(575)
(536)
(235)
الحبيب عمر بن حفيظ: أنا أغبط خواص من الأمة عند سجدته ﷺ في المقام المحمود يسمعون محامده التي يحمد بها ربه، ما أجل قدرهم وما أعظم شأنهم وما أرفع مكانهم! ونِعمَ القوم هم، لكن صارت عندنا قلوب تتنافس على الألعاب وتتنافس على المظاهر والدنيا وشيء من تُرّهاتها وبطالاتها..
الفوارق في هذه الحياة بين المؤمنين على اختلاف درجاتهم في الإيمان؛ حُسن تلبيتهم لنداء الرحمن، ودعوته التي أبرزها على ألسُن أنبيائه الذين خُتِموا بمن أنزل عليه القرآن ﷺ؛ إصغاؤهم واستجابتهم وتلبيتهم لهذا النداء في شؤون بواطنهم وظواهرهم هو الفارق بينهم وبين من كفر، وبين من أدبر، وبين من استكبر.
(وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) زِدنا إيمانًا واغمسنا في رحمتك يا رحمن، وكلما زاد الإيمان انغمست في الرحمة، ورحمة الرحمن رحمة ما فوقها رحمة، فيها كل النعمة، تُرقِّي إلى أعلى القمة، تُعطيك أعظم الهِمّة، تجمع لك الخيرات من كل جانب مما لا ينتهي إليه أمل آمِل، ولا يصله رجاء راجٍ، ولا ينتهي إليه طمع طامع.
تجيء بالصدق وهذه النبوة أمامك والرسالة، وهذه الألوهية أمامك والربوبية، وهذا الوصول إليها، تعال بالصدق! أقبِل بالصدق على الله الذي في يوم حُكمه ما ينفع إلا الصدق (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)، وعلى قدر تلبيتهم لهذا النداء كان لهم الهُدى، وهذه التلبية يحتويها صفاء الباطن وحُسن الاقتداء
كُلٌّ على قدر الصفاء والاقتداء ** نال الهُدى في أحسنِ استقبالِ
هذه المجالس عملها في القلوب لتقوى تلبيتها، لتقوى إجابتها للنداء الأعلى الأعظم، (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) ونحن نقول لقلوبنا: أجيبي داعي الله، نقول لنفوسنا: أجيبي داعي الله، نقول لأرواحنا: أجيبي داعي الله، ومن داعي الله؟ محمد بن عبد الله ﷺ! هذا نداؤه العذب تُدركهُ القلوب والأرواح، وهذا النداء إذا سمعته روحك تحِن! وكيف ما تحن وبه تطمئن؟ وكيف ما تحن وفيه نور الربوبية والألوهية؟ ليدلك على إلهك وخالقك (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
يجب أن ننجح ونفلح بالمحبة الصادقة وحسن تلبية النداء، فإن مشكلاتنا سواء كانت في أرباب المِهن أو الحِرف أو السياسات، أو ظاهر العلم أو ظاهر العبادة، استجابة لنداء سُفلي، استجابة لنداء ظُلماني، استجابة لنداء إبليس وجنده، دخل علينا ولبّوه كثير من أبنائنا وبناتنا، والله يُنقذهم، والله يُخلِّصهم!
قال ﷺ "فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، فإني منتظركم" فإني منتظركم! يعني يا أمتي، يا من يستمع تربيتي، تسامح بشيء من حقوقك وبشيء مما يكون لك فيه الحق؛ مِن أجل أن لا تتأخر عن رَكبي، من أجل أن لا تُقطَع عن جنابي، من أجل أن تُحضَر إلي وترافقني في المواقف الكريمة.
بعض أمته ﷺ بلا عذاب ولا عتاب ولا حساب، بجنبه وعنده في المواقف كلها في القيامة، وأنا أغبط خواص من الأمة عند سجدته في المقام المحمود يسمعون محامده التي يحمد بها ربه، ما أجل قدرهم وما أعظم شأنهم وما أرفع مكانهم! ونِعمَ القوم هم، لكن صارت عندنا قلوب تتنافس على الألعاب، وتتنافس على المظاهر والدنيا وشيء من تُرّهاتها وبطالاتها..
اعزموا العزائم الصادقة في أن تُلَبّوا نداء المصطفى ﷺ في أحوالكم وشؤونكم كلها، وتُحكِّموه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)؛ حَكِّم حبيب الله في شهواتك، حَكِّم حبيب الله في تراتيبك التي تعملها في الخلوة، حَكِّم حبيب الله في كيفية استعمالك للجوال! يا شاب يا شابة، يا صغير يا كبير: النداء وصلكم والمنادي أمامكم، إن أردتم تلقونه، إن أردتم ترونه، إن أردتم ترافقونه!
الله يبارك لنا في القلوب الصادقة المخلصة، كم من ناصر لرسول الله ﷺ معدود في هذا المجمع من الظافرين بأكبر نصيب فيه وهو من حيث المسافة بعيد، ما هو عندكم هنا، لكن لهم قلوب، لكن لهم صدق مع علام الغيوب، لكن لهم تنزُّه عن العيوب؛ بذلك كسبوا الربح الكبير!
الله لا يحرم أحدًا من أهل الجمع ولا مِمن في ديارهم، ولا من يسمعنا ولا يشاهدنا في شرق الأرض وغربها، ويجعل بسرِّ هذه التلبيات لندائه رفعًا للبلاء عن أمة الحبيب ﷺ، ما أصابنا ما أصابنا إلا لما أجبنا نداء أعدائه سبحانه وتعالى في كثير من أحوالنا.
مهما اشتدّت فوراءها فرج ووراءها مخرج، و (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، كله في ندائه موجود، استجِب ولبِّ وسيُطَيِّبك ويشرح صدرك؛ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)، ويُصغِّر لك مصائب الدنيا كلها حتى تصير أحقر من الذرَّة أمامك، ويُعظِم لك من عنده الأجور وأنواع الخيور، والقرب مع أهل النور، والعطاء الموفور، ويجعل السعي مشكور والعمل مبرور، والعاقبة مع بدر البدور ﷺ.
يا ناظرًا إلى القلوب إليك نتوب، من جميع ما كان منا من الأوزار والسيئات والخطايا والذنوب، فَتُب علينا توبة نصوحًا، وعلى كُل فرد من أهلينا وذَوينا وأهل بيوتنا ومن يسمعنا ويشاهدنا، اللهم اجعل الجميع في دوائر التوبة المقبولة لديك، التوبة الخلصاء الصالحة النصوح، وزكِّ بها منا كل قلب وجسم وروح، تُب علينا يا تواب وافتح لنا الباب، وأعِد علينا عوائد الارتباط بعالي الجناب، بِحبال الاتصال الأطياب، من أهل حضرة الاقتراب، مِمّن عن حبيبك ناب.
لمواصلة القراءة:
https://omr.to/mawlid46-2
30 ربيع الأول 1446
23 جمادى الأول 1446
اختتام شرح كتاب "إتحاف السائل" للإمام الحداد، في الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار لعام...
21 جمادى الأول 1446
بحمد الله عز وجل ورعايته وتوفيقه وصل العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ إلى مدينة تريم، بوادي حضرموت...