شرح عقيدة أهل السنة والجماعة -8- الإيمان بسؤال منكر ونكير ونعيم القبر وعذابه

عقيدة أهل الإسلام-8- الإيمان بسؤال منكر ونكير ونعيم القبر وعذابه
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.

نص الدرس مكتوب:

(( ومن ذلك: أن نؤمن بسؤال منكر ونكير للموتى: عن التوحيد والدين والنبوة. وأن يؤمن بنعيم القبر لأهل الطاعة، وبعذابه لأهل المعصية ، وأن يؤمن بالبعث بعد الموت ، وبحشر الأجساد والأرواح إلى الله ، وبالوقوف بين يدي الله، وبالحساب ، وأن العباد يتفاوتون فيه إلى مُسامَح ومُناقَش ، وإلى من يدخل الجنة بغير حساب. 

وأن يؤمن بالميزان الذي توزن فيه الحسنات والسيئات، وبالصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم، وبحوض نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة؛ وماؤه من الجنة.

وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم الصديقين والشهداء؛ والعلماء والصالحين والمؤمنين، وأن الشفاعة العظمى مخصوصة بمحمد صلى اللّه عليه وسلم.))

 

رزقنا الله حُسْن الإتباع، الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام والإيمان و نسأله زيادة منهما ، وأن يجعلنا في خواص أهلهما ، وأن يرفعنا بسُلَّمهما إلى أعلى مراتب الإحسان، ويدخلنا في دوائر أهل العرفان ويرقينا مراقي المخصوصين من عباده الذين أفاض عليهم فائض الإمتنان ، إنه رحيم رحمن عظيم الشأن قديم الإحسان، لا إله إلا هو، آمنَّا به و بما جاء عنه على مراده ، و آمنا بعبده وحبيبه وصفيِّه ورسوله سيدنا محمد مختارهِ من البرية ، وأنه الذي ختم به النبوة والرسالة ، وجعله سيد أهل الدلالة ، وكمَّل كماله و جماله وجلاله ، فصلِّ اللهم، صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على هذا السراج المنيب المنير ، المشرق بأضواء الدلالة عليك، والمعرفة بك والهداية إليك والجمع عليك ، سيِّد من آمن، من توكل عليك وآمن بك ، خير عبيدك إمام أهل حقيقة توحيدك ، صلّى معه وعلى آله الأطهار حامل سرِّه ومعادن نوره ، وعلى صحبه الأكرمين أهل الصدق في نصرتك ونصرته ، وأهل علوّ الدرجات في محبتك ومحبته ، و على من سار في سبيلهم وسقي من سلسبيلهم وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك المرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وقد حدّثنا بعد الشهادة ، ببعض معاني شَهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وما تعلق بذلك ، حدَّثنا عن شهادة أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، ويتعلّق بهذه الشهادة ما أُخبر به هذا النبي ، وما ذكره لنا و أنبأنا به من أخبار الغيب، قال جلّ جلاله : (الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) [البقرة:1-3]، والمراد ما حدَّثنا رسوله عنه من الغيب من الملائكة ، من القبور والبرازخ ، من القيامة والحشر والنشر مما يكون من صراط وميزان ، ومن حوض ومن صحف تُلْقى وما يكون في الجنة والنار ، فهذا الغيب الذي فرض الله علينا الإيمان به وحدّثنا إياه على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وأعظمُنا يقينًا به أعظمُنا سعادةً عند الوصول إليه وعند الوصول في تلك المواقف ، فالله يرزقنا كمال الإيمان وكمال اليقين وحسن الاستعداد لدار المعاد. 

يقول ومن ذلك يعني : من الإيمان برسالة سيدنا محمد  ، وما جاء به من أمور الدنيا والآخرة والبرزخ وهي الحياة الفاصلة بين الحياة والبرزخ ، والمراد ما بين أن يموت الإنسان وتُنزْع روحه من جسده إلى النفخة الثانية في الصوُر، فهذا وقت البرزخ . فبرزخ كل واحدٍ يبدأ من حين الغرغرة، من حين خروج روحه من جسده، و يبدأ عالم البرزخ بالنسبة له ، وهي الحياة الفاصلة والمنزل الفاصل بين الدنيا والأخرة ، ويبقى في عالم البرزخ إلى أن تأتِ النفخة الثانية في الصور ، في النفخة الثانية يقومون إلى عُمر جديد وهو عُمر القيامة ، ثم ينصرفون إلى عمُر جديد وهو عمر الجنة أو النار ، وهما العمران اللذان لا نهاية لهما ، فيبقى كل من أهل الجنة و النار ،  وينادَى عليهما: «يا أهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ويا أهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ» ، فهذا عمر البرزخ، فأطول الناس عمرًا في البرزخ من بني آدم  أول من مات من بني آدم وهو هابيل ، فهابيل أطول الناس عمرا في البرزخ ، فله من حين قُتل ، أيام أبيه آدم قبل دخول أبينا آدم إلى عمر البرزخ ، وقد دخله هابيل الذي قتله قابيل ابني آدم ، ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ ) [المائدة:27]، كما قال الله تعالى ، فهو الباقي فيها من يوم توفي إلى النفخة الثانية في الصور. فهذا عمره طويل جدا. 

ثم إن لكل إنسان عمراً في عالم الأرواح ، وعمراً في عالم الدنيا ، وعمراً في عالم البرزخ وعمراً في عالم القيامة ، وعمراً في عالم الجنة أو النار ، فصارت خمسة أعمار كما حررها الإمام الحداد في كتاب "سبيل الإدِّكار". العمر الأول : هذا عمر الروح من حين خُلقت إلى أن وُضعت في الجسد فخرج من بطن أمه ، فإذا خرج من بطن أمه تحوّل إلى عالم الدنيا بعد أن تُحبس روحه في هذا الهيكل ( القفص الجسدي ) فأجسادنا أقفاصٌ حُبست فيها الأرواح الواسعة الفسيحة: 

  • فإن ركنَّا إلى الدنيا وشهواتها أُحكمت الأجساد سلطتها على الأرواح وقهرتها ، فانحطت في الدنيا وتعذبت في الآخرة. 
  • وإن تعلَّقنا بالعُلويات والقربات إلى الرحمن خفَّتْ سلطة الجسد على الأرواح ، فجالت أرواحنا في عالم النوم وفي عالم اليقظة في الملكوت الأسنى ، وصارت مجالِسةً للملإ الأعلى من الملائكة و المقربين والصالحين.

فالله ينوِّر قلوبنا ويروِّح أرواحنا بنسيم قربه ، إنه أكرم الأكرمين ولا يبتلينا بتسليط شهوات الجسد علينا حتى نفقد خصائص الروح و مزاياها ، وما نحن بأناس إلا بالأرواح لا بالأجساد : 

يا خــــادِمَ الجِسم كمْ تسعى لخِدْمَتهِ *** أتطلُبَ الرَّبحَ من ما فيه خُسْرانُ

أقبِلْ على النَّفسِ فاستكمِلْ فضائلَها *** فأنتَ بالنَّفسِ لا بالجِسمِ إنسانُ

[أبو الفتح البستي]

نعم عالم الأرواح خير من الجسم ، وأعلى ولا يخفى على كل ذي علم .

يقول: ((  ومن ذلك أن نؤمن بسؤال منكر و نكير ))، ملكان كريمان معهما الملايين من الملائكة ، وقيل اسم كل واحد منكر و نكير ؛ وذلك لأن الله يظهرهما غالبا على الموتى بصورة مُنكَرَه -مستنكرة- فسمي منكر ونكير، إلا أنه يختلف الناس في ساعة دخول منكر ونكير عليهم في ما يظهران به أو يتجلَّيان به على الموتى ، فمن كان ذا قربة من الله استحيا منه وهاباه ، ومن كان بعيدا عن الله جاحدا بالحق وعاصيا له، تقرَّب إلى الله تعالى بالتغليظ عليه وبتعذيبه، نعوذ بالله من عذاب القبور . وقد وردت أحاديث متعددة ومنها ما أخرجه الطبراني وابن عساكر ، إذا مات أحد من إخوانكم فنثرتم عليه التراب فليقم رجل منكم عند رأسه ، ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع ولكنه لا يجيب، أي ما تسمعون منه الجواب ،«ثم يقول: يا فلانُ بنَ فلانةَ» ، فإنه يستوي جالسا، ثم يقول: «يا فلانُ بنَ فلانةَ ، فإنه يقول: أرشِدْنا يرحمكَ اللهُ» ولكن لا تشعرون ، ، «ثم يقولُ: اذكُرْ ما خرَجْتَ عليه مِن الدُّنيا؛ شَهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، وأنَّكَ رضِيتَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمُحمَّدٍ نبيًّا، وبالقُرْآنِ إمامًاً»، فإنه إذا فعل ذلك أخذ منكر ونكير أحدهما بيد صاحبه ، ثم يقولوا: اخرج بنا من عند هذا،  ما نصنع به ؟  فقد لُقِّن حجته ، ولكن الله لَّقنه حجته دونهم ، قال رجل: «يا رسول الله، فإن لم يعرِفْ أُمَّه؟» قال: «انسبوه إلى حوَّاءَ، فقولوا يا فُلانُ بنَ حَوَّاءَ»، فحواء أمُّنا كلنا عليها السلام ، فلو بعثها الله بيننا في الدنيا لما احتاجت إلى استعمال حجاب من أحد ؛ لأنهم أولادها عليها السلام. 

هكذا جاء في رواية الطبراني وابن عساكر وهذا هو الأصل في مسألة التلقين ، وفي سنده بحث للأئمة واختلاف ، ولكنه مسندٌ بالأحاديث الصحيحة التي تدل على ما دل عليه الحديث من سماع الموتى واستئناسهم بالأحياء وسماعهم ما يقولون ، وبذلك أوصى ابن عمر أن يمكثوا عند قبره مدة ما يُنحر جزور ويُقسَّم لحمها ، أي بما يساوي نحو خمسة وأربعين دقيقة ، يقول حتى أستأنِسْ بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي ، الرسل الذين يدخلون القبر عند السؤال ، وهكذا جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أنه يقول : سيدنا أبو هريرة وأبو رافع يقولون : شهدنا جنازة مع النبي صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم ، فلما فُرغ من دفنها وانصرف الناس قال النبي : «إنَّه -الآن- ليَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ»، يسمع صوت نعال القوم الذين انصرفوا بعد ما دفنوه، قال: «إنَّه -الآن- يَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِكمْ»، انظر إن هؤلاء اللي يمشون، فإن هذا الميت يسمع خفق نعالهم ؛ مشيرًا إلى أن الروح  لها سمع قوي ، و بينهم وبينه مغطى بتراب ، لو أحد غطى آذانه كذا ما عاد يسمع، وهذا تراب وتحت و يسمع خفق النعال ! يقول إنَّه -الآن- لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ»، أتاه منكر ونكير ، أتاه منكر ونكير، أعْيُنَهُما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل سياطي البقر، وأصْواتَهُما مثل الرَّعْدُ القاصِفُ، فيجلسان ويسألانه : ما كان يعبد ؟ ومن كان نبيه ؟ 

  • فإن كان ممن يعبد الله قال : «كنت أعبد الله ونبيي محمد جَاءَنَا بالبَيِّنَاتِ والهُدَى، فأجَبْنَا وآمَنَّا واتَّبَعْنَا» ،  فذلك قول الله : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ )  [ابراهيم:27]، قال له: على الحق حييتَ وعليه مُت وعليه أُبعث ، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته.
  • وإن كان من أهل الشك قال: «لا أدْرِي ، سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ» ، فقالوا له :  على الشك حييتَ وعليه مُت وعليه تبعث ثم يُفتح له باب إلى النار ، ويسلَّط عليه عقارب وتنانين يعني حيات ، لو نَفَخ أحدهم في الدنيا ما انبتت شيئا تنهشه ، وتؤمرُ الأرض فتنضم حتى تختلف أعضاءه في ضغطة  القبر .

هكذا رواه الطبراني في الأوسط عن نبينا  فتكرر في الأحاديث ذِكر منكر ونكير .

قد جاءت في رواية أبي داود ورواية أبي الشيخ ورواية الحاكم ورواية البيهقي عن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم :  «يا عُمَرُ، كَيْفَ أنْتَ إذا كنت في أربعة أذرع من الأرض، أو ذراعين ورأيت مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ؟ ، قال : يا رسول الله ومن منكر ونكير؟ قال : «فَتّانَا القَبْرِ» سائلانه، يبحثان الأرض بأنيابهما ويبطشان ، ويطآن و معهما مِرزبة ، حديد قوي في طرفه غلظ ، يقول : «مِرْزبة لو اجتمع عليها أهل مِنى ـ الحُجاج ـ  لم يطيقوا رفعها، هي أيسر عليهما من عصاي هذه !»، بيد رسول الله ﷺ عصى فامتحناك إن تعاييتَ أو تلوَّيت.

  كان يذكِّر النبي أصحابه بأمور المصير والقبر والآخرة ليكون منهم على بال ، ويصوِّر لسيدنا عمر كيف يكون سؤال القبر؟ فاستعد عدة طيبة ، فكان له حال طيب عند السؤال ، ثبته الله تعالى ببركة نبيه  وطاعته له،  يقول له : «إن تعاييت أو تلويت ضرباك بهَا ضَرْبَة تصير بهَا رَمَادا !»، قلت: يا رسول الله و أنا على حالي هذه ؟ -أي أنا على هذا الإيمان والمعرفة والصلة بيني و بينك يجيئون هكذا!- قال الرسول : «نعم» قال: إن كان أنا كذا ، «أكْفِيكَهُما يا رَسُولَ اللَّهِ». 

فلما توفي سيدنا عمر الخطاب رضي الله عنه رآه بعضهم، وقد دخلا الملكان عليه، و أخذا يسألانه قال: تسألاني عن ربي الذي هداني إليه محمد و آمنت به وعشت خائفًا منه؟ أعدَلُ بالناس وأقيمُ بالأمر!؟ أنا اسألكما: من ربكما؟! عبدٌ موفق، له عند الله مكانة، ومن يقدر يقول هكذا ؟ إلا من ثبَّتهُ الله ، وإلا لو كان عنده علم الأولين والآخرين، يرى المنظر هذا يذهب كل شيء ولا يدري بشيء ، إلا من ثبته الله قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) [ابراهيم:27] جلّ جلاله وتعالى في علاه، ثبتنا على الحق فيما نقول، وثبتنا على الحق فيما نفعل، وثبتنا على الحق فيما نعتقد. فأمامنا كلنا، النبي يقول لسيدنا عمر: كيف بك؟ وكيف بي؟ و كيف بك أنت أيضا ؟؟ ما نقدر نقول ما قال سيدنا عمر ، ما أدري عندما يجيئون و نحن في أي حال؟ في أي قوة وفي أي قدرة وفي أي معرفة ؟ نسأل الله أن يثبتنا، نسأل الله أن يجعل قبورنا رياضاً من رياض الجنة ، و قبور آبائنا و أمهاتنا،

 فياربَّ ثبتنا على الحقِ والهُدى *** وياربَّ اقبضنا على خيرِ ملةِ

(( نؤمن بسؤال منكر ونكير للموتى: عن التوحيد والدين والنبوة ))، عن ربه وعن نبيه وعن دينه ، ما هو الدين؟ وجاء في روايات السؤال: عن اخوانه من ؟ وعن قبلته أين ؟  وعن إمامه ما هو ؟ فيقول بعض أهل العلم: إذا سألوه عن إخوانه إنما يقول: المسلمون إخواني؛ من عاش يرعى حقوق المسلمين ويحترمهم ولا يظلمهم ولا يؤذيهم و لا يسبهم، هذا يقدر أن يقول المسلمين إخواني ، مثبَّت . وفي واحد؛ هذا  المسلم يسبه، وهذا المسلم يبغضه وهذا المسلم يتكلم عليه وهذا المسلم يؤذيه وهذا المسلم يظلمه وهذا المسلم..، ثم يقول المسلمين إخواني !! كيف تقول المسلمين إخواني؟ قال : كذبت ، إخوانك!! هذا تسبه وهذا تكذب عليه وهذا تظلمه وهذا تأخذ حقه، وتقول إخواني؟! يا الله إخوانك !!  إن كان صدق إخوانك ، عشت والمسلمين إخوانك! !فإن المسلمين إخوانك.

 وهذا واحد عاش هاجر للقرآن ، ما يقدر يقول القرآن إمامي ! أنت عشتَ كل حياتك إمامك الهوى ، الهوى هو إمام، تتبع هواك ، والآن تقول القرآن إمامي ! كيف القرآن إمامي؟ و إمامك في ماذا؟ ! لا أحسنت تلاوته ولا اتبعت أوامره ولا اجتنبت نواهيه، وأين الإمام؟ كيف الإمام؟! القرآن إمامي إذا كنت معظِّما للقرآن؛ يردعك ويزجرك القرآن، انظر سيدنا زين العابدين يدعو في الدعاء : «واجعله لنا في ظُلَمِ اللَّيالي مُؤنِساً ، ولِأَقدامِنا عَن نَقلِها إلَى المَعاصي حابِسا» ، فالقرآن يحبسنا ما يخلِّينا اخطو برجلي في معصية ، «ولِأَلسِنَتِنا -أيش يصلِّح بلسانك القرآن- عَنِ الخَوضِ فِي الباطِلِ من غير ما آفة -من غير خرس- مُخرسا» ، يُسكتنا ما يخلينا أنطق بكلمة من الباطل ، «ولِأَلسِنَتِنا عَنِ الخَوضِ فِي الباطِلِ من غير ما آفة مُخرسا»؛ مُخرِس لي، و ليس ببلية تصيبنا ،  فساد في اللسان ما عاد أتكلم ! لا ، أنا أتكلم لكن من هيبة الحق وهيبة القرآن أكف عن الكلام في الباطل، أخرس، ما أتكلم بالباطل ، ولجوارحنا كلها؛عين وأذن و لسان وبطن وفرج ويدين ورجلين، «ولِجَوارِحِنا عَنِ اجتراح السيئات زاجِراً» ، يزجرنا، فلا أجترح السيئات ولا أقربها، «ولِجَوارِحِنا عَنِ اجتراح السيئات زاجِراً» ، ثم بعد ذلك  أفهم وأتأمل معانيه: «ولِما انطَوَتِ الغَفلَةُ عَنّا مِن تَصَفُّحِ الاِعتِبارِ ناشِراً» ، ينشر لنا ما طوته الغفلة من تصفح الاعتبار، فصفحات اعتبارنا وادكارنا به مفتوحة ، و هكذا حتى يكون لنا في الدنيا ، هذا القرآن «عن المحارم ذائدا» ، يبعدنا «عن المحارم »، ثم «إلى النَّجَاةِ في غربة القيامة قَائِداً»  إمام يقدمك إلى الجنة، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره ساقة إلى النار والعياذ بالله ، «ولنا عندك بتحليل حلالك وتحريم حرامك شاهدا» ، فما الذي يحصل ؟ يُدخلنا  الى الجنة ، «وبنا على خلود الأبد في جنات عدن وافدا»، يوصلنا إلى هناك، نُحمَل بالقرآن حمل الكرامة إلى دار الخلد ، «وبِنا على خلود الأبد في جناتِ عدنٍ وافدا».

(( وأن يؤمن بنعيم القبر لأهل الطاعة، وبعذابه لأهل المعصية ))، وقد وردت في ذلك الآيات والأحاديث الكثيرة ، أن للقبر عذابًا ونعيمًا ، عذاب القبر كما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام وأمرنا بالاستعاذة منه ، وكرر الاستعاذة منه وعلمنا الاستعاذة منه في الصلاة ، وأخبرنا: 

  • أن القبر أول منزلة من منازل الآخرة ، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر، وإن لم ينج فما بعده أشد ، الله يجعل قبورنا رياضًا من رياض الجنة 
  • والقبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار  

جاءنا في روايات كثيرة عنه  ذِكْره، والإشارة في القرآن الكريم إلى عذاب القبر ، فيما ذكر الله عن قوم فرعون ، قال سبحانه وتعالى : ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) -ماهذا العذاب؟- (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) [غافر:45-46]، متى هذ العرض؟ في القيامة لا يوجد عرض ! في القيامة دخول ( إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) [النور:25]، ( وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ ) [الواقعة:92-93]، ضيافة لكن من حميم ! ما هذه الضيافة؟! الحميم ، قيح وصديد يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء ، (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [الواقعة:94]، تشْويه بالجحيم؛ ( إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة:95]، ادخل الى داخل ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) [الواقعة:96]، أما العرض هذا هو الأيام هذه ، يُعرضون على النار غدوا وعشيا، فتعرض لهم النار في قبورهم ، هذه الفتحة التي ذكرها النبي   وسط القبر ، فالمنعَّمون يشاهدون الجنة ، وأعلى منهم درجة من تطير أرواحهم فتدخل الجنة ومنهم الشهداء ، حتى تتمثل في أقفاص «طيرٍ خُضرٍ تسرحُ» وتأكلُ من ثمار الجنَّةِ ، وكذلك كانت أرواحنا قبل خروجها إلى الأجساد، تطوف في الجنة، لمن كان من أهل الجنة، قال : 

وَأَيــــنَ كُنتَ وَلا جِســـــمٍ تُساكِنُـــــــــــــــهُ *** أَلَستَ في حَضراتِ القُدسِ فَاِدَّكِرِ-يعني الروح-

تَأوي مَعَ المَلَأِ الأَعلى وَتَكرَعُ مِن *** حِياضِ أَنسَ كَما تَجني مِنَ الثَمَرِ

حَتّى جُعِلَت بِأَمرِ اللَهِ في قَفَــــصِ *** لَيَبتَليكَ فَكُن مِن  خَيرِ مُختَبَرِ

 [الحبيب عبدالله بن علوي الحداد]

يقول:(( أن يؤمن بنعيم القبر لأهل الطاعة -اللهم اجعلنا منهم- وبعذابه لأهل المعصية ))، قال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )  [غافر:46]، وجاءنا في رواية الإمام أحمد والإمام مسلم:  تعوذوا بالله ، فإذا انتهى أحدكم من التشهد في الصلاة فتعوذوا بالله من أربعة : «مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ»، «وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ» ، من عذاب النار ومن عذاب القبر، «مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ» ،ومن فتنة المحيا والممات أربع أشياء أمرنا أن نتعوذ منها  « اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ » وهكذا.

وذكر أيضا عليه الصلاة والسلام أن الناس يُبتلَون في قبورهم، وقال: «تعوَّذوا باللهِ من عذابِ القبر»، وقال أيضا : «اسْتَنْزِهوا من البول؛ فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه» ، عدم الاستنزاه من البول ، في رواية : تعوذوا من البول، يعني اتقوا آثاره بأن تتنزهوا منه فإن عامة عذاب القبر منه، فكثيرًا ما يكون عذاب القبور بسبب التساهل بالبول، يعني أن يتأنَّى حتى يتأكد من انقطاع قطرات البول فلا يبقى شيء أبدا ، وإلا خرجت القطرة فنجسته، وإن كان قد توضأ، نقضت وضوءه، فيصلي متنجسًا بلا وضوء، فعليه أن يستنزه من هذا البول باحتياط وانتباه من دون وسوسة ولا مبالغة، ولكن يحتاط ويحْذر وينتبه، وفي الحديث أيضا أنه وضع جريدتين على قبرين مرَّ عليهما، فقال : متى ُقبر هؤلاء ؟ قالوا : في الصباح في يوم كذا ، قال : «إنَّهما ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ» ، بلى إنه كبير ، «أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول»  وأما الثاني «فكان يمشي بالنميمة» ، ثم دعا بجريدتين خضراوين وضعهما على القبرين وقال: «لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عنْهما»، أي بسبب ذكر الله للجريدتين ، «ما لم ييبسا» ، فأخذوا أن الأشجار الخضراء أقوى تسبيحًا لله من اليابسة ، ويتسبب كثرة ذكرها لله وقوته في تخفيف العذاب، فإذا كان كذلك فكيف بالقرآن الكريم ؟  وكيف بذكر الرحمن من قِبل المؤمن ؟ وليست جريدة !! ومن هنا يأتون من بعض الأشجار ويضعونها على القبور ، أوراقها التي يبطئ يُبُْسها، لاإله إلا الله.   

(( أن يؤمن بنعيم القبر لأهل الطاعة، وبعذابه لأهل المعصية ))، نعيم القبر وعذابه حق ، نعيم القبر وعذابه يشترك فيه الروح والجسد، الأحاديث دلت على أنه في لحظة من لحظات السؤال يرجع الروح الى الجسد، ويقعد في جسده ويُسأل، ثم تنفصل الروح عن الجسد ، فإن كان الجسد مُكرَّمًا مُنعت الأرض والحيتان والديدان من أن تقربه وأن تمسه، وبقي محله والروح في عِلِّيِّين، وتسرح في الجنة وإلى الأماكن التي يؤذن لها أن تذهب فيها، ويبقى لها علاقة بهذا الجسد و بهذا القبر:

  • فإذا ورد الوارد إلى ذلك القبر أحسَّت به الروح، ثم أن ذلك النعيم يشترك فيه هذا الجسد مع تلك الروح ، وتسري سراية منه الى الجسد، كذلك الأجساد التي تأكلها الأرض، تبقى مشتركة، ذرات هذه الأجساد في ما يجري على الروح من نعيم . 
  • وكذلك إن كان صاحبها يُعذَّب فإن الروح تُعذب ، وتسري سراية منها أيضا إلى الجسد، لما جعل الله من الصلة حتى يتفتت الجسد تماما ، ويعود الى التراب فتبقى ذراته متأثرة بما يجري على الروح ، ويبقى عَجب الذَنَب منه متأثرا بما يجري على الروح، إلى أن تأتِ النفخة الأولى فيُصعقون، وُيركَّب الجسد مرة أخرى، ثم تأتي النفخة الثانية فيعود الروح إلى الجسد وذلك وقت قيامنا ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) [المطففين:6]، لا إله إلا الله ، 

 فياربَّ ثبتنا على الحقِ والهُدى *** وياربَّ اقبضنا على خيرِ ملةِ

فعندنا عذاب ونعيم في القبور، ثَبتَ بالأحاديث الصحيحة والكثيرة حتى تواترت في هذا المعنى، وأشارت الآية الكريمة إلى ذلك ، فنعوَّذ بالله من عذاب القبر، وحتى كان سيدنا عبد الله بن عباس يجعل التعوذ بالله من عذاب القبر من واجبات الصلاة ، فيقول : واجب في التشهد أن تتعوذ بالله من عذاب القبر ، قال بعضهم : لما صلى، أتعوذتَ بالله من عذاب القبر؟ قال : لا ، قال : ارجع أعد الصلاة ، صلِّ ثاني مرة ، فعنده واجب من الواجبات أن نتعوذ بالله في التشهد من عذاب القبر . الله يجيرنا من عذاب القبر ويجعل قبورنا رياض من رياض الجنة . 

وهذا الاتساع الذي ذكره النبي يتسع بالنسبة إلى روح ذلك الميت والمحل كما هو، فجاء هؤلاء بعض أهل الاعتزال وبعض الناس الذين يحكمون الظاهر والعقول ، يقول: نحن نرى الجسد هذا هو ! والقبر هذا هو محلّهُ ! أين العذاب ؟! أين النعيم ؟! قل: تمام ، هذه رؤيتك بعينيك الظاهرة ، وهي تبطل لو كان جنبك واحد نائم وأنت عنده ويرى رؤيا أنه يأكل ويشرب، ثم يستيقظ فرحان، قال له: ما لك ؟ قال : أنا أكلت ، قال : كذاب ! أنا عندك، ما شفتك تأكل ولا تشرب!! قل : يا أخي هذه رُوحهُ رأت الأكل والشرب وأكلت وشربت ، مالك أنت؟ هل لابد أن تراه؟ وإذا روحهُ يجري عليها أشياء وهي عندك في الدنيا وما تشوفها !! بعد ما ينتقل إلى القبر تبغاها تحت عينك وهي روحه؟ !! رُوحهُ ما قدرتَ عليها وهو في الدنيا، في الآخرة تبغاها تدخل تحت عينك؟ !! كبّرْتَ عينك؟ !! كبِّر الله لا تُكبِّر عينك ، قل: الله أكبر، ما هو عينك أكبر!! الله أكبر وما أخبر به وهو الحق ، عينك ما شافته وهو يبكي في النوم ، مسكين قام يصيح ، قال : مالك ؟ قال : فيَّ ضرب ، قال : كذاب أنا قاعد عندك ولا واحد دخل ولا أحد ضربك ، وهو رأى الرؤيا واستيقظ من النوم وقام ، وأنت ما تحكَّمتَ على روحه وهو في الدنيا !! بغيت تتحكم عليها بنظرك وهو في الآخرة !! فيجري عليه العذاب بدون ما تشوف ، ونحن ما نحن عبيد العيون ، نحن عبيد الذي يقول للشيء ( كُن فَيَكُونُ )  [يس:82]، سبحانه وتعالى، وهكذا .

فعذاب القبر ونعيمه مُثْبت، وأُمرنا بالاستعاذة منه حتى في الصلاة، من عذاب القبر، الله يرزقنا نعيمه. وهكذا ومنهم من يبقَ في القبر مثل: 

  • نومة العروس مطمئن ، ويشاهد منازلهُ في الجنة  
  • ومنهم من يتسع مجاله أكثر إلى درجات علا ، 
  • ومنهم ما صح في الحديث جماعة من الذين هم أوائل أهل البرازخ من أهل اليمين، ومن المؤمنين، يتلقون الأموات وأرواح الأموات تمر عليهم

ولكن من لم يكن من أهل الدرجات في الجنة  ما يقدر يمر عليهم، لأنه ما يمر عليهم في درجتهم لأنهم أدنى درجة، أقل درجة، يمر عليهم من هم منهم أو يكون فوقهم ، فقال ﷺ:  يموت الميت فيمر بأهل البرزخ، هؤلاء على هذا الصنف منهم، فيقولون: ما فعل فلان؟ ما فعل؟ يسألونه ، يسألون عن أهل الدنيا، حتى يقول بعضهم لبعض إنه خرج من دار العناء والتعب، اتركوه حتى يرتاح ، اتركوه قليلا يرتاح ويفضى من دار الدنيا ونكدها وتعبها، فيقولون : ما فعل فلان ؟ فيقول : فلان بنى كذا وفلان تزوج وفلان ولد له ولد فيخبرهم ،ثم يذكرون له واحد فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: فلان هذا قد مات قبلي ! يقولون: مات قبلك؟! يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى الهاوية ، يعني ما جاءوا به إلى عندنا، ما دخل الجنة نحن في أول الدرجات ما أحد عندنا وما طلع فوقنا، أي  راحوا به محل ثاني ، يقولون: إنا لله و إنا إليه راجعون، ذُِهب به إلى الهاوية، يعني روحه ، فتبقى روحه ما بين عليين أو ما بين سجين، والجسد محلَّه في القبر ما بين محفوظ لا تمسه التراب وما بين ما يأكله التراب ثم ترجع الأجساد كلها في القيامة.

خمسة أصناف لا تأكلهم التراب:

  1. الأنبياء
  2. العلماء العاملون بعلمهم
  3. حافظ القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه
  4. الشهداء في سبيل الله
  5. من أذَّن محتسبًا لله سبع سنوات، قام واحد يسأل، هل شرط أن تكون متوالية ؟ ليس شرطًا أن تكون متوالية. إذا كان مجموع آذانه محتسبا لله في مسجد يبلغ سبع سنوات، يدخل في هذا.

(( أن يؤمن بالبعث بعد الموت ))، الله أكبر، وأن يؤمن بالبعث بعد الموت، وقال: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) [المؤمنون:16]، سبحانه وتعالى، فيبعث الله من القبور بالنفخة الأولى ، قال تعالى: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ) [الزمر:68]، حشْر الأجساد والأرواح وجمْعها ، 

  • الحشر وهو الجمع  
  • والنشر هو القيام والبعث 

فالبعث وهو الخروج من القبور قيامًا نشر ، والتجميع في أماكنهم حشر، فتُبعث ـ تُنشرـ ثم تُحشر الأجساد والأرواح، فيعيد الله الأجساد وهو صانعها أول مرة وذلك عليه يسير ( كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )  [الأنبياء:104]، ما دام قد جاءت أول مرة ( أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا )  [مريم:67]، (.. مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) [يس:78-79]، فالعقل يُكذِّب ، واحد يقول : واحد صنع صنعة وبعدين فسدت !! يقول له كيف تصنعها ثاني مرة ؟! نقول : هو الذي صنعها أول مرة، سيصنعها لك مرة ثانية، لو كان عجز أول مرة سيعجز ثاني مرة ، ما دام أنه أول مرة أمامك صنعها، فكيف سيعجز ؟! ( كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )  [الأنبياء:104]، قال سبحانه وتعالى وهو ( يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )  [الروم:27].

(( وبحشر الأجساد والأرواح إلى اللّه؛ وبالوقوف بين يدي اللّه ))، كل واحد من المكلفين لابد له من وقفة بينه وبين ربه، غير حساب الملائكة، غير الميزان، وقفة بينك بين الله، عرض على الله، قم يا فلان قم يافلان، واسمي يطلع واسمك يطلع لابد، مالنا فكَّة ، ما لنا مخرج لابد منها، كل مكلّف يطلع اسمه، يقوم فلان بن فلان، يقوم فلان بن فلان؛  للعرض على الله ، يا رب ثبتنا وارحمنا في ذلك الموقف، لكن قالوا الاستعداد له من وقوفك بين يديه في الدنيا في الصلوات، كيف تقف بين يديه ؟ إن أحسنت الوقوف هنا، الوقوف هناك يحسن .

حتى قال الإمام الغزالي إنَّ حالتهم عند النداء؛ ليقُم فلان للعرض على الله، تشبه حالتهم عندما يسمعون نداء المنادي للصلاة ، الله أكبر الله أكبر، إن كان يستبشر ويفرح ويعظِّم الصلاة وينشط فهناك لما يقول القائل : ليقُم فلان ابن فلان للعرض على الله ، يكون هكذا مناسب الحال ، وإن كان إذا سمع الأذان يتكاسل ويتثاقل وما يفرح، ثم هناك قم للعرض على الله، يقع مثل هكذا، الله يحسن عرضنا عليه ويرحمنا برحمته الواسعة .

الأسـئلـة و الأجوبة: 

س1: ماهي اللغة في السؤال في القبر؟

 يقال له لا تخف اللغة في السؤال ولا في غيره ، جعل الله تعالى للأرواح لغة ، ولغة الأرواح يعرفها الكل ، تُحجب عنا مادامت في هذا القفص ، كانت روحك تتكلم قبل ما تجيء للأرض ، اللغة التي أنت فيها سواء عربية أو عجمية من أي لغة كانت ، كانت روحك تتكلم ، وهذه لغة الارواح يتكلم بها الموتى ويتكلم بها أهل البرازخ والملائكة وفي الجنة وفي النار الكل يعرفها، لا أحد لا يعرفها ، قال : ( أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) [فصلت:21]، فالروح ناطقة بهذه اللغة يعرفها كل روح، كل روح تعرف لغة الروح ، ما تهمك أي لغة، يهمك حالك مع الله بس، إذا حالك طيب مع الله ما عليك اللغات كلها سهلة،  إذا حالك ما هو سواء مع ربك ما تنفعك لغة ! ولا أي لغة ما تنفعك ، ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) [ابراهيم:27].

ثم يذكر لنا الحساب والميزان والصراط وبه ختم الكتاب، وعسى حُسن المآب وحسن المصير إلى الملك الوهاب، ويجعل كل منا ومنكم سعيد في زمرة الحبيب الحميد، اللهم ثبتنا على دربه واسقنا من شربه، واحشرنا في زمرته، واملأ قلوبنا بمحبته، وارزقنا حسن متابعته ، وانظر إلينا وإلى أمته نظرة ترحمنا بها وتقينا بها الاسواء وتكشف الغموم والبلايا والرزايا عنا وعنهم أجمعين في لطف وعافية. 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى  آله وأصحابه

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

11 شوّال 1436

تاريخ النشر الميلادي

27 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام