شرح عقيدة أهل السنة والجماعة -6- الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

شرح عقيدة أهل الإسلام-6- الإيمان بالملائكة والكتب والرسل
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.

نص الدرس مكتوب:

وأنه تعالى حكيم في فعله، عدل في قضائه، لا يُتصور منه ظلم ولا جور، ولا يجب عليه لأحد حق، ولو أنه سبحانه وتعالى أهلك جميع خلقه في طرفة عينٍ لم يكن بذلك جائراً عليهم ولا ظالماً لهم  فإنه ملكه وعبيده، وله أن يفعل في ملكه ما يشاء، وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ، يثيب عباده على الطاعات فضلاً وكرمًا، ويعاقبهم على المعاصي حكمةً وعدلاً، وأن طاعته واجبةُ على عباده، بإيجابه على ألسنة أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام. 

ونؤمن بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله اللّه، وبملائكة الله، وبالقدر خيره وشره، ونشهد أن محمداً، عبد الله ورسوله، أرسله إلى الجن والإنس، والعرب والعجم، بالهدى ودين الحق؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وأنه بلغ الرسالة، وأدي الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة؛ وجاهد في الله حق جهاده؛ وأنه صادق أمين، مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة، وان الله فرض على العباد تصديقية وطاعته واتباعه؛ وأنه لا يقبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه حتى يؤمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وبجميع ما جاء به وأخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة والبرزخ.

 

الحمد لله مكرمنا بأنوار الهداية، وبالدلالة التامة منه على يد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم المبلِّغة لمن اتبعها إلى أقصى غاية، من كل خير في الدنيا وفي الآخرة؛ فضلاً منه وهو مسبغ النعم الباطنة والظاهرة، ونسأله أن يديم الصلاة على دالِّنا عليه و مرشدنا إليه حبيبنا المصطفى محمد وأن يصلي معه على آله وأصحابه أهل المنهج الأرشد، وعلى من تبعهم بإحسان وإخلاص نية و صحة مقصد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل الفخر الأمجد، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم غد وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين الواحد الأحد.   

وقد حدثنا الشيخ عن صفات الله تعالى و أسمائه كما نطق بها القرآن وجاءت بها السنة المطهرة. وأخبرنا بحكمتهِ في فعله بحيث أنه عند اتساع الفهم والإدراك والمعرفة والنظر ولو بالمقدار المؤتى للناس أنفسهم والأنس والجن، إذا كُشف لهم عن حقائق دقة الصناعة والإتقان في الحاصل؛ لأيقنوا أنه الأتم الأكمل ( أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) [السجدة:7]، ففي هذا كان يقول سيدنا /على بن أبى طالب: «لو كشف الغطاء ما اخترتم إلا الواقع»؛ أي أن الله مدبر الأمر والكون، وليس أحد أحسن منه تدبيرا، فالأمر الواقع بتدبيره؛ هو الأعظم الأجل الأكرم الأحسن الأفضل الأتقن، ومن أحسن من الله خلقًا، ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا ) [المائدة:50]، ومن أحسن من الله قضاءً، ومن أحسن من الله قدرًا ، ومن أحسن من الله تدبيرا  جل جلاله وتعالى في علاه.

ويُذكر أن بعض الأنبياء في بيان بعض هذه الحقيقة، سأل ربه أن يرى وجهًا من أوجه العدل للرحمن في واقع حياة الناس في الدنيا ، فقيل: «اذهب وانظر من بعيد إلى النهر الفلاني وانظر ماذا يحدث فيه ولا تحدث شيء ولا تتكلم» فذهب وبقي ينظر إلى النهر، وإذا برجل شاب يأتي على فرس له، ويضع صُرَّة فيها دنانير، ويخفف ثيابه فيغتسل في النهر، ثم يركب الفرس ويمضى وينسى الصُّرة، وهذا مأمور من الله ما يتكلم، يرقب فقط وما يتكلم، ينظر وإذا بشاب آخر جاء وجد الصرَّة فأخذها وذهب، مأمور ما يتكلم، ينظر وإذا بشائب جاء، فخفف ثيابه وأخذ يغتسل في النهر، فإذا بصاحب الصرة يُقبل على فرس ويخاطب الشائب: أين صرتي؟ قال: ما رأيت صرة ولا شيء، جئت الآن اغتسلت ما رأيت شيء! قال: خبأتها تسرقها، لابد تجيب صرتي الآن، قال: ما عندي صرَّة، قتله!!  .. قال: يا رب قلت لك أن تريني مظهر عدلك، فرأيت واحد يُسرق وواحد ثاني يُقتل، وهذا يُقتل بغير حق، وذلك يُسرق بغير حق، كيف هذا؟!  فأوحى الله إليه: «إن هذا صاحب الفرس قد سرق في سنة كذا أبوه، دنانير، على أبي الشاب الثاني الذي بمقدار نفس الدنانير التي في الصرَّة، ولم يعلم به أحد من الناس، واليوم مكنتُ وارث المسروق أن يأخذ مقدار سرقته من ذلك»، عجب! .. قال: و الثاني يا رب؟ قال: وإن والد صاحب الفرس كان قد اغتال ـ الشائب هذا الذي وجده اغتال ـ والد صاحب الفرس خفية، وما عرف الناس من قتله؟! وهو قبل مدة سنين قتله، فاليوم مكنت الولد عندما كبر أن يقتص لأبيه فقتله-قاتل أبيه-. قال: سبحانك!! من يرى الامور من غير أن يعرف الحقيقة يستغرب!! ويقول ما هذا الحاصل؟؟ ومن انكشف عنه الستارة وجده أمر عظيم، لهذا يقول: «أبدع ما في الإمكان هو الذي كان»، سبحان الله، الله يرزقنا الأدب معه، شؤون الربوبية والألوهية فوق عقول الخلائق، ( وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ) [الرعد:8]، ( وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) [الفرقان:2].

وفي التذكير ببعض لفت النظر إلى الحكمة وإدراك المنة والنعمة ولو عند الشدائد، يقول بعض المتربين على أيدي الشيوخ الصالحين: كلما شكوتُ إليه أمرا حصل بي، يقول لي:  اشكر الله، وأنا أمتثل وأشكر الله حتى حُبست، وقعتُ في الحبس من غير حق، فبعثت إليه، فبعث لي أن اشكر الله، حبسوا واحد مجوسي معي ثم قيدوا رجلي برجل المجوسي بقيد واحد، فجعل إذا أراد أن يقضىي حاجته أو أنا أقضي حاجتي، يمشى أحدنا مع الثاني ورجلانا مربوطين مع بعض، فكتبت إليه أشكو له هذا الحال الذي وصلت إليه، فبعث إليَّ: أن أشكر الله تعالى، فكتبتُ يا شيخ كلما قلتُ لك شيء قلتَ لي اشكر الله إلى أن ربطوا رجلي برجل المجوسي وتأمرني بالشكر ماهذا الشكر؟!  على ماذا؟!  فكتب إليه الشيخ: لو حُوِّل الزنّار الذي فيه وأصبحت أنت مجوسي بعد ما تكون مسلم لعرفت على ماذا تشكر الله. تُصبح وتُمسي مسلم وإن كنت مقيد مأجور، ولك وراء هذا خيور ودرجات رفيعة  وأنت مسلم احمد ربك، وإلّا تريد أن تحلَّ محله، يخرج القيد منك وترجع إلى مجوسي مثله؟ المجوسي ليس مثلك لا له أجر ولا له ثواب ولا له جنة و محبوس مثلك، و أنت محبوس ولك الثواب و لك الأجر، اشكر الله، قال: فتوقف، وقال: صدقت الحمدلله

و هكذا و كان الآخر يجيء عند الشيخ له من المربين الصالحين، وكلما أصابه شيء يقول له: فيه صالح، قد يظهر له بعد ذلك وبعد مدة أنه بواسطة ذاك الأمر اندفع شر أكبر أو حصل له فائدة، قال: الحمد لله، فيه صالح، إلى أن اعتدى في يوم أحد على عينه ولطمه فأعور عينه، فجاء عند الشيخ وقال: فيه صالح، قال: يا شيخ حتى إخراج عيني فيه صالح؟ فيه صالح أبقى على عين واحدة؟! قال: لا تدري بحكمة الله فيه صالح، قال كذا وهو متعجب من كلام الشيخ!! . وقع في أيدي ناس يأخذون الناس يأسرونهم ويربونهم ويسمنونهم ثم يستخرجون الدم منهم، يعلقونهم بأرجلهم ويحلقون رؤوسهم ليخرجون الدم منهم، ووقع في أيديهم، قال: لاحول ولاقوة الابالله، لو كلمنا الشيخ بيقول فيه صالح!! واصلوا وأعطوهم التغذية و الطعام مثل الجماعة الذين أمسكوهم معه، جاء وقت استخراج الدم منهم، وتعليقهم وقتلهم خلاص، ويعرضونهم على الطبيب، فطبيبهم رآه، قال: هذا بسبب عينه حصل عنده فساد في دمه ما يصلح، فقال: براءة اذهب،  وراح يقصد الشيخ فقال: فيه صالح، فيه صالح، لو ما هذه الإصابة في عيني كان خلاص صرتُ في الآخرة، أي مُت، أو قد قتلني الجماعة قتلة شنيعة، يفرقون الرأس و ينشفون الدم؛  ولله حكمة في كل شيء، فمن أنت ؟!و من عقلك؟! وما تفكيرك؟ فسلِّم : 

فَوِّضْ لُه أمورك، واحْسِنْ فِى الظُّنُونْ 

قال سبحانه وتعالى: ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) [المزمل:9]، وكِّلهُ في أمورك، هو أعلم بمصالحك منك، وأعلم بالعاجل والآجل والظاهر والباطن والقريب والبعيد والحس والمعنى والدنيا؛ هو أعلم، الملك ملكه وهو أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها. ويُذكر أنه في بعض الغزوات فقدتْ بعض النساء طفلها في أثناء الحرب، ثم وجده بعض الصحابة و من خلال التعليم الذي تلقاه من النبي ﷺ احتفظ به ومسك الطفل ورفعه في مكان حصين و حافظ عليه، انتبه منه حتى انتهت المعركة، استقر الناس خرج يقول يصيح: ألهذا الطفل أم فيكم؟ فإنه يكاد يموت من الجوع يحتاج الى رضاع، وأمه هناك كشفت الخيمة فرأته وذهبت تجري، تجري، تجري نحوه وضمته الى صدرها وهي تبكي و ألقمته ثديها، وبكى الصحابة من الموقف، قال: مما تبكون؟ قالوا: من رحمة هذه بولدها يا رسول الله، قال: أرأيتم هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا:لا والله يا رسول الله، قال: والله «لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا». فيا أرحم الراحمين ارحمنا في الدنيا والاخرة برحمتك الواسعة.

لكن تجد أنت في حكمة واحد أعقل منك وأفضل منك، و أحيانا من رحمته يُكلفك تكليف و يأمرك بشيء يشق عليك؛ لأنه يعرف المصلحة الكبيرة في هذا، وتكتشفها بعد، وكما يرغمون الطفل ليروح الى المدرسة ويرغبونه و يقولون له: لابد، ويرى أنهم يقسون عليه، وهذا فيه مصلحة له وفيه فائدة له من بعد، يريد يلعب بالنار يمنعوه، يقول ما هذا؟ أمي تحرمني وتمنعني من اللعب هذه ما تحبني!! بل من محبتها منعتك من هذا.  إذا كان هكذا، فكذلك أفعال الله  وتدابيره في الكون والوجود، وما ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) [البقرة:216]، فهو (( حكيم في فعله عدل في قضائه )). اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر على ذلك، بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، بسم الله ما شاء الله وما بكم من نعمة فمن الله، بسم الله ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، به احتمينا وبه تحصنا وله طلبنا ولما عنده تأملنا فسألناه أن يتولانا بما هو أهله في جميع شؤوننا وأحوالنا في الدنيا والبرزخ والآخرة.

فَوِّضْ لُه أُمُرَكْ، واحْسِنْ فِى الظُّنُونْ              

لاَ يَكْثُرُ هَمُّكْ مَاقُدِّرْ يَكْونْ 

ثم ذكَّرنا بوجوب الطاعة بواسطة بعثة الرسل، فالتكليف إنما يكون لمن بلغته الدعوة، فالإنسان إذا كان سميعًا بصيرًا أو أحدهما، ثم بلغ حد البلوغ وبلغته الدعوة صار مكلفًا. فالبلوغ وسلامة الحواس وبلوغ الدعوة والعقل، أربعة قيود يكون بها الإنسان مكلفا؛ فالمكلَّف هو: البالغ، العاقل، سليم الحواس يعنى ليس أصم أعمى، فمن خُلِق أصم أعمى ما تبلغه الدعوة، لكن لو فرضنا اُكتشفت طريقه لتعليم هذا وما قدر أن يعلم، تبلغه الدعوة؛ دخل في التكليف، كذلك بقصد بلوغ الدعوة فإذا بلغته الدعوة صار مكلفا، قال تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ) [الإسراء:15]. 

ومع الضجة الحاصلة في العالم فهناك ألوف بل ملايين موجودين في العالم لا يعرفون عن هذا الإسلام وعن رسوله ﷺ  معرفة صحيحة قط، ما أحد بلغَّهم إياه؛ التقصير حاصل في المسلمين، ما أوتي المسلمون من إمكانيات ووسائل كفيلة لأن تبلغ الدعوة إلي العالم كله وإلى هؤلاء الأصناف، لكن ما يحسنون استخدامها في مكانها، المشغولة من وسائلنا في الألعاب والرقص والمصارعة كثيرة هائلة، لكن تبليغ الدعوة ومن هو رسول الله ما قاموا به، ولا قاموا به على وجهه وحقه، وكم من ناس عندهم إسهامات ومشاركات في وسائل إعلامية في مختلف دول العالم، لكن ليس منها شيء لتبليغ الدعوة أصلًا، ولا لذكر الرسول ولا لذكر الآخرة، وكم عندهم من انفاقات وتبرعات حتى لدول الكفر، ولكن لا يوجد تبرع لنشر وتعريف عن رسول الله، ولا عن الشريعة التي جاء بها ولا عن حقائق الإسلام؛ فهذا تقصير كبير عند المسلمين، فالآن يعيشون بيننا ملايين ما عندهم تصوُّر عن رسول الله، وما جاء به هذا الدين أصلاً أو نتف من هنا ومن هناك مشوهة ما تهديهم إلى حقيقة ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، فالله يوقظ قلوب المسلمين وعقولهم ليؤدوا واجبهم وهمتهم. 

كان بعض الصحابة يقطع على بعض البحور يقول: لو أعلم أن وراء هذا البحر أحد يبلغ الدعوة لركبت حتى أبلغه، لهذا تجد أصحابه فين؟ ما استقروا في أماكنهم، نحو مائة وستين ألف الموجودين عند وفاته مفرقين، أحد قبره في سمرقند، وأحد قبره في المغرب، وأحد قبره في الجزائر، وأحد قبره في الشام، وأحد قبره في مصر،صحابة، لا توجد وسائل تنقل تلك الأيام مثل هذا، وهم مفرَّقة قبورهم في العالم، لهمِّ التبليغ، لهمِّ الدعوة، لهمِّ إيصال الرسالة، سقاهم بذلك  وقاموا بحق الواجب. واليوم إمكانياتنا كثيرة ووسائلنا كثيرة ما قمنا بحق الدعوة إلى الله تعالى، الله يحيي قلوب المسلمين ويوفقهم للقيام بواجبهم لإنقاذ البشر.

(( الإيمان بالكتب وبالرسل وبالقدر خيره وشره ))، فالإيمان بكتب الله تبارك وتعالى المنزلة من السماء، وهي كل كتاب أنزله الله، ما نقدر أن نحصيها، كثيرة كتب على الأنبياء كثيرين، اكتفى الحق منا أن نؤمن بها إجمالا، بأن نعتقد و نجزم أن كل كتاب أنزله على أي نبي من أنبيائه فهو حق وصدق، وهو من كلام الله؛ هذا نؤمن به، لكن نعرف أسماء أربعة ذكرها الله لنا في كتابه: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن

أما القرآن فبحمد الله حافظه لنا وتكفل بحفظه وهو قائم وموجود بالألفاظ التي نطق بها رسول الله ، حتى في الكلمة الواحدة كان ينطق باللفظ بهذا الوجه والوجه الثاني والوجه الثالث؛ حفظ الأول والثاني والثالث، في أي كلمة، في المد؛ قِصره ورفعه، وفي طريقة الحدر أوالترتيل أوالتدوير؛ كلها حُفظت عنه، وجميع ما بلَّغه من الكتاب تُلُقي عنه، وحُفظ إلى وقتنا هذا، فما يستطيع أحد شرق وغرب يزيد همزة ولا نقطة ولا فتحة ولا كسرة على غير ما جاء عن رسول الله ﷺ؛ حفظًا من الله لكتابه، الحمدلله ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [الحجر:9]. وحاولوا ساعة يطبعوا طبعة .. وتنكشف وتفتضح وتوضح، القرآن فوق فوق، عظمة وآية باهرة ( وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [الروم:6]، ( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) [يوسف:105]، قل هاتوا لنا كتاب مثل هذا الكتاب في الشرق والغرب!!  تفضلوا هاتوا،  ما في!!  معجزة لمحمد يُتحدى بها الموجودين في الشرق والغرب، هاتوا شيء مثل هذا الكتاب!! هاتوا بأي لغة منسوب إلى دين والى غير دين!!  هاتوا!!  هاتوا قارنوا به!!  ولا واحد، ولا شيء، آية من الآيات!! ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ) [الإسراء:88]، قل: إنس وأنتم والجن تساعدوا وتعاونوا!! ( وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) [الإسراء:88]، ما هذا التحدي القائم؟!  و إلى الآن قائم، ولكن مايبغى!! آيات يعرض عنها، ولكن آيات الله قائمة.

وكذلك ذكر لنا الرسل صلوات الله وسلامه عليهم  ومن هنا يذكر أهل علم التوحيد، هذا القسم الثاني من علم التوحيد، قسم النبوات إلهيات والنبويات ثم السمعيات، فمن النبويات: يذكرون أخبار الرسل والصفات الواجبة في حقهم من الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة، فما يكون نبي إلا صادق أمين فطن يقيم الحجة والبرهان ويعرف يرد على من يحاوره أو يكلمه أو يخاطبه ويبين لهم مبلغًا ما أمره الله بتبليغه، والأمانة في حق الرسل عصمتهم من فعل المكروهات والمحرمات ظاهرا وباطنا هذه الأمانة، وصدقهم على وجه الخصوص في الحديث؛ فهم أصدق الخلق وأصدق الخلق رسل الله، أصدقهم قولاً وفعلاً وحالاً ساداتنا المرسلون باختيار الرحمن لهم، ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) [الحج:75]، اصطفاهم، ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام:124]، ينبئ من؟ ويبعث من؟ سبحانه وتعالى.

فهؤلاء الأنبياء والمرسلين نؤمن بهم كلهم: أنهم صادقون وأنهم بلغوا ما أمرهم الله بتبليغه وأن كل منهم فطن ذو ذكاء ونباهة وعقل واسع كبير صلوات الله وسلامه عليهم، مع أن كل نبي وكل رسول ما يكون إلا ذكر إنسان ذكر حر سليم عن منفرات الطباع وعن دناءة الأب وعن فحش في أُمهِ؛ فهم منزهون عن هذا كله، ثم هم بشر، الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم جائزة عليهم: نوم ويقظة وأكل وشرب حر وبرد وبكاء وضحك وفرح وحزن و مرض وصحة؛ هذه جائزة عليهم. نعم ما كان من الأمراض مُنفِّر للناس مثل العمى مستحيل على الأنبياء. تقول كيف سيدنا/ يعقوب (فَارْتَدَّ بَصِيرًا)؟ [يوسف:96]، ( فَارْتَدَّ بَصِيرًا ) لم يكن أعمى، هذا العمى ولكن ( ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الحُزْنِ فَهْوَ كَظِيمٌ ) [يوسف:84]، فعلاه البياض، فلما وضع قميص يوسف على وجهه إرتد بصيرا، فلم يكن كنوعية العمى الواقع بالناس، كذلك ما يكون من جذام و من برص تنفر منه الطباع ما يكون في الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. بخلاف الأمراض الأخرى قال  في الحمى: « إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلانِ منكم» مثل الحمى لاثنين منكم تجي له، قال بعضهم :يا رسول الله «ذلكَ أنَّ لكَ أَجْرَيْنِ»؟ قال: «أَجَلْ» صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولهذا لما قالت السيدة عائشة: «وارَأْسَاه»، قال: «بل أنا يا عائشةُ وارَأْسَاه» رأسي أنا فيه صداع ووجع أكثر من رأسك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهكذا.

وكذلك ذكر لنا ملائكة الله، وعرفنا أنه يجب الإيمان بهم فمن أنكر وجود الملائكة فقد كفر والعياذ  بالله تعالى، ثم الإيمان بهم إجمالا وهم أكثر خلق الله عددا، خلقهم الله عددهم أكثر من عدد الكواكب والنجوم وعدد التراب وعدد الرمال وعدد الأشجار، الملائكة أكثر عدد من كل المخلوقات الأخرى. ويُروى أن الناس في المحشر: 

  1. يحشر الناس أولًا ووراءهم الجن
  2. الجن، فيكونوا عشرة أضعاف الإنس، ثم يحشر بعدهم حيوانات البر
  3. حيوانات البر، فتكون عشرة أضعاف الاٍنس والجن، ثم تحشر حيوانات البحر
  4. حيوانات البحر، فيكون عددها عشرة أضعاف الإنس والجن وحيوانات البر، ثم تنزل ملائكة السماء  
  5. قال تعالى: ( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ) [الفرقان:25]، أول سماء، ينزلون منها ملائكة السماء الأولى فيكون عددهم كعدد الإنس والجن وحيوانات البر والبحر عشر مرات، يحيطون بهم من كل جانب، وبينما هم قائمين يشوفون السماء تمور، هول شديد، 
  6. وتشقق السماء الثانية فيخرج ملائكة السماء الثانية فيكون كعدد من قبلهم في الموقف كلهم عشر مرات ويحيطون بهم من كل جانب ، 
  7. وإذا بالسماء الثالثة تدور وتمور تتشقق ونزلت ملائكة السماء الثالثة  فيكونوا بعد ذلك كعدد من في الموقف عشر مرات ( وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) [الحاقة:17]، هم الآن أربعة من الملائكة يوكلهم الله بحمل العرش، وهم والعرش محمولون بقدرته تعالى، وفي القيامة يضيف أربعة فوق الأربعة لقوة الهيبة في القيامة، قوى الملائكة الروحانية النورانية تضعف أمام الهيبة في القيامة، فيضيف الله إلى الأربعة أربعة ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) [الحاقة:17]، هيبة في القيامة عظيمة. 
  8. وثم ملائكة السماء الرابعة، الخامسة، السادسة كل طائفة مثل الذين قبلهم عشر مرات، وعاد فوق السموات السبع أصناف من الملائكة و أنواع من الملائكة.  

والذين في البيت المعمور وحده سبعون ألف كل يوم يدخلون البيت المعمور يصلون لله فيه يعبدونه ثم يخرجون، فالبيت المعمور فوق السماء السابعة مثل الكعبة في الأرض جعلها الله تعالى حجًا للملائكة، ولكن مرة واحدة في أعمارهم، كل سبعين ألف إذا دخلوا يوم واحد يخرجون ولا يعودون إليه إلى يوم القيامة! فاليوم الثاني سبعين ألف واليوم الثالث سبعين ألف واليوم الرابع سبعين ألف غير الأولين وهكذا إلى أن تقوم الساعة، الله...الله...الله.. ودخله  ليلة الإسراء والمعراج، وكان أشار إلى أرواح دخلت معه   في البيت المعمور وهكذا، ما أعظمه من موقف، فأكثر الخلق عددا الملائكة. 

الملائكة: أجسام لطيفة نورانية تتشكل بأشكال طيبة مختلفة، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتناكحون و( لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم:6]، قال تعالى: ( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) [الأنبياء:26-28]؛ فهم معصومون.

العصمة للملائكة وللأنبياء، ولم يثبت لفظ العصمة لغيرهم، غير أن غاية أهل العناية والرعاية من الأولياء أن يكون أحدهم محفوظًا، فيحفظ من الذنوب ومن المعاصي وقد يحفظ من الصغائر و الكبائر وقد يحفظ حتى من المكروهات وخلاف الأولى، ولكن لا يطلق عليه لفظ العصمة قالوا: فقط محفوظ، فالعصمة للأنبياء وللملائكة بنص القرآن: ( لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم:6]، وبنص القرآن ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ) [الأنعام:90]، إذا كان معصية، نقدر نعصيه؟ ولا أمرنا الله أن نعصي، إذاً فليس في أفعالهم ولا في مانبتلى بهم فيه أي خلل ولا مخالفة؛ ولهذا جعلهم الله قدوة للناس وأمرنا باٍتباعهم صلوات الله  وسلامه عليهم.

ملائكة الله، ذكرنا منهم أسماء العشرة، وبعد ذلك آمنا بأن الله خلق الملائكة وهم كثير، وكم مجالس تُعمر بهم ومجالس الذكر والعلم يكثرون فيها، وفي ليلة القدر يكثرون في الأرض كثرة كاثرة  حتى يكونون في الأرض أكثر من عدد الشجر والحجر. ملائكة مروا عليكم في ليلة من الليالي أخفاها الله عنكم وصافحوا منكم من صافحوا ودعوا لمن دعوا ، ويشهدون الصلاة مع المؤمنين، والدعاء مع المؤمنين والذكر مع المؤمنين، يذكرون الله مع المؤمنين، و إذا دعوا أمنوا؛ الملائكة يؤمنون على دعاء المجتمعين على الذكر  "الله أكبر"؛ فنعمة كبيرة تحصل للمؤمنين قال: ( تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) [القدر:4-5]، هكذا الملائكة ، ومنهم الحفظة قال تعالى : ( وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ) [الأنعام:61]، وقال ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّه ) [الرعد:11]، يعنى ملائكة يعقب بعضهم بعض (  يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّه ) معنى من أمرالله، أي بأمر الله من بمعنى الباء (  يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّه ) [الرعد:11]؛ أي بأمرالله.

ولذلك قال سيدنا/ عليلا يحصل شيء من أهل الأرض حتى يتخلى حرس السماء. و أي واحد، لو نام في البرية وفيها وحوش أو سباع أو حيات أو عقارب والملائكة يحرسونه، إلا أن يأتي القضاء بقدر، ساعة كذا والمكان كذا الوحش الفلاني يفترسه أو العقرب الفلاني يلسعه في محل كذا ، حتى اللسع معين له!! ما يقدر في غيره!! و العقرب نفسه ما يقدر في محل غيره، في المحل الذي هو حُدد بقضاء الله تعالى له!!  فعندئذ يتخلى الملك، يخليه يأتي في المحل المحدد،خذ لسعتك وروح!! إذا لك وحده لسعة ما يقدر على ثنتين!!  إذا في القدر له ثنتين ما تنقص!!  ما يقدر على الثالث!! يأخذ الذي له حسب ما أعطاه الله في الصحف. وبعد ذلك فلو أنت نائم فمك مفتوح وأذنيك مفتوحة، ولا حشرة تدخل إليها، ولا شيء، ولا أي شيء يأتي يؤذيك سبحان الله.

كذلك (( الجن )) لولا أن جعل الله لنا الحفظة من الملائكة، هؤلاء ما نشوفهم فيهم فسقة، فيهم شياطين، فيهم ضالة، بيضلوا ويضربوا هذا، ويرفسوا هذا، ما ترونهم (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) [الأعراف:27]، مايقدرون؛ في قانون من الله مرتب، ما يقدرون!  وقالوا: ولولا ذلك لمزقتهم الشياطين، ابن آدم مزقته قطعة قطعة، يقطعونهم ومن سيحرسهم؟ تنتظر حرسك!! أو بتجي  لك بشرطة؟ ما يشوفون!!  بيمسكونك وبيمسكوا الشرطة!! (مضحك) هكذا سبحانه عز وجل؛ ولهذا يقولون العوام عندنا: مائة جني ما يقفلون باب؛ يعنى ما يقدرون على ذلك إذا لم يُمكنوا بإذن أن يتخلى حرس السماء ما يقدرون! لو منهم ألف واحد بيأكلون طعامك وتقول بسم الله ولا يقدرون على حبة، ولا حبة، كلهم،  وهم يرون هذه الآيات ولكن كأن الأمر عادي عندهم، المسلمون منهم قليل والباقي كفار، مثلنا الإنس آيات الله عندنا كثيرة والمسلمين قليل والباقي كفار، والجن كذلك يشاهدون آيات الله ولكنهم يستكبرون ويجحدون  إلا من هدى الله سبحانه وتعالى إلى الإسلام.

ومن الملائكة من جعلهم الله تبارك وتعالى وظائف في الأرض، وظائف في الجو والفضاء، وظائف متعلقة بالحوادث للناس من حادث إلى حادث، وموظفين بقبض الأرواح رأسهم سيدنا/ عزرائيل ومعه ملايين من الملائكة يقبضون أرواح الإنس والجن والذر وحيوانات البر وحيوانات البحر وكل روح يقبضونها ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ )  [السجدة:11]، فـ( إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) [الأنعام:61]، وهم الملائكة ( وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) [الأنعام:61]، أمر الله ينفذونه، ما ينفع فيه شيء لا يتقدمون ولا يتأخرون، فصلوات الله على الأنبياء والملائكة، فهؤلاء الملائكة. 

و منهم مخصصون بحِلق الذكر، ملائكة، سماهم النبي سيارة، سماهم سياحين، يلتمسون حلق الذكر فإذا وجدوا القوم يذكرون الله تنادوا. في ملائكة نزلوا يوم جنازة سيدنا/ سعد بن معاذ، يقول : «نزل سبعون ألفا من الملائكة لجنازته لم ينزلوا إلى الأرض قبله»، هؤلاء ماقد نزلوا إلى الأرض ولكن أُذن لهم من أجل جنازة سعد يخرجون، فخرجوا، فلما كانوا يحملون الجنازة يشوفونها الناس خفيفة، خفيفه! وبعض المنافقين تكلموا على سيدنا/ سعد، قالوا: خفيف الوزن، خفيف قدره وشانه، والنبي قال: « كانت الملائكة تشيعه، لذلك  رأيتم الخفة في جنازته، وأنه نزل سبعون ألفا  يشهدون جنازته، لم ينزلوا إلى الأرض قبله»  لا إله إلا الله.. فسبحان الله.. 

وهؤلاء جند الله تبارك وتعالى، من جملة جند الله الملائكة الخاشعون، ومنهم المتعبدين في السموات نفسها، حتى يقول النبي ﷺ على السماء الأولى: «ما من موضع شبر إلا وملك لله راكعٌ ، أو ساجدٌ أو قائمٌ» ، «قد أطَّت بهم السماءُ، وحقَّ لها أن تئطَ، ما فيها موضعَ أربعِ أصابعٍ إلا وملك قائمٌ، أو راكعٌ، أو ساجدٌ»

 ملائكة من حين خلقهم الله إلى أن يموتوا وهم راكعون، وملائكة من حين خلقهم الله إلى أن يموتوا وهم قائمون في العبادة، وملائكة من حين خلقهم الله إلى يوم القيامة وهم في السجود -سجدة واحدة-، فإذا حُشر الناس في القيامة نزلوا قالوا: سبحانك يا رب ما عَبَدْناكَ حَقَّ عِبادَتِكَ ولا عرفناك حق معرفتك، فإن أحدهم لفي سجدة أو قومه أو ركوع من حين خلق إلى أن تقوم الساعة، ثم يقول: ما عبدناك حق عبادتك ولا عرفناك حق معرفتك!! فيقول هذا الإنسان الغافل الجاهل المُتثاقل عن الطاعات يقول: قد زدنا وطولنا وكثرنا العمل!! ما عبدناك حق عبادتك ولا عرفناك حق معرفتك.

 ثم إن رؤساء الملائكة هؤلاء العشرة وأولهم الأربعة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، وقد وكَّل الله تعالى بالكتابة رقيب وعتيد قال ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ق:18]، من حين بلوغ الإنسان إلى أن يموت، لكل واحد رقيب عتيد، رقيب عتيد، رقيب عتيد، رقيب عتيد.  كان سيدنا/ عثمان إذا جاء لقضاء الحاجة يفرش ردائه ويقول: هاهنا فاقعدا أكرمكما الله، فيدخل لقضاء الحاجة، فيخرج ويقول: بسم الله، ويأخذ رداءه فكان يشهد الملائكة -يحس بوجودهم معه-، هم ما يدخلون أماكن الأوساخ والقاذورات فيطَّلعون على ما يفعل الإنسان، فكان يفرش رداءه، ها هنا فاقعدا أكرمكما الله، كان كثير الحياء سيدنا/ عثمان حتى استحيت منه الملائكة عليه رضوان الله؛ لأن الجزاء من جنس العمل، استحى من الله كثير فاستحيت منه الملائكة. فكان النبي متكئ يوم استأذن له سيدنا/ أبوبكر و سيدنا/ عمر قالوا: عثمان يستأذن يارسول الله؟  جلس فقال: « إإذنوا له» فعجب بعضهم قالوا: يا رسول الله، لما استأذن عثمان جلست!  فقال: «كيف؟ ألا أسْتَحِي من رجل تَستحي منه ملائكةُ الرحمن» ، و أما هو فكان الصحابة يصفون حياءه يقولون: «كان أشد حياء من العذراء في خدرها» ﷺ.

رضي الله عن الصحابة ما عرفوا عذارانا وإلا لضربوا مثل آخر، قدهن ما هن في الخدور ولا هن على ذلك النور!! ولا على ذاك الفكر، الذي كان أكثر الناس حياء العذارى؛ بحكم الفطرة والطبيعة حتى في أيام الجاهلية، إلى أن بُعث النبي  وقرر الأمر، فلما أراد الصحابة ضرب المثل في شدة حيائه ما وجدوا أكثر من هذا، ومادروا بعذارى ألو.. ألو! وما دروا بعذارى النت! لا إله إلا الله ، وما دروا بعذارى الجوالات، ما ظنوا أنه يحصل في البشر هكذا، فمثَّلوا حياء خير البشر بهذا، قالوا: أشد حياء من العذراء في خدرها، كنا عهدنا من هذا الصنف، وكان في الناس كلهم في هذا الفطرة بهذه الصورة، الحياء الموروث الذي ضرب الصحابة به المثل، كانت تستحي من أقاربها النساء فضلًا عن غيرهن.

يقول: (( ملائكة الله ))، ملائكة الله من جملتهم الموكلين بمساءلة الأموات في القبور يرأسهم مُنكرو نَكير، فيدخلان في كل قبر، عندما يستوي تراب القبر في الأرض، فيدخل الملكان وتلك الساعة يعيد الله الروح الجسد، يقعدان الميت يقولان: 

  • اجلس من ربك؟ 
  • ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ما تقول؟ 
  • ما تقول في محمد؟ ما تقول؟ 

فمن كان يحبه ويعظمه ويؤمن به ويصدقه يقول: هو رسول الله جاءنا بالحق والهدى، الله يثبتنا. وهكذا بعد ذلك منهم الموكلون بتبشير المؤمنين في قبورهم وإراءتهم الجنة، ومنهم الموكلون بتعذيب المعذبين في قبورهم، ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كما قال : «فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ»، في الرجل الذي خرج وهو تائب من بني إسرائيل" .

منهم الملائكة يذكر في بعض الروايات والأحاديث أن الله قد يرسل لبعض من مات وهو في طلب علم الشريعة؛  من أجل نصرة الإسلام، ومن أجل رضا الله؛ أن الله يرسل له النوع من الملائكة يقال لهم مُبشر وبَشير، بدل منكر ونكير،  يكونون بعيدين عن الغلظة وعن نكارة الصورة ( وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) [ابراهيم:27]. وبعد ذلك الملائكة الكروبيون من أعلى الملائكة، الكروبيون، وهؤلاء صنف عظيم من الملائكة، أكثرهم وعامتهم ما بين سدرة المنتهى وما بين البيت المعمور وما فوق ذلك من الحجب، الكروبيون أفضل الملائكة من أعظم الملائكة ، ولكن ترجع رئاسة الملائكة إلى جبريل وميكائيل

سيدنا/ جبريل الموكل بالوحي وإنزال الوحي على الأنبياء و الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وقد يوكله الله بإنزال العذاب في شيء من المدن والقرى، ولذا لما أرسله الله إلى قوم لوط، حمل بريشة من جناحه مدنهم التسع ورفع بها حتى سمع أهل السماء الأولى صراخ دياكتهم، ثم أمره الله أن يقلبهم، فقلبهم وردهم وطمسهم على الأرض ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) [هود:74]. واٍلى غير ذلك من أصناف الملائكة، ومنهم الملائكة الموكلين بالجنة يرأسهم سيدنا/ رضوان، ومنهم الملائكة الموكلين بالنار ويرأسهم سيدنا/ مالك، أصناف وأنواع كثيرة كبيرة، أكثر خلق الله عددًا ملائكة الله، آمنا بهم.

(( وبالقدر خيره وشره من الله تعالى ))، فلا يكون كائن إلا بقدرة الله وبأمرالله وبإرادة الله تعالى، ومنه ما يحبه ويرضاه كالإيمان والطاعة، ومنه ما يكرهه ويبغضه كالكفر والمعصية، قال تعالى : ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) [الزمر:7]. بعد هذا كله أخذ في النبوءات يبلغنا ويقرر لنا ما كان من نبوة نبينا محمد وسيحدثنا عن البرزخ والآخرة.

(( نشهد أن محمدًا، عبدالله ورسوله، أرسله إلى الجن والإنس، والعرب والعجم، بالهدى ودين الحق ))؛ (( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) [الصف:9]، هذه من أعظم خصوصياته، عموم رسالته لجميع المكلفين إنساً وجناً، بل وبالتشريف إلى الملائكة والحيوانات والجمادات؛ لأجل التشريف أرسل إليهم أجمعين، فتشهد الحيوانات أنه رسول الله وتشهد الجمادات أنه رسول الله، صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم، وَالضَّبُّ وَالْغَزَالَةُ يَشْهَدَانِ لَكَ بِالرِّسَالَةِ. وَالشَّجَرُ وَالْقَمَرُ وَالذِّيْبُ يَنْطِقُوْنَ بِنُبُوَّتِكَ عَنْ قَرِيْبٍ، فكان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم المرسل إلى جميع العالمين: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء:107]، ( نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) [الفرقان:1]،  ثم قال: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) [سبأ:28]،  وقال «وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً»، وفي رواية إلى الخلق، ، فـ(( نشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، عبدالله ورسوله ))، اللهم ارزقنا متابعته والاقتداء به وكمال متابعته.

وانقضت أيام الست علينا وما بقي معنا إلا نكمل باقي صفحتين أو ثلاثة في الكتاب الي في الأيام الذي نأخذه في دروسنا في الصباح إن شاء الله، بعد خروجنا من عيد أهل  الست، فالذين باشروا في الصيام بأيام الست لهم عيد، هؤلاء أكملوا، كما أكملوا عدة رمضان، أكملوا عدة الست؛ فلهم عيد ولهم التباشر والتهنئة ببلوغهم رمضان و توفيقهم الست معه، فنشاركهم في عيدهم الليلة هذه، وفي الغد إن شاء الله تبارك تعالى، ويبارك الله لنا ولكم في إقبالنا وفي وجهتنا في جميع أحوالنا.

 

الأسـئلـة و الأجوبة: 

س1- هل العذاب في القبور بالأرواح والأجساد؟ 

** سيأتي الكلام عن عذاب الاموات في القبور بالأرواح والأجساد.

س2- ماهو وصف حور العين؟ 

** حورالعين نوع من الخلق يخلقهم الله على شكل الآدميين في جنته سبحانه وتعالى ليسوا من الملائكة، بل على شاكلة بني آدم.

س3- هل يحاسب جميع الخلائق؟

** بمجموع ما جاء في الروايات، يُعلم أن الله سبحانه وتعلى يدخل من شاء الجنة بغير حساب ويعفي من شاء عن السؤال في القبر أو في غيره ، إذا أراد ، فالأمر له ولكن الأمر العام لجميع الخلائق لا بد من سؤال.

س4- هل يوجد ضغطة للقبر؟

** نعم هناك ضغطة للقبر إلا أنه بمجموع الأحاديث وجدنا هذ الضغطة قد تكون كما تضم الأم الشفيقه ولدها إلى صدرها، ولكن ما يسلم منها أحد لابد منها ولو كذا وإن كان هكذا طيب، كما تضم الأم الحنون ولدها، وسيأتي في ذلك المعنى في بقية الكتاب إن شاء الله.

س1- ما العلاقة بين إختيار الانسان للعمل المكلف به؟

** وأما الذي يجهل الحكمة فيما أعطاه الله من اختيار و كلفه فيقول: اٍذا كتب علي المعصية، كيف يعاقبنا ؟! اٍذا قصدك اٍذا كتب لك الطاعة كيف يثيبك؟! أحسن ما يعاقب ولا يثيبك -لالالا خل يثيبنا بس- ولا يعاقب !! أنت متلاعب ولا مساخر!! جعل لك الطاعة والمعصية باختيارك وإقبالك أنت تثاب على هذا وتعاقب على هذا، ما رأيك أعطيك لطمة هذه الساعة؟ وأنا أقول لك: الله قدّرها عليك،  تنكر أن الله قدرها على؟؟ بس الله قدرها، خذ اللطمة الثانية!! سبحان الله، الثانية؟؟ بيقوم بيغضب، قل له: خلاص اغضب على نفسك التي بغت تحتج على ربك، أنا مخلوق مثلك، أنت بغيت تحتج على الخالق -يا قليل الأدب- .. فهكذا.. من سلبك الاختيار؟؟  قال الحق تعالى : كل ما أكرهت عليه ما خرج عن إرادتك، ما يعاقبك عليه، ما فعلت باختيارك تقول له لماذا؟ يعني أنت حاكم عليه؟! انت إله وهو عبد؟!! ما الذي حصل؟! كيف تعصيه باختيارك وتقول ليس له أن يعاقبني؟!  وأنت تطيعه عليه يثيبنا!! هي لعبة!! هي مسخرة هي ضحكة!! من سلب منك الاختيار؟ ما شي ! خلاص، قال إبليس لرب العالمين: ربي كتبتَ علي ألا أسجد لآدم فلم تؤاخذني، فقال: أعلمت أني كتبتَ عليك قبل أن تسجد أو بعد أن تسجد، بعد أن أبيت؟ قال: بعد، قال: فبها آخذتك، أعطيتك الاختيار وقلت لك اسجد لماذا لم تسجد؟؟ لذلك يريدون يحتجون على القضاء والقدر، بننتِّف لحاكم وبنمزق ثيابكم وبنقول قضاء وقدر!! ولا تآخذونا!! أنت مخلوق مثلي وبتؤاخذنا و تحتج على الرب أن لا يؤاخذك؟! -يا أبله يا بليد يا قليل حياء من الله !!- مخلوق مثلي وما تقبل مني!!  قضاء وقدر لماذا تصلح بي كذا؟!  وأنت ما بغيت، لماذا تعصي الله؟ -يا قليل الحياء- ما عاد تبغى ربك حتى في منزلة عبد من العباد؟! عبد من العباد ما تقبل منه هذا الاحتجاج!! تجي تحتج على الرب!! -يا قليل العقل- لا حجة لك،  قال تعالى: ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) [الأنعام:149]، ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) [النساء:123]، ( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) [البقرة:286]، ( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا *  وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [النساء:123-124].

آمنا بالله، رزقنا الله كمال الإيمان واليقين وأثبتنا في عباده المتقين، وتقبل منا هذه الأيام وهذه المجالس، وأظهر علينا آثار القبول في وجهاتنا ونياتنا واقوالنا وأفعالنا فيما بقي من أعمارنا؛ حتى نزداد قربا ونزداد حبا ونزداد أدبا ونزداد إيمانا ونزداد يقيناً ونزداد خضوعاً ونزداد خشوعاً ونزداد دنوا من مولانا ونزداد رضا، اللهم ارضى عنا  وازدد عنا رضى ، اللهم ارضى عنا وازدد عنا رضى، اللهم ارضى عنا وازدد عنا رضى، وارضى عن آبائنا وأمهاتنا وجداتنا وأجدادنا وذوي الحقوق علينا، وعن مشايخنا في الدين، وعن من فقدناهم  في هذه الأيام و هذه الأشهر و هذه السنوات ومن قد انتقل إلى رحمتك من أهل ولائنا بالله وأهل محبتنا في الله، ومن أهل ذوي الحقوق علينا، ومن المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأذن بدفع البلاء و كشف الرزايا  وصلاح الظواهر والخفايا والمقاصد والنوايا ، يا رب البرايا، يامن بيده الامر كله، بك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ثبتنا على تحب، واجعلنا فيمن تحب كما تحب في عافية، وأختم لنا بالحسنى وتوفنا وأنت راضي عنا.

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى  آله والأصحاب 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

08 شوّال 1436

تاريخ النشر الميلادي

23 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام