نتعرض لمضايقات من طائفة متشددة تدعي أنها هي الناجية فقط، وأن الحق معها لا محالة وغيرها هالك، وكثُر في هذه الأيام امتحانهم للناس في عقيدتهم وخاصة في صفات الحق عز وجل ( أين الله - صفة الساق ) ، فكيف يكون التعامل مع هؤلاء الناس ؟

التشدد في حصر النجاة على ذوي رأي معين أو مذهب أو اتجاهٍِ في الدين من جملة التنطُّع والتحكم على الله تبارك وتعالى والجهل بمكانة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والدعوى بأن آرائي هي آراء الحق، ودونها الباطل، وهي آراء الهدى ودونها الضلال تقديسٌ للرأي وللفهم الشخصي في النص فوق قداسة النص، لأن النص المحتمل للمعاني محل الاجتهاد فكيف يكون فهمُ إنسانٍ في النص لا يقبل الاجتهاد ولا يقبل أن يكون له مقابل قط، ولا يقبل إلا أن يكون الحق محصورا عليه حبيسًا له ، كل ذلك سارٍ إلى النفوس من تقديسات الأفهام والآراء حتى تُنزل منزلةً فوق قداسة النص عن الله ورسوله ونعوذ بالله من هذا الغي والضلال .
ونقول إن أهل الإيمان بالله تعالى مِن كل مَن لا ينكر مجمَعا عليه في صفات الحق سبحانه وتعالى ورسله وملائكته والدار الآخرة وما أُمرنا من الإيمان به من الغيب، وكل من لا ينكر معلوما من الدين بالضرورة بمختلف طوائفهم ومذاهبهم هم العُرضة لجنة ربهم ولمغفرة ربهم ولعفو ربهم لكل من مات منهم لا يشرك بالله شيئا في واقعه وحقيقةِ اعتقاد قلبه، لا في آراء بعض الناس عنه، فقد يُنسب إلى الشرك من لا يشرك بالله شيئا فلا تضره تلك النسبة ، والأمر بما يعتقده ، أيعتقد أن مع الإله الحق الواحد الفرد الصمد الرحمن الرحيم إله آخر!؟ فإن كان لا يعتقد ذلك فليس بمشرك بالله تبارك وتعالى، ومهما نسبه غيُّه لرأي اقتضاه في شيء من أقواله أو أفعاله من الشرك والعياذ بالله تبارك وتعالى .
 فعُلم من كل ذلك أيضا أنه يجب أن نسلك مسلك الجادة في الأدب مع الله ومع رسوله من حيث احترام التابعين لله ورسوله بمختلف طوائفهم ، ثم فيما يتعلق بصفات ربنا سبحانه وتعالى نقطع ونوقن أنه المنزه في جميع صفاته عن مشابهة المخلوقين من قريب أو من بعيد، وكل من أوهم بشيء من الأوصاف أو ذكر شيء من النصوص جسميةً للحق الأعلى تعالى الله أو مشابهةً بأي نوع من أنواع المشابهة للخلق فقد افترى على الله إثما عظيما ، ولبيان هذه المسائل قد ألف أئمة الدين عليهم رضوان الله منذ القرون العديدة مؤلفات، ومن أحسن ما يبين ما أشار السائل إليه في سؤاله فما يتعلق بصفات الحق كتيب إلجام العوام عن علم الكلام لحجة الإسلام الإمام الغزالي عليه رحمة الله ورضوانه، ثم إنما يكون البيان لأجل أمرين:
الأمر الأول: العامة الذين يكونون عرضةً لسماع الكلام الموهم للتشبيه أن يشبِّهوا وأن يغتروا بما يورَد عليهم فيُبيَّن من أجل أن يثبتوا على تنزيه الحق تبارك وتعالى عن كل ما لا يليق بجلاله، أو لشخص يحب الإطلاع على الحق والاستدلال عليه والفهم له فيُبيَّن له، أما ما عدا ذلك فلا ينبغي المجادلة واللجاج مع من لا يبتغي الحق ولا فتح الأبواب للصراعات والجدالات العقيمة، وفي الحديث الشريف: ما ضل قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، فليُسلَك بالبيان في مواطن الاستقبال له من حيث يُرتجى إفادته ونفعُه للمبيَّن لهم ، وبالله التوفيق .