مكانة الدعوة إلى الله وعظيم شرفها بين مختلف أصناف الناس في مسار الحياة
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 2 ربيع الأنوار 1443هـ دار المصطفى بتريم، بعنوان: مكانة الدعوة إلى الله وعظيم شرفها بين مختلف أصناف الناس في مسار الحياة
نص المحاضرة:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمد لله مُشَرِّفِ قلوبٍ اختارَها بالإيمان به، والإقبالِ عليه، والسَّمَاعِ عنه، والوِجهةِ إليه، بل وأكرمَها بمنصَّةِ الدلالةِ عليه والدعوة إليه -جلَّ جلاله-؛ فكان ساداتُهم أنبياء الله الذين اختارَهم ورسله الذين أرسلهم، وخُتِمُوا بسيِّدهم مَن به شُرِّفتم -وأتاكم شهرُ ذكرى ميلادِه صلى الله عليه وسلم-، ثم مَن تبعَهم مِن أربابِ السَّوَابِقِ من كُلِّ صادقٍ شُرِّفَ بالإيمان بالله، وبمعرفةِ الله، وبالعملِ في الحياةِ على منهجٍ ارتضاه الله، وشُرِّف مَن شُرِّف منهم بأن عاشَ زمنًا مِن وقتِه في الدنيا (داعيًا إلى الله). عبدٌ على ظهرِ الأرض يحملُ أعلى المقاصد، وأفخرَ المُرادات، وأجلَّ الشؤون.
إنَّ مَن سواهم يَدعُونَ ويُدعَون إلى أنفس، وإلى أهواء، وإلى دنيا، وإلى أموال، وإلى سلطةٍ تزول، وإلى مُلك ينقطع، وإلى حكم ينفصل وينتهي، وإلى فساد، وإلى شر، وإلى عصيان، وإلى ضر، وإلى أذى.. الناس توزَّعوا في الدعوة لهذه الأشياء.. الدعاة إلى الشر، والدعاة إلى الفساد، والدعاة إلى الأنفسِ الأمارة، والدعاة إلى السلطات، والدعاة إلى الحكم، والدعاة إلى الأموال، والدعاة إلى الألعاب، والدعاة إلى اللَّهو، والدعاة إلى المعاصي.. كثير على ظهر الأرض..
فأين تُمكِن مقارنةٌ بين هؤلاء وبين مَن انتخِب واُرتضِي من قِبَل مكوِّن الكون بأن يكون "داعيا إلى الله"؟!
"داعيا إلى الله" مَن أشرفُ منه؟ مَن أكرمُ منه؟ مَن أحسن منه حركة في الحياة وعمل؟!
هكذا شرفُ المنتمينَ إلى الأنبياء؛ فهم هم الأصفياء.
ولكن الذين يتصوَّرون عظمةَ هذا الأمرَ ويقومون بحقِّهِ قليلٌ مِن بين المؤمنين والمسلمين {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}!
ومَن عَرَفَ عظمةَ الله وإنعامَه انبعثَ مِن قلبه سِرُّ الشكرِ لهذا الإله؛ فلم يجِد خيراً مِن أين يدعوَ إليه، ويدُلَّ عليه، وينشرَ في بريَّته دينَه ومِلَّته، وهديَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وشريعةَ هذا الإله سبحانه وتعالى، ونِعمَ الشرف، ونِعمَ الكرامة لمن أكرمَهم الله سبحانه وتعالى بذلك.
والله يجعلنا وجميعَ الحاضرين والسامعين ومَن في ديارنا ممَّن يُكرَمون بهذا الفوزِ العظيم، والخيرِ الكبيرِ الفخيم.. يا الله، فلا نعيش باقي الأعمار ولا تُؤخَذ روحُ أحدٍ مِنَّا من هذه الدار إلا وهو مُتحَقِّقٌ بالدعوةِ إلى الإله الغفَّار، والكريمِ الستَّار، مُقدِّر الأقدار، مُكَوِّر النهار في الليل والليل في النهار -جلَّ جلاله- آميـــن.. آميـــن.. آميـــن..
ولمَّا قُبِضَت روحُ شيخِنا (الحبيب محمد بن علوي بن شهاب عليه رحمة الله) وهو قائم يُذَكِّر الناس ويدعوهم إلى الله.. غبطَه (الشيخ عمر حداد عليه رحمة الله) وقال: سمعنا كثيراً عن أولياء ماتوا وهم في مجالس خير، وبعضهم ماتوا في الصلاة، وبعضهم ماتوا في ذكر، ولكن في مباشرة الدعوة إلى الله قليل مَن سمعنا ماتوا!
وهذا السيِّد كانت آخر لحظاته وهو في سلكِ الدعوة وفي مباشرةِ الدلالةِ على الله -جلَّ جلاله-، والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- وفاضت روحُه في ذلك الموطن -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-
عبر الحياة مضى للنُّصحِ مُحتَضِنَاً لا تعتريه مشقَّاتٌ ولا مَلَلُ
حتى قضى النَّحبَ يدعو الناس مُحتَسِبَاً في حضرة الصِّيد مَن للخالقِ امتثلوا
أكرِم بذا من خِتَامٍ فيه مفخرةٌ وفي رجوَى وفي القَصْدُ والأَمَلُ
و "إنما يموتُ المرءُ على ما عاشَ عليه".
ولقد وَرثوا من سِرِّ ما خاطبَ الحقُّ مُوَرِّثَهم ومُشَرِّفَهُم محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}
ولكم تختلطُ الدعوةُ إلى الله -تبارك وتعالى- على كثير من المنتمين إليها من المسلمين.. يدعون إلى أنفسهم! يدعون إلى ظهورِهم! يدعون إلى أغراضِهم! يدعون إلى مصالحِ قومِهم! يدعون إلى شيءٍ مِن دنياهم بصورة الدعوة إلى الله!
والالتباس كثير، والتلبيس من إبليسَ غزير! والله يعلمُ مَن يدعو إليه، ومن في صورةِ الدعوةِ إليه يدعو إلى غرضه، ويدعو إلى نفسه، ويدعو إلى قبيلته، ويدعو إلى جماعته، ويدعو إلى مراداته النفسية - والعياذ بالله تبارك وتعالى- {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}
ولقد شُرِّفتم وقد جُعِلتم أمةَ حبيبِ الرحمن صلى الله عليه وسلم أن يُهيَّأ السبيلُ لِكُلٍّ منكم أن يقوى إيمانُه، ويقوى يقينُه، ويصدقُ مع عالمِ سرِّه وعَلنِه -جلَّ جلاله-، ويعمل بشريعته، ويُطَبِّق منهجَ حبيبه صلى الله عليه وسلم ويستَن بسنَّته، ثم يتبوأ أيضا مكانًا في الدعوة إلى الله -على حسبِ صدقِه وإخلاصه-؛ فيظفر بنصيبٍ من القربِ من النبوة والرسالة؛ وهو القربُ مِن المنبِّئ المُرسِل -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
(أقربُ الناسِ من المرسلين يومَ القيامة العلماءُ والشهداء، أما العلماء فَدَلُّوا الناسَ على ما بُعِثَ به الرُّسُل، وأمَّا الشهداء فماتوا على ما بُعِثَ به الرُّسل ). فإن كان عالم لا يدلُّ الناسَ على ما بُعِث به الرسل ولا يجري على يدِه معرفةُ ما بُعِث به الرسل والعمل به فما له فخر ولا شرف، وإن كان مسمّي (شهيد) ما قُتِل ومات على ما بُعِث به الرُّسل فما له شرف ولا له فخر (ورُبَّ قتيلٍ بين الصفَّين اللهُ أعلم بنيَّته).
ولكن شأن أهلِ الصدق مع الله -ألحقَنا الله وإيَّاكم بهم- يتجدَّدُ لهم مواهبُ الحق لهم، وارتقاؤهم في مراتبِ قُربِه، كلما جاء شهر، وكلما جاء أسبوع، وكلما جاء يوم وليلة، وكلما جاء عامٌ جديد. أما الأشهرُ المخصوصة كمثل الأشهر الحُرُم وكمثلِ شهرِ رمضان وكمثلِ شهرِ ربيع الأول؛ فشأنُهم شأن! وحالُهم عظيمُ القدرِ ورافعُ البُنيَان، وعطاؤهم مِن الحقِّ سبحانه وتعالى مِن غير حُسبَان، جودٌ واسع!
وهؤلاء هم الذين أدركوا سر الحياة، وخير مَن ظَفِر بخيرِ الدنيا وخير الآخرة.. تنوَّرت قلوبُهم بذكر المُكَوِّن للدنيا والآخرة، الخالق الدنيا والآخرة، المنشئ للدنيا والآخرة، رب الدنيا والآخرة..
"يا رسول الله أيُّ المصلين أعظم أجرا؟ قال: (أكثرُهم لله ذكرا). يا رسول الله أيُّ المتصدقين أعظم أجرا؟ قال: (أكثرُهم لله ذكرا). يا رسول الله أيُّ الصائمين أعظمُ أجرا؟ قال: (أكثرُهم لله ذكرا). يا رسولَ الله أيُّ المجاهدين أعظم أجرا؟ قال: (أكثرهم لله ذكرا)". الذين قلوبُهم حاضرة مع الرَّبِّ؛ تَنفِي عنهم تلبيسات وتخييلات وإيهامات النفس والهوى وشياطين الإنس والجن، كلما أرادوا صرفَهم وانحرافَهم عن صدقِهم مع الله جاء نورُ ذكرِ الله فأبعدَ عنهم كلَّ تلك المحاولات والتلبيسات؛ بصدقِهم مع الرحمن -جلَّ جلاله-، وامتلاءِ قلوبِهم بذكرِ عظمته، وذكر إحاطته، وذكرِ قدرته، وذكرِ مرجعيَّة الأمر إليه، وذكرِ صفاتِه وأسمائه، وأنه الذي يغفرُ ولا يبالي، ويُعَذِّب ولا يبالي {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
(يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أتقَى قلبِ رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحد منكم ما نقص ذلك مِن ملكي شيئا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كلَّ واحد منكم مسألتَه ما نقصَ ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيَطُ إذا أُدخِل البحر)
بحر زاخر كبير موَّاج جابوا له مخيط صغير الذي نخيط به الثياب دخّلوه فيه، كم نقص من البحر؟ يعني ما نقص شيء.. والمسكين البحر مقدار المخيط لمَس ماءه نقص عليه؟ ماذا ينقص عليه؟ لا ينقص عليه شيء!
ومطامع الأوَّلين والآخرين كذلك..
والحق يُبيِّن لنا في هذا: يا متحرِّكين مِن أجلِ منافع، يا متحرِّكين لغرضِ الإضرارِ بالغير.. هذه الحركات بينكم موبوءة، وقائمة على غيرِ أساس ونظرٍ عميق، ولا هي مِن سواء الطريق، ورفيقُها بئسَ الرفيق، وفريقُها شرُّ فريق! أهل المصالح والمطامع الفانية الحقيرة يريد ينتفع بذا ويريد أن يضر ذاك.. لأنه تكلم عليه! وذاك لأنه ما وافقَه في سياسته! وذاك لأنه ما وصَّل له غرضَه الفلاني أو وقع عَقبةً.. فيريد يضر ذا ويؤذي ذا! وهذا بينكم البَين تتخذونه سببا لانطلاقكم في الحياة؟؟ قصوراً منكم؛ قصوراً لمعرفة من خلقكم ولماذا خُلقتم، وما مهمتكم في الحياة حتى تتحولوا إلى هذه الصورةِ المَشِينة التي بها يتقاتل الناس! وبها يتآذى الناس! وبها يضر الناسُ بعضُهم بعضا! وبها من أجل بعض المصالح يركبُ بعضُهم على رقاب بعض! ويستذل بعضُهم بعض ويمشّيهم فيما أرادوا -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
قال الحق يا عبادي هل لكم في معرفةِ الله؟ ما يقدر أحد ينفعه ولا أحد يقدر يضره.. ما يمكن لمخلوق أن ينفعه ولا يضره وهو الذي ينفع ويضر وبيده الأمرُ كله {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}
بعد ذلك.. في ماذا تطمعون حتى تُشتَرون؟ تُباعَون لحزب، لهيئة، لقبيلة، لحكومة، لشيء مِن مصالحِ الدنيا تُبتاعون! مِن أجل ماذا؟ تطمعون في ماذا؟ هذه المطامع التي طمعتم فيها حقيرة! وأنا في خزائني ما لو جُمّع طمعُ الأولين والآخرِين والإنس والجن وأعطيتُهم إياه ما نقص ذلك مما عندي شيء؛ أفلا تطمعون فيّ؟! سأعطيكم أكثر، سأعطيكم أكبر، سأعطيكم أعظم، سأعطيكم أجلّ، سأهبُكم أجمل، سأتحُفكم بما هو أفضل! لِمَ تُستعبَدون لغيري؟! وتذلّون لأنفسكم على حقيرٍ قصير منقطع زائل؟! أنا الذي بيده المُلك! أقبِلوا علي!
وقد (خبأت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)
فهل نتشرَّف؟ وقد أقبل علينا الربيع الأشرف؟ بالتعرُّض لهذه المِنَن والمِنَح والتُّحَف، مِن حضرة خير مَن لطَف، وخيرِ مَن جادَ وأتحف؛ ربُّ العالمين، بيدهِ الأمرُ كلُّه.
ولقد دُعينا إلى تلقِّي هذه التُّحَف على يدِ الحبيبِ الأشرف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والذين ورثُوه بقيَت لهم الآثارُ حققوا في هذه الحياة..
مثال ذا الذي ذُكِر لكم الآن (الشيخ يوسف المكاسري عليه رحمة الله) أرادت قوى من قوى الأرض الشغَّالة على ما تتخيله من النَّفعِ والضر مِن أجلِ مصالحِها الحقيرة.. وآذَوه في بلده، ورأوا تأثُّر الناس به.. ولكنه ما يأثر على الناس لأجل مصلحة؛ يؤثر على الناس ليقرُبَ البعيدُ إلى الله، ليتحوَّل الشقيُّ إلى سعيد، ليُحسَن التعاملَ مع الرحمن، للدخولِ في دوائر أهل الجنة.. هكذا كان تأثيره لأجل هذا، وآذوه فأرادوا أن يكتفوا في نظرِهم شغله وما يعدّونه مشكلته وشرّه.. انفوه، ونفَوه إلى جنوب أفريقيا، وهو إن كان محبوس وسط الباخرة عبوديته لله قائمة قوية وسِرِّ هِمَّتِهِ في الدعوة ثابتة راسخة..!
وذا يفكر في الدعوة إلى الله وقت ما يقع مسرور مبسوط أمره ميسَّرة.. في أي ظرف "...." لا أقدر!
بوسط السجن وغير السجن.. سيدنا يوسف وسط السجن {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ما يأخذه الفكر ذا الحين ليش دخلونا وسط السجن تعبونا وإلى متى بيخرّجونا؟ وعلى ظلم..! ما شغله هذا، شغله: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} داعي إلى الله وسط سجنه!
وهكذا الدعاة إلى الله..
وأنت تبغى كلَّ شيء مرتب رَيِّض بعدين يفكر في الدعوة إلى الله! ويقول أنا داعي إلى الله! أما وقت الشدة، فيعتذر ويقول ما عندي فرصة ما عندي، أنا عندي شغل
والدعوة إلى الله هكذا؟!
والشيخ يوسف لقي "قطب الدعوة والإرشاد" في أيام معدودات، في طريق الإمام الحداد إلى الحج، وهو دون الأربعين تلك الأيام الإمام الحداد.. في التاسعة والثلاثين من عمره متوجّه إلى الحج، لقيه الشيخ يوسف في "تعز"، جالسَ "الإمام الحداد" وأخذ راتبَ الإمام الحداد، واتصل قلبه بسرِّ الصدق مع عالمِ الخافي والباد، والذكر لله -جَلَّ جلاله- و: (ذهب الذاكرون بخير الدنيا والآخرة).
لمَّا أجاب النبي هذه الإجابات (أكثرُهم لله ذكرا) قال سيدنا أبوبكر لسيدنا عمر: "ذهب الذاكرون لله بخيري الدنيا والآخرة!" سمعَه الحبيب قال: (أجل نعم ذهب الذاكرون لله بخير الدنيا) كله معهم.. خير الدنيا معهم وخير الآخرة معهم..
وماذا مع الفساق؟ وماذا مع المجرمين هؤلاء؟ بلاء الدنيا وبلاء الآخرة، يفسقون ويعصون والهموم عندهم والمصائب لديهم والمشاكل والموت على سوء الخاتمة والعذاب الدائم -والعياذ بالله- ما عندهم؟
خير الدنيا والآخر مع هؤلاء عليهم رضوان الله تبارك وتعالى..
اِتصَل بهذا الإمام فما رجع إلى بلده إلا وهو ممتلئ القلب بحب الله، تعظيم أمر الله، ومولَّع بالذكر الله، ووسط الحبس فكَّر في نشر الهداية والدعوة إلى الله تعالى وجاءوا به إلى تلك البلاد ونفوه خرَّجوه.. ممنوع إظهار العبادات للدين! طيب وكيف الأغاني مسموح؟ قالوا نعم مسموح..
معنا غناء بانغنِّي.. صلَّح نغمة بالفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة لا إله إلا الله وحده لا شريك .. نغمة أول ذكر الراتب وثاني ذكر.. قال معنا غناء.. جمَّع الناس وحضروا.. غناء عجيب وصوت زين وكلام طيّب.. جاءوا وأسلم الواحد بعد الثاني..
أرادوا أن يقطعوه عن الدعوة إلى الإسلام ففتحوا به فتحا جديدا في بقعة ما فيها مسلم، صار العدد الكثير فيها مسلمين! هذا تدبير الدولة ذات القوى..
ونقول لهم يا مَن حبستم الشيخَ يوسف وأرسلتوه إلى ذاك المنفى: أنتم كنتم باسطين أيديكم على كثير من الدول الآن تراجَعتم، المساحة حق أرضكم الآن محدودة جدا، كانت يدكم مبسوطة على إندونيسيا وكانت يدكم مبسوطة على جنوب أفريقيا.. والآن أنتم محصورون في محلّكم ذاكم البعيد، ولكن الشيخ يوسف هذا امتدَّ أثرُ دعوته وحكمته ومُراداته التي كان يحملُها في قلبه، وأدخل الله على يده المئات والألوف إلى دين الله، وإلى اليوم عاد النغمة حقه التي ابتكرها للراتب في كل ليلة جمعة كذا كذا مسجد في جنوب أفريقيا يترنَّمون بها..
فماذا ربح وماذا ربحتم أنتم؟!
لو عقلتم كان فيكم الأفراد من هؤلاء الهولنديين لمَّا كانوا محتلين لإندونيسيا يكون بعضُ ضباطهم وكبارهم يرون مثلَ وجه (الحبيب محمد بن أحمد المحضار) مُقبِل يخرّجون القبَّعات حقهم وينظرون! ويحترمون هذه الصورة.. لو أدركتم أنها صورة تفرَّعت من جمال المصطفى وأسلمتُم ودعوتم لكان خيراً لكم ولبلدتكم ولدولتكم!
ولكن الله يهدي لنورِه من يشاء ويضلُّ من يشاء (إنَّ اللهَ يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب، ولا يعطي الدينَ إلا مَن يحب) -جلَّ جلاله-
فأعطِنا الدينَ يا رب، ووفِّر حظَّنا مِن هذه المِنَّة يا رب، واجعل لنا في شهرِ ربيعِ الأول هذا قُربَاً منك عظيما، وحظَّاً منك جسيما، وارتباطًا بحبيبِك المصطفى تحيا به سُنَّته فينا، وفي ديارِنا، وأهلينا، وأولادِنا، وأقوالنا وأفعالنا.. يا الله، نتحرَّر مِن التبعيَّة للفُسَّاق والفُجَّار والأشرار بأصنافها، ونكون متابعين لمَن وعدتَ على متابعتِه بمحبَّتك {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}
تشوفون نتيجة أكثر من هذا؟ هل يوجد ربح أكثر من هذا؟ دولارات ولا جنيه إسترليني!؟ أحسن من {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}؟! ماذا أحسن من {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}؟!
اعقل يا عاقل! هذا كنزُ البقاء والدوام والأبد، هذا العطاءُ الذي ما لَه حد! {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
يا رب ارزقنا محبَّتك، نسألك حبَّك وحبَّ مَن يحبُّك وحبَّ عملٍ يقرِّبنا إلى حبِّك برحمتِك يا أرحم الراحمين.
وهذا فرد.. وفرد ثاني شيء في شرق آسيا وشيء في جنوب أفريقيا وشيء في شرق أفريقيا وشي راح الفلبين وشيء وصل إلى الصين وشي راح إلى المغرب وشي راح هنا وهناك؛ من آثار دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، هم اللي ربحوا كنزَ الحياة وخيرَ الحياة، وأجورُهم تجري لهم إلى اليوم، هم في قبورهم والمصلِّي يصلِّي وثوابُ صلاتِه لهم مثله، والمتصدِّق يتصدق وثوابُ صدقتِه لهم مثله، وهم في القبور.. شوف ما ذا ربح هؤلاء؟
واللي حبسوهم من الهولنديين وغيرهم ماذا ربحوا؟ وقد ماتوا وهم في عذاب من يومِ ماتوا.. لكن هؤلاء تأمل ما ربحوا؟ والذي عدَّ نفسَه ، معه رصيد في البنك أخذه بعض عياله أو غيرهم وروَّح عليه وعليه حسابه وما استفاد منه..
لكن شوف ربح هؤلاء القوم؟ اليوم ألوف يقرأون هذا الراتب وكلُّ ثوابِ ذكرِهم إلى روحِ الشيخ يوسف لأنه الذي دلَّهم على هذا، ما هذا الربح ؟ خير الدنيا معه أو مع اللي حبسوه؟
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}
وكلما استفاد الثاني من الثاني وهدى هذا ذا، وذا ذاك يتضاعف الثواب يرجع للأول الذي هداهم ودلَّه..
وبذلك تعلم أنه لا يُذكَر اسمُ "الله" في شرق الأرض وغربها إلا وكم وصل إلى صحيفة المصطفى! هو سببها كلها صلى الله عليه وسلم.. ما أعظمَ قدرَه، ما أعظمَ مكانتَه عند الله!
و: (مَن دلَّ على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعَه مِن دون أن ينقصَ مِن أجورهم شيء).
يا مرحبا بربيعِ الأول، وجودِ الله الأجزل، ومنِّ الله الأفضل..
لا إله إلا أنت بلَّغتَنا الشهرَ فبلِّغنا قرةَ عينِ مَن فيه ذكرى ميلاده، وأَمِدَّنا بإمدادِه، وأسعِدنا بإسعاده، واجعلنا في أهلِ محبَّتك ومحبتِه وأهل ودادك ووداده
يا اللــــــــــــــه: غَنِّمنا خيراتِ الشهر وبركاته، وخيرات أيامه ولياليه وساعاته، وارزقنا اللهم الاقتداءَ بخير بريِّاتك في جميعِ أقوالِه وأفعالِه ومقاصدِه ونيَّاته، شرِّفنا بذلك، وارزقنا محبَّتَك، وانظر إلينا يا مولانا، ووفِّر حظَّنا مِن مِنَّتِك..
يا اللــــــــه لا تجعل في جمعِنا ولا مَن يسمعُنا أحدًا إلا قبلتَه مقتديًا بحبيبك، محبوبًا لك ولرسولِك.. آميـــــــــــن في عافية يا رب العالمين، وفي خيرٍ واسعٍ عظيم، يا كريم يا رحيم، يا عليُّ يا عظيم، يا منَّان يا كريم، يا رؤوف يا رحيم، يا ذا الفضل العظيم..
يا اللــــــــــــــــــــــــــــه وقفنا ببابك، ولُذنا بأعتابك، وتوجَّهنا إليك بسيِدِ أحبابك أن تجعلَنا مِن أهل حضرةِ اقترابِك، فانظر إلينا، فانظر إلينا، فانظر إلينا، يا ربنَّا فانظر إلينا، وأقبِل بوجهِك الكريم علينا يا اللـــــــــــــــــــــــــــه..
واجعل باقي أعمارِنا في الإيمان واليقين، وزيادةِ ذلك، وحسنَ طاعتك، واتباعِ نبيِّك، والدعوةِ إليك؛ حتى تتوفَّانا على خيرِ ذلك وأوفاه وأجلِّه وأجملِه وأصفاه..
يا اللـــــــــــــــــــــــــــــــــه.. يا اللــــــــــــــــــــــــه
أنت الذي فتحتَ لنا ولهم الباب، وأذنتَ لنا في الدعاءِ والطِّلَاب، وأنت الذي تفضَّلتَ علينا بالاستجابة يا خيرَ مَن استجاب، وقلت: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} اللهم فبسرِّ قولك: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} اجعل قلبَ كلِّ حاضرٍ معنا ويسمعُنا مستجيبًا حقَّ الاستجابة لك، وارزقنا بحقِّ قولك: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} كمالَ الإيمان واجعَله يزدادُ في كلِّ نفس حتى نلقاك، وبسرِّ قولك: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} ارشدنا فيمن أرشدتَ، واسلُك بنا سبيلا رشدَا، واجعلنا من خواصِّ الصالحين الراشدين يا حيُّ يا قيُّوم..
يا اللـــــــــــــه.. اجعله مِن أبركِ الأشهرِ على أمةِ هذا الحبيبِ الأطهر، افتح لهم فيه أبوابَ الفرجِ والغياث العاجل، واللطف الشامل، ودفع البلايا والعاهات والنوازل، ورفع ودفع وصرف جميع الآفات والعاهات والرذائل، ونشرِ الهدى والنور والخير والفضائل، يا من تَطِيبُ فيه المَآمِل، ونعم الرجاء والغوث والعُدَّة لكُلِّ هولٍ هائل..
أنت اللـــــــــــــــــــــــــــــــه.. أنت اللـــــــــــــــــــــــــــــــه.. أنت اللـــــــــــــــــــــــــــــــه..
قذفتَ في قلوبنا رجاءك فلا تخيِّب رجوانا فيك، وأوصِلنا إليك، ودُلَّنا عليك، واجعلنا مِن الداعين إليك على بصيرة، متَّصلِين بقدَمِ حبيبِك محمدٍ سيِّدِ أهل الحظيرة الذي أمرتَه أن يقول: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فَبِحَقِّه عليك اجعلنا جميعا وأحبابَنا مِن خواصِّ مَن اتبعَه، ونال بذلك الرُّقيَّ والرِّفعة، والعِزَّة والحفظَ والمَنَعَة مِن شرور الدارين، يا ربَّ الدارين، يا خالقَ الدارين، يا بارئ الدارين، يا مَلِكَ الدارين، يا حيُّ يا قيُّوم..
يا الله.. يا الله.. يا الله
افتح لنا جميعا أبواب القبول، واجعل الكل مِنَّا مقبول، يا بَرُّ يا وصول، بوجاهةِ هذا الرسول يا أرحم الراحمين..
قبولًا نجتمع به في صَفِّهِ يوم غَدٍ يا حيُّ يا قيُّوم..
الله الله يا الله لنـــا بالقبـــــول
02 ربيع الأول 1443