهدة هذا المبلغ يتحقّق بحقيقة الإيمان.
- - من ضَعُف ذِكره للمآب ويوم الحساب تسلّط الهوى عليه.
- - ومن انقطع عن مُشاورة الكبار والأخيار تَسلَّط الهوى عليه.
- - ومن اغترَّ بنفسه وعقله تسلَّط الهوى عليه.
- - ومن آثر الفانيات وركن إليها تَسلَّط الهوى عليه.
ركائزُ التخلص من الهوى:
- - خوف من الله عن يقينٍ مَكينٍ في الفؤاد.
- - تزكيةٌ للنفس وتربيةٌ على أيدي الأجواد، الذين مرجعهم إلى خير مُنقذ ومُزَكٍّ وهادٍ.
- - ومشاورةٌ لأولي الألباب، ورجوعٌ إليهم في استجلاء الصواب.
هذه ركائز التخلّص من الهوى والتّوَصُّل إلى غَلبته؛ حتى يفوزَ الغالِب على هواه بالدرجات العُلا فوق ما يرجوه ويتمنّاه،
ألا إنّ الفوز في تَمكُّن المؤمن من مخالفته هواه، واتّباعه لِمرضاة إلهه ومولاه، وتسليمه الزمام بكل معنى ومن كل وجه لحبيبه ومصطفاه، ومشاورته لأولي الألباب من أصفياء الله.
على قدر تعظيم الله ومحبته تنمحِق ذرات الهوى المُردِيَة ودواعيه المُغوِيَة، وآفاته المُهلِكة وسمومه الفاتِكة.
إنّ التقوى تقومُ على المعرفة والمحبة، وبالتّمكُّن فيهما يرسخُ القدم في التّقوى وتضمحِلُّ شؤون الأهواء المُردِيَة، ولا تقوى المعرفة ولا المحبة إلا بكثرة الذكر وصفاء الفكر، ومجالسة أهل التُّقى، وموالاة الحق ورسوله والمؤمنين.
بالأهواء تصدُر أكثر اتجاهات وقرارات مَن على ظهر الأرض، (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)، فتنتهي تبجُّحاتِهم وتظاهُراتهم بالبغي والعدوان والظلم، والسفك للدماء وانتهاك الحقوق، والخروج عن القِيَم بل عن الإنسانية كلها.
هذه نتائج جميع الفئات والهيئات والدول التي انقَطعت عن الله وتحكَّم فيها الهوى، فغَلبها عدوّها الخبيث الرجيم، وحاد بها إلى الفعل الذميم والوصف الذميم والمسلك الوخيم.
اجعل اللهم هوانا تَبَعاً لما جاء به حبيبك ﷺ، وتولّنا في جميع شؤوننا ولايةً يحصل لنا بها رضوانك وتقريبك، ثَبِّتنا على ما تُحِب واجعلنا فيمن تُحِب، واجعل لنا من محبتك ومحبة رسولك ما يضمحِلُّ أمامها كل هوى، وتستقيم قلوبنا وأقدامنا على منهج الهُدى والسواء في السر والنجوى.
يارب بارك في أعمارنا وارزُقنا الغَلبة على أهوائنا وشهواتنا: حتى يكون هوانا ومُشتهانا قُربك، حتى يكون هوانا ومُشتهانا حُبك، وحتى يكون هوانا ومُشتهانا مُرافقة حبيبك.
يارب مَكِّنّا في الارتقاء في هذه المقامات الشريفة، ونَيل هذه الأحوال المُنيفة.
اللهم لا تُسَلِّط علينا الهوى ولا النفس الأمّارة ولا الدنيا الغرّارة، ولا أحداً من شياطين الإنس والجن، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به نبيك في كل ظاهر وباطن.
____
خطبة مكتوبة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ بعنوان: خطر الهوى في مسالك الأفراد والأمم وسوء عاقبته وسبيل التخلص منه وشرف التغلب عليه
في جامع الروضة، بحارة الروضة بعيديد، مدينة تريم، 27 جمادى الأولى 1446هـ
لقراءة الخطبة كاملة:
لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf):
16 جمادى الآخر 1446