بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده المصطفى الأمين . من أنزل عليه القرآن وكان ابتداء إنزاله في رمضان .. ( شَهرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلقُرءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍ مِّنَ ٱلهُدَىٰ وَٱلفُرقَانِۚ ) . وصل اللهم على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله المطهرين وأصحابه الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

فإلى أحبابنا وأهل الوداد في الله من أهل الأخوّة الإيمانية نوجه كلمة الشهر لرمضان من العام الثاني والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. ونقول :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

وإن من أعظم دروس الصوم التي نتلقاها فيه أن تبتنيَ عندنا العزيمة الصادقة في اتخاذ القرار الطيب المناسب وكف النفس عن شهواتها وعن أهوائها , فلنأخذ تأسيس هذه العزيمة فينا من خلال امتناعنا عن المفطرات بأصنافها الظاهرة والباطنة في خلال هذا الشهر الكريم , ثم حُسْنُ المراقبة منا في لياليه مع القيام له سبحانه وتعالى وأداء ما ينبغي , فيُكسِبنا كل ذلك قوةً في العزيمة والوجهة وفي اتخاذ القرار الصالح لنا في أحوالنا وشؤوننا بمقتضى شريعته سبحانه وتعالى وبهدي نبيه عليه الصلاة والسلام ومتابعة سنته .

فلنكن محرَّرين بذلك عن رِقّ النفوس والأهواء وأن تسترقّنا العادات أو التقليد لمن لا خلاق له في شؤوننا المختلفة , من مظاهرَ وجواهرَ في المطاعم والمشارب وفي اللباسات كذلك وفي اختيار الكلمات كذلك وفي اختيار الدراسات واختيار الوظائف والحرف كذلك , ولنجعل في كل ذلك معنا عزيمةً صادقةً من أن نختار ما هو ـأأأحب إلى الرب جل جلاله , وما هو موافق للشريعة وأن نعمل على تطبيق هذا الشرع في كل ما نزاوله من الأعمال المختلفة , نكسب هذه العزيمة من خلال مدرسة الصوم التي تبين لنا كيف نستطيع الكف ولو عن مقومات الحياة من مثل الطعام والشراب لأجل ربنا جل جلاله في خلال هذا الوقت الذي يطول في أيام الصيف عند كثير من بلاد المسلمين ويصل عند إخوان لنا في الغرب إلى ثمانية عشر ساعة في اليوم والليلة ويكون في بعض البلاد ستة عشر ساعة وفي بعضها سبعة عشر وفي بعضها أقل من ذلك , فكل ذلك تعليمٌ وتقويم وفرصةٌ لتقوية العزيمة .

وليكن لنا استفادة من هذه المدرسة وهو تأسيس العزيمة الصادقة في اتخاذ القرارات وتقويم الأمور على ما يحب الرب جل جلاله في مختلف شؤون حياتنا .. ويتعلق بذلك أيضاً ما ينبغي أن نكون به في أواخر رمضان أصدقَ عزيمةً وأقوى همةً وأكثر رغبةً مما نكون في أول رمضان مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا يأخذ منا الصوم والقيام شكلاً يصحبه الملل عند مرور الأيام والليالي , بل نغوص على سر الصوم وحقيقة الصوم وحقيقة القيام وسر القيام لنكون أرغب ولنكون أطيب في أحوالنا ولنكون أشد شوقاً إلى القيام بهذه الأعمال كلما تمادت بنا الأيام لا نأوي إلى مللٍ ولا كسلٍ ولا إلى تخاذل , فمن ذلك أن نعد العدة لاغتنام العشر الأواخر , فنرفض أن تزداد قضاء الأوقات فيها في الأسواق أو الأماكن العامة أو محلات الغفلة , وأنّ ما نحتاجه من إظهار نعمة الله علينا واتباع السنة من اللبس الجديد أو الطيب للعيد مثلاً لا يكون التوصل إليه بأن يحتك نساؤنا بالأجانب أو أن يخرجوا إلى الأسواق في مثل ليالي العشر الأخيرة من رمضان .. فلنتخذ عزماً ووجهةً صادقةً وقراراً حازماً في أن نتوصل إلى تحقيق مثل هذه السنن بالطريق الطيب المبارك المشروع الحسن ويكون ذلك أيضاً متصل بأمرين اثنين :

 الأمر الأول : ما يتعلق بالنظر إلى حاجة المحتاجين وأن يكون لهم من ما في أيدينا نصيب يذكرنا به زكاة الفطر المفروضة علينا عند انقضاء هذا الشهر الكريم فنربط العزيمة أيضاً باتخاذ القرار بإخراج شيءٍ ولو يسير من دخلنا لتفقد محتاجين , وأهمهم من كان من أقاربنا وذوي أرحامنا ومن كان من جيراننا ثم الأشد حاجة فالأشد حاجة من عموم الأمة ...

إذا علمنا ذلك فأيضاً يتصل بهذا القرار والعزيمة : أمر اللباس وكما أشرنا أنه ينبغي في العيد لبس الأغلى الذي يتيسر للإنسان من دون أن يفتخر به ومن دون أن يطلب الشهرة به , وقد حُذّرنا من ذلك ولكن إظهاراً لنعمة الله تعالى واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفرحاً بفضل الله جل جلاله وتعالى في علاه , فينبغي أن يكون لنا القرار الحازم في اختيار نوعية اللباس وكيفية اللباس وهيئة اللباس في خلال العيد وما قبلها وما بعدها لأبنائنا ولبناتنا في شوارعهم وفي مساجدهم وفي منازلهم وفي مدارسهم وفي أماكن شغلهم , ولا نترك الأمر مفلوتاً لمجرد التقليد الأعمى أو التقليد الضار ولا لمجرد نزوات وشهوات النفس , ولكن كلما قدرنا على الإرتباط بالسنة وعلى مشابهة الأخيار والصالحين فذلك هو الأَولى , ثم كل ما كان أقرب إلى القِيَم وإلى الحشمة وإلى الحياء فقرارنا أنه هو الأَولى بنا والأفضل لنا . ومن خلال هذين الوجهين في اتخاذ العزيمة نهتدي من الصوم ودرسه إلى اتخاذ العزيمة في مختلف شؤون حياتنا وطريقة أخذنا وعطائنا ومواجهتنا للأمور .

سلّمنا الله وعجّل بتفريج كروب الأمة ورزقنا الإيمان واليقين وجعلنا من الهداة المهتدين .

وختاماً نذكّر أنه مهما اشتدت أمورٌ هنا وهناك في كثير من أقطار المسلمين فعواقبها الخير للمتقين وللصالحين إن شاء الله تبارك وتعالى ..

إن النــوائـبَ كالســحـائـبِ تــنـجـلي * في سرعةٍ ووجودها يضحي خبرْ

وإذا تـطــول إقـامـةٌ مــن حـادثٍ* كانت مبـشــّرةً بـطـول المنـتـَـظَرْ

فاصبر على المحن القواصدِ وانتظرْ * فــــرجاً تــــدول بــه دُوَلُ الــقَـــدَرْ

ألا إن نصر الله قريب .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. والحمد لله رب العالمين .

(( إستمع إلى الكلمة كاملة ))

تاريخ النشر الهجري

10 رَمضان 1432

تاريخ النشر الميلادي

09 أغسطس 2011

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

آخر الكلمات

22 ربيع الثاني 1445

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمسلمين،...

13 ربيع الأول 1445

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا...