تفسير سورة إبراهيم، من قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، الآية: 5

تفسير سورة إبراهيم، من قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، الآية: 5
للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة إبراهيم، من قوله تعالى: 

{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ (5) وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ (6) وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ (7) وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ (9) ۞ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (10)}

ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية

نص الدرس مكتوب:


الحمدُ لله مكرمنا بالوحي والتنزيل، وبلاغ نبيِّه الجليل، خير دليل، الهادي لأقوم السبيل، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن سار على منهاجهم إلى يوم الدين وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

أما بعد ،،

فإننا في تأمُّلنا لكلام ربنا جلّ جلاله، وتدبرنا لما أوحاه على نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مررنا في سورة إبراهيم على قوله -جل جلاله وتعالى في علاه-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5))، علمنا أن لله آيات وعلَّق بعضها بأنبيائه ورسله، وهم يبعثهم به من المعجزات وما يكتنف بلاغهم من واضح الدلالات والبراهين الساطعات، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا ..(5)) ولقد اختارهم وانتخبهم وأرسلهم بإذنه إلى البرية _جلّ جلاله_، فيافوز من صدق المرسلين واتبعهم جعلنا الله وإياكم منهم.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  ..(5))، وعلمنا أن هذه مهمة الأنبياء بأمر الله؛ (االلَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة:257]، ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ..(1))، فلما كانت الأسباب الكبرى للخروج: 

  • من الظلمات التي هي الكفر والضلال بأنواعه والشر وموجبات العذاب والنار، 
  • إلى النور الذي هو الإيمان وإدراك الحقيقة والأعمال الصالحة بأنواعها، وما تؤدي إليه من النعيم ودخول الجنة،

وأخرِجهم من الظلمات إلى النور: (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  ..(5))، فعلمنا أن الحق تبارك وتعالى هو الذي يخرج من شاء من الظلمات إلى النور، وجعل كما قلنا الأسباب الكبرى لذلك أنبياءه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم؛ فنسب الإخراج إليهم،  كما قرأنا في أول السورة، الخطاب لنبينا محمد: (الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ..(1))؛ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور. 

فكل الأمم قبْلنا، من أراد الخروج من الظلمات إلى النور من غير طريق الأنبياء الذين أرسلوا إليهم، ما ازدادوا إلا ظلمة فوق الظلمة، وحلّت عليهم النقمة. وكذلك هذه الأمة، كل من يدَّعي حقيقة نورٍ يُخرج الناس إليه، من حقيقة ظلمة - فكراً أو سلوكاً أو أخلاقاً- من غير طريق محمد؛ فهو الكذاب الأفاك الذي لا يزيد نفسه ولا من اتبعه، إلا ظلمة فوق ظلمة ويعرضون أنفسهم للهلاك والنقمة.

فإن الله أرسل إلينا المصطفى وأنزل عليه الكتاب؛ ليخرجنا ﷺ من الظلمات إلى النور، الناس كلهم. (لِتُخْرِجَ النَّاسَ)، فأي واحد من الناس أراد الخروج من الظلمة إلى النور من غير اتباع محمد؛ فهو كذاب أفاك ولن يخرج، ولن يزداد إلا ظلمة فوق ظلمة وبعداً فوق بعد.

فإن الله تبارك وتعالى هو خالقنا وخالق السماوات من فوقنا، وخالق الظلمات والنور، ولم يجعل طريقاً لخروج هؤلاء الناس من الظلمات إلى النور إلا رسالة بدر البدور ﷺ.و(الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) [الرعد:2]، جعل الطريقة هذه، والنور هنا، وهو الذي قال عن نفسه سبحانه وتعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) [الأنعام:1]، سبحانه وتعالى خصص الخروج من الظلمات إلى النور بهذه الطريقة.

فإذا أردت أن تُخرج نفسك أو غيرك من الظلمات إلى النور بغير هذا، قل: حوِّل رفْع السماء إلى تحت! غيِّر لنا الأرض! هل تقدر؟! 

  • ولن تقدر أن تخرج أحدا من الظلمة إلى النور إلا بهذا الإله، الذي رفع السماء وبسط لنا الأرض، 
  • ولن تقدر أن تغيّر فيها شيء، فلن تقدر أن تغيّر في حقيقة الظلمة والنور شيء،
  • ولن تخرج نفسك ولا غيرك من ظلمة إلى نور إلا بكلام الله، إلا بما أنزل على محمد بن عبد اللهﷺ. 

هؤلاء المقطوعون المغترون بأي شيء وصلوا إليه من صناعة أو أسلحة إلى غير ذلك من كل ما يتباهون به، بلغ بهم الغرور مبلغه؛ ولن يخرجوا من حقيقة الظلمة فكراً وتصوراً وسلوكاً إلى النور، إلا إن استجابوا لداعي خالق الظلمات والنور؛ (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1]، يريدون غيره، يطلبون من غيره. 

يقول جل جلاله: (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  ..(5))، ومن أقوى وسائل وأسباب تيسير الخروج من الظلمات إلى النور؛ تذكير هذه العقول والقلوب بالحقائق والمعاني التي حصلت في الدنيا وفي الحياة من أيام الله وإنعامه وإفضاله وانتقامه وعذابه، وما فعل بالأنبياء وما فعل بالمرسلين؛ (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5))، فيجد الصابرون الشاكرون مرْقاهم وعُلاهم واتساع خيراتهم بذكر أيام الله، وبذكر من مضى قبلنا من الأنبياء والمرسلين، ومن الكفار المعارضين المعاندين لهم، وما حل بهؤلاء وهؤلاء.

فذِكر أخبار وقصص الماضين؛ من أقوى أسباب إخراج الناس من الظلمات إلى النور، إذا وجدنا أمثال الجنيد بن محمد في بغداد يقول: حكايات الصالحين جند الله يرسلها إلى القلوب؛ ونجد شاهد ذلك في قوله تعالى: (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود:120]، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف:111]. ولكن أهل الصبر والشكر هم الذين ينتفعون أكثر، والآخرون؛ لما كانت الآيات بين أيديهم فلم ينتفعوا بها، فكأنها ليست لهم. وهي آيات للناس كلهم لكن الذي ينتفع بها الصابرون الشاكرون، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)). فلما كانوا هم المنتفعون بها جعلها لهم سبحانه وتعالى والآخرون عُرضت عليهم، فلم يستفيدوا ولم يقبلوا عليها ولم يقبلوها فكأنها ليست لهم، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)).

وأرشدنا نبينا إلى طريقة نُدرك بها تحقيق هذه الغاية والرتبة العلية لكل إنسان؛ أن يكون عنده صبر وشكر، فهما ركنا الإيمان. يقول: 

  • من نظر في أمر دينه إلى من هو فوقه، وفي أمر دنياه إلى من هو دونه؛ كُتب شاكرًا ذاكرًا.
  • ومن نظر في أمر دنياه إلى من هو فوقه، وفي دينه إلى من هو دونه؛ لم يكتب صابرًا ولا شاكرًا؛ فاتته كرامة الإنسانية وشرف الإنسانية وخُصوصية الإنسانية وميزة الإنسانية التي بها يُشّرف الإنسان، ويعلو قدره ويعظم أجره ويصلح شأنه، ويشيد بالخير بنيانه. 

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5))، الله أكبر. والصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، وأهل اليقين هم الشاكرون لله. اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. سيدنا موسى لما أرسله الله، بلغ الرسالة وقام وقال: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ..(6))، فذكّرهم بنعمة الله -جل جلاله وتعالى في علاه-. 

ويجب كلنا أن نذكر نعم الله علينا، حتى الكفار والفجار، نقول: أذكروا الذي خلقكم! اذكروا الذي وهبكم الأسماع والأبصار! اذكروا الذي رفع السماء من فوقكم! اذكروا الذي مهد الأرض لكم! اذكروا الذي خلق لكم جهاز التنفس! اذكروا الذي خلق لكم جهاز الهضم! اذكروا الذي وهبكم الأكسجين رخيصًا مجانًا؛ أنتم مضطرون إليه، وتتنفسونه بقدرته وتركيبه وتصويره وتمكينه إياكم بسهولة في اليوم والليلة الالآف الأنفاس تتنفسونها، تدخل بسهولة وتخرج بسهولة، (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ..(6)).

  • (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ..(6))؛ فهذا أمر مبسوط لنا ولمن كفر ولمن فجر، ما جئنا به من مخازن، ولا من خزائن لحكومات، ولا لشعوب ولا لدول، ولا لجماعات، ولا لمؤسسات، من أين جاء؟ من أين جاء؟ .
  • (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ..(6))، ما من مخلوق إلا وهو محاط بالنعم؛ إيجاد بعد عدم، وصلاح وإحسان لخلقه، وتمكين وتسخير للأسباب من حواليه، من أين جاء هذا؟ خلقته دول! خلقته أحزاب! خلقته هيئة! من أين جاء؟ (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).

وهكذا حمل الأنبياء إلى قومهم؛ ليخرجوهم من الظلمات؛ التذكير بنعمة الله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ..(6))، فأراد في آيات أن يفسر سوء العذاب فذكر: (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ..(6))؛ وأراد هنا: أن أنواع من العذاب أساؤُوكم بها، وغير ما اشتد عليكم من تذبيحهم لأبنائكم واستبقائها لنسائكم؛ وكان سبب ذلك، ما رأى فرعون من رؤيا، وما حدّثه الكهنة. فرأى: أن نارًا أقبلت من بيت المقدس وأحرقت القبطيين وتركت بني إسرائيل، فقالوا له: في تأويلها: يخرج من بينهم من يكون هلاكك وهلاك ملكك على يده، وحدثه الكهان: أن واحدًا من بني إسرائيل، من هؤلاء الذين تحت سيطرتهم، سيخرج ويزول ملكك على يده وسيكون هلاكك على يده. هكذا؟ نُقتِّل أبناءهم؛ أراد أن يغلب قضاءًا قد قدره الله، فما اكتسب إلا آثامًا.  

أُلُوف الأنفس قتلها، ويتعذب بها كلها، والنفس التي سيكون هلاكها على يده، قيل له: من وراء عقلك ربِّها، وسط قصرك وأنْفق عليها من مالك ليكون هلاكك على يدها-جل الله جل- الملك الحق، لا فرعون ولا غيره بيدهم الأمر، الله جل جلاله. وتربى موسى وسط قصره، قتَّل كم من واحد بلا فائدة؛ الغاية التي يريدها ما حصّل شيء منها إلا ازداد إثمًا فوق إثمه، وازداد عذابًا والعياذ بالله في الدار الأخر. وهكذا كل من أراد أن يغالب قضاء الله وأمر الله، فكِّر وافعل ما تستطيع، تتعب نفسك، والقضاء سيمشي على رغم أنفك، ولا يكون إلا ما أراد، ومَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. فمن بين هذا التقتيل كله، النفس التي ستُقتل ستُهلك على يده ويذهب ملكك؛ دخِّلها وسط قصرك وربها وانفق عليها على رغم أنفك، والتقتيل هذا كل يوم ازددت به إثم ولا ينفعك شيء -لا إله إلا الله-.

(وَ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ..(6)) -يسبُون في الحياة نساءكم- (وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6))؛ إختبارمن ربكم عظيم. (وَإِذْ تَأَذَّنَ ..(7))، أعلمَ وآذنَ، مبالغةً: تأذّن؛ أوسع الإعلام وأوضحه، (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) -اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك- (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْۖ  وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)). ويروي لنا الإمام البخاري في تاريخه والضياء المقدسي في المختارة، يروي عن النبي ﷺ قال: "مَن أُلْهِمَ خَمْسَةً لَمْ يُحْرَمْ خَمْسَةً"؛

  1.  "مَن أُلْهِمَ الدُّعاءَ لَمْ يُحْرَمِ الإجابَةَ"، الله يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60]، 
  2. "مَن أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيادَةَ"، الله يقول: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ..(7))، 
  3. "ومَن أُلْهِمَ الإنفاق لم يحرم الإخلاف"، قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) [سبإ:39]، 
  4. "ومَن أُلْهِمَ الِاسْتِغْفارَ لَمْ يُحْرَمِ المَغْفِرَةَ"، فالله يقول: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [نوح:10] جل جلاله،
  5. "ومَن أُلْهِمَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ القَبُولَ"، فإن الله يقول: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) [الشورى:25]، اللهم ألهمنا ووفقنا وزدنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

 يقولُ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ..(7))، فالزيادة والنماء والتطوير الحقيقي في القيام بالشكر، كل نعمة أنعم الله بها عليك وقمت بشكرها خذ زيادة؛ من بصرٍ .. من فكرٍ .. من لسانٍ .. من يدٍ .. من رجلٍ؛ كل ما أنعم الله بها عليك فصرفتهُ فيما خُلق لأجله وفي طاعة الله فأبشر بالزيادة.  الايمان يزيد إن شكرت، الفكرُ يصفو ويزدادُ صفاءٌ إن شكرت، النعم بأصنافها إن شكرت عليها زادك الله منها ومن خيراتها وطيبِ ثمراتها؛ فنحتاج أن نتعلم شكر الله بجميع ما أنعم به علينا فإنه يزيدنا من فضله. 

(لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْۖ  وَلَئِن كَفَرْتُمْ ..(7))، أي بهذه النعم جحوداً كفراناً. (وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7))؛ أي فلا ترجِعُ فوائد الشكر ولا العمل الصالح ولا الطاعات ولا الخيرات؛ إلا لفاعلها وعاملها والله غني. ما ينفعه عبادة أحد ولا شكر أحد ولا إيمان أحد ولا تقوى أحد ما ينفعه ذلك، ولا يفيده ذلك؛ هم الذين يندفعون، كما أنه جل جلاله أجل وأكبر من أن يتضرر بكفر أحد أو بعناد أحد أو بمعصية أحد، هم الذين يتضررّون.

(لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْۖ  وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7))، "يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإِنسَكم كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يا عبادي!  لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإِنسَكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحد منكم لم يُنقِصْ ذلك من مُلكي شَيْئًا.  يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضُري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.  يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته؛ ما نقِصَ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما يُنقِصِ المَخيطُ إذا أُدخِلَ في البحرِ. يا عبادي! إنَّما هي أعمالُكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمَدْني ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلَّا نفسَه"، جل الله ربنا رب كل شيء، وما أعظم الألوهية والربوبية، ونحن ومن في السماوات عبيد لهذا الإله (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم:93-95].

وما أعزت العباد أنفسها بمثل طاعة الله ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله، جنبنا الهون وموجبات الهون في الدنيا والآخرة يا رب الدنيا والآخرة. فإن كثيراً قيل لهم ستنالون العزة بمعصية ربكم، فدعوهم إلى المعصية فعصوا ربهم؛ فما يزيدهم إلا ذلّا وهونًا والعياذ بالله تعالى.

(وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8))؛ يعني موجودٌ بذاته، واجب الوجود بجميع كمالاته وصفاته لا يحتاج إلى شيء، ولا يفتقر إلى شيء، وكل ما سواه من خلقه وإيجاده مفتقرٌ إليه وقائم به. هذا شأن الألوهية والربوبية -الله أكبر-. (إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيّ)، موجود بذاته، ما يحتاج إلى أحد، واجب الوجود، واجب الكمالات، واجب الصفات بيحتاج ماذا؟ الذي يضر من الناس، من الجن، من الكائنات كلها في قبضته وكلها خلقه وإيجاده، (إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8))؛ يستحق الحمد وقد حمد نفسه جل جلاله ، وهو المستحق للحمد على الإطلاق، (فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ).

لا تضرون إلا أنفسكم إن كفرتم، وإن عصيتم، وإن خالفتم، وإن أشركتم، وإن كفرتم، وإن جحدتم؛ فلا تضروا إلا أنفسكم، والله الغني وأنتم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15]، يا غَنِيُّ يا حميد إغننا بفضلك عمن سواك، إغننا بطاعتك عن معصيتك، يا حي يا قيوم أغننا بحلالك عن حرامك بطاعتك عن معصيتك وفضلك عمن سواك، وأعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك.

(إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8))، وقال سيد أهل المعرفة بالله:  واللهِ يا عمّي، لَو وَضعوا الشَّمسَ في يميني والقمرَ في يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الدين ما تركته، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أو تنفرِدَ سالفتي هذه أو أموت دونه" ﷺ.  وهكذا من عرف الله لم تروعه تهديدات أحد، ولا تخويفات أحد، ولا تحديات أحد، وهو مع الواحد الأحد، ولن ينقص عزمه، ولا يضعف همته؛ تخويفٌ ولا تهديدْ ولا توعيدٌ ولا إرجاف، من ذا ولا من ذاك والله الغني الحميد، وحسبك أن يشرفك أن تنتمي إلى شريعته ودينه، وأن تدخل في دائرة عنايته ورعايته وتستقيم على منهاجه، وتنصر الحي القيوم ونبيه المعصوم؛ لك الشرف ولك الفخر ولك العزة بذلك.

يا ربي أعزنا بأعلى ما تعز باتباع المصطفى محمد فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، لله بكل معنى، وبالاستحقاق الذاتي من كل الوجوه ولرسوله، بجعل الله له هذه العزة فلله أسناها، وأكبرها، وأشرفها، وأجلها فلا أعز في الكائنات والمخلوقات؛ إنساً وجناً وملائكةً وجمادات ونباتات وحيوانات وإجساماً وأرواح  وظواهر وبواطن  ودنيا وآخرة؛ لا أعز من محمدٍ فلله العزة ولرسوله، وهي للمؤمنين بالتبعية، بالتبعية لله العزيز ورسوله صلى الله عليه وصحبه وسلم، تفيض عليهم من فائضةِ ما أفاض الله من العزة على رسوله وللمؤمنين على قدر اتباعهم له، وغير هذا لا يوجد عزة.

كلام كثير دعايات تطبيل، ينتهي ولا هناك شيء؛ العزة هنا: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8]، أنت مغترّ بدول قائمة في زمانك؟! كم دول كانت قبلك؟! لو انكشف لك عذاب الواحد منهم الآن، لرثيتهم -مساكين- وقلت: هؤلاء ظلموا أنفسهم، فلا يهولنَّك شيء، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، واعتز بذلك وأصدق مع المالك صاحب الملك الحقيقي جل جلاله: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ) -هود- (وَثَمُودَ) -قوم صالح- (وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّه ..(9))؛ وهناك كثير، ما يحيط بهم غيره سبحانه وتعالى، بل ومن قبل نوح إلى عند عهد آدم، لا أحد الآن -في العالم- يُحيط بهم ويعلم بأسمائهم ولا بأخبارهم، أمم وقرون ما بين آدم إلى نوح وعادًا وثمودًا وأصحاب الرس، (وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا) [الفرقان:38]، (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍوَكَبِيرٍمُّسْتَطَرٌ) [القمر:51-53]. 

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ..(9))، ولذا لا يوجد اليوم إنسان نقول له: أنت تعلم أنك ابن آدم فنريد النسب بينك وبين آدم، هات النسب بالضبط! هات بالضبط ماذا؟!  لذا وقف النبي ﷺ عند عدنان وقال: "كَذَب النَّسَّابُونَ"، وبيقين يتصل بإسماعيل بن إبراهيم، بيقين. كان يقول ابن عباس: بين عدنان وإسماعيل ثلاثين جد، لا نعرف أسماءهم، والذين قبلهم أكثر، يقول: سيدنا عدنان كان في أيام سيدنا موسى عليه السلام. كم قبله؟ وكم بعده؟ ثم جاء سيدنا عيسى.

وهكذا فقرونٌ كثيرة راحت، نحن جئنا في آخر الزمان في آخر عمر الدنيا، "بُعِثْتُ أنا والسَّاعَةَ كَهاتَيْنِ"، الكثرة في العدد والكثرة في الأمم والقبائل والشعوب والدول، قد مضت قبلنا، بل مضت قبل بعثة نبينا، هذه الألف وأربعمائة سنة بيننا وبين نبينا؛ هي عبارة عن نهاية للدنيا وزماننا، الكثير قد مضى؛ أقوى وأكثر وأكبر. اليوم يبحثون بطريقة الاكتشافات، هل كانت في الدنيا حضارة ؟هل كانت هناك أمم عندهم طائرات ؟عندهم ماذا؟ وعندهم مصنوعات تشبه المصنوعات تتزين إليها؟ ويعملون على ذلك، اعملوا أولا تعملوا، الذي مضى كبير وكثير علمناه من كلام ربنا ولا يحيط بأحد، (لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّه ..(9)).

انتبهوا لنفسكم! أنتم في عمرهم القصير قدامكم الآخرة، لاترجعوا إلى النار، انتبهوا لنفسكم! بس، ولن تستطيعوا أن تحيطوا علماً بمن مضى، ولكن اعتبروا، تبحثون ولا تتذكرون ولا تعتبرون، والذين مضوا أمامكم؛ آيات لكم لما لا تتذكرون بها؛ لأنكم لستم بصبارين ولا شاكرين، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)). 

يقولُ: (وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ..(9))، هذا لما جاء واحد قال: أنا نسَّاب وأنا أنسب الناس، قالوا سيدنا علي: أنت لن تستطيع أن تنسب الناس، قال: فأنا أنسب الناس وأعرف أنسابهم على مدى القرون، قال له: أن الله يقول: (وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا) [الفرقان:38]، قال: أنا أعرف القرون الكثيرة، قال له: إن الله يقول: (وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ..(9))، سكت ساكت، جل جلاله. 

(لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ) -الآيات الواضحات- (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ..(9)) من الغيظ الذي أصاب نفوسهم، ما هؤلاء الرسل؟ وماهذا الكلام على الأشياء التي ماتحبها نفوسنا؟ وهي غير أغراضنا وغير مراداتنا وغير اتباعنا لآلهتنا، ردوا أيديهم في أفواههم من الغيظ. وكذلك قابلوا سيدنا نوح وضعوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ، وبعضهم يمسك بأفواه الرسول، لا يريدونه أن يتكلم. 

(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)، والبينات جاءتهم وقالوا للرسل: (إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ..(9)). فقل لأهل زماننا والذين يعجبهم الكفر والإلحاد، هل أنتم وحدكم أول من كفر؟ قد قالوا هذا الكلام قبلكم ناس، وإين ذهبوا؟ وإين ستذهبون أنتم؟ قال تعالى: (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ..(10)، هل في وجود الله شك؟ وكل ماحولكم يدلكم عليه ويبصركم بعظيم آياته وحكمته وقدرته. 

وهكذا يأتي لنا خلاصة عن ربنا في محاورات تمت بين أمم قبلنا وأنبيائهم، وإلى ماذا انتهت؟ وماذا يدور في الفكر؟ وستجده يشابه تمامًا مايدور في أذهان الناس في يومك هذا وفي زمانك هذا، طريقة التفكير وطريقة التحدي وطريقة التكذيب نفسها، (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ)، (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر:43]  جل جلاله.

فرَّج الله كرب المسلمين، رزقنا الله الإنتفاع بالذكرالحكيم والقرآن الكريم، ورفعنا به فإن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخر، ارفعنا بالقرآن، انفعنا بالقرآن، اجعلنا عندك من أهل القرآن، وارزقنا الإستقامة على أتباع سيد ولد عدنان، نخرج من الظلمات إلى النور في كل آن، ولانزال نزداد أنوار ونتخلص عن دقائق الظلمات سرًا وإجهارًا، حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا كريماً غفارا، تهبنا مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وتخلدنا في دار الكرامة في أشرف مستقر، بمجاورة المصطفى الأطهر، والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئِك رفيقًا، ذلك الفضل منك فتفضل علينا يا ذا الفضل العظيم، وكفى بك عليما، وقد وهبتنا الانكسار والافتقار والطلب، فلا تحرمنا خير ما عندك، يا من هو بنا عليم ويا من هو بنا رحيم، يا أكرم كل كريم، برحمتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

بسر الفاتحة

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

01 جمادى الآخر 1443

تاريخ النشر الميلادي

04 يناير 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام