شرح عقيدة أهل السنة والجماعة -1- معنى نشهد أن لا إله إلا الله

شرح عقيدة أهل الإسلام -1- معنى نشهد أن لا إله إلا الله
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام الحبيب عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.

نص الدرس:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد، فإنا نعلم ونقر ونعتقد، ونؤمن ونوقن، ونشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله عظيم، ملك كبير، لا رب سواء، ولا معبود إلا إياه، قديم أزلي، دائم أبدي، لا ابتداء لأوليته، ولا انتهاء لآخرتيه، أحد صمد؛ لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، لا شبيه له ولا نظير، وليمن كمثله شَيّء وهو السميع البصير.

وانه تعالى مقدس عن الزمان والمكان، وعن مشابهة الأكوان، ولا تحيط به الجهات، ولا تعتريه الحادثات، مستوٍ على عرشه على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواءٌ يليق بعزِّ جلاله، وعلو مجده وكبريائه.

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله إلهنا وربنا ومولانا المعبود الحي القيوم الأحد الفرد الصمد، أرسل إلينا عبده المجتبى المصطفى سيدنا محمد بالهدى ، والحق والرشد، فأبان الحقيقة وأحسن دعوة الخليقة ، وبيَن معالم الطريقة ، فكان لعباد الله الصادقين المخلصين العروة والوثيقة ، اللهم أدم صلواتك على المجتبى المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه وعلينا معهم فيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبعـد،،

 ففي خلال هذه الأيام الأولى من شهر شوال، بارك الله فيه لنا وللمسلمين، وبارك لهم في عيد فطرهم من صيام شهر رمضان المبارك ، وأعاد علينا رمضان ورمضانات عديدة في سنوات مباركه ، نشهد فيها صلاح المسلمين وأحوالهم وجمع قلوبهم .

 في خلال هذه الأيام الأولى من هذا الشهر ضمن هذا الاسبوع نمر على هذا الكُتيَبْ الذي هو فقرات من خاتمة كتاب "النصائح الدينيةللإمام الحداد عليه رضوان الله تعالى عنه، عرج فيه على ذكر اعتقاد أهل الملة من الصحابة و التابعين والتابعين بإحسان، أي ما بُعث به صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعلق بشأن الإيمان .

وقد علمنا ما ذكر النبي ﷺ عن هذا الدين، من إسلام وإيمان وإحسان ، وأنه: 

  • في مجال الإسلام كانت الأحكام التي يتحدث عنها الفقهاء، 
  • وفي مجال الإيمان كانت مسائل الاعتقاد التي يتحدث عنها علماء التوحيد، 
  • وكان في مجال الإحسان المراقبة والصفات القلبية في معاملة الحق التي يتحدث عنها علماء التزكية، علماء الإحسان الذين من اشتهر منهم بعلماء التصوف.

ففي مجال الإيمان تأتي هذه الاعتقادات التي نزل بها القرآن الكريم وبلَغها سيد الأكوان ومضى عليها الصحابة و التابعون وتابعوهم بإحسان عليهم رضوان الله تعالى، وما للمتحدثين فيها أو المتكلمون عنها إلا بيان ما جاء في ذلك الأصل، وليس للإمام أبي الحسن الأشعري، ولا الإمام أبو منصور الماتريدي إلا البيان والتوضيح ونفي ما اشتبه وألتبس في أمر هذا الاعتقاد الموروث الدال عليه القرآن والسنة والذي مضى عليه الرعيل الأول من  الصحابة والتابعين، نفي ما طرأ وحدث مما يتخالف ومما يتناقض مع ذلك الأصل، فليس لهم ولا لغيرهم أن يحدثوا من عندهم ولا من عند فكرهم اعتقادًا جديدًا ولا نفيًا من معتقد وارد،  مالهم في ذلك حق، ولا لهم في ذلك وليس لأحد من سواهم في ذلك حق ، ولكن لما أحسنوا البيان كان الذين انتفعوا واستفادوا منهم منسوبين إليهم فقيل أشعري وقيل ماتريدي، كما يقال المستفيدين من الأحكام المستنبطة في شريعة الإسلام حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي مثلًا؛ وهذه أظهر المذاهب التي ظهرت بين أهل السنه والجماعة السواد الأعظم من الأمة على مدى القرون، فمن القرن الثاني الهجري  بدأت تنتشر هذه المذاهب في استنباط الأحكام المتعلقة بالأعمال و المعاملات في الشريعة المطهرة، استنباطها من الكتاب والسنة بالقياس واعتبار الإجماع، فكان الأساس الذي يقوم عليه استنباطهم مرجعيةً هو الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

وكانت حجية الإجماع والقياس بالكتاب وبالسنة، فالأصل في الكل الكتاب والسنة، وكانت حجية السنة من الكتاب فالأصل هو الكتاب العزيز، إلا أنه لا يمكن تبين هذا الكتاب العزيز وأحكامه  من دون السنة، كما لا يمكن حسن الفهم في الكتاب والسنة من دون هدي الصحابة والتابعين عليهم رضوان الله تعالى ، فإن الكتاب والسنة أرشد إليهم  وإلى اتباعهم، فـنقرأ في الكتاب العزيز قول الحق جل جلاله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) [التوبة:100]، فكان الإتباع لهؤلاء من جملة العمل بالكتاب ، وكان الاستناد في فهم الكتاب إلى منهاجهم بإرشاد الكتاب وبأمر الكتاب العزيز (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة:100]، وكذلك ما جاءنا في السنة الكريمة "فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، من بعدي"، وقول الله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].

وهم أهل الاجتهاد: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83]، وقوله سبحانه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:43]، وقوله: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) [لقمان:15]، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119]، كلها آيات ومعها أحاديث كثيرات في هذه المعاني، تدل على أن حسن النظر في مسلك أهل الصدق وأهل الإنابة والسابقين الأولين والمهاجرين والأنصار أمر يقوم عليه العمل بالكتاب، العمل بالكتاب تطبيق الكتاب العزيز يقوم على هذا؛ لأن القيام بهذا من العمل بما في القرآن، فالقرآن هو الذي أرشد إلى هذه المعاني، فليس يتبعهم أو ليس متبعهم منفصل عن العمل بالكتاب وكما لا ينفصل عن العمل بالسنة  التي أرشدت إليهم ودلَّت عليهم وأمرتنا بالاقتداء بهم، وأمرتنا بالسنة أن نكون مع السواد الأعظم مع خيار علماء أهل بيته المطهرين المقترنين في القرآن، لن يتفرقا اتباع هؤلاء من العمل بالسنة الشريفة من العمل بالكتاب والعمل بالسنة الشريفة المطهرة مهما جاء على وجهه .

 فهكذا نقول أن مكانة الإيمان في دين الله تبارك وتعالى، مكانة عظمى لا يتأتى الوصول إلى درجة الإحسان إلا بتحقيقها وبالقوة فيها، فبالقوة في الإسلام والإيمان يُرتقى بسُلَّمهما بواسطة العلم والبيان إلى دائرة الإحسان، وبالقيام بشأن الإحسان تتفتح أبواب الخصائص والمزايا الممنوحة من الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، للذين ءامنوا وعملوا الصالحات نجد الرحمن يذكر لهم الود، يذكر لهم الجنات، ويذكر لهم المعيه أنه معهم سبحانه وتعالى ، ويذكر لهم البشارات في الكتاب العزيز، وحقائق هذه الأشياء معرفة خاصة بالله جل جلاله، فما يمكن الوصول إليها إلا بواسطة التحقق بالإسلام والإيمان، ثم التحقق بهما يقوم على علم و بيان، ثم التحقق بحقائق الإحسان، ومنه تنفتح أبواب تلك الخصائص والمزايا المشار إليها في الكتاب العزيز وفي الأحاديث الكريمة؛ وهي معرفة خاصة و محبة خالصة، ينتهي إليها المؤمن، ولها بعد ذلك درجة لا تحصى و بحور واسعة لا يبلغ قعرها وعمقها (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، ، قال الله لأعظم خلقه فهما وعلما، وأجلهم منزلة ، وأوسعهم حكما قال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، فلا نهاية لشؤون المعرفة ولا لشؤون المحبة، وقال تعالى في بيان علو رتبة المحبة الخالصة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ) [البقرة:165]؛ فصار هؤلاء الذين من أجل الأنداد قاتلوا وناضلوا و تعرضوا للمشاكل في الحياة ، كل هذا محبة دون المحبة المتحقق من أهل الايمان بالله ، ومحبة لله سبحانه و تعالى (أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ) .

في هذا المضمار و المجال جاءت البيانات في شؤون الإيمان ، ومنه هذه العقيدة المختصرة الجامعة الشاملة المضيئة ، التي حررها سيدنا/ الإمام عبدالله بن علوي الحداد عليه رضوان الله تبارك و تعالى ، يبين فيها ذلك المأخوذ من الكتاب والسنة وهدي الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، فيما يتعلق بالشؤون الإيمانية ورتبة الإيمان في دين الله جل جلاله، كان ختم بها ذلك أو جعل من خاتمة ذلك الكتاب "النصائح الدينية". 

يقولُ: إذا علمنا ذلك، فقال: ((الحمد لله وحده))؛ فهو الذي يستحق الحمد وحده ، والحمد لغيره بتشريعه وحكمة إجراءه الأسباب مجازي ، الحمد لغيره بتشريعه الحمد لغيره وإقامة الأسباب كما اقتضته إرادته تعالى، الحمد لغيره مجازي، فالحمد في الحقيقة خاص لله تبارك و تعالى، أمرنا أن نحمد أهل الصفات الصالحة وأهل المعروف إلينا ونثني عليهم و نكرِّمهم، و لكن كل معروفهم و كل صفاتهم الصالحة منه منه، فالمحمود في الحقيقة هو مادامت منه، فالمحمود في الحقيقة: هو، لا أهل تلك الصفات ولا أهل ذلك المعروف الذي أجروه؛ لأنه لم يكن باستقلال منهم، ما دام الأمر كذلك، فمهما حمدناهم إنما حمدنا من أعطاهم، إنما حمدنا من مكّنهم، إنما حمدنا من تفضّل عليهم بذلك، إذًا فالثناء على الأنبياء والمرسلين والمحبوبين عند الله من صالحي عباده بالصفات التي يحبها الله؛ ثناء على الله خالقه وخالقهم ومعطهم تلك الصفات ، وواهبهم تلك المحامد ، ومهما حمدت صنعة فقد حمدت الصانع.

فإذا جئت تحمد وتمدح ما أبغضه هذا الصانع فقد عاندت الحق ، و من هنا جاءنا عن النبي ﷺ:  أن لا نقول لمن ظهرت عليه أمارات النفاق بيننا يا سيدي و يا سيدنا، قال: "لا تقولوا للمنافقِ يا سيدي، فإنه إن يكُ سيدكم فقد أسخطتم ربَّكم"، جل جلاله -و تعالى في علاه-، فمن ظهرت عليه أمارات الفسق أو النفاق إذا خاطبته أو ناديته لا تقول له يا سيدي، ولا تقولوا للمنافق يا سيد فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم جل جلاله.

إنما ساداتنا الأنبياء والأولياء والأصفياء والصالحون من عباد الله تبارك و تعالى، يقول إذا علمنا ذلك فقال:((الحمد لله ((وحده))، علمنا معنى وحده، وكيف هذا؟! لا نحمد أحد!! و نحن نقرأ في الحديث: "لم يشكر الله من لم يشكر الناس"؛ شُكورنا للناس بأمره فيما أجراه من المعروف على أيديهم ومن المحامد، شكر في الحقيقة له؛ لأنه هو المتفضل عليهم ولا استقلال لهم في شيء من ذلك. إذًا فـ((الحمد لله وحده))، أي الحمد الحقيقي، الحمد المجازي هو الذي أمرنا به بخلقه وشرعه لمن يستحق الحمد والثناء من عباده .

وبذلك وجدناه في كتابه العزيز أثنى على عباد له، منهم الملائكة منهم عدد من النبيين منهم عدد من غيرهم من الأقوام والفئات الذين مضوا قبلنا في الأمم، فنجده أثنى سبحانه و تعالى على أهل الكهف، وأثنى على ذي القرنين وأثنى على مريم بنت عمران، سبحانه و تعالى وذكر لهم محامد لكن منه، كلها منه جل جلاله و تعالى في علاه.، فأيضا ثناءه على خلقه يرجع الى حقيقة ثناءه على نفسه سبحانه و تعالى؛ ولذا افتتح بالحمد كتابه وقال وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة:2]، وله الحمد في الأولى والآخر، (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم:18]، سبحانه وتعالى، (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم:17-18]، هو المستحق للحمد. 

((الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد))، قال: الصلاة المخصوصة به، وهي رحمة مقرونة بالتعظيم مختصة من الله بعبده الكريم سيدنا محمد؛ ففيه خصائص ومزايا ما نالها غيره قط ﷺ، وهو سيد أهل حقيقة التوحيد، فهو إمام الموحدين وعصمتهم وكعبتهم ومصدر توحيدهم صلى الله عليه وعليه وصحبه وسلم. ((صلى الله على سيدنا محمد وآله))؛ ومن آمن به من أهله وقومه، بنوهاشم وبنو المطلب. 

((وصحبه))؛ كل من صحبه مؤمنا به ولو ساعة، ((وسلم))، التسليم اللائق بمقامه ثم مقام آله وصحبه، سلم؛ أي حياهم تحية لائقةً بمكانتهم عنده تعالى. قال الله في ذكر منافقين وكفارٍ (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) [المجادلة:8]؛ فحياه الله أحسن تحية، وعليه من الله عنا أزكى السلام والتحية، وعلى آل وصحبه ومن سار في دعوته. 

((الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم))، وبحمد الله وكثرة الحمد وبكثرة الصلاة على هذا النبي؛ تنقدح أنوار الإيمان واليقين وحقائق التوحيد في القلوب إنقداحًا حسنًا، فضلَّ من أراد قوة إيمانه وقوة يقينه وقوة توحيده بالمطالعة في الأدلة وكلام أهل النظر والاستدلال وصياغة الحجج وما إلى ذلك؛ فما يؤدي ذلك إلا إلى الرتبة الأولى في استبيان وجزم بأن هذا حق. 

ولكن حقائق الإيمان ومراتبه العلى وحقائق التوحيد ماتحدث بهذا؛ إلا بحسن الوقوف على باب الواحد والصمد سبحانه ودوام ذكره وشكره، فكثرة الحمد لله، كثرة الصلاة على النبي محمد؛ من أقوى أسباب زيادة الإيمان واليقين وقوة التوحيد في القلب. فالله يوفقنا لذلك، اللهم عنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. و أرشدنا الله إلى هذا بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) [لقمان:41-42]، (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ) [الأحزاب:43]؛ بالذكر لله تعالى وتسبيحه والصلاة على نبيه؛ يصلي علينا وملائكة يصلون علينا؛ فنتنقى ونتصفى ويزداد إيماننا ويقيننا، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]؛ فهي من أقوى أسباب تقوية الإيمان؛ الحمد والصلاة على النبي ولذا لما أراد أن يذكر العقيدة ذكر: ((الحمد لله وحده وصلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم))

ثم ابتدأ يذكر العقيدة، فالحمد لله والصلاة على رسوله من أقوى أسباب تنقية القلب والفؤاد وتقوية الإيمان والإعتقاد وحيازة حقائق التوحيد للحق الجواد سبحانه وتعالى، فعسى نخرج من رمضان ومعنا خلعة التوفيق من الله لحمده وشكره وكثرة الصلاة على نبيه. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسنِ عبادك؛ فبذلك يقول لمن قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد:17]، وقال تعالى: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) [الأنفال:2]. 

يقول: ((وبعده، فإنا نعلم ونعتقد ونؤمن ونوقن ونشهد))، نعلم ونعتقد ونؤمن ونوقن ونشهد، لماذا هذا كله؟ هذا كله؛ من أجل ينبهك أن الإيمان بالله وما جاء عنه، وبرسوله وما جاء عنه ما يقبل من متردد ولا من متشكك ولا من ذي ريب؛ ولكن من جازم قاطع محقق لا تردد عنده؛ قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات:15]، اللهم اجعلنا منهم، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات:15]. 

ولهذا قال: ((فإنا نعلم)) كما قال الله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) [محمد:19]، ((نعلم)) يعني؛ تبين لنا قاطعين جازمين، والعلم: إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع، هذا العلم يعني أدركنا الحقيقة؛ ((نعلم)) أدركنا الحقيقة؛ أدركنا هذه الحقائق الواقعة الثابتة: 

  • ((نعلم ونعتقد))، وهو ما ينطوي عليه ضمير الإنسان من نظر وتصور؛ يكوِّن الاعتقاد. ((نعتقد))؛ ينعقد عليه الضمير، وإشارة إلى قوة ارتباط والالتفاف كالعقد والعُقد التي تعقد، فما جزم به الضمير من تصوُّر ونظر الأشياء؛ فهو اعتقاد. 
  • قال: ((نعلم ونعتقد ونؤمن)): أي في قوة من درجة التصديق، نؤمن ونصدق. 
  • ((ونوقن)): هو أقوى مراتب التصديق يقين؛ لأن قوة الإيمان هي اليقين، اليقين عبارة عن قوة الإيمان واستيلاء على القلب. 
  • نعلم ونعتقد ونؤمن ونوقن ((ونشهد)): الشهادة هي الاعتقاد بالقلب مقرونًا بإقرار اللسان والبيان للغير، فالذي يقول: اشهد كذا يعني أنا أعتقد بقلبي أن هذا كذا، وأقرُّ بذلك بلساني و أُبين لمن يسمعني هذا كذا. فالشهادة هنا معناها: الاعتقاد بالقلب المقرون بالإقرار باللسان والبيان للغير، أشهد بكذا يعني: أعتقده وأقربه بلساني وأبين للغير هذا كذا، فمعنى (أشهد) أعتقد بقلبي وأقر بلساني وأبين لغيري، بماذا تشهد؟ ماذا تعتقد؟ بماذا تؤمن؟ بماذا توقن؟ -ماهي الشهادة؟ ماهو العلم؟ ماهو الإعتقاد؟ ماهو التؤمن؟ ماهو التيقن؟- قال: ((أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ))، ماهذه العظمة هذه؟ 
  • ((أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ))، لا يستحق الألوهية غيره، ولا إله إلا هو. ((أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)): من أظهر معاني الإله المعبود بحق، وما يمكن يكون إله معبود بحق إلا خالق موجد منشيء فاطر قادر مريد عليم قاهر متصرف في الملك بما يريد؛ هذا إله، هذه ما يمكن هذه الصفات تكون في شيء من الكائنات والمخلوقات كلها أصلا. 

وكل من أُدعيت له الألوهية غير الله تعالى كذبًا وزورًا؛ لا تتجمع فيه هذه الصفات، لا الأصنام المعبودة، ولا الكواكب، ولا النجوم، ولا الشمس، ولا القمر، ولا الجن، ولا إبليس المرجوم. أو ما يسمونه اليوم -يطلقون عليهم لفظة العلم- وهو في مصطلحهم اكتشافات فِرَق مخصوصة من الناس لبعض الأشياء، وفي هذا المجال، كم لهم بما يسمى نظريات علمية، هذا ينقلب، يتبدل، يتغير، يزيد، ينقص؛ كل هذه الأشياء، ليس فيها خالق، وليست مستقلة بالأمر، وليست مستقرة، ولا دائمة، فكيف أُدعيتْ لها الألوهية؟ وكيف عُبدت؟!! 

جاء واحد مخلوق من نطفة وعلقة ومضغة؛ نمرودولا فرعون، جاء واحد مخلوق من نار مثل: الجن وإبليس؛ مخلوقين ما هم خالقين، ثم يدعي الوهية، كيف صاروا آله؟ يا حجر يا طين يا تمر يصنعوا منها وحلوى، يعملوا منها صنم، مواد ضعيفة حقيرة! هم يتحكمون فيها بأيديهم!!  ويصْرَفُونَ هم فيها!!  انت تتصرف فيها! وتكونها وتقول: هذا إلهك؛ عقله!! ما فيه عقل!! انت! انت الذي تكونها وتقربها وتتصرف في هيكلتها وشكلها، ثم تقول: لا إله إلا هي، هذا إلهك؟ يعني ما هذا؟! ما هذ؟ا غاية البلادة والبلاهة والغباوة. 

((إله)) واحد خلقك، ما يكون إله غير خالقك، هذا الصنم أين كان لما تكونت انت أيام كنت في بطن أمك؟! هذا الصنم اين هو؟ انت اليوم صلحته ويرجع هو إلهك، ما الذي حصل؟ الشمس تشرق وتغيب، مخلوقة من المخلوقات، وضوؤها ساعة يصير له كسوف؛ يحصل له خلل، يكون القمر بين الأرض وبين الشمس؛ ويكسف ضوؤها، أهذا إله؟ يا أبلة! يا بليد! هو يدور له إله، خلوه يدور له، ليس هو إله، هو يريد إله مثلك، يبحث عن إله. من الذي بأمره تجري هذه الشمس؟ وكيف خُلقت؟ وكيف تشرق في مكان وتغيب في مكان؟ هذا إله في النهار، ثم لم يعد إله في الليل! كيف؟ وما هو هذا؟ إله يروح ويجي؟ هذا صفات متناقضة مع الألوهية. فكل ما أُدعيت له الألوهية غير الله؛ كلام خباله وغفاله باطل، صفات الألوهية منزوعة من هذه الأشياء كلها؛

اذًا فلا إله إلا الله، لا يغيب ولا يعزب عن علمه شيء، ولا عن نظره شيء، لا يتبدل، لا يتغير، لا ينقلب، لا يفنى، لا يموت، ما لأوليته شيء؛ هذه صفات الإله، وما يكون إله بغير هذا، ما معنى الإله عندك؟ ثم تصلحه بيدك وتقول إله!!!. ماهو الإله عندك هذا؟ فالصفات التي بإجماع كل ذي فطرة وعقل أنها صفات الإله غير موجودة في شيء من جميع الموجودات والكائنات ولا إله إلا الله

قال: ((نعلم ونقر ونعتقد، ونؤمن ونوقن، ونشهد: أن لا إله إلا الله وحده))، لا يستحق في الكون كل أحد العبادة إلا الله؛ لأنه فوق كل شيء، قادر على كل شيء، محيط بكل شيء ، عليم بكل شيء. أن لا إله إلا الله وحده، لا يشرك في الالوهية شيء، ولا في جميع صفات الألوهية والربوبية الخاصة بشيء. 

((لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) في ذاته وفي ملكه وفي صفاته وفي أفعاله، فهو واحد جل جلاله؛ ((وحده لا شريك له))، ((إله)) واحد منفرد، ((عظيم)) بل حقائق العظمة التي تندرج فيها معاني أيضا من الأسماء، التي ستاتي حقائق هذه العظمة بكل معنى ومن كل وجه فهو العظيم. وعظمة كل شيء سواه، بما جعل مقيدة ومحدودة، لكن العظمة المطلقة له، و من أوضح ما يستبين لك في العظمة المطلقة؛ عدم الحدوث، يعني الوجود بالذات، هذا ليس لغيره. فأي شيء ثاني سميته عظيم؛ جنة، نار، إيمان، كفر؛ سميته عظيم، هذا أول حادث ما كان موجود أولا،

 وإنه ((ملك))، وإنه عالم، و سميته عظيم أو أي شيء هذا طارئ حادث ما كان موجود، كان عدم؛ إذًا العظمة المطلقة غير موجودة له؛ غير موجودة، العظمة المطلقة لهذا الإله.

((عظيم))، ومن أبرز شؤون عظمته ليس في الكائنات من عقلائهم الإنس والجن والملائكة من يستطيع الإحاطة به، ولا أن يتصور ذاته الكريمة الجليلة قط، فكل ما خطر على بالهم؛ فالله بخلاف ذلك. هذه العظمة ليست لغير الله، أي شيء غير الله يمكن نتصور في بالك عنه أو عن هيئته أو عن شكله أو عن مظهره أو شيء، بلا حدود، لكن هو عظيم

وبعد ذلك في عظمته لا رادّ لقضائه، ولا مُؤخر لمراده، وإذا أراد شيء كان وما لم يشأ لم يكن، أراد أي واحد غيره أو ما أراد؛ هذه العظمة ليست لغيره. كل واحد يسمونه عظيم الآن، ما هو مكانه؟ ومن يقرر؟ يريد كذا يقع كذا، ويريد كذا وما يقدر، يعمل صورة أخرى، ويحاول من هذا الشق ويرجع من هذا الشق، أهؤلاء عظماء؟!!! لكن العظمة المطلقة منزوعة منهم؛ هي لله العظيم جلّ جلاله.  ثم إننا بإيماننا بعظمته نعظم ما عظم، فيرجع حقيقة التعظيم له سبحانه وتعالى. 

((إله عظيم))، ونعم الرب العظيم ونعم الإله العظيم، كان يذكر بعض أهل المدارس في البلاد المسلمة، قال: كان عندنا في بعض المناهج في بعض المراحل الابتدائية في المنهج عندهم يقول:

 إن سألتم عن إلهي *** فهو رحمن رحيـم

أو سألتم عن نبييِّ *** فهو إنسانٌ عظيم

أو سألتمَ عن كتابي *** فهو قرآن كريــــم

أو سألتم عن عدوِّي *** فهو شيطان رجيــم

ثم جاءت تطوير المناهج في الوزارة وراح هذا الكلام، وجاء في نفس المرحلة البطة، وصفها كذا، وشعرها كذا وريشها كذا؟ البطة!!  ثم تطور المنهج واستبدل الشعر بالبطة!! ما ذلك؟ ماهذا الكلام؟! هذا تطوير المنهج في الدول المسلمة -للأسف- لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . هذا مثال والأمثلة كثيرة، الله يحفظ علينا حقيقة الإسلام والإيمان. 

يقول: ((نعلم ونقر ونعتقد، ونؤمن ونوقن، ونشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له))، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك:1]، ((إله عظيم، ملك))، ملك:  يعني مَلَك كل شيء، وكل شيء في قبضته، المُلك بهذه الصورة لا يكون إلا له، فـ(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك:1]. أي واحد من الخلق سمي ملك، فهو ملك يمرض، وهو ملك لم يكن ملك، وهو بعد قليل ليس ملك يخرج من المُلك، وكل ملِك منهم إن ساعده الحظ فسيكون جسده هذا في حفرة من الأرض؛ هذا المُلك!! هذا المُلك الخلقي، ماذا تظن؟ أنت ملك؟ الملك لربك، الملك لرب العرش يا أبْله، هذا الملك صوري، إن له حق هذا الملك يحفظون جسده ويضعونه في الحفرة. أمّا إذا قُتل بقنبلة ولم يجدوه، أو جاءت له السباع وأكلته، روّحت به، هذا الملك، أو حادث في الطائرة ولم يجدوه، ورموه  في البحر وراح؛ هذه أحوال نهاية الملك في الدنيا، فتسميته ملك مجاز مجاز مجاز؛ ليست فيه حقيقة؛ فالملك الله، الملك الله؛ لهذا يكرر علينا في كل صلاة نصليها: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:4]، ولما تذكر (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) تنتهي المملوك كلها على الخالق، لما تذكر ذاك اليوم الملك هذا كله انتهى، ما في ملك أصلا لغيره؛ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)،  (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) [غافر:6]، ملكٌ ،لا يوجد شئ يخرج عن قبضته ولا عن إرادته ولا عن تدبيره، ملك ملك ملك وإلى الأبد، ملك ملك.

وملك ما يكون في مملكته إلا ما أراد، وهذا ما يجري لملك من ملوك الأرض أصلًا، أي ملك لا يجري في مملكته إلا ما أراد غير الله، كم من شيء لايريده! ثم وهو لايدري، ينقلبوا عليه إلي غير ذلك. ما في ما يجري في مملكته على حسب مراده وكيفه أبدا، في أشياء، وفي أشياء في الملك للملك، الله يرزقنا تعظيمه وهيبته ومعرفة ملكيته العظيمة، التي تغيب فيها السماوات والأرض من فيهن. سبحانه ((ملك كبير))، بل شعارنا في أعيادنا خاصة، وفي مجالات خيرنا وانتصارنا كلها في العالم (الله أكبر)، وهو دخول الصلاة (الله أكبر). 

((كبير))، الكبر بجميع معاني من جميع وجوة ليس إلا له، فكل كبيرٍ سواه إذا نسب إلى أي شيء من أوصافه أو أسماء صار صغيرًا، كائنًا ما كان. لكن الكبر المطلق: وهو من معاني العظمة هذا له وحده سبحان العلي الكبير. فقوِّ في قلبك معنى: أنه الملك وأنه العظيم وأنه الكبير، واكتسب ذلك بدوام حضورك معه وإستشعارك لهذه المعاني. 

((لا رب سواه))، يعني مالك ومتصرف ومستقل بتربية الأشياء. ((لا رب سواه ولا معبود)) بحقٍ ((إلا إياه))، لا معبود إلا الله. ثم أخذ يذكر لنا معاني وأسماء وأوصاف للحق جاء بها القرآن والسنة نتابع إن شاء الله الكلام عنها. تعالي الحق سبحانه وتعالى عن أن تدركه الأبصار، قال تعالى: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) [الأنعام :103]، هذا من معاني العظمة، من معاني الكبرياء. وإنما تدرك الأبصار أمورا محدودة ومعينة، بعد ذلك مهما اتسع البصر حتى رأى في الآخرة ما لاعين رأت -من مثل الجنة وما فيها- ومهما اعتلى فوق ذلك حتى وُصِف من قربه إلى الحق وانكشاف الحجب عنه: أنه كما جاء في الأحاديث "رأى الله تعالى و نظر إلى وجهه الكريم"؛ فكل ذلك مع التنزه الكامل للحق تعالى، تنزيه عن أن يحيط به سمع ولا ملك ولا إنس ولا جن ولا ملك ولا شيء. ولكن الرتب العلى في انكشاف الحجب والقرب المعنوي من الله تبارك وتعالى يُعبر عنها بما عبَّر أعرف الخلق بالله وهو رسوله ﷺ :  "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيَامَةِ"، فهي في هذا العالم ما يمكن الانتهاء إلى تلك الدرجة، وتلك الدرجة ليس فيها تكييفٌ ولا حدٌ ولا انحصارٌ ولا جهةٌ ولا كل معاني رؤية الكائنات ليست فيها. 

ومن هنا جاءت بعض فِرق المسلمين لما يتبادر إلى أذهان العوام من الرؤيا في رؤية الأشياء والكائنات والمقدار، قالوا ليست رؤية، فالحق لا يُرى بالمعنى الذي قلتم لا أحد يراه، أما بالمعنى الذي أردتم نفيه وهو المنفي عند الصحابة والتابعين عند النبي ﷺ، الذي أثبت الرؤية؛ لكن نثبت ما أثبته رسول الله، بالمعنى الذي أراده رسول الله، وهو المعنى الذي لا يتناقض مع ما بين: من أن الحق جل جلاله منزة ومقدَّس عن أن يحيط به شيء أو عن أن يكون في جهة أو في شيء من الكائنات، لا يحل في شيء، ولا يحل فيه شيء جل جلاله. 

فبهذا المعنى بقينا نعلم ذلك، فحُقّ لهذه الأعين ومنتهى ما آتانا الله وآتى الملائكة معنى من الإبصار في هذا العالم؛ حُق له أن يكون مقطوعا عن نيل الدرجة الرفيعة التي يمكن أن ينتهي إليها الخلق في الآخرة، أما عن الإحاطة بأي وصف من أسماء الله فذلك ممتنع أبدا سرمدا لا يحيط به غيره جل جلاله وتعالى في علا. 

إذًا فهي مراتب في المعرفة في الدنيا، وأعلى منها في الانكشافات في الآخرة، ومع ما في الدنيا والآخرة من معرفة الأنبياء والملائكة والمقربين والصديقين والأولياء بالله تعالى، ورؤية أهل الجنة لربهم، ونظرهم لوجهه الكريم، مع هذا كله؛ فلا يحيط به أحد منهم، ولا ينتهون أبدا إلى الإحاطة بوصف واحد من أوصافه، ولا بمعاني اسم واحد من هذه الإحاطة، فضلا عن ذاته العلية (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) [آية الكرسي]، بالحدود التي ينتهون إليها. 

إذًا الحق مقدس كمال التنزيه فحق لأبصارنا وأبصار الملائكة أنه ليس بجسم ولا بعرض ولا بلون ولا بشيء من هذه الكائنات حتى تراه أعيننا، وما أعيننا؟ ومن أعيننا؟ حتى تتطاول على هذا المقام إنها لا ترى معنويات! مخلوقات عندنا، إنها لا ترى الألم، أعيننا ما ترى الألم، حتى فيك أنت تحس به ما ترى في غيرك، لا تدري به ولو يقول لك، فإذا جئت يقول: يا أخي أين هذا الوجع؟ فتح عيونه، ما شفت وجع! هذا يد! يد! لا يوجد وجع! هذا شعر قدامي! هذا بشر! أين الوجع؟ هذا الوجع شيء حقير مخلوق، عينك ما قدرت تشوفه، انت تتكلم على ماذا؟  تريد تشوف ماذا؟ مسكينة عينك، خلها في حدودها وخلها في مناطقها. 

وهكذا دخلَ بعض الملحدين في بعض المدارس -الفصول الابتدائية يدرس بعض الطلاب- وأخذ يقول من بعض الصفصفة والكلام الفارغ، يقول : يا طلاب لا تصدقون إلا بالذي ترونه -تشوفه بعينك- أي شئ ما تراه ليس موجود، أي شئ موجود تراه، مثلًا: الآن، هذه السبورة ترونها ولا ما ترونها؟ قالوا: نعم، قال: إذًا السبورة موجودة، وهذا الطبشور ترونها ولا ما ترونها؟ قالوا: نراها، قالوا: إذًا موجود. قال واحد من الطلبة: عقل الأستاذ ترونه ولا ما ترونه؟ قالوا: لا، إذًا عقل الأستاذ غير موجود. صحيح هذا الكلام (مضحك)، ما فيه عقل، هو من الكائنات والمخلوقات إذا كان أي شي ما نراه موجود؛ مشكلة كبيرة عقلك انت ما نشوفه، وألّا أجعلنا نرى عقلك!! هيا!! وأين عقلك؟ ما يُرى بالعين وهو مخلوق وكائن، لا إله إلا الله فجلَّى الله وتعالى الله. رزقنا الله كمال الإيمان واليقين والبر والتقوى والإخلاص والصدق وبارك لنا في هذه الأيام وهذه الليالي وبركة تامة في أعمارنا كلها وختمها لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا. 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله والأصحاب 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

02 شوّال 1436

تاريخ النشر الميلادي

18 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام