(228)
(536)
(574)
(311)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمسلمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعد نقدم لكم كلمةَ شهر ربيع الثاني للعام 1445 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وهي مِن كلمة ألقيت في رباط المصطفى بالشحر ظهر يوم الإثنين 15 ربيع الثاني 1445هـ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله على إقامةِ الصِّلات التي تربطُ أهلَ الأرض بأهلِ السماء، وتربط مصالحَ وخيراتِ الدنيا بخيراتِ البرزخ وخيرات الآخرة، وهذه ميزةُ المؤمنين عن مَن سواهم على ظهر الأرض. فإنَّ اللهَ حصر مَن لا يؤمن بالدار الآخرة بهذه المادَّة وهذه الحياة القصيرة، الحياة التي لا يمكن أن تصفوَ لأحد، وأعلى ما يوجد فيها مِن الصفاء ما يجدُه أهلُ القلوب المطمئنَّة بذكرِ الله، وأهلِ الصلاتِ بالخالق ومعرفةِ هذا الخالقِ والاستعدادِ للقائه، هذا أعلى ما يمكن أن يُتَحصَّل عليه، أما مسارُ الحياة فلا يمكن في دولة صغيرة ولا كبيرة ولا تحت أي نظام مِن الأنظمة كائناً ما كان، ولا أي قانون من القوانين أن ينتزع عن الناس في هذه الحياة آفاتٍ فيها ومحذورات ومصائب وأمراض.
وأنتم في هذا العصر تجدون، حتى أنَّ أخطرَ أمراض العصر تنشأ وتبدأ وتنتشر في بلدان التقدُّم والتطوُّر وفي بلدان أخذِ الاحتياط والحذر، وفي بلدان ادِّعاء الحضارة، وما إلى ذلك، ونصيبُهم مِن الأمراض أكثر، ونصيبُهم إلى اليوم مِن الانتحار أكثر مِن بقية دول العالم، ونسبة الانتحار عندهم كثيرة وكبيرة، ونسبة الحوادث والإصابات فيها كثيرة، وإن أُريد كتمُ مثل هذا.
ولكن هذا هو الواقع والذي يدركه العقلاء على ظهر هذه الأرض، فإن كان مِن صفاءٍ على ظهر هذه الأرض ففي الصلِّة بعالم السرِّ وأخفى جل جلاله، وبالقيام بأمرِه على ظهر الأرض، وهو سرُّ الخلافة عن الله سبحانه وتعالى، وإلا فهُمْ تحت دائرة (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:141]. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [ آل عمران:140] يظهر الفرق بين المؤمن وغيره، ويظهر علمُ الله تبارك وتعالى في أن هذا المؤمن يثبُت في الأحداث وفي الشدائد وفي تقلُّبات الأطوار، لا يتغير في أدبِه مع الله، لا يتغيَّر في ثقته بالله، لا يتغيَّر في تطبيقِه لشرعِ الله، لا يتشكَّك أنَّ الخيرَ فيما أنزل اللهُ، وأرسل به نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ويجب أن يثبت على هذا المعنى، وإلَّا فالأمر كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون) [البقرة:155-157] .
وأما ما يصيبُ الآخرِين مِن الكفار والغافلين عن الله والفسَّاق والذين كتب اللهُ موتَ أحدِهم على الكفر بعد بلوغِ الرسالة له وإبائه أن يقبلَها؛ فما يصيبهم سواءً مِن فقر أو مِن مرض أو مِن حوادث أو مِن كوارث أو مِن حروب مقدِّمة لعذابٍ شديد، مقدِّمة لعذاب الآخرة، عذاب مُعجَّل في الدنيا، ولَعذابُ الأخرة أشق. فهذا حقيقةُ حالِهم، وحقيقة مآلِهم بعد ذلك (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُم) [محمد:12].
فالحمد لله على نعمةِ الإسلام، والحمد لله على نعمةِ ارتباطِنا بخاتم الرسلِ الكرام خيرِ الأنام، نبيه سيدنا محمد ﷺ، الّذي بسرِّ نورِه قامت قائمةُ الإسلام، وقائمة الشهادتين، وقائمة الشرع المصون، وقامت بذلك ظهور الأكابر من الصالحين والعارفين والأخلاق والتربية الفاضلة، الذين أشرقت فيهم أنوارُ لا إلٰه إلا الله محمدٌ رسول الله، وأدركوا مقصودَ الحياة والخلق فيها، وأن المَقصودَ من هذا العُمر القَصير الاستِعداد للقاء الخالق والتزوُّد لدارِ البقاء والدوام وعِمارَتها من خلال أيام هذه الأرض، فأهل هذا الإدراك وَحدَهُم هم الذين يوقنون بالآخِرةَ، ويفوزون في الآخِرَة؛ وما سِوى ذلك قال الله عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل:4] فهم في العَمَه وإن سمُّوا أعمالَهم حضارة ، وهم في العَمَه وإن سمُّوها نِظاما، وهم في العَمَه وإن سمُّوها تقدُّما.
ومع ذلك فالخير لا يزال بفضل الله في هذه الأمة، وكُلُّ عَاقِل فينا يحمدُ اللهَ على هذه النعمةِ، ويُسْهِم بما استطاع من تقديم أي خدمة، فيسهمُ صاحبُ العِلْمِ بعِلمِه، وصاحب الفِكْر بفِكره، وصاحب المَسؤولية بمسؤوليته، وصاحبُ المال بمالِه، وصاحب القُوّة بِقُوَّته، وكلُّ ذي قُدرة يجب أن يُسهمَ في نُصرةِ الله ورسوله وإقامةِ الخير في مُجتمعِه وفي بلدِه، فهذه غنيمةُ الحياة، وهذه المكاسِبُ التي يكسبُها الناس ويُقدِّمونها للدَّارِ الآخرة في هذا المنهجِ القَوِيم، الذي تُوُورِثَ عن الرسولِ الهادي إلى الصِّراط المُستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، المنهج الذي يحمِلُ المحبّة والمودة والصّفاء والنقاء والأخلاقَ الكريمة التي بُعِثَ بها صاحب الخُلُق العظيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والمَفْهوم في الكتاب والسنة التي تقومُ على وَعْيٍ وعلى سَند إلى الحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فما أجملَ هذا الدين وما أبهاه.
وإن أراد أعداءُ الله أن يُشوّهُوا صورتَه، وساهمَ معهم في ذلك الفاسقون مِن المسلمين، والذين أيضًا يتصوَّرون عن الدّين ما ليس مِنه، من أنواع أهل الضِّيق في الفكر والضِّيق في الأفُق وأهلُ التشدُّد وأهل المفاهيم الخارجة عن السَّند، وعن الاتّصال بالحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، كلُّ هؤلاء يُشوِّهون وجهَ الدّين؛ ولكنَّ وجهَ دينِ الله أكْرَمُ مِن أن ينالَه أحد؛ سواءً الكفّار أو الفُجَّار أو الفُسَّاق أو المُبتَدِعُون الغافلون مِن المسلمين المُنحَرِفُون عن منهج الهُدى والسُّنة، كلُّهم لا يستطيعون أن يصِلُوا إلى تَغْيير حَقيقة هذا الدِّين أو إلى تَشويهِه، وإنَّما في مَدى مُعيَّن يُضِلُّ به مَن يَضِلّ، أشَدُّ ما يكون حال الدجَّال الذي يحرِف النَّاس ويصرِفهُم عن دين الله؛ ولكن لا تنقضي أيَّام إلا ويخرج عيسى بن مريم، وإذا رآه الدّجال ذابَ كما يَذوبُ المِلح في الماء، وقَتَلُه وانتهت فِتْنتُه (ويأبَى اللهُ إلا أن يُتِمَّ نورَه )
نسأل اللهَ أن يجعلَنا مِن أنصارِه وأنصار رسوله وأنصار دينِه، ويُبارِك في القائمين، ويُبارِك في المُساعِدين، وفي المُساهمِين، ويجعلنا مُتعاوِنين على هذه الخيرات التي بها خَيرُ الدّارين وسعادةُ الدّارين وشرفُ الدُّنيا والآخرة.
فيا ربّ ثبّتْنا على الحقّ والهُدى، واجْزِ عنّا بالخير مَن مَضى وتقدَّم على التقوى والاستقامة والسَّند إلى نبيك محمد ﷺ وسلِّمْنا من مُوجِبات الحَسْرَة والنَّدامة في الدُّنيا والقِيامة، يا مُجيبَ الدَّعوات ويا قاضِيَ الحاجات، وعجِّل اللهم بنجاةِ وحِفظِ وحِراسةِ المسلمين في غَزَّة وفي فِلسطين، اللهم فرِّج كروبَهم، ورُدَّ عنهم كيدَ أعدائك وأعدائهم وأعداء البشرية وأعداء الدّين مِن الظالمين والغاصبين والذين يقتلون الأطفالَ والنساء والأبرياء والعُزَّل، ويهجِّرون النّاس، ويريدون تهجيرَ إخوانَنا المسلمين مِن أوطَانِهم وديارِهم وإخراجِهم بغيرِ حق، اللهم رُدَّ كيدَ أولئك الكفرة ومَن وَالاهم في نُحورِهم، وادفع عنّا وعن المسلمين جميعَ شرورِهم، وارحمنا اللهم بالصالحين فينا، وارحمنا بهذه الدماءِ التي أُزْهِقت مِن كبار وصغار ورجال ونساء وأطفال، اللهم ارحمنا مِن عندك برحمةٍ تقينا بها شرَّ عُدوان الفاجر والكافر والغادِر، وحوِّل الأحوالَ إلى أحسنِها في الباطن والظَّاهر. يا أرحم الراحمين.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.
22 ربيع الثاني 1445
13 ربيع الأول 1445
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا...
07 رَجب 1444
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبدِه الأمين، سيدِنا محمد وعلى...