أخطار الانحدار باستجابة دعوة الكفار والفجار والإهمال لدعوة الحق ونبيِّه المختار في مظاهر العادات والحركات
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، في دار المصطفى بتريم، ليلة الجمعة 24 جمادى الأولى 1442هـ بعنوان:
أخطار الانحدار باستجابة دعوة الكفار والفجار والإهمال لدعوة الحق ونبيِّه المختار في مظاهر العادات والحركات
نص المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ على التذكير، والحمدُ لله على التَّنوير، والحمدُ لله على التنبيه، والحمدُ لله على التوجيه.. وهي حبالُ وُصْلاتٍ لارتقاءِ شريفِ المقامات، وللتنقِّي عن الذَّميمات مِن الصفات، ومن المَقُولات، ومِن المنظورات ومِن المسموعات مِن الأفعال ومِن الأحوال. والتنقِّي عنها شأنُ مَن أراد اللهُ أن يُطهِّرَهم، ومَن أراد الله أن يُطهِّرهم جلَّ جلاله هم سُكَّان جَنَّتِه، وهم الظَّافرون بمرافقةِ حبيبِه وصفوتِه وأنبيائه ورُسلِه والصِّدِّيقين والشهداءِ والصالحين، والسَّببُ المُوصِلُ لذلك كلِّه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا}
وسيبقَى على ظهرِ الأرضِ مَن يُسارعونَ في الكفرِ ومَن يسارعون في الفسوقِ والعصيان، فهم الَّذين لم تَسبِقْ لهم الإرادةُ بالتَّطهير، ولا يستجيبون لداعي البشيرِ النذير صلوات ربي وسلامه عليه، وإذا جاءَتهم دعوةُ التَّقذير ودعوةُ التوسيخ ودعوةُ التلطيخ بالآفاتِ هَبُّوا إليها وأجابُوها ولبَّوها، وتأثَّروا بها وانغَمروا في أقذارِها والعياذ بالله تعالى، يقول اللهُ لحبيبِه محمد: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} وبعد؟ يَرسمونَ في أذهانِهم مُراداتٍ حقيرةً قصيرةً لا يعرفون إلا هي.. هذا شأنُ الذين حُبِسوا..
يا أيها المؤمنون، يا أيها الأحباب: والذين نَهتمُّ ويجب أن تهتمَّ قلوبُنا بإخراجِهم مِن هذا الحَبس.. فكيف نتحوَّلُ نحن بأفرادٍ مِنَّا معشرَ أهلِ الإسلامِ والإيمان رجال ونساء إلى مُنحَبِس فيما حُبِسوا فيه! إلى مأسورٍ فيما أُسِروا به! والعياذُ بالله تبارك وتعالى! {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} والخلاصة: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}
يا مالكَ المُلك بالتّوفيق منك عُبوديّةً لك هديتَنا لهذا الإسلامِ مِنَّة ولهذا الإيمان وجعلتَنا مِن خيرِ أُمَّة، ثم أمدَدتَنا بالتوفيقِ للقيامِ بالتَّجالُسِ فيك والتذاكُرِ فيك وطلبِ العلمِ الذي بعثتَ به أحبَّ المحبوبين لكَ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، والتَّحَابُبَ فيك مع قلوبٍ أقبلَت عليكَ مِن مشارقِ الأرض ومغاربِها فضلاً منكَ وجوداً وكرماً، فأتمِم النِّعمةَ علينا وعليهم، وخلِّصِ الأمَّة ممّا دهاهُم مِن هذه البليَّات مِن الانحباسِ في الشَّهوات والملذَّات.
بل أمر سبحان الله لا يدرِ الكثير منهم ما الغاية من ورائه! يُتَابِع في تغييرِ زيّ إلى زِيِّ خبيث! يتابع في تغيير كلمات إلى كلمات ماجنة! والغرض من وراء ذلك؟ هو بنفسه ما يقدر يرسم غرضاً واضحاً إلا بَلوى..! {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}.. ولكن ما الذي سيحصل لكلِّ مَن أصرَّ على ذلك؟ {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}!
فنُنذِرُ أنفسَنا ونُنذِرُ إخوانَنا المسلمين أولاً ثم كلَّ مَن يسمَع مِن العقلاء على ظهرِ الأرض أن يُسلِّموا أنفسَهم مِن الخِزي، نُنذِرُهم مِن خزيٍ إذا أخزَى اللهُ به عبداً لا يجدُ مَن يُكرِمُه ولا يجدُ من يُنقذه! وفي الآخرة عذابٌ عظيم لا تُطيقُه الجبال فكيف بنو آدم.. لا يطيقُه أحد، اللهم أجِرنا مِن عذابِك {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}
فَيَا فوزَ أهلِ النُّفوس المطمئنَّة -اللهم ألحِقنا بهم- حيث يُنادى أحدُهم مِن قِبَلِ مولاه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}. أسكنِّا يا ربِّ جنَّتك مع المُقرَّبين.
منَّ علينا وعليكم بهذه المِنن مِن أمَّةِ خيرِ الورى جدِّ الحُسين والحَسَن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، يسَّرَ لنا السبيل، وهيّأ لنا المقامَ الجليل، وكثَّرَ لنا أسبابَ المغفرة للذنبِ الثقيل، لَهُ الحمد.. مِن صلوات، مِن قِراءات، مِن مجالسِ خير.. كُلُّها مُكفِّرات (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرَ)
وعلامة الفوز بالغفران: طُهْرٌ في الجَنَانِ ونقاءٌ عن الأدران، وشعورٌ بالقُربُ مِن الرَّحمن وطلب الزِّيادة مِن ذلك. قال اللهُ لأعلمِ خلقهِ به وبأحكامِه وبأسراره في الوجود: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} {وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا} قال فكلُّ ما أنتَ فيه وهو أقرب المُقرَّبين وأرشدُ الرَّاشدين قال: {وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا} هذا شأن مَن وُفِّق فيطلب الرُّقيَّ في ماذا؟!
غوَوْنا بالرُّقي والاستثمار والاستزادة في المظاهر الجَوفاء فاستجابت قلوبٌ كثير منا لهم! يا ليتَها تسمع النِّداءَ العلوي! يا ليتَها تسمع نداءَ زينِ الوجود! صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله.. الّذي آثر ورضِيَ أن يربط الحجرَ على بطنِه من الجوع! أيُّ بطنٍ؟ البطن التي اعتلَت فوق سِدرة المُنتهى، البطن التي جاوزت الحُجُبَ النّورانيَّة فوقَ السدرة، البطن التي وصلت إلى عرش الرحمن، البطن التي أمَّت صفوف النبيِّين والمرسلين!
صلَّى وصلَّوا خلفه فإذاً ** هو المقدَّم وهو الرأسُ لأهلِ الرئاسةِ
رضيَ وآثرَ أن يعصبَ الحجرَ على بطنِه من الجوع صلى الله عليه وسلم، فلو كان في الشِّبَعِ ومظاهر الدنيا وشهواتها الكرامة لكان هو الأكرم وهو الأحقُّ بها صلى الله عليه وسلم.
فمَن غرَّنا؟ ومَن غَشَّنا؟! خذ نصيبَكَ مِن هذه الدنيا بشريعتِه ولا تتجاوَز حدودَ ما أحلَّ لك؛ لكن لا تعتقد العَظَمَة فيها، لا تعتقدِ الشرفَ فيها؛ قَوِّم ميزانَك على المنهجِ الصحيح، فهو الميزانُ الرجيح، وإن ظننتَ أنَّ الشرفَ في غيرِ متابعةِ صاحبِ الوجهِ الصَّبيح والقولِ المَليح زينِ الوجود محمَّد صلى الله عليه وسلم فقد أجرَمْت في باطنِك، في مشهدِكَ بينك وبين ربّك جلَّ جلاله.
هو الأشرفُ وهو الأكملُ فكيف نَسقُط يا أحبابَنا! كيف نسقط يا إخوانَنا الى تبعيَّة الفُسَّاق وما أغرَونا به مِن صور أو مِن أزياء أو مِن أشكال! ثم يُوصِلُونا إلى أن تتغلَّب علينا نفوسُنا إلى الشهوات يفتحون لنا أبوابَها فنصِل إلى المُجاهرةِ بمُخالفةِ الجبّار! مخالفةِ الحبيبِ المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلم! هذه المصائب الفيروسات المعنويَّة الباطنة التي تُصيبُ الأفكار، تُصيب الموازين، تصيبُ العقول، تصيبُ القلوب! هذه الفيروسات إبليسُ وجنده يبثّونَها فيما بيننا، والله إنها أخطرُ من فيروس كورونا برقمهِ التاسع عشر والعشرين الذي يُبشِّرون الخلقَ به..
ومعهم بشارات إلا بالشر -والعياذ بالله تعالى- نحن نعرف البشارات مِن الرَّبِّ ومِن محمد صلى الله عليه وسلم بالخير {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}
هذه الفيروسات أخطرُ منها، وهذه الفيروسات الخطيرة في الحِسِّ جعل الله تعالى أكثرَها في البلدان الذين يحبُّون نشرَ الفيروسات الخبيثة هذه، تعجيل لبعض العقوبة.. ومَن لم يَتُب مِن ذلك فَيَا ما أقبحَ مآلَه! ويا ما أخسرَه في عقباه -كائن مَن كان- بأيِّ صورة على ظهرِ هذا الأرض، بأيِّ ديانة يدَّعيها، بأي عقليَّة بأي فكر، في أيِّ دولة كان، يُحبُّ نشرَ الفساد في الأرض، يحب نشرَ السوء {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} هؤلاء هم المقبلون على السوء إلا مَن سبقَت له إرادةُ التطهير مِن الله وتابَ وأسلمَ وآمنَ ورجعَ إلى ربِّه. أمّا يتوكل للعدو الأكبر لإبليس ويأتي بأعدى أعدائه نفسه الأمّارة بالسوء فينصبها خادمةً له فاتحةً له المعارضَ وفاتحة له الوكالات في الأفكار وبمختلف الوسائل، ويعيش بهذه العيشة يَضُرُّ عباد الله ثم يظن أن يصير له مصير حسن! لا مصير حَسَن ولن يهنأ في الدنيا بعَيْشٍ حَسَن، ولن يهنأ في الدنيا بعيشٍ حسن.
عِ الكلام، وخُذه وزِنه، وألقِ فكرَك ببصيرة مُنيرة، وفكِّر في أحوالِ الموجودين معك في الأرض، ونَشَرَت هذا الفساد -إن لك بصيرة- فستدرك السوءَ الذي يصيبُهم في الدنيا قبل الآخرة، ستدركُ السوء الذي يصيبُهم في الدنيا قبل الآخرة، {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} -والعياذ بالله-، وهكذا حتى قال في أموالهم وأولادهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا} يريد اللهُ أن يعذِّبَهم بها في الدنيا فلابدّ أن يتعذبوا بها..
قال سبحانه وتعالى في ذكر هذه الحقائق في حكمِه على الخلائق: {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} وهو الحاكم على الحقيقة، كلّ ذه المحاكم وما يجري في الدنيا وحُكم بحق وحُكم بباطل سُيجازى أهل مَن حكم بالباطل ومَن حكم بالظلم ومَن حكم بالعدل.. كلٌّ سينال جزاؤه، لكن الحُكم الأكبر هذا الذي يحكمُ على الكل {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وعند مجيء ذا الحكم تعرف أنه لا قيمة لأحكام هؤلاء إلا ابتلاءً ابتلوا به واختُبِروا، فمَن حكمَ بالحق والهدى فاز ومَن حكم بالظلم والسوء خسر، وأما الحكمُ فليس لأحد إلا للواحد الأحد {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}
{وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} لا أحزاب تنصرهم، لا دول تنصرهم.. الذي فوقَ الكلِّ يكلمُك، الذي بيدِه نواصي الكل يُخاطِبَك {فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} مَن الذي يتلو؟ الله ربي يتلو على على زين الوجود.. فهل تسمع خبر غيره؟ لكلام مَن؟ لنشرة مَن؟ لتحليل مَن؟! {ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ}
وقُلْ للمغرورين هؤلاء {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} يجون يقولون عيسى خلقَه الله من غير أب.. ثم صار إلهاً؟! ما هذا اللعب! الله خلقه أم هو خلق نفسه؟! الله الذي خلقه.. فكيف إذا كان من غير أب تعبدونه وتقولون أنه ابن الله! قال الله أنا خلقتُ آدم بلا أب ولا أم! فهل سيعبدون آدم ويتركون عيسى لأن عيسى بلا أب وعنده أم وآدم لا أب ولا أم! {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} يعلم مَن المفسدين وسيجزيهم..
ربَّ العباد: لا تجعَل في مجلسنا ولا في مَن يسمعنا إلا صالحاً مُصلحاً، لا تجعل فينا إرادةَ فساد ولا شيئاً مِن إرادة الفساد، واجعلنا مِن الذين قلتَ عنهم {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
لكن صار الذين يريدون الفساد الآن وسط ديارنا من رجالنا ومن نسائنا! قالوا في وضعِنا هذا بعض النساء تجيء إلى عند المُخيِّطة تقول هذا جِلباب بنتي ضيِّقيه! هذه تريد نشرَ الشياطين! هذه مُصلحة أو مفسدة؟! هل تريدين العيونَ الخائنةَ تتشوَّف حجمَ بَدَن بنتِك؟! مسكينة بنتك عندك عذراء مسلمة طاهرة.. تجيبين لها أزياء الفَسَقَة والساقطين! مَن علَّمَكِ هذا؟ مَن دعاك إلى هذا؟
وبقي بعض إيمان في قلوب بعض المُخيِّطات قالت لا أنا ما أضيِّق! أنا أريدك هذا.. تريدين ايش؟ إرادة نَبَعَت من أين؟!
من أي عقل؟ من أي قلب؟ من أي علم؟ من أي فهم؟ من أين ذي الإرادة اللي جاءت؟! ما قدرتي تفككينها في الشّارع بلا جلباب تِحَجِّمين جسدها للناظرين!
يرحم الله بضعة سيد المرسلين فاطمة.. كانوا يخرجون بالجنائز مُكَفَّنين فيها، قالت إني أرى المرأة تظهر أمام الرجال! ميتة في الكفن.. قالت يرون حجمَها.. طولَها سمنها ونحفها! تقول لها أسماء بنت عُميس: لما كنت في الحبشة رأيتهم يضعون على الجنائز أعمدة أعواد وفوقه غطاء، قالت هذا الذي أريد.. حرصت على سترِ حجمِ جسدِها عن أعين الأجانب بعد موتها! حتى وهي ميّتة.. ذي ثقافة مَن ذه؟ ولا ما تعجبك ثقافة محمد؟
يا جماعة مَن خلقَنا وإلى مَن نعود! ما هذا الذي طرأ على أفكارنا! ما هذا الذي طرأ على عقولنا! وماذا ينتج منه؟ هذه الفيروسات الخبيثة التي أصابتنا، والتي إذا تمادينا فيها رجعت الفيروسات الظاهرة فوقها
{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهل يوجد في الوجود تسيير لشؤون العباد غير هذا؟ هكذا الله يُسَيِّر عباده، وهكذا هو أخبر، أمر ما يمكن أن يُتحَدَّى ولا أن يُخالَف، لا في قوة الدول ولا في قوة الشعوب أن تغير شيئاً فيه{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} لا قدرة للقنابل تغيّر شيء فيه، ولا قدرة للطائرات بلا طيار تغير شيء فيه، ولا قدرة لأسلحة الدمار تغيّر شيء فيه، هذا مجرى الحياة كما أجراه خالق الموت والحياة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}
ومِن هذا الانحدار ومن ذاك الانحباس ومن ذاك التردِّي امتلأت مقاهي الانترنت بالمناظر الخبيثة فيها شباب المسلمين، وامتلأت أجهزتهم من جوالات وغيرها بالبرامج السيّئة القبيحة الساقطة الهابطة! مَن الذي أوقعهم في هذا؟ وكيف رضوا لأنفسهم بهذا؟ هذه الفيروسات الخطيرة التي مَن احترز منها وقاه الله فيروسات كورونا وغير كورونا وجميع شر الماكرين، إذا احترست من هذه!
هذه فيروسات العقول والأفكار والقلوب.. فيروسات الدين، تضرّ دينك، تأخذ عليك أمانتَك مع ربك جلّ جلاله، ما ينتج عن ذلك إلا تجد المتظاهرين والمتظاهرات بهذه الأزياء الخبيثة تفرح لما تلبس بنتها لباس خبيثة ماجنة فاسقة من شِرَار مَن يوجد على ظهر الأرض! مِن أبعدهم عن الله، تفرح يوم بنتها تتشبه بها! وحدة ساقطة من عين الرّبّ جلّ جلاله!
ذكَّركم بعض إخواننا هؤلاء من الغرب قال ناس بمجرد العقول فقط والفطرة والتأمل الحسِّي لواقع الحياة منعوا أولادهم من الجوالات ومن أجهزة الكمبيوتر هذه كلّها وأجهزة التكنولوجيا، حتى يتعلّموا أول مبادئ المعلومات المهمّة في الحياة فإنَّ ذلك ثَبَت عندهم ضرّهم له بلا ريب، وهم كفار من دون وازع ديني منعوا أولادهم من هذا، وأنت مسلم مؤمن بالله ومؤمن برسوله الذي قال لك: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
وقال لك: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ويقول: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} تقول ضيّقي لباس بنتي لتخرج فيه للشارع؟! عيب تضيّق اللباس التي تقعد فيه عندك في البيت! عيب! أما اللي تخرج فيه في الشوارع ما هو عيب؟ ماهو سوء؟ والله ما ينفعك لا في الدنيا ولا في الآخرة وستضررين به، وماذا يأتي بعد ذلك؟ يأتي بعد ذلك أن يتسابقن على الرَّدِيئات والمردئات حتى يتجاهرنّ بمُقدِّمات الفواحش بين المجالس وظهور العورات، وذي ركبتها ظاهرة وطلعت فوق الركبة، إما مباشرة وإما بِشَبَك تُصَلِّحُه وإما بتحجيم.. وإلى غير ذلك! وإلى فين؟
وهل تدركين أن هذا التصرُّف مرتبط بـ""لا إله إلا الله"! إضعافها وتقويتها مرتبط بـ"صلتك بالله"، مرتبط بالمبدأ أو ماشي له ارتباط؟ ما من كتاب من كتب الشريعة الغرّاء في الفقه ولا في الحديث الشريف إلا ووسطه (كتاب اللِّباس والزّينة)، الأمور مربوطة بالدين، الأمور مربوطة بالتَّوجيه النبوي، مَن قال لك إنه ماله علاقة بالدين! ذا له علاقة بدينك.. رضاءك بالتشبُّه بالساقطين سقوط، وإنذار أن تُحشَر معهم يوم القيامة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-!
داهمتنا بلايا فيروسات خبيثة وسط ديارنا ومنازلنا هي التي نخافها والله أكثر من فيروسات الأمراض التي غايتها تُفنِي الجسد، الموت ستموت بأيِّ وباء كان، وبِعلّة ومن دون عِلّة ستموت؛ لكن المشكلة ما الذي بعد الموت! ما الجزاء ما الحساب ما الحال بعد الموت؟ لو تجمَّعت أوبئة الدنيا كلها وما كتب الله موتك منها ما تقدر شيء منها يموتك، ولن تموت قبل اللحظة التي كتب أن تموت فيها قبل خلقك، قبل خلق أبيك وأمك، قبل خلق جدك وجدتك، قبل خلق آدم عليه السلام، قبل خلق الملائكة.. لحظة معينة تموت فيها لابدّ أن تموت، لكن شوف الخطر بعد الموت لمن لبَّى هذه النداءات السفلية والدّعوات الساقطة الهابطة! دخلوا لنا لم يتركوا لنا بنين ولا بنات، ما تركوا لنا أزياء ولا لباسات، ما تركوا لنا أُسَر إلا دخلُوا بشرِّهم فيه ودخلُوا بضرّهم فيه.. لكن نحن فتحنا لهم الأبواب، أين الاستجابة للنداء العلوي! أين الاستجابة لنداء الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه! يجب أن تنهض عزائمُنا.
وهكذا مع هذا الانتشار القوي لجهلِ الناس وبيننا في قُرَانَا مَن يحتاج إلى من يعلِّمهم فاتحةَ الكتاب ليصلّوا بها وتقوم عماد الدين عندهم، الناس في غفلة.. وبدلا من أن يعلم الناس الفاتحة يجيب الثياب الخبيثة لبنته! هذا شغلك في الحياة؟ هذه مهمتك؟ هذا عملك بالدين؟ هذا إدراك مهمة "لا إله الا الله محمّد رسول الله" عندك؟!
بدل ما يِعَلِّم يأَلِّم.. يؤلِّم نفسه ويؤلِّم مَن حواليه ويُفرِح صدور إبليس وجنده، يفرِّحهم بهذا الانحدار بهذا الانحطاط اللي ما يفرح به مُحمَّد، ولا فاطمة بنت مُحمَّد، ولا أبو بكر الصديق، ولا عمر بن الخطاب، ولا يفرح به مَلَك ولا ولي ولا مُقرّب.. يفرح به إبليس وجنده.
فواجب نُحرِّر أنفسَنا لا نقع في ورطات التبعيّة لهم، لا في الألبسة ولا في الأزياء، ولا في الأغاني، ولا في الأقوال ولا في الأفعال، تجدين مناسبة زواج وغيرها جابوا لهن سماعات معهن قويّة.. الجيران ما عاد لهم نوم تلك الليلة، فيهم كم من عجوز، فيهم كم من مريض.. ينهقن بأصواتهن.. تستفدن ماذا؟ هل هذا فرح! هل هذا سرور!
حرَّمَ الحقّ علينا أن نؤذي جليسنا برائحة، قال لك مَن أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقرب مساجدنا، اقعد في محلَّك لا تؤذِ الناس بالرائحة! تقوم بالأصوات المزعجة تؤذي خلق الله! تقوم بالأصوات المزعجة!
قامت بعض النساء الصالحات -عند جيرانهم زواج- لتصلي صلاتها من الليل للتهجد ما جات على الصلاة ما قدرت من شدة الأصوات وكثرتها! وجاؤوا لبعض هؤلاء المغنيات قالوا نحن تبع صاحب الدار، قال لنا صاحب الدار استعملوا السماعات استعملناها.. أنتم وصاحب الدار ما ندري تبع مَن! وشوفي لا أنتِ ولا صاحب الدار ينفعش! ويا ويل صاحب الدار هذا وصاحب البيت ذا الذي ما يرضيه إلا ما يسخط الله! وإلا ما يشق على الصالحين! وإلا ما يُفرِح الكافرين!
وما الذي يجنون من وراء ذلك؟ شوفوا البلايا التي جاءت عندكم في الزَّوجيات وفي علائق الأُسر، ما كانت تعرفها حضرموت، مجتمعات الإسلام ما كانت تعرف كثيراً من هذه الظواهر ظهرت اليوم تُشبِه الظواهر السيئة التي في أُسَر الكفار والفجار، ما هو في كلّهم.. في شرارهم.. شرارهم الموجودين هناك من هذا التفكك وهذا التمزق وسُرعة الطلاق وسرعة المُباعدة والفتن والمِحن الكثيرة حصل بين الناس، لكن هذا نتيجة.. نتيجة لما جرى، نتيجة لِمَا كان..
كان يصيح الحبيب عبد القادر شحَّب بصوته شافهم اختاروا الخروج إلى القصور في الزواجات، شافهم جابوا ثوب غالي يقول بثلاثة ألف ريال تلك الأيام.. ما هذه المصيبة ، والآن كان ثوب زفاف يجيبونه مع غلاه ومع الصورة التي ما لها معنى لا يَسعَد بها الزوج وغيره إلا مظهر من المظاهر، عاد يجيبونه كان واسع.. الحين تطوَّروا قده ثوب الزفاف يِظَهِّر جسد المرأة! الحين هي بتدخل عند زوجها ولا بتدخل عند النسوان؟ نسوان أجنبيات لا يجوز لهن يتأملن المحاسن.. عند زوجها تِخَرِّج ثيابها كلها يجوز لها.. ما هو عند عباد الله.. ما هو عند خلق الله جل جلاله! ذا الحين زَوَّجوها على إنسان واحد ولا على كم من واحد في تلك الليلة! زوج واحد (زَوَّجتُكَ) ما عاد درينا قدهم أزواج جم ظهروا الحين ما عاده زوج واحد! كلّاً يتفرج من جانب والعياذ بالله تبارك وتعالى!
قالوا بسوء الأدب جابوا لهن نعال صاحبة كعب تدخل فيها بين العجائز وبين الناس، وما في شيء إن دَقَّت ذي ولَّا تضررت بها عجوز وسطها تزفن بحقها النعال! نقلد مَن؟ نتّبع مَن؟ ما لنا هدي؟ مالنا منهج؟ ما لنا سَلَف؟ مالنا مرجعية؟! نحن احتجنا اليوم إلى يهود ولا احتجنا إلى ملحدين نقتدي بهم في عاداتنا وفي تقاليدنا! أين أصلنا؟ أين مرجعنا؟ أين هدى الله الذي جاءنا عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم!
وزَفّ السيدة فاطمة.. فهل عملت شيئا من هذا؟ ليلة زفافها دعاها ليقرأ عليها.. تَعَثَّرت من الحياء.. سقطت.. بَتَقْرُب إلى عند أبيها ما أحد يتفرج عليها لا نساء ولا رجال، أبوها وزوجها علي بن أبي طالب وما حد إلا هناك أسماء بنت عميس منتظرة خارج المكان من شأن تساعد السيدة فاطمة وتقوم بمُؤانستها، قال لها: (اقربي) قامت، فمن الحياء سقطت.. سقطت على رجليها من الحياء، أبوها قدامها صلى الله عليه وسلم وزوجها علي بن أبي طالب، وليقرأ عليها صلى الله عليه وسلم، ما قال قومي غنّي أو ازفني! بيقرأ عليها وتقرب ومع الحياء سقطت.. وتعثّرت في ثوبها وقَرُبَت من أبيها، وقرأ على صدرها وقرأ على ظهرها، وبثَّ من فمه الشريف الماء في صدرها وفي ورائها، ودعا لهم ذاك الدعاء وخرج، حصَّل أسماء على البيت: جئتِ من أجل تواسي رسولَ الله في ابنته هذه الليلة، قالت نعم يا رسول الله، دعا لها صلى الله عليه وسلم..
هل يوجد زفاف أكرم من هذا؟! قل لي بِرَبَّك خرج من ذا الزفاف كم من صِدِّيق؟ كم من مُقرَّب؟ كم من عارف؟ انتشر بهم نورُ الله في الشرق والغرب من هذا الزفاف، ما هو زفاف اللعب والمسخرة ولا من زفاف التّشبّه بالفجار والفساق، مَن بيجيء منهم؟ ومَن بيولد منهم! فيجب نرجع إلى أصلنا ونرجع إلى مرجعيَّتنا، ونرجع إلى هدى الله. ونحن في غِنى عن اليهود والملحدين في جميع عاداتِهم وفي جميع مظاهرهم، ومعنا الأسوة الحسنة، ومعنا القدوة الكريمة، ومعنا الصالحات والعارفات الماضيات والحاضرات.
الله يحوِّل أحوالَنا إلى أحسن الأحوال، الله يوقظ قلوبَ المسلمين، الله ينوِّر قلوبَ المسلمين، الله يُزَكِّي عقولَ المسلمين، الله يُجنّبهم الفِتن والمِحَن، الله يهدي عباده في المشارق والمغارب، الله يدفع عَنَّا المصائب والنوائب، الله يجعلها ساعات جمعيَّة عليه وإقبال صادق عليه، لا نختار في الظاهر والباطن إلا ما هو أحب إلى الغفَّار وحبيبه المختار في السِّرِّ وفي الإجهار، يا كريم ثبِّتنا على الصّراط المستقيم ولا تجعل فينا مَن يُفسد ولا مَن يحب الفساد.
يا حي يا قيوم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالِّين ولا مُضلّين، حرباً لأعدائك وسِلْماً لأوليائك، نُحِبُّ بِحبّك الناس ونعادي بعداوتك مَن خالفك مِن خلقك، هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجُهد وعليك التكلان.
يا رحمن املأ هذه القلوبَ نورَ إيمان ويقين يكونوا به هداةً مُهتدين، في الدّيار والمنازل والمعاملات والأقوال والأفعال والمقاصد والنيات، مستقيمين على ما أوحيت وعلى ما شرعت وعلى ما أردتَ وعلى ما أحببت، وعلى ما ندبتنا إليه على لسان نبيك المصطفى فاجعل هوانا تَبَعَاً لما جاء به، فاجعل هوانا تَبَعَاً لما جاء به.
أيها العباد.. في ختام الكلمة: إنَّ قلوباً تستجيب لأمر الله وأمر رسول وتقوم بالصدق في عاداتها وعباداتها بها يكتب الله الفرج للأمة، لكن أولئك أراد أن يُطهِّر قلوبهم، فالله يجعلنا منهم، الله يجعلنا منهم ويلحقنا بهم.
ومع كلّ ما هو حاصل في الوجود فإنَّ عينَ علّامِ الغيوب ترعَى هذه القلوبَ الصادقةَ معه، وبهم سُيفرِّج، وبهم سيكشف الكرب في الوقت الذي رتّبه سبحانه وتعالى، لكن بهم لا بسواهم.. بهم؛ بالصادقين معه، بالمقبلين عليه، بالمؤثرين له عمّا سواه على كلّ ما سواه جل جلاله، ألحَقَنا الله وإياكم بهم، وسار بنا في دربهم، وسقانا مِن شُربِهم.
يا الله اجعل هوانا تبعاً لما جاء به حبيبُك المنيبُ الأوَّاه، وأدخِلنا جميعاً يا ربنا في حِمَاه، لا تدع حاضراً ولا مستمعاً إلا قبلتَه في أهل ولاه وأهل رضاك ورضاه، وشَرّفتهم أجمعين وإيَّانا وأحبابنا بالحشر معه يوم لِقاه، يا الله اسقنا مِن حوضه المورود، وأظلَّنا بظلِّ لوائه المعقود، وأدخِلنا معه جنّاتِ الخلود، يا برُّ يا ودود يا الله.
عبادك سألوك، فقراؤك سألوك، مساكينك سألوك، المحتاجون إليك سألوك، يا الله.. مساكينك سألوك، عبيدك سألوك، فقراؤك سألوك، مُضطرّين إليك، متذللين بين يديك {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} ارزقنا التذكّر وارزقنا التبصر.
يا رب اجعل كلَّ واحد من الحاضرين والسامعين مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، تنشر به الهدى وتدفع به الردى، وتتولاه فيما خفي وما بدا، يا حيُّ يا قيُّوم، يا رحمن يا رحيم، يا منَّانُ يا كريمُ، يا الله .. يا الله .. يا الله.. حوِّل أحوال المسلمين إلى أحسن حال، وعافنا من أحوال أهل الضلال وفعل الجُهّال، يا كبير يا متعال يا الله.
الأمر بيده وهو واهب الخير وناشر الهداية ودافع الضلال، فادعوه بصدق، وتوجّهوا إليه بخشوع وخضوع وأدب، وقولوا بالعبوديّة مُستكينين إليه مُتذلّلين بين يديه، موقنين أن بيده الأمر كله: يا الله.. قولوا "يا الله" قولوا "يا الله"، أغثنا يا مغيث بالغياث الحثيث وادفع شر كل خبيث.
يا سريع الغوث غوثاً منك يدركنا سريعا ** يهزم العسر ويأتي بالذي نرجو جميعاً
يا قريباً ، يا مجيباً، يا عليماً، يا سميعاً** قد تحققنا بعجزٍ وخضوعٍ وانكسارِ
قد كفاني علم ربّي من سؤالي واختياري
حاجةً في النفس يا رب فاقضها يا خير قاضي ** وأرِح سري وقلبي من لظاها والشواظِ
في سرورٍ وحبورٍ وإذا ما كنت راضي ** فالهنا والبَسْطُ حالي وشعاري ودثاري
فاجعلنا نَبِيت وأنت عنَّا راض، وإذا ما كنت راضي فالهنا والبسط حالي وشعاري ودثاري..
يا مَن أعطيتنا ما لا نستحق من هذا الخير وانتشاره، وهذا الإظهار منك لهذا الهدى على راية حبيبك المصطفى أتمِم علينا النعمة وارضَ عنّا، وازدد عنَّا رضا، بحقّك عليك وذاتك وأسمائك وصفاتك، وأنبيائك ورسلك وملائكتك وسيِّدهم مُحمَّد: لا بات أحدٌ مِنَّا الليلة في سَخْطَةٍ لك،
يا الله رضا يا الله رضا والعفو عما قد مضى، يا ربِّ يا رب انقلهم من السَّخَط إلى الرضوان يا رحمن، ومَن كنت راضياً عنه من حاضرينا وسامعينا ومَن يوالينا فازدد عنه رِضا، واجعل الزيادة لا تنقضي سرمداً، حتى نسمع لذيذ خطابك في الجنّات: "أُحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً" آمين يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا أكرم الاكرمين وأرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
26 جمادى الأول 1442